جد وهزل
أجمل شعر قاله عالم
العلماء مقلّون في الشعر، ولا يستطيعون مجاراة الشعراء البارعين، لأن العلماء
موهبتهم في التفكير والتحليل والاستنباط، أمّا الشعر فيجنح للخيال واختراع الصور،
وينبع من شلال العاطفة لا من منطق العقل..
ومع ذلك حفظ التاريخ أشعاراً قليلة جيدة لعدد من علمائنا القدماء ومؤرخينا ونقادنا،
أمثال الشافعي والخليل بن أحمد وابن جرير الطبري وأبي الفرج الأصفهاني والفقيه
الباخرزي "تظ¤ظ¦ظ§ه" وغيرهم..
وأجمل قصيدة قالها عالم هي التي أبدعها القاضي الجرجاني فهي صادرة من القلب:
يقولون لي فيك انقباضٌ وإنما
رأوا رجلاً عن موقفِ الذلِّ أحجما
إذا قيلَ هذا مَنهلٌ قلتُ قد أرى
ولكنَّ نفسَ الحرِّ تَحتَملَ الظَّمَا
ولم أقضِ حَقَّ العلمِ إن كان
كُلَّمَا بدا طَمَعٌ صَيَّرتُه لي سُلَّما
وما زلتُ مُنحازاً بعرضيَ جانباً
من الذلِّ أعتدُّ الصيانةَ مَغنما
أرى الناسَ من داناهُمُ هان عندهم
ومن أكرَمته عزةُ النفسِ أكرِما
أُنزِّهها عن بَعضِ ما لا يشينُها
مخافةَ أقوال العدا فِيمَ أو لمِا
فأصبحُ عن عيبِ اللئيمِ مسلَّما
وقد رحتُ في نفسِ الكريمِ مُعَظَّما
وإني إذا ما فاتني الأمرُ لم أبت
أقلِّبُ فكري إثره مُتَنَدِّما
ولكنه إن جاء عَفواً قبلتُه
وإن مَالَ لم أُتبعهُ هَلاِّ.. وليتَما
وأقبضُ خَطوي عن حُظوظٍ كثيرةٍ
إذا لم أَنلها وافرض العرضِ مُكرما
وأكرمُ نفسي أن أُضاحكَ عابساً
وأن أَتلقَّى بالمديح مُذمَّما
وكم نعمة كانت على الُحرِّ نقمَةً
وكم مغنمٍ يَعتَدّه الحرُّ مَغرَما
ولم أبتذل في خدمة العلمِ مُهجَتي
لأَخدمَ من لاقيتُ لكن لأُخدما
أأشقى به غَرساً وأجنيه ذِلةً
إذن فاتباعُ الجهلِ قد كان أَحزَما
ولو أن أهل العلمِ صانوه صانَهُم
ولو عَظَّمُوه في النفوسِ لَعُظِّما
ولكن أهانوه فهانو ودَنَّسُوا
مُحَيَّاه بالأطماعِ حتى تَجهَّما
فإن قُلتَ جَدُّ العلم كابٍ فإنما
كبا حين لم يُحرس حِماه وأُسلما
وما كلُّ برقٍ لاحَ لي يستفزُّني
ولا كلُّ من في الأرضِ أرضاه مُنَعما
ولكن إذا ما اضطرني الضُّرُّ لم أَبتِ
أُقلبُ فكري مُنجِداً ثم مُتهِما
إلى أن أرى ما لا أغَصُّ بذِكره
إذا قلتُ قد أسدى إليَّ وأنعما
تعليق