جيل اليوم مطالب بتذكر مشقة ومعاناة الأجداد في الحصول على الماء العذب
«الـمياه».. من الآبار والغدران إلى محطات التحلية العملاقة
الآبار قديماً المصدر الوحيد لسقيا الماء
إعداد: حمود الضويحي
كان تجمهر النساء عند أحد آبار القرية لإحضار الماء مشهدا يوميا متكررا فيما مضى من اجل ملء قدورهن بالماء ومن ثم مساعدة بعضهن البعض في رفعه على الرؤوس وتثبيته على (الوقاة) الشبيهة بالعقال، حيث تحث الخطى للوصول إلى البيت للتخلص من ثقله بإفراغه في الأواني الخاصة به وذلك لاستخدامه طوال اليوم وخصوصاً للشرب، وكانت تلك المهمة الشاقة بالنسبة إلى المرأة إحدى المهمات التي تقوم بها طوال اليوم في الاهتمام بمن في البيت جميعاً من زوج وأطفال بل وحتى حيوانات وطيور داجنة، بينما الرجل يكدح في حقله أو صناعته وحرفته أو تجارته، لذا كان الحرص على الماء والترشيد أمرا محتماً وتفرضه الحاجة، فلا مجال إلى الإسراف، وفي عصرنا الحاضر بات أمر توفير الماء غاية في السهولة حيث لا يتطلب منك سوى جهد يسير بان تدير الصنبور ليتدفق لك الماء دون توقف وبسعر زهيد مقارنة كرسوم لإيصاله.. هذا الوضع الذي نعيشه بحمد الله بتوافر المياه جعل جيل اليوم يتساهل في استهلاك الماء بل ويسرف في استعماله متناسياً تلك المشقة في توفيره في زمن الأجداد.. بل لا يكاد يصدق جيل اليوم الذي بات يعيش مرفهاً أن هذا الماء الذي هو عصب الحياة كان يستنزف وقتاً طويلاً من أجل إحضار القليل منه بالطرق البدائية المتعبة والشاقة ليس من أجل الاستحمام والنظافة بل لأجل مجرد الشرب فقط لذا كان الحرص عليه شديداً والمحافظة كانت من سكان المنزل جميعاً.
كان مصدر المياه الوحيد فيما مضى هو الآبار التي كانت تحفر في العديد من القرى والبلدات وخصوصاً في المزارع، وكانت المياه في تلك الآبار تتفاوت عذوبتها، فالبعض منها عذب والبعض الآخر شديد الملوحة حيث يطلقون عليه (هماج) أي لا يستساغ للشرب بل كان يستخدم لسقيا المزروعات وخاصة النخيل أو للغسيل، مما جعل الآبار التي تتميز بعذوبتها تشتهر في الآفاق، ففي كل بلدة مثلاً تجد بئرا او أكثر تشتهر بعذوبتها ويكون لها اسم خاص يسأل عنها من يرد تلك القرى كي يتزود من معين مائها العذب، أما بالنسبة إلى حفر الآبار فقد كان فيه مشقة كبيرة حيث يتطلب تعاون الكثير من الناس من أجل انجاز هذه المهمة حيث يبدأون أولاً في حفر البئر لبضعة أمتار حيث كانت المياه السطحية قريبة في الكثير من البلدان وبعد أن يجدوا الماء بكثرة تجيء عملية (طي) البئر بالحجارة على شكل هندسي دائري بديع في الغالب ونادراً ما تكون البئر مربعة فتبدأ عملية (الطي) من الأسفل إلى الأعلى ويتولى الإشراف على هذه المهمة شخص حاذق يساعده العمال الذين يشتغلون بالأجرة، وبعد بلوغ سطح الأرض يتم تسوير البئر بارتفاع قدر المتر تقريباً ومن ثم يبنى على حافة البئر عمودان بارتفاع ثلاثة أمتار تقريباً تسمى (الزرانيق) ويتم وضع جذع نخلة تعلق فيه السواني التي تجلب الماء من البئر عن طريق جرها بالحيوانات كالابل التي تسير أمام البئر في حفرة تسمى (المنحاة) وتكون بعد اللزا، وهي حفرة كبيرة بيضاوية الشكل مخصصة لمرور الحيوانات التي تسحب الغروب من البئر لتصب في (اللزا) وهي بركة صغيرة ملاصقة للبئر تصب فيها (الغروب) أو (الدلاء)، وتكون هذه (المنحاة) واسعة لمرور اثنين من الحيوانات ذهاباً وإيابا فهي تسحب الغروب وتجعل (اللزا) خلفها حتى تصب الغروب في (اللزا)، ثم تعود أدراجها حتى تصل إلى (اللزا) مما يسمح للغروب بالغطس في قاع البئر لتمتلئ من المياه لتقوم بالعودة لإخراج الغروب وهكذا دواليك حتى تتم عملية سقي المزروعات، ونظراً لأن حفر البئر كان مكلفاً ويتطلب جهداً كبيراً فقد كانت الآبار قليلة في كل بلدة حيث كانت تحفر في المزارع أو بالقرب من المساجد وقليل من الموسرين كان يستطيع حفر بئر صغيرة في منزله تغنيه عن مشقة إحضار الماء من آبار القرية وكان من يملك بئراً في منزله من أهل الجاه والوجاهة.
