• تم تحويل المنتديات للتصفح فقط

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بين الأ مس واليوم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بين الأ مس واليوم

    جيل اليوم مطالب بتذكر مشقة ومعاناة الأجداد في الحصول على الماء العذب

    «الـمياه».. من الآبار والغدران إلى محطات التحلية العملاقة


    الآبار قديماً المصدر الوحيد لسقيا الماء



    إعداد: حمود الضويحي



    كان تجمهر النساء عند أحد آبار القرية لإحضار الماء مشهدا يوميا متكررا فيما مضى من اجل ملء قدورهن بالماء ومن ثم مساعدة بعضهن البعض في رفعه على الرؤوس وتثبيته على (الوقاة) الشبيهة بالعقال، حيث تحث الخطى للوصول إلى البيت للتخلص من ثقله بإفراغه في الأواني الخاصة به وذلك لاستخدامه طوال اليوم وخصوصاً للشرب، وكانت تلك المهمة الشاقة بالنسبة إلى المرأة إحدى المهمات التي تقوم بها طوال اليوم في الاهتمام بمن في البيت جميعاً من زوج وأطفال بل وحتى حيوانات وطيور داجنة، بينما الرجل يكدح في حقله أو صناعته وحرفته أو تجارته، لذا كان الحرص على الماء والترشيد أمرا محتماً وتفرضه الحاجة، فلا مجال إلى الإسراف، وفي عصرنا الحاضر بات أمر توفير الماء غاية في السهولة حيث لا يتطلب منك سوى جهد يسير بان تدير الصنبور ليتدفق لك الماء دون توقف وبسعر زهيد مقارنة كرسوم لإيصاله.. هذا الوضع الذي نعيشه بحمد الله بتوافر المياه جعل جيل اليوم يتساهل في استهلاك الماء بل ويسرف في استعماله متناسياً تلك المشقة في توفيره في زمن الأجداد.. بل لا يكاد يصدق جيل اليوم الذي بات يعيش مرفهاً أن هذا الماء الذي هو عصب الحياة كان يستنزف وقتاً طويلاً من أجل إحضار القليل منه بالطرق البدائية المتعبة والشاقة ليس من أجل الاستحمام والنظافة بل لأجل مجرد الشرب فقط لذا كان الحرص عليه شديداً والمحافظة كانت من سكان المنزل جميعاً.
    المثل التعجيزي «إلّي عاجبه وإلا يشرب من البحر».. تحوّل الحلم لحقيقة وأصبحت المملكة أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم!
    مياه الآبار
    كان مصدر المياه الوحيد فيما مضى هو الآبار التي كانت تحفر في العديد من القرى والبلدات وخصوصاً في المزارع، وكانت المياه في تلك الآبار تتفاوت عذوبتها، فالبعض منها عذب والبعض الآخر شديد الملوحة حيث يطلقون عليه (هماج) أي لا يستساغ للشرب بل كان يستخدم لسقيا المزروعات وخاصة النخيل أو للغسيل، مما جعل الآبار التي تتميز بعذوبتها تشتهر في الآفاق، ففي كل بلدة مثلاً تجد بئرا او أكثر تشتهر بعذوبتها ويكون لها اسم خاص يسأل عنها من يرد تلك القرى كي يتزود من معين مائها العذب، أما بالنسبة إلى حفر الآبار فقد كان فيه مشقة كبيرة حيث يتطلب تعاون الكثير من الناس من أجل انجاز هذه المهمة حيث يبدأون أولاً في حفر البئر لبضعة أمتار حيث كانت المياه السطحية قريبة في الكثير من البلدان وبعد أن يجدوا الماء بكثرة تجيء عملية (طي) البئر بالحجارة على شكل هندسي دائري بديع في الغالب ونادراً ما تكون البئر مربعة فتبدأ عملية (الطي) من الأسفل إلى الأعلى ويتولى الإشراف على هذه المهمة شخص حاذق يساعده العمال الذين يشتغلون بالأجرة، وبعد بلوغ سطح الأرض يتم تسوير البئر بارتفاع قدر المتر تقريباً ومن ثم يبنى على حافة البئر عمودان بارتفاع ثلاثة أمتار تقريباً تسمى (الزرانيق) ويتم وضع جذع نخلة تعلق فيه السواني التي تجلب الماء من البئر عن طريق جرها بالحيوانات كالابل التي تسير أمام البئر في حفرة تسمى (المنحاة) وتكون بعد اللزا، وهي حفرة كبيرة بيضاوية الشكل مخصصة لمرور الحيوانات التي تسحب الغروب من البئر