مقاربات بين الشعبي والفصيح
بين القصيدة (اليتيمة) لدوقلة.. وقصيدة (الفرقدا) للشعيبي إِن تُتهِمي فَتَهامَةٌ وَطني أَو تُنجِدي يكنِ الهَوى نَجدُ
ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
من أجمل الشعر العربي قصيدة (اليتيمة) التي قيل إنها قتلت صاحبها، وقد نسبها أربعون شاعراً لنفسه، وكأنهم تزوجوا هذه (اليتيمة الفائقة الجمال)..
والراجح أن قائلها هو: (دوقلة) كما يؤكد ذلك ثعلب المتوفي ٢٩١ ه، ويزعم جورجي زيدان أنها من الشعر الجاهلي..
وللقصيدة الشهيرة قصة ممتعة قد تدخل في باب الأساطير ولكنها بمثابة تقديم احتفالي لقصيدة فريدة تمنى أكثر من شاعر أنه أبدعها..
تقول الروايات إنه كان لأحد أمراء نجد في العصور القديمة ابنة فائقة الجمال والذكاء مبدعة في الشعر اسمها (دعد) تهافت عليها الخطاب وهي ترفض وتشترط في من يتزوجها أن يصفها بقصيدة تخلدها وتكون أجمل من شعرها..
سار ذكر الأميرة دعد في الآفاق وطار وتسابق الشعراء في وصفها رغبة في الحظوة والزواج، ولكنها -لذكائها وثقافتها- تنتقد قصائدهم واحداً بعد واحد وتُظهر مافيها من المثالب..
وسمع (دوقلة المنبجي وهو شاعر مجهول) بالقصة والشرط وكان قد رأى هذه الأميرة الجميلة فأبدع قصيدته الشهيرة، وسار اليها يريد أن ينشدها بين يديها، وفي الطريق الصحراوي صاحبه أعرابي وسامره وسأله عن سبب سفره فذكره له وأسمعه القصيدة فطرب لها الأعرابي وطلب إعادتها مراراً ودوقلة مسرور من إعجاب الأعرابي بشعره، حتى حفظ الأعرابي القصيدة كاملة، فقتل دوقلة غيلة وهو نائم وحثّ الخطى الى الأميرة دعد وأنشد بين يديها القصيدة فطربت لها طرباً شديداً وطلبت من الأعرابي أن يزيد فيها بيتاً -كي تختبره- فعجز وأصابه العي، وحاورته فأحست أنه كاذب وقاتل ، فقالت لحراسها: اقتلوه فإنه قتل مبدع القصيدة وسرقها ولو كان قائل القصيدة حياً لتزوجته فوراً.. فسألها والدها: وكيف عرفتِ أنه سرق القصيدة، فقالت : لأنه يقول:
إِن تُتهِمي فَتَهامَةٌ وَطني
أَو تُنجِدي يكنِ الهَوى نَجدُ
والأعرابي ليس من تهامة ولا في لهجته شيء من هوى نجد، كما انه عجز عن اضافة بيت واحد فقُتل ..
وهذا نص القصيدة (اليتيمة):
لَهَفي عَلى دَعدٍ وَما حفَلت
إِلّا بحرِّ تلَهُّفي دَعدُ
بَيضاءُ قَد لَبِسَ الأَديمُ أديم
الحُسنِ فهو لِجِلدِها جِلدُ
وَيَزينُ فَودَيها إِذا حَسَرَت
ضافي الغَدائِرِ فاحِمٌ جَعدُ
فَالوَجهُ مثل الصُبحِ مبيضٌ
والشعر مِثلَ اللَيلِ مُسوَدُّ
ضِدّانِ لِما اسْتُجْمِعا حَسُنا
وَالضِدُّ يُظهِرُ حُسنَهُ الضِدُّ
وَجَبينُها صَلتٌ وَحاجِبها
شَختُ المَخَطِّ أَزَجُّ مُمتَدُّ
وَكَأَنَّها وَسنى إِذا نَظَرَت
أَو مُدنَفٌ لَمّا يُفِق بَعدُ
بِفتورِ عَينٍ ما بِها رَمَدٌ
وَبِها تُداوى الأَعيُنُ الرُمدُ
وَتُريكَ عِرنيناً به شَمَمٌ
وتُريك خَدّاً لَونُهُ الوَردُ
وَتُجيلُ مِسواكَ الأَراكِ
عَلى رَتلٍ كَأَنَّ رُضابَهُ الشَهدُ
والجِيدُ منها جيدُ جازئةٍ
تعطو إذا ما طالها المَردُ
وَكَأَنَّما سُقِيَت تَرائِبُها
وَالنَحرُ ماءَ الحُسنِ إِذ تَبدو
وَاِمتَدَّ مِن أَعضادِها قَصَبٌ
فَعمٌ زهتهُ مَرافِقٌ دُردُ