حفظ الماء
بعد أن تحضر المرأة الماء في قدرها من البئر تقوم بسكبه في أوانٍ خاصة لحفظه وهي متعددة وتعتمد على يسر صاحب البيت أو عسره فالموسرون كانوا يملكون أواني من النحاس تسمى (حدادية) تتسع للكثير من الماء، بينما البعض الآخر من الموسرين يكون لديه إناء منحوت من الصخر يسمى (القرو) على شكل دائري أو مستطيل يتفاوت حجمه وهو غالي الثمن ولا يملكه إلا الموسرون حيث يتطلب صنعه دقة متناهية في الحفر الذي قد يستغرق أياماً عده لأنواع معينة كبيرة من الصخور، أما من كان لا يستطيع امتلاك (حدادية) أو (قرو) فكان يحفظه في قدر من النحاس يسمى (حجري) ويتم تغطية الماء بحصير مصنوع من (سعف) النخيل، كما كان البعض يحفظ الماء في (الزير) وهو إناء مصنوع من الفخار يحفظ الماء فيه وخصوصاً ما كان للشرب حيث كان يمتاز بحفظه للماء وتبريده في فصل الصيف، ومن أجل الاستفادة من الماء فقد كانوا يستخدمون إناء اسمه (مثعوبة) وهو إناء نحاسي ذو شكل مدور وله شفة بارزة يحمل بها وله (ثعبة) طويلة في جنبه يفرع منها الماء، وتستعمل لماء الغسل، وقد تستعمل لغيره من السوائل وأحجامها مختلفة وأكبرها يكفي لغسل الاستحمام مرة واحدة وأصغرها يكفي لماء الوضوء، ومنها ما هو اصغر من ذلك واستعمالها منتشر في أكثر البيوت لهذا الغرض ومنها ما يزين بزخارف دقيقة محفورة على شفتها واسمها مأخوذ من وجود (الثعبة) التي تميزها في جنبها، وهو تعبير ذو أصل عربي فصيح، أما القرب فكان استخدامها لساكني البلدان قليلا حيث كانت تستخدم بكثرة في البادية، بالإضافة إلى (المطارة) وهي مصنوعة من القماش على شكل كيس مستطيلة الشكل (مخيوطة) من جميع الجوانب ولها فتحة نحاسية صغيرة في أعلاها تسمح بانسكاب الماء منها وتغلق بإحكام بربطها وتحمل غالباً عند السفر وتغلق على ظهر البعير أو السيارة بحيث تبرد بمجرد مرور الهواء بها حيث يرشح الماء على جوانبها.