لتصب في (اللزا) وهي بركة صغيرة ملاصقة للبئر تصب فيها (الغروب) أو (الدلاء)، وتكون هذه (المنحاة) واسعة لمرور اثنين من الحيوانات ذهاباً وإيابا فهي تسحب الغروب وتجعل (اللزا) خلفها حتى تصب الغروب في (اللزا)، ثم تعود أدراجها حتى تصل إلى (اللزا) مما يسمح للغروب بالغطس في قاع البئر لتمتلئ من المياه لتقوم بالعودة لإخراج الغروب وهكذا دواليك حتى تتم عملية سقي المزروعات، ونظراً لأن حفر البئر كان مكلفاً ويتطلب جهداً كبيراً فقد كانت الآبار قليلة في كل بلدة حيث كانت تحفر في المزارع أو بالقرب من المساجد وقليل من الموسرين كان يستطيع حفر بئر صغيرة في منزله تغنيه عن مشقة إحضار الماء من آبار القرية وكان من يملك بئراً في منزله من أهل الجاه والوجاهة.
    حفظ الماء
    بعد أن تحضر المرأة الماء في قدرها من البئر تقوم بسكبه في أوانٍ خاصة لحفظه وهي متعددة وتعتمد على يسر صاحب البيت أو عسره فالموسرون كانوا يملكون أواني من النحاس تسمى (حدادية) تتسع للكثير من الماء، بينما البعض الآخر من الموسرين يكون لديه إناء منحوت من الصخر يسمى (القرو) على شكل دائري أو مستطيل يتفاوت حجمه وهو غالي الثمن ولا يملكه إلا الموسرون حيث يتطلب صنعه دقة متناهية في الحفر الذي قد يستغرق أياماً عده لأنواع معينة كبيرة من الصخور، أما من كان لا يستطيع امتلاك (حدادية) أو (قرو) فكان يحفظه في قدر من النحاس يسمى (حجري) ويتم تغطية الماء بحصير مصنوع من (سعف) النخيل، كما كان البعض يحفظ الماء في (الزير) وهو إناء مصنوع من الفخار يحفظ الماء فيه وخصوصاً ما كان للشرب حيث كان يمتاز بحفظه للماء وتبريده في فصل الصيف، ومن أجل الاستفادة من الماء فقد كانوا يستخدمون إناء اسمه (مثعوبة) وهو إناء نحاسي ذو شكل مدور وله شفة بارزة يحمل بها وله (ثعبة) طويلة في جنبه يفرع منها الماء، وتستعمل لماء الغسل، وقد تستعمل لغيره من السوائل وأحجامها مختلفة وأكبرها يكفي لغسل الاستحمام مرة واحدة وأصغرها يكفي لماء الوضوء، ومنها ما هو اصغر من ذلك واستعمالها منتشر في أكثر البيوت لهذا الغرض ومنها ما يزين بزخارف دقيقة محفورة على شفتها واسمها مأخوذ من وجود (الثعبة) التي تميزها في جنبها، وهو تعبير ذو أصل عربي فصيح، أما القرب فكان استخدامها لساكني البلدان قليلا حيث كانت تستخدم بكثرة في البادية، بالإضافة إلى (المطارة) وهي مصنوعة من القماش على شكل كيس مستطيلة الشكل (مخيوطة) من جميع الجوانب ولها فتحة نحاسية صغيرة في أعلاها تسمح بانسكاب الماء منها وتغلق بإحكام بربطها وتحمل غالباً عند السفر وتغلق على ظهر البعير أو السيارة بحيث تبرد بمجرد مرور الهواء بها حيث يرشح الماء على جوانبها.
    المسقاة
    وكان جل الماء الذي تجلبه النساء من الآبار إلى البيوت يستخدم في الشرب أو تنظيف الأواني، أما الاستحمام فقد كان يتم خارج المنزل حيث لم يكن يتوفر في البيوت دورات للمياه (حمامات) للغسل أو الاستحمام، وكان الوجهة الوحيدة إلى الاغتسال هو(المسقاة) التي عادة تكون ملاصقة للمسجد وهي عبارة عن مبنى ملحق بالبئر تحتوي على (قرو) للوضوء موضوع على الأرض و(قرو) آخر موضوع على جدار قريب من البئر بارتفاع قامة الرجل في موضع منزو مبني حوله جدار على شكل نصف دائرة في زاوية وله مدخل يسع لدخول شخص واحد وليس عليه باب وجداره قصير بحيث يرى من بداخله فمن أراد الاستحمام يقوم بملء دلو مخصص من البئر ويملأ (القرو) المثبت على الجدار وهو (قرو) منحوت من الحجارة على شكل دائرة وفي أسفله ثقب صغير ينسكب منه الماء ومغلق بعود رفيع ملفوف به قماش كسدادة فمن أراد الاستحمام يدخل إليه وينزع ملابسه ويطرحها على الجدار ليراها من يريد الدخول فيعلم بأن شخصاً قد سبقه إلى الاستحمام ومن ثم يزيل العود من (القرو) فينسكب الماء على جسده ومن ثم يرتدي ملابسه ويخرج، وقد يصادف أن ينتهي الماء من (القرو) قبل أن ينهي استحمامه فيطلب ممن يكون بالقرب منه أن يسعفه بأن يملأ (القرو) بدلو من البئر، وكان هذا هو شأن الرجال عندما يريدون الاستحمام، أما النساء فقد كانت (المسقاة) وجهتهن أيضاً في الاستحمام والغسل.
