ترقية الذات.. التعامل بشفافية
كيف تتعامل مع الآخرين سواء في البيت أو العمل؟ هل اعتدت أن تتعامل معهم بوضوح وصراحة أم تفضل اللجوء إلى التعتيم والإخفاء والغموض؟ وهل رصدت نتائج التعامل بكل من الطريقتين من حيث المكاسب والخسائر لك وللآخرين؟
دعني أطرح سؤالا أسهل: أي الطريقتين تحب أن يتعامل معك الآخرون بها؟
أنا وكثيرون نفضل طريقة الوضوح والصراحة فهي تساعدنا على اتخاذ القرارات السليمة والتقييم السديد، ومعالجة المشكلات أو الأزمات وفق المعلومات الصحيحة،
لذلك كان من المهم أن نعزز في أنفسنا مبدأ الشفافية Trasparency.
وقد أخذت الشفافية معناها المستعار من علم الفيزياء وتعني المادة الشفافة الزجاجية الواضحة بحيث يمكن رؤية الطرف الآخر من خلالها فهي تشير إلى معاني الانفتاح والتواصل والتقييم.
وهي في لغتنا العربية تعني الشيء الشفاف الذي لا يحجب ما وراءه، فمعنى شف: أي رق حتى يرى ما خلفه، وهذا يعني الوضوح وضده التعتيم والإخفاء.
وهذا المفهوم يعم جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمع، فالشفافية أدب شرعي وحاجة حياتية، وهي أهم أداة للكشف عن مواطن الفساد أو الخلل وتشخيصها ودراستها والبحث عن أسبابها واقتراح وسائل علاجها وتلافيها.
ولنأخذ موقعين للشفافية في حياتنا:
الأول: في الحياة الأسرية.
والثاني: في الحياة الاقتصادية.
ففي الحياة الأسرية يتبين أن الصراحة والوضوح، والمكاشفة من أهم أسس بناء الثقة، ومعالجة المشكلات العارضة في البيت، وكان هذا من سمات البيت النبوي فلنتأس به.
روى أحمد في مسنده أن ناسا مِن أصحابِ رسُولِ اللهِ (صلى اللهُ عليهِ وسلم) دخلوا على أُمِ سلمة، فقالُوا: يا أُم المُؤمِنِين، حدِثِينا عن سِرِ رسُولِ اللهِ، قالت: كان سِرُهُ وعلانِيتُهُ سواء، ثُم ندِمتُ، فقُلتُ: أفشيتُ سِر رسُولِ اللهِ (صلى اللهُ عليهِ وسلم)، قالت: فلما دخل أخبرتهُ، فقال لها: (أحسنتِ).
وتحدثت عائِشة رضي الله عنها عن ليلتها مع النبي (صلى اللهُ عليهِ وسلم) حيث شعرت بأنه ترك فراشها إلى خارج البيت، وبدافع الغيرة خرجت في أثره، فوجدته قد جاء البقِيع، فرفع يديهِ ثلاث مراتٍ، ثم هرولت إلى بيتها قبل رجوع النبي (صلى اللهُ عليهِ وسلم) لكن نهيج أنفاسها جعله يسألها: مالك ياعائش؟ قالت: لا، فقال: «لتُخبِرِنِي أو ليُخبِرنِي اللطِيفُ الخبِيرُ»، فأخبرتُهُ الخبر، فبين لها سبب خروجه وتلطفه بها، فقال: (كرِهتُ أن أُوقِظكِ، وخشِيتُ أن تستوحِشِي، فأمرنِي (جبريل) أن آتِي البقِيع، فأستغفِر لهُم»، قُلتُ: كيف أقُولُ يا رسُول اللهِ؟ قال: «قُولِي السلامُ على أهلِ الدِيارِ مِن المُؤمِنِين والمُسلِمِين، يرحمُ اللهُ المُستقدِمِين مِنا والمُستأخِرِين، وإِنا إِن شاء اللهُ بِكُم لاحِقُون»... رواه مسلم.
لقد أوضح لها النبي (صلى اللهُ عليهِ وسلم) سبب خروجه الطارئ من بيتها، واغتنمت عائشة - رضي الله عنها - الفرصة لتسأل عن الدعاء الذي يقال لأهل القبور، وكان سؤالها لباقة منها أنهت جو التوتر في تلك الليلة.