المسقاة
وكان جل الماء الذي تجلبه النساء من الآبار إلى البيوت يستخدم في الشرب أو تنظيف الأواني، أما الاستحمام فقد كان يتم خارج المنزل حيث لم يكن يتوفر في البيوت دورات للمياه (حمامات) للغسل أو الاستحمام، وكان الوجهة الوحيدة إلى الاغتسال هو(المسقاة) التي عادة تكون ملاصقة للمسجد وهي عبارة عن مبنى ملحق بالبئر تحتوي على (قرو) للوضوء موضوع على الأرض و(قرو) آخر موضوع على جدار قريب من البئر بارتفاع قامة الرجل في موضع منزو مبني حوله جدار على شكل نصف دائرة في زاوية وله مدخل يسع لدخول شخص واحد وليس عليه باب وجداره قصير بحيث يرى من بداخله فمن أراد الاستحمام يقوم بملء دلو مخصص من البئر ويملأ (القرو) المثبت على الجدار وهو (قرو) منحوت من الحجارة على شكل دائرة وفي أسفله ثقب صغير ينسكب منه الماء ومغلق بعود رفيع ملفوف به قماش كسدادة فمن أراد الاستحمام يدخل إليه وينزع ملابسه ويطرحها على الجدار ليراها من يريد الدخول فيعلم بأن شخصاً قد سبقه إلى الاستحمام ومن ثم يزيل العود من (القرو) فينسكب الماء على جسده ومن ثم يرتدي ملابسه ويخرج، وقد يصادف أن ينتهي الماء من (القرو) قبل أن ينهي استحمامه فيطلب ممن يكون بالقرب منه أن يسعفه بأن يملأ (القرو) بدلو من البئر، وكان هذا هو شأن الرجال عندما يريدون الاستحمام، أما النساء فقد كانت (المسقاة) وجهتهن أيضاً في الاستحمام والغسل.
الصهاريج
وتولت وزارة الزراعة والمياه منذ تأسيسها عملية توفير مياه الشرب للمواطنين وبذلت جهوداً كبيرة من أجل ذلك حيث قامت بحفر آبار ارتوازية في كافة مناطق المملكة وزودت المواطنين بمياه الشرب مجاناً، حيث كان توزيع الماء يتم في البداية عن طريق إمدادهم بالماء بواسطة صهاريج تمر على البيوت وتفرغ حمولتها بما يوجد لديهم من أوان، فيما قام الكثيرون بشراء (خزانات) من (الصاج) بأحجام متفاوتة ووضعها في منازلهم من أجل وضع ماء الصهاريج فيها حيث أراحتهم هذه الطريقة من جلب الماء يومياً بطرق بدائية، وضمنت هذه الطريقة وصول الماء العذب إلى المنازل بصفة منتظمة، وبعد أن عم التطور تم مد شبكات أرضية للماء وسارع المواطنون والفرحة تغمرهم بإنشاء شبكات للمياه في منازلهم حيث صارت المياه متوفرة بكثرة في (الصنابير) وفي وقت لاحق تم إنشاء مشروعات مياه عمت كل مدينة وقرية وأصبحت المياه أكثر نقاوة وعذوبة إذ باتت المياه معالجة و(مفلترة)، وودع الناس مشقة توفير الماء إلى الأبد.
التحلية
كان المثل القديم يقول (اللي ما يعجبه.. يشرب من البحر) كناية إلى عدم إمكانية شرب مياه البحر المالحة واستساغتها بل واستحالة ذلك، ولكن في عصرنا الحاضر تم مخالفة هذه المقولة وبات جل الناس يشربون من ماء البحر ولكن ليس ملحاً أجاجاً بل ماء عذباً سائغاً للشاربين، ففي ظل الاستهلاك المتنامي للمياه الجوفية في بلادنا وزيادة الطلب بعد النمو السكاني المتزايد كان لا بد من التفكير بحل لأزمة المياه وشحها مما جعل الأنظار تتوجه إلى تحلية مياه البحر ففي عام 1394هـ تم إنشاء المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، والتي قامت بإنشاء عدد من محطات التحلية على طول الخليج العربي والبحر الأحمر والتي عمت معظم مناطق المملكة وأمدتها بالمياه العذبة، وتتصدر المملكة حالياً دول العالم في إنتاج المياه المحلاة بإنتاج تجاوز ملياراً وستة ملايين متر مكعب من المياه سنوياً بنسبة 18% من الإنتاج العالمي، ولا تزال المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة تحافظ على مكانتها كأكبر منتج للمياه المحلاة في العالم بإنتاج بلغ (1006.6) مليون متر مكعب، منها (495.3) ملايين متر مكعب من محطات الساحل الشرقي بنسبة (49.2%)، و(511.3) مليون متر مكعب من محطات الساحل الغربي بنسبة (50.8%) من إجمالي تصدير المؤسسة، وبلغ عدد محطات التحلية 27 محطة تحلية عاملة.