    الصهاريج
    وتولت وزارة الزراعة والمياه منذ تأسيسها عملية توفير مياه الشرب للمواطنين وبذلت جهوداً كبيرة من أجل ذلك حيث قامت بحفر آبار ارتوازية في كافة مناطق المملكة وزودت المواطنين بمياه الشرب مجاناً، حيث كان توزيع الماء يتم في البداية عن طريق إمدادهم بالماء بواسطة صهاريج تمر على البيوت وتفرغ حمولتها بما يوجد لديهم من أوان، فيما قام الكثيرون بشراء (خزانات) من (الصاج) بأحجام متفاوتة ووضعها في منازلهم من أجل وضع ماء الصهاريج فيها حيث أراحتهم هذه الطريقة من جلب الماء يومياً بطرق بدائية، وضمنت هذه الطريقة وصول الماء العذب إلى المنازل بصفة منتظمة، وبعد أن عم التطور تم مد شبكات أرضية للماء وسارع المواطنون والفرحة تغمرهم بإنشاء شبكات للمياه في منازلهم حيث صارت المياه متوفرة بكثرة في (الصنابير) وفي وقت لاحق تم إنشاء مشروعات مياه عمت كل مدينة وقرية وأصبحت المياه أكثر نقاوة وعذوبة إذ باتت المياه معالجة و(مفلترة)، وودع الناس مشقة توفير الماء إلى الأبد.
    التحلية
    كان المثل القديم يقول (اللي ما يعجبه.. يشرب من البحر) كناية إلى عدم إمكانية شرب مياه البحر المالحة واستساغتها بل واستحالة ذلك، ولكن في عصرنا الحاضر تم مخالفة هذه المقولة وبات جل الناس يشربون من ماء البحر ولكن ليس ملحاً أجاجاً بل ماء عذباً سائغاً للشاربين، ففي ظل الاستهلاك المتنامي للمياه الجوفية في بلادنا وزيادة الطلب بعد النمو السكاني المتزايد كان لا بد من التفكير بحل لأزمة المياه وشحها مما جعل الأنظار تتوجه إلى تحلية مياه البحر ففي عام 1394هـ تم إنشاء المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، والتي قامت بإنشاء عدد من محطات التحلية على طول الخليج العربي والبحر الأحمر والتي عمت معظم مناطق المملكة وأمدتها بالمياه العذبة، وتتصدر المملكة حالياً دول العالم في إنتاج المياه المحلاة بإنتاج تجاوز ملياراً وستة ملايين متر مكعب من المياه سنوياً بنسبة 18% من الإنتاج العالمي، ولا تزال المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة تحافظ على مكانتها كأكبر منتج للمياه المحلاة في العالم بإنتاج بلغ (1006.6) مليون متر مكعب، منها (495.3) ملايين متر مكعب من محطات الساحل الشرقي بنسبة (49.2%)، و(511.3) مليون متر مكعب من محطات الساحل الغربي بنسبة (50.8%) من إجمالي تصدير المؤسسة، وبلغ عدد محطات التحلية 27 محطة تحلية عاملة.
    الترشيد
    الملاحظ لطريقة حفظ الماء قديماً يجد حرصا كبيرا للترشيد والاقتصاد لأن عملية توفيره كانت شاقة ومكلفة، أما في زمننا هذا فان ثقافة الترشيد تكاد تكون شبه غائبة عند الصغار والشباب خصوصاً حيث يبالغون في الاستهلاك إلى حد الإسراف الذي نهى ديننا الحنيف عنه، مما حدا بوزارة البيئة والمياه والزراعة إلى القيام بحملات توعوية متتالية للترشيد في الاستهلاك من أجل نشر ثقافة الترشيد، ولو استشعر هؤلاء الشباب معاناة الجيل السابق في تحصيل الماء العذب والمشقة البالغة التي عايشوها قبل عقود قليلة من الزمن لزادت قناعتهم بأهمية الترشيد التي تدعو إلى وقف الهدر غير المبرر لأغلى سلعة يملكها الإنسان وهي تعني الحياة.