وقد لا يحسن الإفصاح عن كل شيء بين الزوجين في بعض الحالات مثل مشاعر الزوج أو الزوجة تجاه أهل الزوج أو الزوجة إذا كانت المشاعر سلبية أو مصارحة أحد الزوجين الآخر بحقيقة مشاعره تجاه الزوج في حال البغض، أو الحديث عن الماضي وعلاقاته قبل الزواج، لما قد يثيره من مشكلات محتملة.
أما في الحياة الاقتصادية ودنيا المال والأعمال، فالشفافية تقتضي توفير المعلومات والقرارات ذات العلاقة والجهات المسؤولة عنها، والنتائج المترتبة عليها ومنحها للمعنيين بهدف تحليل عمليات المؤسسة وتقييم إنجازاتها بدقة.
وفي غياب الشفافية يقتحم الفساد أبواب العمل ومنظماته، وتتعرض الحقوق للضياع، و(تفبرك) تقارير مالية وإدارية تختلف عن الواقع الحقيقي.
لذا جاء النهي صريحا عن كتمان ما يتعلق بالحقوق المالية كالدين، كما في قوله تعالى: {ولا تكتُمُوا الشهادة ومن يكتُمها فإِنهُ آثِم قلبُهُ واللهُ بِما تعملُون علِيم} (283) سورة البقرة.
وروى البخاري قول النبي (صلى اللهُ عليهِ وسلم): «البيِعانِ بِالخِيارِ حتى يتفرقا، فإِن صدقا وبينا بُورِك لهُما فِي بيعِهِما، وإِن كذبا وكتما مُحِق بركةُ بيعِهِما».
إن الارتقاء بمستوى الشفافية يبدأ بكل فرد فينا أنى كان موقعه، في حرصه على الوضوح والصدق والنزاهة والابتعاد عن الخداع والتمويه والتدليس، لعلنا ننجح في تحقيق مستوى أفضل في الشفافية لمجتمعاتنا العربية التي لا تزال غالبيتها - حسب التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية للعام الماضي 2015م - غير قادرة على اجتياز حاجز الـ «50» درجة المطلوب للنجاح في الشفافية ومكافحة الفساد.
منقول
كيف تتعامل مع الآخرين سواء في البيت أو العمل؟ هل اعتدت أن تتعامل معهم بوضوح وصراحة أم تفضل اللجوء إلى التعتيم والإخفاء والغموض؟ وهل رصدت نتائج التعامل بكل من الطريقتين من حيث المكاسب والخسائر لك وللآخرين؟
دعني أطرح سؤالا أسهل: أي الطريقتين تحب أن يتعامل معك الآخرون بها؟
أنا وكثيرون نفضل طريقة الوضوح والصراحة فهي تساعدنا على اتخاذ القرارات السليمة والتقييم السديد، ومعالجة المشكلات أو الأزمات وفق المعلومات الصحيحة،
لذلك كان من المهم أن نعزز في أنفسنا مبدأ الشفافية Trasparency.
وقد أخذت الشفافية معناها المستعار من علم الفيزياء وتعني المادة الشفافة الزجاجية الواضحة بحيث يمكن رؤية الطرف الآخر من خلالها فهي تشير إلى معاني الانفتاح والتواصل والتقييم.
وهي في لغتنا العربية تعني الشيء الشفاف الذي لا يحجب ما وراءه، فمعنى شف: أي رق حتى يرى ما خلفه، وهذا يعني الوضوح وضده التعتيم والإخفاء.
وهذا المفهوم يعم جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمع، فالشفافية أدب شرعي وحاجة حياتية، وهي أهم أداة للكشف عن مواطن الفساد أو الخلل وتشخيصها ودراستها والبحث عن أسبابها واقتراح وسائل علاجها وتلافيها.
ولنأخذ موقعين للشفافية في حياتنا:
الأول: في الحياة الأسرية.
والثاني: في الحياة الاقتصادية.
ففي الحياة الأسرية يتبين أن الصراحة والوضوح، والمكاشفة من أهم أسس بناء الثقة، ومعالجة المشكلات العارضة في البيت، وكان هذا من سمات البيت النبوي فلنتأس به.