الترشيد
الملاحظ لطريقة حفظ الماء قديماً يجد حرصا كبيرا للترشيد والاقتصاد لأن عملية توفيره كانت شاقة ومكلفة، أما في زمننا هذا فان ثقافة الترشيد تكاد تكون شبه غائبة عند الصغار والشباب خصوصاً حيث يبالغون في الاستهلاك إلى حد الإسراف الذي نهى ديننا الحنيف عنه، مما حدا بوزارة البيئة والمياه والزراعة إلى القيام بحملات توعوية متتالية للترشيد في الاستهلاك من أجل نشر ثقافة الترشيد، ولو استشعر هؤلاء الشباب معاناة الجيل السابق في تحصيل الماء العذب والمشقة البالغة التي عايشوها قبل عقود قليلة من الزمن لزادت قناعتهم بأهمية الترشيد التي تدعو إلى وقف الهدر غير المبرر لأغلى سلعة يملكها الإنسان وهي تعني الحياة.
جيل اليوم يتذكر معاناة الأجداد في الحصول على الماء العذب
#### الزير كان يستخدم لحفظ ماء الشرب
نشر ثقافة ترشيد الماء بين الأجيال ضرورة
صهاريج توزع المياه على البيوت
استخراج المياه من الآبار كان شاقاً ومتعباً
سقاي يحمل الماء في جراكل على كتفه
القرو يستخدم لحفظ الماء في البيوت
محطات التحلية غطت تزايد الطلب على المياه المحلاة
صنبور المياه جلب السعادة لجيل الأمس بعد التوسع في شبكات الماء
«الـمياه».. من الآبار والغدران إلى محطات التحلية العملاقة
الآبار قديماً المصدر الوحيد لسقيا الماء
إعداد: حمود الضويحي
كان تجمهر النساء عند أحد آبار القرية لإحضار الماء مشهدا يوميا متكررا فيما مضى من اجل ملء قدورهن بالماء ومن ثم مساعدة بعضهن البعض في رفعه على الرؤوس وتثبيته على (الوقاة) الشبيهة بالعقال، حيث تحث الخطى للوصول إلى البيت للتخلص من ثقله بإفراغه في الأواني الخاصة به وذلك لاستخدامه طوال اليوم وخصوصاً للشرب، وكانت تلك المهمة الشاقة بالنسبة إلى المرأة إحدى المهمات التي تقوم بها طوال اليوم في الاهتمام بمن في البيت جميعاً من زوج وأطفال بل وحتى حيوانات وطيور داجنة، بينما الرجل يكدح في حقله أو صناعته وحرفته أو تجارته، لذا كان الحرص على الماء والترشيد أمرا محتماً وتفرضه الحاجة، فلا مجال إلى الإسراف، وفي عصرنا الحاضر بات أمر توفير الماء غاية في السهولة حيث لا يتطلب منك سوى جهد يسير بان تدير الصنبور ليتدفق لك الماء دون توقف وبسعر زهيد مقارنة كرسوم لإيصاله.. هذا الوضع الذي نعيشه بحمد الله بتوافر المياه جعل جيل اليوم يتساهل في استهلاك الماء بل ويسرف في استعماله متناسياً تلك المشقة في توفيره في زمن الأجداد.. بل لا يكاد يصدق جيل اليوم الذي بات يعيش مرفهاً أن هذا الماء الذي هو عصب الحياة كان يستنزف وقتاً طويلاً من أجل إحضار القليل منه بالطرق البدائية المتعبة والشاقة ليس من أجل الاستحمام والنظافة بل لأجل مجرد الشرب فقط لذا كان الحرص عليه شديداً والمحافظة كانت من سكان المنزل جميعاً.