    جيل اليوم يتذكر معاناة الأجداد في الحصول على الماء العذب


    #### الزير كان يستخدم لحفظ ماء الشرب

    نشر ثقافة ترشيد الماء بين الأجيال ضرورة


    صهاريج توزع المياه على البيوت


    استخراج المياه من الآبار كان شاقاً ومتعباً


    سقاي يحمل الماء في جراكل على كتفه


    القرو يستخدم لحفظ الماء في البيوت


    محطات التحلية غطت تزايد الطلب على المياه المحلاة


    صنبور المياه جلب السعادة لجيل الأمس بعد التوسع في شبكات الماء


    كل العطور سينتهي مفعولها
    ويدوم عطر مكارم
    الأخلاق

  • #2
    مفردة الماء حضرت في أمثالهم وأشعارهم الشعبية

    الحياة الصعبة علّمت الأجداد طرق حفظ الماء وعدم الإسراف في استخدامه


    المدي حوض مستطيل لسقيا الاغنام



    ناصر الحميضي



    الماء قوام الحياة وأساس سكنى الديار، وبدونه يهجر الإنسان المكان وتقفر الأرض من سكانها وتفتقر، وهذا أمر لا يحتاج إلى دليل ولا برهان، فالشرب والرعي والزراعة لا تقوم في أماكن الجفاف، وعمران البلدان جاء بجوار الأنهار والوديان والمناطق التي يتوفر فيها الماء.
    ولقد تعلم أجدادنا من الحياة الصعبة طرق حفظ الماء وعدم الاسراف في استخدامه وأولوه أهمية كبيرة، واحتلت مفردة الماء مكانة في ذاكرتهم وأدبهم واهتمامهم، وما كان له الأهمية فإنه يكثر استخدامه في ثقافة الشعوب، جاء في الأمثال الشعبية قولهم:
    (الشتاء يبي صميل والقيظ معك علمه) ويضرب المثل للاحتياط في السفر بالتزود بالماء سواء في الشتاء أو الصيف، كما يضرب المثل للاحتياط عموما في كل ما يحتاج لذلك.
    وقالوا أيضا (الماء ما يغطيه النبيث) ويضرب المثل لشيء لا يمكن إخفاؤه كالأخبار المهمة والثروات والأموال وما شابهها.
    وقالوا أيضا (يغصون بالماء ويجرعون البعارين) ويضرب المثل لغياب المعايير العادلة عند بعض الناس.
    كما قالوا أيضا (الماء ما سمّن الضفدع) ويضرب لمن لا ينتفع بما لديه.
    كما قالوا (ضوه مرشوشة بماء) ويضرب للمشكلة تنطفئ فجأة أو فتنة يقضى عليها، والضو: هي النار.
    ماني بمن يطرد سراب بمضماه شاف السراب ويحسبه إنه غديري
    وأيضا قالوا (اغسل يدك منه بالماء والصابون الممسك) ويضرب للشيء تقطع صلتك به أو العمل تنتهي منه، أو أمر من الأمور تفارقه تماما لعزوفك عنه.
    وقالوا أيضا (يقلبه السيل ويقول ديمة) ويضرب لمن تجري الأخبار المهمة حوله وهو لا يدري ماذا حصل لغفلة فيه أو تغافل.
    أيضا قالوا (كل عليه من زمانه واكف) والواكف هو نزول ماء المطر من السقف، ويضرب المثل لانشغال الناس بمشاكلهم التي يعانون منها.
    وقالوا (ألطف أو أبرد من الماء على الظميان) يقول الشاعر ابن حاضر:
    ألطف من الماء على الظميان
    وأبرد علينا من الفيّهويقول الشاعر عبدالله بن سبيل:
    لا تاخذ الدنيا خراص وهقوات
    يغرك عن نقل الصميل البراد
