كلما يسافر الإنسان من وطنه ويترك وراءه الأهل والخلان والبلاد والأوطان سرعان ما يشتعل في جوفه نار الشوق والحنين ، فتصلي فؤاده الصغير وسرعان ما يُخرج ريشَة خياله لترسُم في سماء الأرض لوحة فنية فتزدحم صور الذكريات بحلوها ومرها ويولد مع ذلك (( حب الوطن )) ، فيشعر كل من يشاهد هذه اللوحة الفنية - التي تستحق أن توضع في متحف اللوفر - أن الوطن كم هو عزيز وغال ، وكم هو رائع وجميل ، وكم يستحق أن تُفنى كنوز الأرض ولآلئ البحر من أجله .
انظروا حين يعود المسافر من سفره كيف يستقبله الوطن ؟ سوف تجدون أن الوطن كالأم الرؤوم وكالأب الحنون نعم هكذا يكون اللقاء ، وانظروا كيف يستقبلها هو ؟ فعندما يصل إلى أرض الوطن يجد أن لتربتها رائحة لا تشبهها العطور ، وأن لطيورها تغريد لا يشبهه عزف الأعواد والكمان ، فيجد لعصافيرها نشيد ولأهلها ترحيب ، فتصافحه الجبال وتحتضنه السهول وتعانقه الأشجار ويجد أن لماء نهرها برودة تطفي حرارة الفراق والألم .
نعم ، أن الوطن كالأم الرؤوم إذا ماتت فلا بديل لها ولا شي يعادلها . انظروا إلى الطفل عندما يفارق أمه كيف يكون حاله عندما يجدها ؟ يصرخ بأعلى صوته " ماما ماما " ويغمره الفرح ويسعى إليها وعيناه تسبح في الدموع لا يريد بها بدلا ، وفي المقابل انظروا إلى الأم حين تجد طفلها بعد فراقه كيف يكون اللقاء ؟ تستقبله ببكاء الرحمة ودموع الفرح ، تضمه شوق إليه وتضربه خوف عليه مع أن قلبها كاد أن يتقطع لفقده .
ألا ترون أن الطفل يحن لموطنه الذي عاش فيه تسعة أشهر ؟ وألا ترون أن الطفل حينما يشعر بالخطر فأنه يلوذ بأمه دون أبيه ؟ وألا ترون أن الطفل يحب أمه ويعشقها مهما كانت قبيحة الشكل ؟ لماذا كل هذا ؟ لأن النفوس فطرت على حب الأم وهي بيت الإنسان ومسكنه الذي كان يعيش فيه فلا بديل لها ولا يعدلها شيء (( فالإنسان كالطفل وأمه الوطن )) .
مخرج :
هذه هي الفطرة السليمة وقد يجتالها شياطين الإنس ،وطرق اجتيالهم سنتكلم عنها في الموضوع القادم
طابت أوقاتكم .
تعليق