المثل التعجيزي «إلّي عاجبه وإلا يشرب من البحر».. تحوّل الحلم لحقيقة وأصبحت المملكة أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم!
مياه الآباركان مصدر المياه الوحيد فيما مضى هو الآبار التي كانت تحفر في العديد من القرى والبلدات وخصوصاً في المزارع، وكانت المياه في تلك الآبار تتفاوت عذوبتها، فالبعض منها عذب والبعض الآخر شديد الملوحة حيث يطلقون عليه (هماج) أي لا يستساغ للشرب بل كان يستخدم لسقيا المزروعات وخاصة النخيل أو للغسيل، مما جعل الآبار التي تتميز بعذوبتها تشتهر في الآفاق، ففي كل بلدة مثلاً تجد بئرا او أكثر تشتهر بعذوبتها ويكون لها اسم خاص يسأل عنها من يرد تلك القرى كي يتزود من معين مائها العذب، أما بالنسبة إلى حفر الآبار فقد كان فيه مشقة كبيرة حيث يتطلب تعاون الكثير من الناس من أجل انجاز هذه المهمة حيث يبدأون أولاً في حفر البئر لبضعة أمتار حيث كانت المياه السطحية قريبة في الكثير من البلدان وبعد أن يجدوا الماء بكثرة تجيء عملية (طي) البئر بالحجارة على شكل هندسي دائري بديع في الغالب ونادراً ما تكون البئر مربعة فتبدأ عملية (الطي) من الأسفل إلى الأعلى ويتولى الإشراف على هذه المهمة شخص حاذق يساعده العمال الذين يشتغلون بالأجرة، وبعد بلوغ سطح الأرض يتم تسوير البئر بارتفاع قدر المتر تقريباً ومن ثم يبنى على حافة البئر عمودان بارتفاع ثلاثة أمتار تقريباً تسمى (الزرانيق) ويتم وضع جذع نخلة تعلق فيه السواني التي تجلب الماء من البئر عن طريق جرها بالحيوانات كالابل التي تسير أمام البئر في حفرة تسمى (المنحاة) وتكون بعد اللزا، وهي حفرة كبيرة بيضاوية الشكل مخصصة لمرور الحيوانات التي تسحب الغروب من البئر لتصب في (اللزا) وهي بركة صغيرة ملاصقة للبئر تصب فيها (الغروب) أو (الدلاء)، وتكون هذه (المنحاة) واسعة لمرور اثنين من الحيوانات ذهاباً وإيابا فهي تسحب الغروب وتجعل (اللزا) خلفها حتى تصب الغروب في (اللزا)، ثم تعود أدراجها حتى تصل إلى (اللزا) مما يسمح للغروب بالغطس في قاع البئر لتمتلئ من المياه لتقوم بالعودة لإخراج الغروب وهكذا دواليك حتى تتم عملية سقي المزروعات، ونظراً لأن حفر البئر كان مكلفاً ويتطلب جهداً كبيراً فقد كانت الآبار قليلة في كل بلدة حيث كانت تحفر في المزارع أو بالقرب من المساجد وقليل من الموسرين كان يستطيع حفر بئر صغيرة في منزله تغنيه عن مشقة إحضار الماء من آبار القرية وكان من يملك بئراً في منزله من أهل الجاه والوجاهة.