وَلَها بَنانٌ لَو أَرَدتَ لَهُ
عَقداً بِكَفِّكَ أَمكَنُ العَقدُ
وَالمِعصمان فَما يُرى لَهُما
مِن نَعمَةٍ وَبَضاضَةٍ زَندُ
وَالبَطنُ مَطوِيٌّ كَما طُوِيَت
بيضُ الرِياطِ يَصونُها المَلدُ
وَبِخَصرِها هَيَفٌ يُزَيِّنُهُ
فَإِذا تَنوءُ يَكادُ يَنقَدُّ
وَالتَفَّ فَخذاها وَفَوقَهُما
كَفَلٌ كدِعصِ الرمل مُشتَدُّ
فَنهوضُها مَثنىً إِذا نَهَضت
مِن ثِقلَهِ وَقُعودها فَردُ
وَالساقِ خَرعَبَةٌ مُنَعَّمَةٌ
عَبِلَت فَطَوقُ الحَجلِ مُنسَدُّ
وَالكَعبُ أَدرَمُ لا يَبينُ لَهُ
حَجمً وَلَيسَ لِرَأسِهِ حَدُّ
وَمَشَت عَلى قَدمَينِ خُصِّرتا
واُلينَتا فَتَكامَلَ القَدُّ
إِن لَم يَكُن وَصلٌ لَدَيكِ لَنا
يَشفى الصَبابَةَ فَليَكُن وَعدُ
قَد كانَ أَورَقَ وَصلَكُم زَمَناً
فَذَوَى الوِصال وَأَورَقَ الصَدُّ
لِلَّهِ أشواقي إِذا نَزَحَت
دارٌ بِنا ونوىً بِكُم تَعدو
إِن تُتهِمي فَتَهامَةٌ وَطني
أَو تُنجِدي يكنِ الهَوى نَجدُ
الفرقدا
وهي قصيدة شعبية رائعة قالها (الشعيبي راعي عنيزة) من شعراء القرن الحادي عشر واسمه عبدالله في ابنة عمه (حسناء) فأبدع فيها وأجاد، وعرج على مدح بركات الشريف، وقد روى القصيدة العلامة عبدالله بن خميس -رحمه الله- في كتابه (رموز من الشعر الشعبي ص ٢٢٥-٢٣٢) والفرقد هو المها العربي:
سارت وقد نهج الدجى وتجرهدا
وانجال جلباب الظلام الاسودا
وتمايزت الافلاك فيها وانتحت
جل النجوم على المغيب توردا
واغتال ساري الليل نومه وانطوى
متلذذٍ في طيب حلو المرقدا
من بعد ما حطت يدي في كابر
عين المهات وغاب قرن الاسودا
حسنا وهي في ديرةٍ من دونها
سفك الدمى ونيران حربٍ توقدا
وارض سباريت فجاج مابها
الا النعام الربد أم الفرقدا
كم ذا يتيه بها الدليل إذا سرى
ليلاً ولا لحزومها يتعهدا
مما يرى من المهالك والظما
ومكابد الحزم العريض إذا بدا
إذ أن حسنا بالمنام تمد لي
كفٍ مخضبة بصاف العسجدا
قالت ما انت إلا صليب عزايم
عن من تود وللمحبه تجحدا
باتت تحاورني وبت كأنني
بالكوثر المبعوث فيه مخلدا
متبجحاً بوصال ضامرة الحشى
حورية للزين فيها معهدا
وتبزّ جل المحصنات بوارد
متعثكل في سبط ليل أسودا
نقوة أناثي حرة هركولة
مامثلها في نسل حوا يوجدا
أمست تزين للهوا رعبوبة
هيفا صموت الحجل فائحة الندى
ومن الظبا جيد يحف مناكباً
تلقى يلوح بها عقود المقلدا
ياما تحمل خصرها من ردفها
ضيماً إذا قامت تقوم وتقعدا
من مثل غصن الموز ساق ناعم
لو حله الخلخال جضّ وغردا
عين مغزلة، شفاه ذُبّلٌ
حم المراشف ماعلاهن الصدى
لو أن حسناء قدرت إني إذا
قاس على فرقى الخليل معودا
ماكان تنسى وصلنا بمدارج
والواشي عنّا والحواسد رُقدا
الله يسقي دارها بمهدهد
لجب كداجي الليل لون اسودا
يدعي جميع رياضها وفياضها
منها المغاني والمكالي حشدا
بين القصيدة (اليتيمة) لدوقلة.. وقصيدة (الفرقدا) للشعيبي إِن تُتهِمي فَتَهامَةٌ وَطني أَو تُنجِدي يكنِ الهَوى نَجدُ
ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
من أجمل الشعر العربي قصيدة (اليتيمة) التي قيل إنها قتلت صاحبها، وقد نسبها أربعون شاعراً لنفسه، وكأنهم تزوجوا هذه (اليتيمة الفائقة الجمال)..
