• تم تحويل المنتديات للتصفح فقط

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

السرد في الشعر العربي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • السرد في الشعر العربي

    السرد في الشعر العربي




    لبيد ابن ربيعة
    يستهل لبيد معلقته بالسرد الذي ينهض على الفعل الماضي:
    عفت الديار محلها فمقامها
    بمنى تأبدّ غولها فرجامها
    فمدافع الريان عرّي رسمها
    خلقا كما ضمن الوحيّ سلامها
    دمن تجرّم بعد عهد أنيسها
    حجج خلون حلالها وحرامها
    محلها بدل جزء من كل للديار، ومقامها معطوف على محلها وهو أيضاً بدل جزء من كل، والإثنان يشكلان بدلاً كاملاً للديار التي تحتوي على محل ومقام، والمحل هو المكان الذي يقطنه المرء لعدة أيام، وسترد كلمة « حلت » فيما بعد في المعلقة، أما المقام فهو المكان الذي يقطنه المرء بصفة دائمة، ومنى ليست منى التي يقصدها الحجيج، ولم يرد لغيرها ذكر في معجم البلدان لياقوت الحموي، أما الغول والرجام فقال عنهما ياقوت: "غول والرجام جبلان وقيل أن كليهما واد" وانا أرجح أنهما واديان محميان من قبل قبيلة مستبدة لأنّ أوس ابن حجر يقول:
    زعمتم أنّ غولا والرجام لكم
    ومنعجا فاذكروا الأمر مشترك
    وقد شهد العصر الجاهلي صراعا بين نظامين: نظام مستبد غاشم ونظام مستضعف، إذا صحّ أن يقال إنّ للمستضعفين نظاما، ويتمثل النظام المستبدّ في كليب وائل وحجر ابن الحارث والد أمرئ القيس، وكلنا نعرف أنّه كان لكليب حمى لا يرتاده أحد غيره، وإنّ حرب البسوس نشبت بين تغلب بن وائل وضدّ بني شيبان وأحلافها من قبيلة بكر، لأنّ كليبا أردى ناقة البسوس بسهم، حين اعتدت على حماه، أمّا حجر فقد قتله بنو أسد الذي كان مستبدا بهم ويفرض عليهم أتاوة سنوية، وقد أسفر هذا الصراع عن إرساء مبدأ: "الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار" وفي هذا الضوء نستطيع أن نستوعب بيت أوس ابن حجر، وما قاله المعري بعده بقرون
    لو كان لي أو لغيري قيد أنملة *** من البسيطة خلت الأمر مشتركا
    والريان جبل بالنواحي التي ذكرها لبيد، ولعله الجبل الذي ذكره جرير
    ياحبذا جبل الريان من جبل *** وحبذا ساكن الريان من كانا
    وهذا البيت من القصيدة التي يقول فيها
    إنّ العيون التي في طرفها حور
    قتلننا ثمّ لم يحيين قتلانا
    ويقال إنّ هذا البيت هو أجمل بيت قالته العرب في الغزل، والغريب أنه جاء في قصيدة يهجو فيها الأخطل هجاء فاحشاً، ومع الأسف فإنّ أعظم ثلاثة شعراء في عصر بني أمية وهم جرير والأخطل والفرزدق انصرفوا إلى المديح الممجوج والهجاء الفاحش، ولم يخلفوا شعرا يعتدّ به في أغراض أخرى، ومدافع الريان هي الأماكن التي تندفع منها السيول، وقد عريت الآثار الباقية عليها كما تعرّى الكتابة المخطوطة على الصخر، فالوحيّ تعني الكتابة، والسلام كما يتضح من السياق تعني الحجارة أو الصخر، ولو أنّ لسان العرب يقرر أنها نوع من الشجر، والدمن هي ما يتبقى من آثار الناس حين يرتحلون، ولا يحتاجون إليها في ترحالهم، وقد هجرت كما يقول البيت، ومرت عليها شهور عديدة منها الحلال ومنها الحرام، وحلال بدل، وحرامها معطوف على حلالها وهو أيضا بدل، وللبدل فضلا عن وظيفته النحوية قيمة بلاغية فهو يجلو معنى المبدل منه ويبينه، رغم أنّ الجملة مفيدة بدونه، كأن تقول « وشروه بثمن بخس دراهم معدودة » فشروه بثمن بخس جملة مفيدة يمكن التوقف عندها بدون حاجة إلى ايضاحها، ولكن جاء البدل ليجلوها، وهي ظاهرة اكتشفها عبد القاهر ولم يضع لها مصطلحا وأدرجها في كتابه « دلائل الإعجاز » ضمن نظريته عن «النظم » وقد جئت ووضعت لها مصطلح التبيان وتتبعتها في القرآن الكريم في كتابي « التبيان في القرآن الكريم » وهو من إصدارت كتاب الرياض، وفي بيت لبيد لو قال ححج خلون وتوقف لاكتمل المعنى بدون أن يضيف حلالها وحرامها
    ونستمر مع المعلقة
