آيات من قصار السور بتفسير الزركشي
قال الزمخشري في قوله تعالى: ï´؟ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ [1]، إن الثانية تأسيس لا تأكيد؛ لأنه جعل الثانية أبلغ في الإنشاء فقال: وفي ï´؟ ثُمَّ ï´¾ تنبيه على أن الإنذار الثاني أبلغ من الأول، وفيه تنبيه على تكرر ذلك مرة بعد أخرى، وإن تعاقبت عليه الأزمنة لا يتطرق إليه تغيير، بل هو مستمر دائمًا[2].
قوله تعالى: ï´؟ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ï´¾ [3]، هي ردٌّ لما قبلها لأنه لما قال: ï´؟ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ï´¾ [4]، كان إخبارًا بأنهم لا يعلمون الآخرة، ولا يصدِّقون بها، فقال: ï´؟ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ï´¾، فلا يحسن الوقف عليها -هنا- إلا لتبيين ما بعدها، ولو لم يفتقر لما بعدها لجاز الوقف[5].
ï´؟ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ï´¾ قوله تعالى: ï´؟ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ï´¾، أي عاقبة أمركم؛ لأن سياق القول في التهديد والوعيد[6].
ï´؟ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ï´¾ [التكاثر: 5]
قوله تعالى: ï´؟ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ï´¾، تقديره لمّا: ï´؟ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ï´¾[7]. وقيل: تقديره: لشغلكم ذلك عما أنتم فيه، وقيل: لرجعتم عن كفركم، أو لتحققتم مصداق ما تحذرونه[8].
ï´؟ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ï´¾ [الهمزة: 1]
قوله تعالى: ï´؟ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ï´¾، قيل: إنه أمية بن خلف، كان يهمز النبي صلى الله عليه وسلم[9].
ï´؟ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ï´¾ [الفيل: 5]
قوله تعالى: ï´؟ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ï´¾، كنّى به عن مصيرهم إلى العذرة، فإن الورق إذا أكل انتهى حاله إلى ذلك[10].
ï´؟ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ï´¾ [قريش: 1]
قال رحمه الله: اللام في: ï´؟ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ï´¾، قيل: إنها متعلقة ï´؟ فَجَعَلَهُمْ ï´¾ في آخر الفيل[11].
واعلم أنه لم يسم الله قبيلة من جميع قبائل العرب باسمها إلا قريشًا، سمّاهم بذلك في القرآن؛ ليبقى على مرِّ الدهور ذكرهم فقال تعالى: ï´؟ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ï´¾[12]، وقال رحمه الله أيضًا: قوله تعالى: ï´؟ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ï´¾ هي متعلقة بقوله:ï´؟ فَلْيَعْبُدُوا ï´¾[13]، أو بقوله: ï´؟ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ï´¾[14]، ولهذا كانتا في مصحف أُبَيّ سورة واحدة، وضُعّف بأن جعلهم كعصف مأكول، إنما هو لكفرهم وتجرّئهم على البيت، وقيل: متعلق بمحذوف أي أعجبوا[15].
ï´؟ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ï´¾ [قريش: 4]
قوله تعالى: ï´؟ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ï´¾، أي من جوع شديدٍ وخوف عظيم[16].
وقوله: ï´؟ مِنْ جُوعٍ ï´¾، أي من أجل الجوع، ورده الأبذي بأن الذي فهم منه العلة إنما هو لأجل المراد، وإنما هي للابتداء، أي ابتداء الإطعام من أجل الجوع.
وقوله تعالى: ï´؟ أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ ï´¾، أشار سيبويه إلى أنّ "مِنْ" -هنا- تؤدي معنى "عن"[17].
وقيل: هي بمنزلة اللام للعلة، أي لأجل الجوع، وليس بشيء، فإن الذي فهم منه العلة إنما هو "أجل" لا "مِنْ"[18].
ï´؟ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ï´¾ [الماعون: 1]
قوله تعالى: ï´؟ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ï´¾، أي: أخبرني[19].