    ويقول الشاعر علي المخيليل:
    الله لا يسقي ضماكم معازيب
    صبيكم لاجا المطر تطردونه يوم المطر سيّل جميع المشاريب
    صبيكم عقب المطر ما تبونه ويقول الشاعر صقر النصافي
    تضحك وانا صملان قلبي مطواة
    تقول لي لين الفلك يستديري
    ماني بمن يطرد سراب بمضماه
    شاف السراب ويحسبه إنه غديري
    وهكذا جاءت مفردة الماء أو المطر والسيل، حاضرة في الثقافة الاجتماعية سواء الأمثال الشعبية أو الشعر، أو الأقوال الدارجة، وهذا الحضور من دلالات الاهتمام.
    ومن عنايتهم بالماء والتوفير والاقتصاد في استخدامه والاهتمام بحفظه؛ حفروا بجوار كل مسجد بئراً وأوجدوا أماكن للغسل والوضوء تسمى تلك المجموعة (مسقاة) وإن كانت تطلق أساسا على البئر لكن التسمية تنسحب على كل تلك المنظومة، ولا تطلق التسمية على أي بئر في المزارع. ثم خصصوا لكل مسقاة أو ميضأة، دلوا متوسط الحجم إلى صغير، يصب بواسطته الماء في قرو للوضوء عمل من الحجر، صغير الحجم قياسا على تلك القراوة المخصصة لشرب الإبل والغنم والمواشي، كما خصصوا قروا أصغر منه خصصوه للغسل مستقلا وبمكان مستور، ويكفي ملء القرو من يغتسل لمرة واحدة، لأنه يملأه قبل دخوله المكان ثم يغتسل حتى ينتهي ذلك الماء ولا زيادة عليه.
    وكل هذه المياه سواء ماء الوضوء أو الغسيل لا تصرف في بيارة كما اليوم ولا يستسيغون صرف الماء ناحية المياه الجوفية السطحية وتلويثها فهم لا يصرفون في الآبار إلا مياه السيول الطاهرة العذبة، حتى أنهم لا يصرفون المياه المالحة ناحية الآبار لمعرفتهم بمخاطر تلوث الماء العذب وهو قوام حياتهم وبقائهم في المكان.
    إنما تصرف مياه الغسيل والوضوء ناحية مجموعة نخيل بجوار المسجد يسمون الواحد منها في بعض الأقاليم (حويّط) تصغير حائط وهو البستان، تجمع المياه يوم أو يومين في بركة صغيرة تسمى (جابية) وبعد امتلائها يفتح مخرجها على إحدى النخيل، وهكذا لكل نخلة يوم أو أكثر، وتكون ثمار النخيل للقائم على العناية بها سواء مؤذن المسجد أو الإمام أو بحسب مصرف الوقف وما خصص له.
    وفي هذا اقتصاد في الماء وتوجيه للفائض منه لما ينفع المجتمع.
    كما أن بعض المنازل يكون فيها بئر يجذب منها الماء لأهل الدار ويسمحون لبعض جيرانهم عند الحاجة التزود منها، وفي كثير من المنازل نخلة أو أكثر أو أي شجرة مثمرة كالأترجة أو التينة أو السدرة، والغرض من ذلك صرف ماء الوضوء وغسيل الأواني وغيرها من المياه الطاهرة لتلك الأشجار بغرض الاستفادة وتحقيق مردود اقتصادي ينتج من ذلك الماء الذي قد يذهب خسارة وبالإمكان استغلاله فيما ينفع، وبالفعل ينتفعون من نخيلهم في منازلهم وقد تكفيهم جزءا من حاجتهم.