حفظ الماء
بعد أن تحضر المرأة الماء في قدرها من البئر تقوم بسكبه في أوانٍ خاصة لحفظه وهي متعددة وتعتمد على يسر صاحب البيت أو عسره فالموسرون كانوا يملكون أواني من النحاس تسمى (حدادية) تتسع للكثير من الماء، بينما البعض الآخر من الموسرين يكون لديه إناء منحوت من الصخر يسمى (القرو) على شكل دائري أو مستطيل يتفاوت حجمه وهو غالي الثمن ولا يملكه إلا الموسرون حيث يتطلب صنعه دقة متناهية في الحفر الذي قد يستغرق أياماً عده لأنواع معينة كبيرة من الصخور، أما من كان لا يستطيع امتلاك (حدادية) أو (قرو) فكان يحفظه في قدر من النحاس يسمى (حجري) ويتم تغطية الماء بحصير مصنوع من (سعف) النخيل، كما كان البعض يحفظ الماء في (الزير) وهو إناء مصنوع من الفخار يحفظ الماء فيه وخصوصاً ما كان للشرب حيث كان يمتاز بحفظه للماء وتبريده في فصل الصيف، ومن أجل الاستفادة من الماء فقد كانوا يستخدمون إناء اسمه (مثعوبة) وهو إناء نحاسي ذو شكل مدور وله شفة بارزة يحمل بها وله (ثعبة) طويلة في جنبه يفرع منها الماء، وتستعمل لماء الغسل، وقد تستعمل لغيره من السوائل وأحجامها مختلفة وأكبرها يكفي لغسل الاستحمام مرة واحدة وأصغرها يكفي لماء الوضوء، ومنها ما هو اصغر من ذلك واستعمالها منتشر في أكثر البيوت لهذا الغرض ومنها ما يزين بزخارف دقيقة محفورة على شفتها واسمها مأخوذ من وجود (الثعبة) التي تميزها في جنبها، وهو تعبير ذو أصل عربي فصيح، أما القرب فكان استخدامها لساكني البلدان قليلا حيث كانت تستخدم بكثرة في البادية، بالإضافة إلى (المطارة) وهي مصنوعة من القماش على شكل كيس مستطيلة الشكل (مخيوطة) من جميع الجوانب ولها فتحة نحاسية صغيرة في أعلاها تسمح بانسكاب الماء منها وتغلق بإحكام بربطها وتحمل غالباً عند السفر وتغلق على ظهر البعير أو السيارة بحيث تبرد بمجرد مرور الهواء بها حيث يرشح الماء على جوانبها.
المسقاة
وكان جل الماء الذي تجلبه النساء من الآبار إلى البيوت يستخدم في الشرب أو تنظيف الأواني، أما الاستحمام فقد كان يتم خارج المنزل حيث لم يكن يتوفر في البيوت دورات للمياه (حمامات) للغسل أو الاستحمام، وكان الوجهة الوحيدة إلى الاغتسال هو(المسقاة) التي عادة تكون ملاصقة للمسجد وهي عبارة عن مبنى ملحق بالبئر تحتوي على (قرو) للوضوء موضوع على الأرض و(قرو) آخر موضوع على جدار قريب من البئر بارتفاع قامة الرجل في موضع منزو مبني حوله جدار على شكل نصف دائرة في زاوية وله مدخل يسع لدخول شخص واحد وليس عليه باب وجداره قصير بحيث يرى من بداخله فمن أراد الاستحمام يقوم بملء دلو مخصص من البئر ويملأ (القرو) المثبت على الجدار وهو (قرو) منحوت من الحجارة على شكل دائرة وفي أسفله ثقب صغير ينسكب منه الماء ومغلق بعود رفيع ملفوف به قماش كسدادة فمن أراد الاستحمام يدخل إليه وينزع ملابسه ويطرحها على الجدار ليراها من يريد الدخول فيعلم بأن شخصاً قد سبقه إلى الاستحمام ومن ثم يزيل العود من (القرو) فينسكب الماء على جسده ومن ثم يرتدي ملابسه ويخرج، وقد يصادف أن ينتهي الماء من (القرو) قبل أن ينهي استحمامه فيطلب ممن يكون بالقرب منه أن يسعفه بأن يملأ (القرو) بدلو من البئر، وكان هذا هو شأن الرجال عندما يريدون الاستحمام، أما النساء فقد كانت (المسقاة) وجهتهن أيضاً في الاستحمام والغسل.