ï´؟ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ï´¾ [الماعون: 5]
قال رحمه الله: ينبغي العناية بتدبر الألفاظ كي لا يقع الخطأ كما وقع لجماعة من الكبار، فروى الخطابي عن أبي العالية أنه سُئِل عن معنى قوله: ï´؟ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ï´¾، فقال: هو الذي ينصرف عن صلاته ولا يدري عن شفع أو وتر. قال الحسن[20]: مه يا أبا العالية! ليس هكذا، بل الذين سهوا عن ميقاتهم حتى تفوتهم[21]، ألا ترى قوله: ï´؟ عَنْ صَلَاتِهِمْ ï´¾؟ فلما لم يتدبر أبو العالية حرف "في" و"عن" تنبّه له الحسن، إذ لو كان المراد ما فهم أبو العالية لقال "في صلاتهم"، فلما قال: ï´؟ عَنْ صَلَاتِهِمْ ï´¾ دلّ على أن المراد به الذهاب عن الوقت[22].
ï´؟ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ï´¾ [الماعون: 7]
قوله تعالى: ï´؟ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ï´¾، قيل: الزكاة المفروضة، وقيل: العارية، أو الماء، أو النار، أو الكلأ، أو الرفد، أو المغرفة، وكلُّها صحيح؛ لأن مانع الكلّ آثم[23].
قال رحمه الله: من لطائف سورة الكوثر أنها كالمقابلة للتي قبلها؛ لأن السابقة قد وصف الله فيها المنافق بأمور أربعة: البخل، وترك الصلاة، والرياء فيها، ومنع الزكاة، فذكر -هنا- في مقابلة البخل: ï´؟ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ï´¾، أي: الكثير، وفى مقابلة ترك الصلاة: ï´؟ فَصَلِّ ï´¾، أي: دم عليها، وفى مقابلة الرياء: لِرَبِّكَ، أي: لرضاه لا للناس، وفى مقابلة منع الماعون: وَانْحَرْ، وأراد به التصدق بلحم الأضاحي، فاعتبر هذه المناسبة العجيبة[24].
وقال سبحانه: ï´؟ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ï´¾، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأمته يَرِدُون على الحوض ورود النازل على الماء، ويرتحلون إلى منازل العزِّ والأنهار الجارية في الجِنان، والحوض للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته عند عطش الأكباد قبل الوصول إلى المقام الكريم، فقال فيه: ï´؟ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ ï´¾؛ لأنه يترك ذلك عن قرب، وينتقل إلى ما هو أعظم منه[25].
ï´؟ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ï´¾ قوله سبحانه: ï´؟ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ï´¾، ولم يقل: "لنا"، ليُنَبّه على أنه أهلٌ لأن يصلى له؛ لأنه ربه الذي خلقه وأبدعه ورباه بنعمته[26].
وقال في موضع آخر: لم يقل: "لنا" تحريضًا على فعل الصلاة لحق الربوبية[27].
ï´؟ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ï´¾ [الكافرون: 2] قوله تعالى:ï´؟ قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ.... لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ï´¾ [28]، يحكى أن بعض الزنادقة سأل الحسن بن علي رضي الله عنه عن هذه الآية فقال: إني أجد في القرآن تكرارًا وذكر له ذلك، فأجابه الحسن بما حاصله: إن الكفار قالوا: نعبد إلهك شهرًا وتعبد آلهتنا شهرًا، فجاء النفيُ متوجهًا إلى ذلك، والمقصود أن هذه ليست من التكرار في شيء، بل هي بالحذف والاختصار أليق، وذلك لأن قوله: ï´؟ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ï´¾ [الكافرون: 2]، أي لا أعبد في المستقبل ما تعبدون في المستقبل، وقوله: ï´؟ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ï´¾[29]، أي ولا أنا عابد في الحال ما عبدتم في المستقبل،ï´؟ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ ï´¾ [30]، في الحال ما أعبُدُ في المستقبل.
والحاصل أن القصد نفيُ عبادته لآلهتهم في الآزمنة الثلاثة: الحال، والماضي، والاستقبال، والمذكور في الآية النفي في الحال والاستقبال، وحذف الماضي من جهته ومن جهتهم، ولا بد من نفيه، لكنه حُذِف لدلالة الأولين عليه.
وفيه تقدير آخر؛ وهو أن الجملة الأولى فعلية، والثانية اسمية، وقولك: "لا أفعله"، و"لا أنا فاعله"، أحسن من قولك "لا أفعله"، و"لا أفعله"؛ فالجملة الفعلية نفي لإمكانه، والاسمية نفي لاتصافه، كما في قوله تعالى: ï´؟ وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ ï´¾ [الروم: 53] [31]، ï´؟ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ï´¾ [فاطر: 22] [32]، والمعنى أنه تبرأ من فعله ومن الاتصاف به، وهو أبلغ في النفي، وأما المشركون فلم ينتف عنهم إلا بصيغة واحدة، وهي قوله: ï´؟ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ï´¾ [33]، في الموضعين.