    أما استعمالاتهم الماء فلم تكن كثيرة وليس فيها إسراف، كما أن لديهم تدبيرا حيث خصصوا قروا للماء العذب للشرب والطبخ، بينما خصصوا آخر للماء غير العذب ويسمونه الماء المر، يؤخذ منه للغسيل ولرش أرضية الدار والطريق وأي استعمال آخر لا يحتاج لماء عذب، كما أن كل أوعية حفظ الماء ليست كبيرة كما هي خزانات الماء اليوم ، كما اهتموا بكل ما يتبقى بعد هطول الأمطار كالغدير والقلتة والحسو والجفرة والنقعة.. الخ واعتبروها مخازن مهمة لا يستهان بها ولا يلوثونها بل يحمونها من العبث وينظفونها قبل موسم الأمطار كل عام، لكي تعينهم فترة من الزمن خاصة وأن الأمطار موسمية غير دائمة.
    ولم يحتج المجتمع إلى توعية متكررة وتأكيد على الترشيد في استخدام الماء، كما أن أسلوبهم المعتدل حول ذلك يطبقونه عمليا وقد توارثوه من الأجداد جيلا بعد جيل، وقد اعتادوا بسليقتهم وطبعهم على ذلك وليس لديهم مواسير ماء وحنفيات تصب الماء صبا تفسد عليهم أسلوب الترشيد، بل يرون المعاناة المتكررة كلما أرادوا استخراج دلو من ماء البئر، أو نقل القربة على الظهر أو على الدواب من مصدر بعيد، فالماء القليل عودهم على الاقتصاد فيه والأخذ منه بقدر حاجتهم فقط، فرب ضارة نافعة أدت بهم إلى شكر المنعم وحفظ النعمة.
    ومع قلة المياه والاقتصاد في استهلاكه إلا أنهم اعتنوا بالنظافة ولم يتوقفوا عن استخدامه فيما له ضرورة، فالدار ترش بالماء أرضيتها والسطوح كذلك كل يوم تقريبا، وكذا الطريق وأسواق البيع، فالسقاء يتعهد المرور أمام الدكاكين كل صباح ويرش الطريق بقربة يحملها على ظهره لقاء قروش ومبلغ يسير أو تبرعا منه، فيلطف الجو فلا يتطاير الغبار أثناء التسوق. وأما الفرش والملابس والبسط فتغسل في مياه أقرب المزارع وتصرف للنخيل مع السواقي (الجداول المائية).
    ونقدم نماذج يماثلها العديد في كل قرية وبلد لآبار تجاورها بساتين صغيرة يسمونها حويطات ونخيل على مساحة صغيرة ولكنها كافية لاستيعاب الفاضل من ماء الوضوء والاستفادة من ثمار النخيل.
    تلك أفكار عملية ونماذج لم يطبقها جيل اليوم ولم يسع لتقليدها وكأنها غير موجودة في حين تعد فكرة اقتصادية لا مثيل لها وناجحة منذ آلاف السنين اعتمد أجدادنا تطبيقها لرشدهم وعقلانيتهم وحرصهم على ثرواتهم من باب حفظها لتدوم فالنعمة مع الشكر تبقى وتزيد، كما أن من يعيش في صحراء لا ماء فيها عليه أن يكون فطناً في مجال استخدام الماء والحرص عليه.
    وفي واقعنا اليوم يوجد أمام العيان بعض بقية من الأمس تتمثل في بتراث لا يزال قائما، من ذلك:
    مسجد الزرقاء في ثرمداء، وبجواره البئر وحويط النخل وكذلك (مدي) الماء وهو حوض مستطيل بمساحة صغيرة لكنه يكفي لسقيا العديد من الأغنام.
    ونموذج آخر: مسقاة السدحانية بئر في القصب بالوشم يتجاوز عمرها المئة سنة، فقد عمل على استنباط المياه فيها وتقديمها سبيلا ليستفاد منها في شرب الأغنام والإبل والماشية للحاضرة والبادية. وكلها تشرب من المدي المقام بجوار البئر على أفواج منذ حفرها وحتى الآن وقت كتابة هذا المقال.

