.... رجلٌ يسند ظهرهُ الى صخرة جبل حرفة ، ويدفع بكلتا يديه أمتان جبليّ الظورين ، ويتكئُ بهامته على سفح جبل اوران ، يقف بكل شموخ وسط معمعة المدلهمات وعصف الملمات ، حصد بجميل صنائعه وحُسن معروفه السمعة الحسنة ، وحظي بنصيب وافر من الاحترام والتقدير بين كل فئات المجتمع ، فقد تعددت الخصال الحميدة في هذا الرجل العلم .*.
فإن رمت الكرم فساحة داره تنبيك عن جوده ، وفي انبساط كفيه تصاوير سخائه ، وموائد عطاءه تفتيك في كرمه .
وإن نشدت عن الحكمة وسداد الرأي فدونك ملفات اصلاح ذات البين والتي تعدى ريعها محيط قبيلته الى أي موقع أو بين أي اقوام ، سواء داخل بلاد بلقرن تهائمها وسراتها ، أو خارجها ، فساهم كثيرا في تحجيم المخاصمات ، وساعد في تطبيب الكثير من الجراحات ، التي تحدثها المنازعات الفردية والقبلية ، مما جعل له التقدير لدى الجهات الرسمية قبل الشعبية .
وإن تلمست جوانب فعل الخير وإغاثة الملهوف ، نبأك تاريخ بن محشي ، بما لابد معه أن تقف له احتراماً وتعظم فيه خصالاً ، وبرغم ضيق ذات اليد ، فقد بارى في هذا المجال أصحاب الاموال الكثيرة والارصدة الكبيرة ، وكم وافداً من خارج المنطقة قد نصا دار بن محشي ، وما دعاه الى ذلك سوى أنه تأمل خيراً لما سمع من سمعه طيبة وعرف من خصال حميدة في رب تلك الدار .
لديه من سعة الافق ووفرة المخزون المعرفي ، ما يذهلك وأنت تستمع له وهو يتحدث في أي جانب من جوانب الحياة قديماً وحديثاً ، كل ذلك بلسان طليق وفكر متقد ونبرة حادة ، في أحداث التاريخ ، او قصص الأعلام ، أو رواية الشعر وخاصة منه مايسجل احداث بعينها من رخاء أو شدة ، أو ما يحث على مكارم الاخلاق وحسن المعاملة ، أو يحدد صفات الرجال وخصال الطيب ومكامن الخبث .
يصدح برأيه فيما يراه حقاً ، دون مواربة لغرض أو مجاملة لأحـد ، ويتحمل في سبيل ذلك كل التبعات ، في زمن غلبت المجاملة على كل صنف من صنوف المعاملات ، وطغت المادة على كل جانب من جوانب الحياة ، ترى هذا الرجل يمشي في طريق واضح وخط مستقيم ، لا تأخذه مغريات الاهواء الى حيث يحيد عن منهجه أو يميل الى عاقلته .
.... قد لا يجانبني الصواب إذا قلت أنه آخر الرجال النبلاء ، وذلك في محيط معين ومسافة محددة من تضاريس " ساق الغراب " العصيبة ، وطقوس أهالي جبال السروات الغربية .... أحسبه كذلك والله حسيبي وحسيبه ....
اوران
* موقف :
... هذا ليس مدحاً لرجل هو في غنى عنه ، بقدر ماهو تسجيل " موقف " نحو رجل تشبث بالعادات المشرفة والقاليد العريقة ، في زمن عز فيه الوضوح وأضمحلت فيه الجمايل .
تعليق