الطيور المسافرة
د. أمل الطعيمي 0
قبل يومين جمعني القدر لدقائق معدودة مع إمرأة اندونسية لم أستطع أن أُخمن سنوات عمرها من شدة
التعب الجسدي والنفسي اللذين ارتسما بوضوح على ملامحها، ولكني أظنها في الأربعينات من العمر .
جففت الغربة جسدها وملأت محاجر عينيها بالدمع وتمددت الغصة في حلقها . عامان مرا عليها وأكثر قليلاً
وهي لم تبل ريق عافيتها بأجرها الذي تستحقه ٨٠٠ ريال فقط كل شهر اختار كفيلها أن يضِن بها عليها
رغم حاجتها لاستلامها وارسالها لصغارها الذين يحتاجونها ليرون شيئاً يبرر غياب أمهم عنهم . ولكنها قلوب
قدت من حجر لا تشعر بالآخرين ولا أوجاعهم ولا حاجاتهم ويظنون أن من يعمل لديهم خلق لذلك ! خلق
لكي يخدمه ويخدم أصغر أبنائه بلا كلل ولا ملل ولا شكوى فيظل يردد بحماقة وعنجهية بغيضة : هي أتت
لكي تعمل . نعم هو كذلك هي أتت لتعمل وتكسب ما يسد حاجتها وحاجة أفواه تنتظر العون منها بعد الله
هي اختارت أن تتغرب لتبادل حاجتها للمال بحاجتك لخدمتها وتلك الحاجات المتبادلة كفيلة أن تبني جسوراً
من المودة والرحمة بين الطرفين ليرضى كل طرف بما تحقق له . فما بال أقوام لا يشكرون الله على هذه
النعمة التي سخرها الله لهم ومن شكر الله أن يحسنوا التعامل مع من يقوم على خدمتهم فيعاملوهم بما
أمر به الله ورسوله وأولها أن يدفعوا لهم أجورهم قبل أن تجف قطرات عرقهم .إن مشاعر تلك الخادمة لا
تختلف عن مشاعر ملايين المغتربين عن أوطانهم الذين لم يهجروا أراضيهم إلا بدافع من الرغبة في
تحسين أوضاعهم المادية من العرب والأعاجم مهما كانت أعمالهم ومهما كان مستواهم العلمي
والإجتماعي فالجميع في غربة رحلوا وفي معيتهم أحلاماً لأحباب خلفوهم في ديارهم وودعهوهم على
أمل أن يعودوا يوماً وقد تحققت الأحلام . بفضل من الله لم نعش نحن هذه الحاجة للتغرب عن الأوطان إلا
لخير ومن خير ولم تفرض علينا أحوالنا أن نترك أهلنا وأحبابنا من أجل لقمة العيش . فلِم لا نقدِّر وجع
الآخرين ونضع أكفّنا على أكتافهم ونعاملهم بما يرضي الله وما يحقق قيمة المشاعر الإنسانية التي تشعرنا
بما يشعرون فتحرك القلوب لهم وتدخل الطمأنينة عليهم بكلمة لطيفة وقلب يحنو عليهم . بالأمس
استمعت إلى مطربة تونسية تتحدث عن قوارب الموت التي يركبها التوانسة ليصلوا إلى أوروبا بدخول غير
شرعي من أجل العمل وعن مآسي الفقد عندما تغرق تلك القوارب وتغرق معها الأحلام العريضة لمن
ركبوها ومن ودعوهم على مرافئ بلادهم . تصف المطربة إحدى حالات الغرق فتقول:كان العسكري
الإيطالي يحمل جثة شابة تونسية بين يديه ويخرج بها من البحر فتتدلى جديلتها الطويلة المبلولة ياله من
منظر لا يختلف كثيراً عن حال بعض المغتربين الذين إن لم يغرقهم البحر أغرقهم الهم والكدر الذي يصر
بعض من يتعاملون معهم على إغراقهم به فويلٌ للظالمين أنفسهم وغيرهم ألا يتبصرون ويتعظون !!
ارحموا لتُرحموا . ارحموا ليتلذذ الجميع بطعم الحياة فهي لاتعترف بألوان الجوازات ولا لغاتها ولكنها تعترف
بلغة القلوب الرحيمة التي تداوي أوجاع الغربة عند من يعانيها.
حبايبنا عاملين إيه
مرتاحين ولا تعبانين
فرحانين ولا زعلانين
مشتاقين ليكم مشتاقين
من عيونكم محرومين
كم هي عدد القلوب التي تتساءل يومياً بمثل تلك الأسئلة عن أحبابهم الذين تغرّبوا فارفقوا بهم يرفق بكم
الله .
