• تم تحويل المنتديات للتصفح فقط

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

قاعدة "ما لا يدرك كله لا يترك جله" تأصيلاً وتطبيقاً

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قاعدة "ما لا يدرك كله لا يترك جله" تأصيلاً وتطبيقاً

    البحوث الفقهية / القواعد الفقهيه
    قاعدة "ما لا يدرك كله لا يترك جله" تأصيلاً وتطبيقاً
    اسم الباحث د.عبد اللطيف بن سعود الصرامي
    المصدر مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
    التحكيم محكم

    المقدمة : إن قاعدة "ما لا يدرك كله لا يترك جله" مفادها: أنه إذا تعذَّر حصول الشيء كاملاً، وأمكن المكلف فعل بعضه، فإنه يفعل المقدور عليه، ولا يترك الكل بحجة عجزه عن بعضه، لأن إيجاد الشيء في بعض أفراده -مع الإمكان- أولى من إعدامه كلية. وتأتي أهمية هذه القاعدة من جهة اتساع مجال إعمالها، إذ يندرج تحتها مسائل كثيرة من أبواب شتى، لكونها تتعلق بالمأمورات الشرعية التي هي تمثل غالب التكاليف الشرعية، وقد روعي في امتثالها قدرة المكلف، والتدرج بحسب استطاعته، بالانتقال من الحال التي يعجز عنها إلى الحال التي يطيقها. ويعد أقدم من صرح بذكرها -فيما وقفت عليه- هو الملا علي القاري في كتابه "المرقاة شرح المشكاة". وقد جاء في معناها: القاعدة الشهيرة "الميسور لا يسقط بالمعسور" إذ يتمثل فيهما جانب التيسير والتخفيف، غير أن قاعدة "ما لا يدرك كله لا يترك جله" أوسع في مجال التفريع، إذ تشمل ما هو لازم وما ليس بلازم من ندب وإباحة، بل تتجاوزه إلى ما يجري مجرى الأخبار. كما أن لها صلة بقواعد فقهية أخرى: منها ما يتفق معها دلالة ومعنى، ومنها ما يقاربها في ذلك، أو يشاركها في بعض ما تدل عليه.