وفرق آخر، وهو أنه قال في نفيه الجملة الاسمية: ï´؟ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ï´¾ [34]، وقال في النفي عنهم: ï´؟ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ï´¾ [35]، عائد في حقّه بين الجملتين، وقال: ï´؟ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ï´¾ بالمضارع، وفي الثاني: ï´؟ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ï´¾ [36]، بالماضي، فإن المضارع يدل على الدوام، بخلاف الماضي، فأفاد ذلك أن ما عبدتموه ولو مرّة ما أنا عابد له البتَّة، ففيه كمال براءته ودوامها ممّا عبدوه ولو مرّة، بخلاف قوله: ï´؟ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ï´¾، فإن النفيَ من جنس الإثبات، وكلاهما مضارع يظهران جملة ومنفردًا[37].
ï´؟ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ï´¾ [الكافرون: 3]
قوله تعالى: ï´؟ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ï´¾، أي: الله – جلَّ جلاله.
قوله تعالى:ï´؟ مَا أَعْبُدُ ï´¾ فهي على بابها؛ لأنها واقعة على معبوده ÷ على الإطلاق، لأن الكفار كانوا يظنون أنهم يعبدون الله وهم جاهلون به، فكأنه قال: أنتم لا تعبدون معبودي.
ووجه آخر، وهو أنهم كانوا يحسدونه ويقصِدون مخالفته كائنًا من كان معبوده، فلا يصح في اللفظ إلا لفظة "ما" لإبهامها ومطابقتها لغرض أو لازدواج الكلام؛ لأن معبودهم لا يعقل، وكرّر الفعل "على" بنية المستقبل حيث أخبر عن نفسه، إيماءً إلى عصمة الله له عن الزيغ والتبديل، وكرّره "بلفظ" حين أخبر عنهم بأنهم يعبدون أهواءهم، ويتبعون شهواتهم، بفرض أن يعبدوا اليوم ما لا يعبدون غدًا[38].
التكاثر
ï´؟ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ï´¾ [التكاثر: 3]قال الزمخشري في قوله تعالى: ï´؟ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ [1]، إن الثانية تأسيس لا تأكيد؛ لأنه جعل الثانية أبلغ في الإنشاء فقال: وفي ï´؟ ثُمَّ ï´¾ تنبيه على أن الإنذار الثاني أبلغ من الأول، وفيه تنبيه على تكرر ذلك مرة بعد أخرى، وإن تعاقبت عليه الأزمنة لا يتطرق إليه تغيير، بل هو مستمر دائمًا[2].
قوله تعالى: ï´؟ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ï´¾ [3]، هي ردٌّ لما قبلها لأنه لما قال: ï´؟ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ï´¾ [4]، كان إخبارًا بأنهم لا يعلمون الآخرة، ولا يصدِّقون بها، فقال: ï´؟ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ï´¾، فلا يحسن الوقف عليها -هنا- إلا لتبيين ما بعدها، ولو لم يفتقر لما بعدها لجاز الوقف[5].
ï´؟ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ï´¾ قوله تعالى: ï´؟ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ï´¾، أي عاقبة أمركم؛ لأن سياق القول في التهديد والوعيد[6].
ï´؟ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ï´¾ [التكاثر: 5]
قوله تعالى: ï´؟ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ï´¾، تقديره لمّا: ï´؟ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ï´¾[7]. وقيل: تقديره: لشغلكم ذلك عما أنتم فيه، وقيل: لرجعتم عن كفركم، أو لتحققتم مصداق ما تحذرونه[8].
الهمزة
ï´؟ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ï´¾ [الهمزة: 1]
قوله تعالى: ï´؟ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ï´¾، قيل: إنه أمية بن خلف، كان يهمز النبي صلى الله عليه وسلم[9].
سورة الفيل
ï´؟ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ï´¾ [الفيل: 5]
قوله تعالى: ï´؟ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ï´¾، كنّى به عن مصيرهم إلى العذرة، فإن الورق إذا أكل انتهى حاله إلى ذلك[10].
سورة قريش
ï´؟ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ï´¾ [قريش: 1]
قال رحمه الله: اللام في: ï´؟ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ï´¾، قيل: إنها متعلقة ï´؟ فَجَعَلَهُمْ ï´¾ في آخر الفيل[11].