    سبيل السدحانية بالقصب

    القرو حوض صغير مخصص للوضوء




    كل العطور سينتهي مفعولها
    ويدوم عطر مكارم
    الأخلاق

    تعليق


    • #3
      هناك فرق بين الأمس واليوم في كل شيء
      نسأل الله تعالى أن يديم علينا نعمته وأمنه وأمانه

      تحيتي أستاذ سعد ...


      تعليق


      • #4
        وفقك الله استاذ سعد على هذا الانتقاء الجميل

        تعليق


        • #5
          شكراً لك أخي الفاضل
          بارك الله فيك










          الحياة مستمرة سواء ضحكت أم بكيت فلا تحمل نفسك هموماً لن تستفيد منها.




          تعليق


          • #6
            الماضي جميل باستعراض ذكرياته لكن قد لا نفكر في ان نعيشه بعد ان اصبحت حياتنا اكثر سرعة وسهولة جميل ما طرحته هنا شكرا لك

            تعليق


            • #7
              المشاركة الأصلية بواسطة جمال بن صالح مشاهدة المشاركة
              هناك فرق بين الأمس واليوم في كل شيء
              نسأل الله تعالى أن يديم علينا نعمته وأمنه وأمانه

              تحيتي أستاذ سعد ...
              اللهم آمين تقبل الله دعائك وشكرالك والله يعطيك العافية تحيتي أستا ذ جمال .
              كل العطور سينتهي مفعولها
              ويدوم عطر مكارم
              الأخلاق

              تعليق


              • #8
                المشاركة الأصلية بواسطة عائض بن سعيد مشاهدة المشاركة
                وفقك الله استاذ سعد على هذا الانتقاء الجميل
                وإياك أستاذ أبو سعيد ومرورك الأجمل شكرالك
                كل العطور سينتهي مفعولها
                ويدوم عطر مكارم
                الأخلاق

                تعليق


                • #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة راجية رضا ربها مشاهدة المشاركة
                  شكراً لك أخي الفاضل
                  بارك الله فيك
                  العفو أستاذه راجية رضا ربها شكرالكِ والله يعطيكِ العافية .
                  كل العطور سينتهي مفعولها
                  ويدوم عطر مكارم
                  الأخلاق

                  تعليق


                  • #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة أطياف مشاهدة المشاركة
                    الماضي جميل باستعراض ذكرياته لكن قد لا نفكر في ان نعيشه بعد ان اصبحت حياتنا اكثر سرعة وسهولة جميل ما طرحته هنا شكرا لك
                    أهلا بك أستاذه أطياف وشكرا لكِ على مداخلتك المميزة ونسأل الله أن يديم علينا نعمة الأمن والأمان ونشكر الله على نعمه علينا التي لا تعد ولا تحصى وندعوا الله أن لا يزيلها وأن يزيدنا من فضله .
                    كل العطور سينتهي مفعولها
                    ويدوم عطر مكارم
                    الأخلاق

                    تعليق


                    • #11
                      اخي العزيز سعد بن معيض القرني
                      حقاً تستحق التقدير على هذا المجهود الرائع والكبير
                      موضوع جميل جداً استمتعت به
                      ننتظر منك المزيد من الابداع
                      اتمنى لك السعادة والتوفيق..

                      تعليق


                      • #12
                        المشاركة الأصلية بواسطة سعيد بن سالم مشاهدة المشاركة
                        اخي العزيز سعد بن معيض القرني
                        حقاً تستحق التقدير على هذا المجهود الرائع والكبير
                        موضوع جميل جداً استمتعت به
                        ننتظر منك المزيد من الابداع
                        اتمنى لك السعادة والتوفيق..


                        أولا نرحب بك أستاذ / سعيد بن سالم في منتدى بلقرن الرسمي وأتمنى لك طيب الأقامة وأن تفيد وتستفيد ويا هلا وغلا.
                        ُثم أنني أشكرك على هذه المداخلة الجميلة وقد أسعدني تواجدك وأسأل الله لك السعادة والتوفيق وشكرالك .
                        كل العطور سينتهي مفعولها
                        ويدوم عطر مكارم
                        الأخلاق

                        تعليق


                        • #13
                          كل الاحترام و التقدير لمشاركتكم الروعة

                          تعليق


                          • #14
                            المشاركة الأصلية بواسطة شهدا مشاهدة المشاركة
                            كل الاحترام و التقدير لمشاركتكم الروعة
                            شكرالك يعطيك العافية
                            كل العطور سينتهي مفعولها
                            ويدوم عطر مكارم
                            الأخلاق

                            تعليق

                            يعمل...
                            X