والراجح أن قائلها هو: (دوقلة) كما يؤكد ذلك ثعلب المتوفي ٢٩١ ه، ويزعم جورجي زيدان أنها من الشعر الجاهلي..
وللقصيدة الشهيرة قصة ممتعة قد تدخل في باب الأساطير ولكنها بمثابة تقديم احتفالي لقصيدة فريدة تمنى أكثر من شاعر أنه أبدعها..
تقول الروايات إنه كان لأحد أمراء نجد في العصور القديمة ابنة فائقة الجمال والذكاء مبدعة في الشعر اسمها (دعد) تهافت عليها الخطاب وهي ترفض وتشترط في من يتزوجها أن يصفها بقصيدة تخلدها وتكون أجمل من شعرها..
سار ذكر الأميرة دعد في الآفاق وطار وتسابق الشعراء في وصفها رغبة في الحظوة والزواج، ولكنها -لذكائها وثقافتها- تنتقد قصائدهم واحداً بعد واحد وتُظهر مافيها من المثالب..
وسمع (دوقلة المنبجي وهو شاعر مجهول) بالقصة والشرط وكان قد رأى هذه الأميرة الجميلة فأبدع قصيدته الشهيرة، وسار اليها يريد أن ينشدها بين يديها، وفي الطريق الصحراوي صاحبه أعرابي وسامره وسأله عن سبب سفره فذكره له وأسمعه القصيدة فطرب لها الأعرابي وطلب إعادتها مراراً ودوقلة مسرور من إعجاب الأعرابي بشعره، حتى حفظ الأعرابي القصيدة كاملة، فقتل دوقلة غيلة وهو نائم وحثّ الخطى الى الأميرة دعد وأنشد بين يديها القصيدة فطربت لها طرباً شديداً وطلبت من الأعرابي أن يزيد فيها بيتاً -كي تختبره- فعجز وأصابه العي، وحاورته فأحست أنه كاذب وقاتل ، فقالت لحراسها: اقتلوه فإنه قتل مبدع القصيدة وسرقها ولو كان قائل القصيدة حياً لتزوجته فوراً.. فسألها والدها: وكيف عرفتِ أنه سرق القصيدة، فقالت : لأنه يقول:
إِن تُتهِمي فَتَهامَةٌ وَطني
أَو تُنجِدي يكنِ الهَوى نَجدُ
والأعرابي ليس من تهامة ولا في لهجته شيء من هوى نجد، كما انه عجز عن اضافة بيت واحد فقُتل ..
وهذا نص القصيدة (اليتيمة):
لَهَفي عَلى دَعدٍ وَما حفَلت
إِلّا بحرِّ تلَهُّفي دَعدُ
بَيضاءُ قَد لَبِسَ الأَديمُ أديم
الحُسنِ فهو لِجِلدِها جِلدُ
وَيَزينُ فَودَيها إِذا حَسَرَت
ضافي الغَدائِرِ فاحِمٌ جَعدُ
فَالوَجهُ مثل الصُبحِ مبيضٌ
والشعر مِثلَ اللَيلِ مُسوَدُّ
ضِدّانِ لِما اسْتُجْمِعا حَسُنا
وَالضِدُّ يُظهِرُ حُسنَهُ الضِدُّ
وَجَبينُها صَلتٌ وَحاجِبها
شَختُ المَخَطِّ أَزَجُّ مُمتَدُّ
وَكَأَنَّها وَسنى إِذا نَظَرَت
أَو مُدنَفٌ لَمّا يُفِق بَعدُ
بِفتورِ عَينٍ ما بِها رَمَدٌ
وَبِها تُداوى الأَعيُنُ الرُمدُ
وَتُريكَ عِرنيناً به شَمَمٌ
وتُريك خَدّاً لَونُهُ الوَردُ
وَتُجيلُ مِسواكَ الأَراكِ
عَلى رَتلٍ كَأَنَّ رُضابَهُ الشَهدُ
والجِيدُ منها جيدُ جازئةٍ
تعطو إذا ما طالها المَردُ
وَكَأَنَّما سُقِيَت تَرائِبُها
وَالنَحرُ ماءَ الحُسنِ إِذ تَبدو
وَاِمتَدَّ مِن أَعضادِها قَصَبٌ
فَعمٌ زهتهُ مَرافِقٌ دُردُ
وَلَها بَنانٌ لَو أَرَدتَ لَهُ