واعلم أنه لم يسم الله قبيلة من جميع قبائل العرب باسمها إلا قريشًا، سمّاهم بذلك في القرآن؛ ليبقى على مرِّ الدهور ذكرهم فقال تعالى: ï´؟ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ï´¾[12]، وقال رحمه الله أيضًا: قوله تعالى: ï´؟ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ï´¾ هي متعلقة بقوله:ï´؟ فَلْيَعْبُدُوا ï´¾[13]، أو بقوله: ï´؟ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ï´¾[14]، ولهذا كانتا في مصحف أُبَيّ سورة واحدة، وضُعّف بأن جعلهم كعصف مأكول، إنما هو لكفرهم وتجرّئهم على البيت، وقيل: متعلق بمحذوف أي أعجبوا[15].
ï´؟ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ï´¾ [قريش: 4]
قوله تعالى: ï´؟ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ï´¾، أي من جوع شديدٍ وخوف عظيم[16].
وقوله: ï´؟ مِنْ جُوعٍ ï´¾، أي من أجل الجوع، ورده الأبذي بأن الذي فهم منه العلة إنما هو لأجل المراد، وإنما هي للابتداء، أي ابتداء الإطعام من أجل الجوع.
وقوله تعالى: ï´؟ أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ ï´¾، أشار سيبويه إلى أنّ "مِنْ" -هنا- تؤدي معنى "عن"[17].
وقيل: هي بمنزلة اللام للعلة، أي لأجل الجوع، وليس بشيء، فإن الذي فهم منه العلة إنما هو "أجل" لا "مِنْ"[18].
سورة الماعون
ï´؟ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ï´¾ [الماعون: 1]
قوله تعالى: ï´؟ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ï´¾، أي: أخبرني[19].
ï´؟ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ï´¾ [الماعون: 5]
قال رحمه الله: ينبغي العناية بتدبر الألفاظ كي لا يقع الخطأ كما وقع لجماعة من الكبار، فروى الخطابي عن أبي العالية أنه سُئِل عن معنى قوله: ï´؟ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ï´¾، فقال: هو الذي ينصرف عن صلاته ولا يدري عن شفع أو وتر. قال الحسن[20]: مه يا أبا العالية! ليس هكذا، بل الذين سهوا عن ميقاتهم حتى تفوتهم[21]، ألا ترى قوله: ï´؟ عَنْ صَلَاتِهِمْ ï´¾؟ فلما لم يتدبر أبو العالية حرف "في" و"عن" تنبّه له الحسن، إذ لو كان المراد ما فهم أبو العالية لقال "في صلاتهم"، فلما قال: ï´؟ عَنْ صَلَاتِهِمْ ï´¾ دلّ على أن المراد به الذهاب عن الوقت[22].
ï´؟ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ï´¾ [الماعون: 7]
قوله تعالى: ï´؟ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ï´¾، قيل: الزكاة المفروضة، وقيل: العارية، أو الماء، أو النار، أو الكلأ، أو الرفد، أو المغرفة، وكلُّها صحيح؛ لأن مانع الكلّ آثم[23].
سورة الكوثر
ï´؟ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ï´¾ [الكوثر: 1]قال رحمه الله: من لطائف سورة الكوثر أنها كالمقابلة للتي قبلها؛ لأن السابقة قد وصف الله فيها المنافق بأمور أربعة: البخل، وترك الصلاة، والرياء فيها، ومنع الزكاة، فذكر -هنا- في مقابلة البخل: ï´؟ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ï´¾، أي: الكثير، وفى مقابلة ترك الصلاة: ï´؟ فَصَلِّ ï´¾، أي: دم عليها، وفى مقابلة الرياء: لِرَبِّكَ، أي: لرضاه لا للناس، وفى مقابلة منع الماعون: وَانْحَرْ، وأراد به التصدق بلحم الأضاحي، فاعتبر هذه المناسبة العجيبة[24].
وقال سبحانه: ï´؟ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ï´¾، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأمته يَرِدُون على الحوض ورود النازل على الماء، ويرتحلون إلى منازل العزِّ والأنهار الجارية في الجِنان، والحوض للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته عند عطش الأكباد قبل الوصول إلى المقام الكريم، فقال فيه: ï´؟ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ ï´¾؛ لأنه يترك ذلك عن قرب، وينتقل إلى ما هو أعظم منه[25].