    الحمد لله ذي الطول والآلاء، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد خاتم الرسل والأنبياء، وعلى آله وأصحابه الأئمة الأتقياء، ومن تبعهم بإحسان واهتداء.
    أما بعد: فإن تحقيق الكمال مبتغى أولى المطالب، ومطمح كل سالك، وإن كمال الشيء بحصول جميع صفاته الخاصة به، وصدور آثاره المقصودة منه، وبقدر نقصانه من ذلك يفوته الكمال، ويتضاءل عن رتبة التمام، ولكن يبقى منه ما بقي له من الصفات والآثار، ولا ريب أن هذه الحال خير من زواله كلية، فإن حصول المقصود من الشيء في بعض أفراده -مع الإمكان- أولى من فَقْدِه على وجه الكمال.
    وفي معناه ما قالت الحكماء -في الصديق والصاحب- "من لك بأخيك كلِّه" و"أيُّ الرجال المُهذَّبُ؟"، وقولهم: "من كَثُر صوابُـهُ لم يُطْرَح لقليل الخطأ".
    ولم يكن هذا الأمر بمنأى عن نظر الشارع الحكيم، فإنه في باب التكليف لم يطالب المكلفين إلا بما هم مطيقون له قادرون عليه، دون أن يلحقهم فيه حرج أو مشقة فمن قَدر على ما كُلِّف به لزمه فعله، ومن عجز عن بعضه، انتقل من حال التمام التي يعجز عنها إلى التي أدنى منها ويطيقها. قال تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) [البقرة: 286]، وقال: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: 16]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) متفق عليه.
    قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -في شرح هذا الحديث-: "فأوامر الشريعة كلها معلقة بقدرة العبد واستطاعته، فإذا لم يقدر على واجب من الواجبات بالكلية، سقط عنه وجوبه.
    وإذا قدر على بعضه، وذلك البعض عبادة، وجب ما يقدر عليه منه، وسقط عنه ما يعجز عنه، ويدخل في هذا من مسائل الفقه والأحكام ما لا يُعدُّ ولا يُحصى".
    وقد حَفَلَت كتب القواعد الفقهية بمجموعة من القواعد التي تمثَّل فيها هذا الجانب، أي: جانب التخفيف والتيسير على المكلفين بما يتناسب مع أحوالهم، ومراعاة التدرج بحسب قدراتهم، ومن تلك القواعد قاعدة: "الميسور لا يسقط بالمعسور" هذه القاعدة الشهيرة التي أشاد بها العلماء، حتى قال عنها إمام الحرمين: إنها من الأصول الشائعة التي لا تكاد تنسى ما أقيمت أصول الشريعة. اهـ.
    وقريب منها معنى وحكماً ما تردد على ألسنة كثير من طلاب العلم المعاصرين من قولهم: "ما لا يُدْرَكُ كلُّه لا يُتْركُ جُلُّه"، فإنهما تتفقان فيما تدلان عليه، وذلك: "أن من كُلِّف بشيء من الطاعات فقَدَر على بعضه وعجز عن بعضه، فإنه يأتي بما قَدِر عليه، ويسقط عنه ما عجز عنه".
    وهذه المقالة مع شيوعها في هذا الزمان، وكثرة الاستشهاد بها فيما يَعْسُر فعله كله، ويمكن الإتيان ببعضه -ولاسيما في كلامهم عن طلب العلم وآدابه- فإنني لم أعثر بَعْدُ على ذِكْرٍ لها في كتب القواعد الفقهية -سواء المتقدم منها أو المتأخر- ولا في كتب الفقه وأصوله. وقد وجدتُ في ذلك ذريعةً لي بالكتابة عنها، وذلك ببيان: من ابتكرها وأول من تكلم بها، وتأصيلها، وصلتها بالقواعد الأخرى، والتفريع عليها.
    ومما شجعني وقوّى عزيمتي على ذلك، أنني لم أجد كتابة عصرية متخصصة تناولتها.
    وجعلتُ عنوان هذا البحث "قاعدة: ما لا يدرك كله لا يترك جله-تأصيلاً وتطبيقاً"
    الخاتمة من أبرز النتائج التي ظهرت من خلال هذا البحث ما يأتي:
    - أن قاعدة "ما لا يدرك كله لا يترك جله" مفادها: أنه إذا تعذر حصول الشيء كاملا، وأمكن المكلف فعل بعضه، وجب عليه فعل المقدور عليه؛ لأن إيجاد الشيء في بعض أفراده- مع الإمكان- أولى من إعدامه كلية.
    - تبرز أهمية القاعدة من جهة اتساع مجال إعمالها؛ إذ يندرج تحتها مسائل كثيرة من أبواب شتى؛ لكونها تتعلق بالمأمورات الشرعية التي هي تمثل غالب التكاليف الشرعية.