    رزقت مرابيع النجوم وصابها
    ودق الرواعد جودها فرهامها
    من كلّ سارية وغاد مدجن
    وعشية متجاوب إرزامها
    مرابيع النجوم: الأنواء الربيعية، الودق المطر وهي كلمة قرآنية: « فترى الودق يخرج من خلاله » أي من السحاب، الدجن: كثافة الغيم، الإرزام: الأصوات، الرهام: المطر الخفيف، وهو في أيامنا هذه يطلق على الإناث، ولو أنّ المصريين يضيفون الياء إليه: ريهام، الدجن: كثافة الغيم وطرفة ابن العبد يقول
    وتقصير يوم الدجن والدجن معجب
    ببكنهة تحت الخباء المعمّد
    ولكي نفهم هذين البيتين لا معدى من توطئة، ذلك لأنه حين يقول « رزقت » لا يصف وإنما يدعو للأرض بالرزق، ذلك لأنّ كلام العرب ينقسم إلى قسمين خبر وإنشاء، والخبر هو ما يحتمل الصدق والكذب ويأتي مع الفعل الماضي والمضارع، أما الإنشاء أو الطلب فلا يحتمل الصدق والكذب، ويأتي مع فعل الأمر وأدوات النداء وغيرها ومن الإنشاء الدعاء، على أنّ هذا يأتي غالبا في صيغة الخبر مع الفعل الماضي، فيقال رحمه الله أي أدعو له بالرحمة، وجادك الغيث إذا الغيث هما، وإذا ظرف لما يستقبل من الزمان فلا يمكن أن تكون الجملة وصفا للماضي، وإذن كما قلنا فإنّ لبيد يدعو ولا يصف، ثم يستطرد ويصف ما سينجم عن دعائه وهطول المطر، أملاً في تعود صاحبته إلى ديارها
    فعلا فروع الأيهقان وأطفلت
    بالجلهتين ظباؤها ونعامها
    والعين ساكنة على أطلائها
    عوذا تأجل بالفضاء بهامها
    وجلا السيول عن الطلول كأنها
    زبر تجدّ متونها أقلامها
    الأيهقان: نبات بري، اطفلت: أنجبت أطفالا، الجلهتان: جانبا الوادي، العين: واسعات العيون، وفي القرآن « وعندهم قاصرات الطرف عين » وقد مرّ هذا المثال من قبل عند الحديث عن البيضة، ويقصد بالعين عادة نوع من الظباء وهي من فصيلة البقر البرية، ويضرب بها المثل في سعة العيون، فعلي ابن الجهم يقول مثلا:
    عيون المها بين الرصافة والجسر
    جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدي
    وأبو سعيد المنازي يقول
    بذا أهل الهوى سكرى صحاة
    كأحداق المها مرضى صحاحا
    الطلا: ولد الظبية، العوذ: جمع عائذ: الحديثة الولادة، تأجل: امتدّ عليها الأجل، البهام: أولاد الضأن وهي جمع بهم بفتح الباء وواحده بهيمة، والمجنون يقول:
    صغيران نرعى البهم ياليت أننا
    عن البهم لم نكبر ولم تكبر البهم
    ومعنى البيت: إنّ هذه الأرض سكنت بها الظباء واطمأنت فيها، بعد أن هجرها أهلها وصاحبته، مما يثبت أنّ « رزقت » دعاء وليست وصفا، الزبور الكتاب، والمعنى أنّ السيول جلت التراب عن الأطلال، كما يجدد الكاتب سطور الكتاب الدارس أو الذي كاد أن ينمحي، ثمّ يؤكد هذا المعنى في هذا البيت
    أو رجع واشمة أسفّ نؤورها
    كففا تعرض فوقهن وشامها
    الرجع: التجديد، الإسفاف: الذرّ، النؤور: النقش المتخذ من الدخان وهذا ما يقوله الزوزني ولكن هنا استحالة فكيف ينقش بالدخان، وقد رجعت إلى لسان العرب فوجدت أنه حجر الاثمد يدق ويسف ويستخدم في الوشم، الكفف: جمع كفة وهي المستدير، والخلاصة أنه شبه جلاء الأطلال وانكشافها بتجديد الكتابة أو تجديد الوشم، والوشم أو بواقيه استخدم غير مرة في وصف الأطلال في الشعر الجاهلي وطرفة ابن العبد يقول
    لخولة أطلال ببرقة ثهمد
    تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
    ثمّ يستطرد ويقول
    فوقفت أسألها وكيف سؤالنا
    صمّا خوالد ما يبين كلامها
    عريت وكان بها الجميع فابكرو منها
    وغودر نؤيها وثمامه
    النؤى: نهير يحفر حول البيت ليصب فيه الماء، والثمام: نبات يسدّ به خلل البيوت
    ثمّ يستطرد مرة أخرى ويقول
    شاقتك ظعن الحيّ حين تحملوا
    فتكنسوا قطنا تصرّ خيامها
    من كلّ محفوف يظلّ عصيّه
    زوج عليه كلة وقرامها
    زجلا كأنّ نعاج توضح فوقها
    وظباء وجرة عطّفا آرامها
    حفزت وزايلها السراب كأنّها
    أجزاع بيشة أثلها ورضامها