د. أمل الطعيمي 0
قبل يومين جمعني القدر لدقائق معدودة مع إمرأة اندونسية لم أستطع أن أُخمن سنوات عمرها من شدة
التعب الجسدي والنفسي اللذين ارتسما بوضوح على ملامحها، ولكني أظنها في الأربعينات من العمر .
جففت الغربة جسدها وملأت محاجر عينيها بالدمع وتمددت الغصة في حلقها . عامان مرا عليها وأكثر قليلاً
وهي لم تبل ريق عافيتها بأجرها الذي تستحقه ٨٠٠ ريال فقط كل شهر اختار كفيلها أن يضِن بها عليها
رغم حاجتها لاستلامها وارسالها لصغارها الذين يحتاجونها ليرون شيئاً يبرر غياب أمهم عنهم . ولكنها قلوب
قدت من حجر لا تشعر بالآخرين ولا أوجاعهم ولا حاجاتهم ويظنون أن من يعمل لديهم خلق لذلك ! خلق
لكي يخدمه ويخدم أصغر أبنائه بلا كلل ولا ملل ولا شكوى فيظل يردد بحماقة وعنجهية بغيضة : هي أتت
لكي تعمل . نعم هو كذلك هي أتت لتعمل وتكسب ما يسد حاجتها وحاجة أفواه تنتظر العون منها بعد الله
هي اختارت أن تتغرب لتبادل حاجتها للمال بحاجتك لخدمتها وتلك الحاجات المتبادلة كفيلة أن تبني جسوراً
من المودة والرحمة بين الطرفين ليرضى كل طرف بما تحقق له . فما بال أقوام لا يشكرون الله على هذه
النعمة التي سخرها الله لهم ومن شكر الله أن يحسنوا التعامل مع من يقوم على خدمتهم فيعاملوهم بما
أمر به الله ورسوله وأولها أن يدفعوا لهم أجورهم قبل أن تجف قطرات عرقهم .إن مشاعر تلك الخادمة لا
تختلف عن مشاعر ملايين المغتربين عن أوطانهم الذين لم يهجروا أراضيهم إلا بدافع من الرغبة في
تحسين أوضاعهم المادية من العرب والأعاجم مهما كانت أعمالهم ومهما كان مستواهم العلمي
والإجتماعي فالجميع في غربة رحلوا وفي معيتهم أحلاماً لأحباب خلفوهم في ديارهم وودعهوهم على
أمل أن يعودوا يوماً وقد تحققت الأحلام . بفضل من الله لم نعش نحن هذه الحاجة للتغرب عن الأوطان إلا
لخير ومن خير ولم تفرض علينا أحوالنا أن نترك أهلنا وأحبابنا من أجل لقمة العيش . فلِم لا نقدِّر وجع
الآخرين ونضع أكفّنا على أكتافهم ونعاملهم بما يرضي الله وما يحقق قيمة المشاعر الإنسانية التي تشعرنا
بما يشعرون فتحرك القلوب لهم وتدخل الطمأنينة عليهم بكلمة لطيفة وقلب يحنو عليهم . بالأمس
استمعت إلى مطربة تونسية تتحدث عن قوارب الموت التي يركبها التوانسة ليصلوا إلى أوروبا بدخول غير
شرعي من أجل العمل وعن مآسي الفقد عندما تغرق تلك القوارب وتغرق معها الأحلام العريضة لمن
ركبوها ومن ودعوهم على مرافئ بلادهم . تصف المطربة إحدى حالات الغرق فتقول:كان العسكري
الإيطالي يحمل جثة شابة تونسية بين يديه ويخرج بها من البحر فتتدلى جديلتها الطويلة المبلولة ياله من
منظر لا يختلف كثيراً عن حال بعض المغتربين الذين إن لم يغرقهم البحر أغرقهم الهم والكدر الذي يصر
بعض من يتعاملون معهم على إغراقهم به فويلٌ للظالمين أنفسهم وغيرهم ألا يتبصرون ويتعظون !!
ارحموا لتُرحموا . ارحموا ليتلذذ الجميع بطعم الحياة فهي لاتعترف بألوان الجوازات ولا لغاتها ولكنها تعترف
بلغة القلوب الرحيمة التي تداوي أوجاع الغربة عند من يعانيها.
حبايبنا عاملين إيه
مرتاحين ولا تعبانين
فرحانين ولا زعلانين
مشتاقين ليكم مشتاقين
من عيونكم محرومين
كم هي عدد القلوب التي تتساءل يومياً بمثل تلك الأسئلة عن أحبابهم الذين تغرّبوا فارفقوا بهم يرفق بكم
الله .
تعليق