    - أقدم من صرح بذكر القاعدة -فيما وقفت عليه- هو العلامة الملا علي القاري (1014هـ) في كتابه "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح". وعلى الرغم من كثرة ترددها على ألسنة كثير من المتعلمين في هذا الزمن، إلا أنني لم أقف عليها في شيء من كتب القواعد الفقهية، ولا الفقه وأصوله، لكن جاء في كلام بعض العلماء ما يفيد معناها، كقول أبي الطيب الصعلوكي (ت404هـ) "إذا كان رِضا الخلق معسور لايدرك، كان ميسورُه لا يترك"، وقول الماوردي (ت450هـ) "العجز عن بعض الواجبات لا يسقط ما بقي منها"، وقول الجويني (ت478هـ) "المقدور عليه لا يسقط بسقوط المعجوز"، ثم شاعت واشتهرت بعدهم بلفظ "الميسور لا يسقط بالمعسور"
    - كثرة الأدلة العامة والخاصة على ثبوت القاعدة، وصحة معناها وصلاحها للتفريع عليها.
    - إذا كان الظن لا يعمل به إلا عند تعذر اليقين، فإن هذه القاعدة أيضاً لا يعمل بمقتضاها إلا عند تعذر وجود الشيء كاملاً، وهذا التدرج غالباً إنما يكون لما يلحق المكلف من المشقة التي أضعفت قدرته، وقد ضبط العلماء المشقة غير المعتادة في كل عبادة بأدنى المشقة المعتبرة فيها.
    - قدرة المكلف على بعض العبادة وعجزها عن باقيها أقسامه ستة:
    ‌أ- أن يكون العجز ببعض البدن، فيجب أن يفعل ما قدر عليه، ويسقط ما عجز عنه.
    ‌ب- أن يكون المقدور عليه غير مقصود بالعبادة، فلا يجب عليه فعله.
    ‌ج- أن يكون المقدور عليه مقصوداً بالعبادة ويكون حقاً مالياً، فإن كان حقاً لله تعالى كالزكاة فإنها تثبت في الذمة بعد التمكن من أدائها، وما وجب بسبب الكفارة، أو فيه معنى ضمان المتلف كجزاء الصيد، فإن عجز عنه فبقاؤه في ذمته خلاف على قولين.
    وهكذا دم النسك ينتقل إلى بدله الصيام، فإن عجز عنه فبقاؤه في ذمته خلاف.
    وأما حقوق الآدميين فإن عجز عنها بتفريط منه طولب بها في الآخر، وإن كان بغير تفريط ففي إشغال ذمته نظر.
    ‌د- ما وجب تبعاً لغيره فإن كان وجوبه احتياطا للعبادة ففي الإلزام به خلاف، وإن كان وجوبه على وجه التكميل واللحوق فلا يلزم، كمن فاته الوقوف بعرفة لا يلزمه ما بعده من أعمال الحج، بل يتحلل بعمرة على القول الصحيح.
    ‌ه- ما كان جزء عبادة وليس مشروعاً في نفسه بانفراده، أو هو غير مأمور به، لا يجب بلا خلاف.
    ‌و- ما كان جزء عبادة وهو عبادة مشروعة في نفسه: منه ما يجب، ومنه ما لا يجب، ومنه ما هو مختلف فيه.
    - لهذه القاعدة صلة بقاعدة "الميسور لا يسقط بالمعسور" إذ يتمثل فيها جانب التيسير والتخفيف، فإذا لم يقدر المكلف على الواجب بالكلية سقط عنه وجوبه، وإن قدر على بعضه وعجز عن بعضه الآخر لزمه ما يقدر عليه منه. وهي وإن كانت أشهر وأسبق في الظهور، إلا أن قاعدة "ما لا يدرك كله لا يترك جله" أوسع في مجال التفريع؛ إذ تشمل ما هو لازم وما ليس بلازم من ندب وإباحة، بل تتجاوزه إلى ما يجري مجرى الأخبار.
    - هذه القاعدة لها صلة بقواعد فقهية أخرى: منها ما يتفق معها دلالة ومعنى، ومنها ما يقاربها في ذلك، أو يشاركها في بعض ما تدل عليه.
    - هذه القاعدة لها تطبيقات كثيرة؛ نظراً لارتباطها بالمأمورات الشرعية؛ إذ هي تمثل شطر الأحكام التكليفية، وقد روعي في امتثالها قدرة المكلف، والتدرج بحسب استطاعته، بالانتقال من الحال التي يعجز عنها إلى الحال التي يطيقها.
    - وُجدت فروع فقهية لم تندرج تحت القاعدة، ذلك أنه لما تعذر وجود الحكم في بعض الأفراد امتنع إثباته في البقية، فكان إسقاطه في بعضها إسقاطاً له في جميعها. وهذا لا يقلل من أهمية القاعدة ولا يضيق من اتساعها؛ إن لكل قاعدة ما يشذ عنها.
    - أثير حول إعمال هذه القاعدة شبهات قد تخل بإعمالها أو تبطلها، وبالنظر في هذه الشبهات أمكن دفعها والجواب عنها، فلا تؤثر في صحة القاعدة وثبوتها.*


    * منقول للفائدة "وصلى الله وسلم على نبينا محمد "
    { حسبي اللـه }

  • #2
    نقل موفق ومفيييد
    كتب الله أجرك وجعل ما تطرح في موازين حسناتك


    تعليق


    • #3
      اللهم صلي على سيدنا محمد

      شكرا لك ولنقلك استاذي الفاضل

      تعليق


      • #4
        جزاكم الله خيرا
        وجعله فى ميزان حسناتك

        تعليق


        • #5
          يعطيك العافية

          تعليق

          يعمل...
          X