    الظعن: الإبل التي عليها هوادج: تكنسوا: استعارة أي كأنهم غزلان دخلوا كناسهم أي بيوتهم، وقطنا: جماعات، الخيام: المقصود بها الهوادج، العصي: عيدان الهودج، الكلة: الستر وهي تكون فوق الهودج، القرام: الستر الذي يحيط بالهودج، زجلا: جماعات كأنهم نعاج أو ظباء، الآرام جمع ريم وهو الظبي الخاص البياض، الحفز: الدفع، الأجزاع: جمع جزع وهو منعطف الوادي، الرضام: الحجارة
    ونحن لا نفهم هذ الاستطراد إلا أذا تحدثنا عما يسمى بتيار الوعي
    Stream of consciousness
    وهو مصطلح وضعه عالم النفس الأميركي وليام جيمس، وهو يشير إلى تدفق الأفكار في وعى العقل وهو يشبه تيار السيل من حيث أنه غير متجانس، فإلإنسان ينتقل في وعيه من فكرة إلى أخرى سارحا دون أن يكون هناك رابط جليّ بينهما، وقد استخدم هذا التيار كتقنية سردية وسمي أيضا بالمونولوج الداخلي، وقد استخدمه جيمس جويس في روايته « يوليسيس » وخاصة في الفصل الأخير الخاص بمولي، وهو مكون من جملة واحدة تنداح على عدة صفحات، وليس داخل الجملة الطويلة هذه أي فواصل أو شولات، وقد استخدمه لورنس داريل في روايته « رباعية الأسكندرية » ولبيد في هذه المعلقة كما نرى يصف ديار صاحبته إذا هطل عليها المطر الذي سيعيدها إلى هذه الديار، والتفكير في العودة يقوده إلى التفكير في ساعة رحيلها، فيصف ذلك، وفي البيت الأخير نجد أيضا بدلا وهو الأثل والرضام، والمعلقة كما رأينا حافلة بالبدلات، والتفكير في رحيلها يقوده إلى التفكير فيها والحديث عنها
    بل ما تذكر من نوار وقد نأت
    وتقطعت أسبابها ورمامها
    مرية حلت بفيد وجاورت
    أهل الحجاز فأين منك مرامها
    بمشارق الجبلين أو بمحجر
    فتضمنتها فردة فرخامها
    فصوائق إن أيمنت فمظنة
    فيها وحاف القهر أو طلخامها
    الرمام: جمع رمة وهي الحبل، والشعراء الجاهليون يستعيرون الحبل للدلالة على الصلة، وسويد أبن أبي كاهل يقول
    بسطت رابعة الحبل لنا
    فوصلنا الحبل منها ما اتسع
    الشاعر ذو الرمة يعني ذا الحبل، فيد: مدينة في طريق الحجاج القادمين من العراق، والحلول كما قلنا هو الإقامة المؤقتة، وانتقلت إلى أما كن أخرى، والجبلان: أجا وسلما، ومحجر أيضا جبل، وأيمنت اتجهت إلى اليمن وحلت في صوائق ووحاف القهر وطلخام، والتنقل طبيعة العرب في تلك الفرة ولا يقيمون في مكان واحد، ويدفعهم إلى ذلك التماس الماء والكلأ، ولهذا قال حلت وليس أقامت، والتفكير في الرحيل يقوده إلى وصف ناقته وتشبيهها بحمار الوحش وهذا له حكاية يسردها بعد قليل
    فلها هباب في الزمام كأنها
    صهباء خفّ مع الجنوب جهامها
    أو ملمع وسقت لأحقب لاحه
    طرد الفحول وضربها وكدامها
    يعلو بها حدب الإكام مسحج
    قد رابه عصيانها ووحامها
    ونتوقف لنشرح المفردات اللغوية لهذه الأبيات ثمّ نستأنف السرد
    الهباب: النشاط، صهباء: سحابة حمراء وقد حذف الموصوف، الجهام: السحابة التي أراقت ماءها، الملمع: المشرقة باللبن، وسقت: حملت، أحقب: الحمار الذي في وركه بياض، الكدام: العض، السحج: الخدش العنيف، وهو يصف الناقة ويشبه سرعتها بسرعة السحابة، ثمّ يشبهها بالأتان ويقول إن زوجها لاحه طرد الفحول وكدامها، والفحل يعلو الأتان إتعابا لها، وقد رابه عصيانها إياه في حال حملها واشتهاؤها أياه قبله
    بأحزّة الثلبوت يربأ فوقها
    قفر المراقب خوفها آرامها
    حتى إذا سلخا جمادي ستة
    جزآ فطال صيامه وصيامها
    رجعا بأمرهما إلى ذي مرة
    حصد ونجح صريمة إبرامها
    ورمى دوابرها السفا وتهيجت
    ريح المصايف سومها وسهامها
    فتنازعا سبطا يطير ظلاله
    كدخان مشعلة يشبّ ضرامها
    مشمولة غلثت بنابت عرفج
    كدخان نار ساطع أسنامها
    فمضى وقدمها وكانت عادة
    منه إذا هي عرّدت إقدامها
    فتجاوزا عرض السريّ وصدعا
    مسجورة متجاورا قلاّمها
    محفوفة وسط اليراع يظلها
    منه مصرّع غابة وقيامها