روى أحمد في مسنده أن ناسا مِن أصحابِ رسُولِ اللهِ (صلى اللهُ عليهِ وسلم) دخلوا على أُمِ سلمة، فقالُوا: يا أُم المُؤمِنِين، حدِثِينا عن سِرِ رسُولِ اللهِ، قالت: كان سِرُهُ وعلانِيتُهُ سواء، ثُم ندِمتُ، فقُلتُ: أفشيتُ سِر رسُولِ اللهِ (صلى اللهُ عليهِ وسلم)، قالت: فلما دخل أخبرتهُ، فقال لها: (أحسنتِ).
وتحدثت عائِشة رضي الله عنها عن ليلتها مع النبي (صلى اللهُ عليهِ وسلم) حيث شعرت بأنه ترك فراشها إلى خارج البيت، وبدافع الغيرة خرجت في أثره، فوجدته قد جاء البقِيع، فرفع يديهِ ثلاث مراتٍ، ثم هرولت إلى بيتها قبل رجوع النبي (صلى اللهُ عليهِ وسلم) لكن نهيج أنفاسها جعله يسألها: مالك ياعائش؟ قالت: لا، فقال: «لتُخبِرِنِي أو ليُخبِرنِي اللطِيفُ الخبِيرُ»، فأخبرتُهُ الخبر، فبين لها سبب خروجه وتلطفه بها، فقال: (كرِهتُ أن أُوقِظكِ، وخشِيتُ أن تستوحِشِي، فأمرنِي (جبريل) أن آتِي البقِيع، فأستغفِر لهُم»، قُلتُ: كيف أقُولُ يا رسُول اللهِ؟ قال: «قُولِي السلامُ على أهلِ الدِيارِ مِن المُؤمِنِين والمُسلِمِين، يرحمُ اللهُ المُستقدِمِين مِنا والمُستأخِرِين، وإِنا إِن شاء اللهُ بِكُم لاحِقُون»... رواه مسلم.
لقد أوضح لها النبي (صلى اللهُ عليهِ وسلم) سبب خروجه الطارئ من بيتها، واغتنمت عائشة - رضي الله عنها - الفرصة لتسأل عن الدعاء الذي يقال لأهل القبور، وكان سؤالها لباقة منها أنهت جو التوتر في تلك الليلة.
وقد لا يحسن الإفصاح عن كل شيء بين الزوجين في بعض الحالات مثل مشاعر الزوج أو الزوجة تجاه أهل الزوج أو الزوجة إذا كانت المشاعر سلبية أو مصارحة أحد الزوجين الآخر بحقيقة مشاعره تجاه الزوج في حال البغض، أو الحديث عن الماضي وعلاقاته قبل الزواج، لما قد يثيره من مشكلات محتملة.
أما في الحياة الاقتصادية ودنيا المال والأعمال، فالشفافية تقتضي توفير المعلومات والقرارات ذات العلاقة والجهات المسؤولة عنها، والنتائج المترتبة عليها ومنحها للمعنيين بهدف تحليل عمليات المؤسسة وتقييم إنجازاتها بدقة.
وفي غياب الشفافية يقتحم الفساد أبواب العمل ومنظماته، وتتعرض الحقوق للضياع، و(تفبرك) تقارير مالية وإدارية تختلف عن الواقع الحقيقي.
لذا جاء النهي صريحا عن كتمان ما يتعلق بالحقوق المالية كالدين، كما في قوله تعالى: {ولا تكتُمُوا الشهادة ومن يكتُمها فإِنهُ آثِم قلبُهُ واللهُ بِما تعملُون علِيم} (283) سورة البقرة.
وروى البخاري قول النبي (صلى اللهُ عليهِ وسلم): «البيِعانِ بِالخِيارِ حتى يتفرقا، فإِن صدقا وبينا بُورِك لهُما فِي بيعِهِما، وإِن كذبا وكتما مُحِق بركةُ بيعِهِما».
إن الارتقاء بمستوى الشفافية يبدأ بكل فرد فينا أنى كان موقعه، في حرصه على الوضوح والصدق والنزاهة والابتعاد عن الخداع والتمويه والتدليس، لعلنا ننجح في تحقيق مستوى أفضل في الشفافية لمجتمعاتنا العربية التي لا تزال غالبيتها - حسب التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية للعام الماضي 2015م - غير قادرة على اجتياز حاجز الـ «50» درجة المطلوب للنجاح في الشفافية ومكافحة الفساد.
منقول
تعليق