عَقداً بِكَفِّكَ أَمكَنُ العَقدُ
وَالمِعصمان فَما يُرى لَهُما
مِن نَعمَةٍ وَبَضاضَةٍ زَندُ
وَالبَطنُ مَطوِيٌّ كَما طُوِيَت
بيضُ الرِياطِ يَصونُها المَلدُ
وَبِخَصرِها هَيَفٌ يُزَيِّنُهُ
فَإِذا تَنوءُ يَكادُ يَنقَدُّ
وَالتَفَّ فَخذاها وَفَوقَهُما
كَفَلٌ كدِعصِ الرمل مُشتَدُّ
فَنهوضُها مَثنىً إِذا نَهَضت
مِن ثِقلَهِ وَقُعودها فَردُ
وَالساقِ خَرعَبَةٌ مُنَعَّمَةٌ
عَبِلَت فَطَوقُ الحَجلِ مُنسَدُّ
وَالكَعبُ أَدرَمُ لا يَبينُ لَهُ
حَجمً وَلَيسَ لِرَأسِهِ حَدُّ
وَمَشَت عَلى قَدمَينِ خُصِّرتا
واُلينَتا فَتَكامَلَ القَدُّ
إِن لَم يَكُن وَصلٌ لَدَيكِ لَنا
يَشفى الصَبابَةَ فَليَكُن وَعدُ
قَد كانَ أَورَقَ وَصلَكُم زَمَناً
فَذَوَى الوِصال وَأَورَقَ الصَدُّ
لِلَّهِ أشواقي إِذا نَزَحَت
دارٌ بِنا ونوىً بِكُم تَعدو
إِن تُتهِمي فَتَهامَةٌ وَطني
أَو تُنجِدي يكنِ الهَوى نَجدُ
الفرقدا
وهي قصيدة شعبية رائعة قالها (الشعيبي راعي عنيزة) من شعراء القرن الحادي عشر واسمه عبدالله في ابنة عمه (حسناء) فأبدع فيها وأجاد، وعرج على مدح بركات الشريف، وقد روى القصيدة العلامة عبدالله بن خميس -رحمه الله- في كتابه (رموز من الشعر الشعبي ص ٢٢٥-٢٣٢) والفرقد هو المها العربي:
سارت وقد نهج الدجى وتجرهدا
وانجال جلباب الظلام الاسودا
وتمايزت الافلاك فيها وانتحت
جل النجوم على المغيب توردا
واغتال ساري الليل نومه وانطوى
متلذذٍ في طيب حلو المرقدا
من بعد ما حطت يدي في كابر
عين المهات وغاب قرن الاسودا
حسنا وهي في ديرةٍ من دونها
سفك الدمى ونيران حربٍ توقدا
وارض سباريت فجاج مابها
الا النعام الربد أم الفرقدا
كم ذا يتيه بها الدليل إذا سرى
ليلاً ولا لحزومها يتعهدا
مما يرى من المهالك والظما
ومكابد الحزم العريض إذا بدا
إذ أن حسنا بالمنام تمد لي
كفٍ مخضبة بصاف العسجدا
قالت ما انت إلا صليب عزايم
عن من تود وللمحبه تجحدا
باتت تحاورني وبت كأنني
بالكوثر المبعوث فيه مخلدا
متبجحاً بوصال ضامرة الحشى
حورية للزين فيها معهدا
وتبزّ جل المحصنات بوارد
متعثكل في سبط ليل أسودا
نقوة أناثي حرة هركولة
مامثلها في نسل حوا يوجدا
أمست تزين للهوا رعبوبة
هيفا صموت الحجل فائحة الندى
ومن الظبا جيد يحف مناكباً
تلقى يلوح بها عقود المقلدا
ياما تحمل خصرها من ردفها
ضيماً إذا قامت تقوم وتقعدا
من مثل غصن الموز ساق ناعم
لو حله الخلخال جضّ وغردا
عين مغزلة، شفاه ذُبّلٌ
حم المراشف ماعلاهن الصدى
لو أن حسناء قدرت إني إذا
قاس على فرقى الخليل معودا
ماكان تنسى وصلنا بمدارج
والواشي عنّا والحواسد رُقدا
الله يسقي دارها بمهدهد
لجب كداجي الليل لون اسودا
يدعي جميع رياضها وفياضها
منها المغاني والمكالي حشدا
تعليق