    كل العطور سينتهي مفعولها
    ويدوم عطر مكارم
    الأخلاق

  • #2
    الأحزة: جمع حزيز وهو الأرض المرتفعة، الثلبوت: موضع، رأبت: كانت ربيئة أي كشافة، الآرام ليست جمع ريم أي الغزال الخالص البياض وإنما تعني معالم الطريق، سلخ: انقضى وهي كلمة قرآنية « فإذا انسلخ الأشهر الحرم » المراقب: الموضع الذي يقوم عليه الرقيب، جزآ: اكتفى بالرطب عن الماء، المرة: القوة وهي كلمة قرآنية: « ذو مرة فاستوى » الحصد: المحكم، الدوابر: جمع دبر، السفا: نوع من الشوك، السوم: المرور، السهام بفتح السين: شدة الحر، والسوم بدل والسهام بدل معطوف على البدل، السبط: الممتد، مشمولة: هبت عليها ريح الشمال، العرفج: نبات، سنام الشيء أعلاه كسنام الجمل، التعريد التأخير والتخلف، السريّ: النهر الصغير وهي أيضا كلمة قرآنية « قد جعل ربك تحتك سريا » مسجورة: عين مملوءة، القلام: ضرب من النبات، المصرّع: مبالغة المصروع ويستأنف سرد حكاية الحمار وأتانه، ويقول أنه مرت عليهما شهور ستة من القحط لم يجدا فيها الماء واستعاضا عنه بالرطب، وحين قدم الربيع سعيا إلى ورود الماء ولكنهما خافا من الصيادين ولهذا فإنّ الحمار يراقب ما حوله لكي يرى هل هناك صيادون أم لا، ولكنهما أحكما أمرهما، وبعد ذلك سارعا إلى ورود الماء وأثارا الغبار وكأنه دخان، ورياح الشمال تهبّ عليهما، وفي سيره قدمها عليه وتلك عادته إذا هي تخلفت عنه، ثم وردا العين المحفوفة بالقصب الذي بعضه نائم أو مصرع وبعضه قائم، والأبيات تصور يقظة الطبيعة وصراع الأحياء.
    ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ

    عابد خزندار
    كل العطور سينتهي مفعولها
    ويدوم عطر مكارم
    الأخلاق

    تعليق


    • #3
      شكراً لنقلك الموفق والمفيد ...


      تعليق

      يعمل...
      X