الصهاريج
وتولت وزارة الزراعة والمياه منذ تأسيسها عملية توفير مياه الشرب للمواطنين وبذلت جهوداً كبيرة من أجل ذلك حيث قامت بحفر آبار ارتوازية في كافة مناطق المملكة وزودت المواطنين بمياه الشرب مجاناً، حيث كان توزيع الماء يتم في البداية عن طريق إمدادهم بالماء بواسطة صهاريج تمر على البيوت وتفرغ حمولتها بما يوجد لديهم من أوان، فيما قام الكثيرون بشراء (خزانات) من (الصاج) بأحجام متفاوتة ووضعها في منازلهم من أجل وضع ماء الصهاريج فيها حيث أراحتهم هذه الطريقة من جلب الماء يومياً بطرق بدائية، وضمنت هذه الطريقة وصول الماء العذب إلى المنازل بصفة منتظمة، وبعد أن عم التطور تم مد شبكات أرضية للماء وسارع المواطنون والفرحة تغمرهم بإنشاء شبكات للمياه في منازلهم حيث صارت المياه متوفرة بكثرة في (الصنابير) وفي وقت لاحق تم إنشاء مشروعات مياه عمت كل مدينة وقرية وأصبحت المياه أكثر نقاوة وعذوبة إذ باتت المياه معالجة و(مفلترة)، وودع الناس مشقة توفير الماء إلى الأبد.
التحلية
كان المثل القديم يقول (اللي ما يعجبه.. يشرب من البحر) كناية إلى عدم إمكانية شرب مياه البحر المالحة واستساغتها بل واستحالة ذلك، ولكن في عصرنا الحاضر تم مخالفة هذه المقولة وبات جل الناس يشربون من ماء البحر ولكن ليس ملحاً أجاجاً بل ماء عذباً سائغاً للشاربين، ففي ظل الاستهلاك المتنامي للمياه الجوفية في بلادنا وزيادة الطلب بعد النمو السكاني المتزايد كان لا بد من التفكير بحل لأزمة المياه وشحها مما جعل الأنظار تتوجه إلى تحلية مياه البحر ففي عام 1394هـ تم إنشاء المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، والتي قامت بإنشاء عدد من محطات التحلية على طول الخليج العربي والبحر الأحمر والتي عمت معظم مناطق المملكة وأمدتها بالمياه العذبة، وتتصدر المملكة حالياً دول العالم في إنتاج المياه المحلاة بإنتاج تجاوز ملياراً وستة ملايين متر مكعب من المياه سنوياً بنسبة 18% من الإنتاج العالمي، ولا تزال المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة تحافظ على مكانتها كأكبر منتج للمياه المحلاة في العالم بإنتاج بلغ (1006.6) مليون متر مكعب، منها (495.3) ملايين متر مكعب من محطات الساحل الشرقي بنسبة (49.2%)، و(511.3) مليون متر مكعب من محطات الساحل الغربي بنسبة (50.8%) من إجمالي تصدير المؤسسة، وبلغ عدد محطات التحلية 27 محطة تحلية عاملة.
الترشيد
الملاحظ لطريقة حفظ الماء قديماً يجد حرصا كبيرا للترشيد والاقتصاد لأن عملية توفيره كانت شاقة ومكلفة، أما في زمننا هذا فان ثقافة الترشيد تكاد تكون شبه غائبة عند الصغار والشباب خصوصاً حيث يبالغون في الاستهلاك إلى حد الإسراف الذي نهى ديننا الحنيف عنه، مما حدا بوزارة البيئة والمياه والزراعة إلى القيام بحملات توعوية متتالية للترشيد في الاستهلاك من أجل نشر ثقافة الترشيد، ولو استشعر هؤلاء الشباب معاناة الجيل السابق في تحصيل الماء العذب والمشقة البالغة التي عايشوها قبل عقود قليلة من الزمن لزادت قناعتهم بأهمية الترشيد التي تدعو إلى وقف الهدر غير المبرر لأغلى سلعة يملكها الإنسان وهي تعني الحياة.
جيل اليوم يتذكر معاناة الأجداد في الحصول على الماء العذب
#### الزير كان يستخدم لحفظ ماء الشرب
نشر ثقافة ترشيد الماء بين الأجيال ضرورة
صهاريج توزع المياه على البيوت
استخراج المياه من الآبار كان شاقاً ومتعباً
سقاي يحمل الماء في جراكل على كتفه
القرو يستخدم لحفظ الماء في البيوت
محطات التحلية غطت تزايد الطلب على المياه المحلاة
صنبور المياه جلب السعادة لجيل الأمس بعد التوسع في شبكات الماء
تعليق