ï´؟ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ï´¾ قوله سبحانه: ï´؟ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ï´¾، ولم يقل: "لنا"، ليُنَبّه على أنه أهلٌ لأن يصلى له؛ لأنه ربه الذي خلقه وأبدعه ورباه بنعمته[26].
وقال في موضع آخر: لم يقل: "لنا" تحريضًا على فعل الصلاة لحق الربوبية[27].
سورة الكافرون
ï´؟ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ï´¾ [الكافرون: 2] قوله تعالى:ï´؟ قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ.... لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ï´¾ [28]، يحكى أن بعض الزنادقة سأل الحسن بن علي رضي الله عنه عن هذه الآية فقال: إني أجد في القرآن تكرارًا وذكر له ذلك، فأجابه الحسن بما حاصله: إن الكفار قالوا: نعبد إلهك شهرًا وتعبد آلهتنا شهرًا، فجاء النفيُ متوجهًا إلى ذلك، والمقصود أن هذه ليست من التكرار في شيء، بل هي بالحذف والاختصار أليق، وذلك لأن قوله: ï´؟ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ï´¾ [الكافرون: 2]، أي لا أعبد في المستقبل ما تعبدون في المستقبل، وقوله: ï´؟ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ï´¾[29]، أي ولا أنا عابد في الحال ما عبدتم في المستقبل،ï´؟ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ ï´¾ [30]، في الحال ما أعبُدُ في المستقبل.
والحاصل أن القصد نفيُ عبادته لآلهتهم في الآزمنة الثلاثة: الحال، والماضي، والاستقبال، والمذكور في الآية النفي في الحال والاستقبال، وحذف الماضي من جهته ومن جهتهم، ولا بد من نفيه، لكنه حُذِف لدلالة الأولين عليه.
وفيه تقدير آخر؛ وهو أن الجملة الأولى فعلية، والثانية اسمية، وقولك: "لا أفعله"، و"لا أنا فاعله"، أحسن من قولك "لا أفعله"، و"لا أفعله"؛ فالجملة الفعلية نفي لإمكانه، والاسمية نفي لاتصافه، كما في قوله تعالى: ï´؟ وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ ï´¾ [الروم: 53] [31]، ï´؟ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ï´¾ [فاطر: 22] [32]، والمعنى أنه تبرأ من فعله ومن الاتصاف به، وهو أبلغ في النفي، وأما المشركون فلم ينتف عنهم إلا بصيغة واحدة، وهي قوله: ï´؟ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ï´¾ [33]، في الموضعين.
وفرق آخر، وهو أنه قال في نفيه الجملة الاسمية: ï´؟ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ï´¾ [34]، وقال في النفي عنهم: ï´؟ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ï´¾ [35]، عائد في حقّه بين الجملتين، وقال: ï´؟ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ï´¾ بالمضارع، وفي الثاني: ï´؟ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ï´¾ [36]، بالماضي، فإن المضارع يدل على الدوام، بخلاف الماضي، فأفاد ذلك أن ما عبدتموه ولو مرّة ما أنا عابد له البتَّة، ففيه كمال براءته ودوامها ممّا عبدوه ولو مرّة، بخلاف قوله: ï´؟ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ï´¾، فإن النفيَ من جنس الإثبات، وكلاهما مضارع يظهران جملة ومنفردًا[37].
ï´؟ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ï´¾ [الكافرون: 3]
قوله تعالى: ï´؟ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ï´¾، أي: الله – جلَّ جلاله.
قوله تعالى:ï´؟ مَا أَعْبُدُ ï´¾ فهي على بابها؛ لأنها واقعة على معبوده ÷ على الإطلاق، لأن الكفار كانوا يظنون أنهم يعبدون الله وهم جاهلون به، فكأنه قال: أنتم لا تعبدون معبودي.
ووجه آخر، وهو أنهم كانوا يحسدونه ويقصِدون مخالفته كائنًا من كان معبوده، فلا يصح في اللفظ إلا لفظة "ما" لإبهامها ومطابقتها لغرض أو لازدواج الكلام؛ لأن معبودهم لا يعقل، وكرّر الفعل "على" بنية المستقبل حيث أخبر عن نفسه، إيماءً إلى عصمة الله له عن الزيغ والتبديل، وكرّره "بلفظ" حين أخبر عنهم بأنهم يعبدون أهواءهم، ويتبعون شهواتهم، بفرض أن يعبدوا اليوم ما لا يعبدون غدًا[38].
تعليق