• تم تحويل المنتديات للتصفح فقط

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

خطبه : الأُخُوَّة الإسلامية ولوزامها

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • خطبه : الأُخُوَّة الإسلامية ولوزامها

    لفضيلة الشيخ الدكتور / أسامة بن عبد الله خياط
    أمام وخطيب المسجد الحرام


    عباد الله:

    صروف الليالي وتقلُّب الأيام يُعقِبان المرءَ تبدُّل أحوال ، ونزول شدائد ، وحُلول كُرَب فيها من الغموم والهموم ما يستحوِذُ على صاحبها ، ويسوؤه في نفسه أو جسمه أو عِرضه أو ماله أو بلده ، فيضيقُ بها صدره ، ويلتمسُ تفريجَها وكشف ضرَّها ، فيذكر قولَ ربه الأعلى - سبحانه -:
    (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الأنعام: 17]،وقولَه - عز اسمه -:(قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) [الأنعام: 63، 64].
    فيستيقِن أنه - سبحانه - المُنجِّي من كل كربٍ ، الكاشفُ كل ضُرٍّ ، المُغيث لكل ملهوف ، فيتوجَّهُ إليه بالدعاء مُتضرِّعًا مُخلصًا خاشعًا خاضعًا مُخبِتًا مُتحرِّيًا أوقات الإجابة ؛ امتثالاً لقوله - عز وجل -:(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر: 60] ، راجيًا أن يُفرِّج كربَه ، ويكشف غمَّه ، ويُذهِبَ همَّه.
    ويتوسَّلُ إليه بما كان يتوسَّل إليه به نبيُّه - صلى الله عليه وسلم - من جوامع الدعاء ، كما في الحديث الذي أخرجه الترمذي في "جامعه" بإسناد حسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - إذا كرَبَه أمرٌ يقول: «يا حيُّ يا قيوم ، برحمتك أستغيث».
    وكما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" بإسنادٍ صحيح عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
    « ما أصاب أحدًا همٌّ ولا حزنٌ فقال: اللهم إني عبدك ، وابنُ عبدك ، وابنُ أمَتِك ، ناصيتي بيدك ، ماضٍ فيَّ حكمك ، عدلٌ فيَّ قضاؤك ، أسألك بكلِّ اسمٍ هو لك سمَّيتَ به نفسَك ، أو علَّمتَه أحدًا من خلقك ، أو أنزلتَه في كتابك ، أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيعَ قلبي ، ونورَ صدري ، وجلاءَ حزني ، وذهاب همِّي ؛ إلا أذهبَ الله همَّه وأبدلَه مكانَه فَرَجًا ».
    قيل: يا رسول الله! ألا نتعلَّمها؟ قال: «بلى؛ ينبغي لمن سمِعها أن يتعلَّمها».

    ومن ذلك: دعاء نبي الله يونس - عليه السلام - وهو في بطن الحوت؛ فقد أخرج الحاكم - رحمه الله - في "مستدركه" عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) [الأنبياء: 87]
    لم يدعُ بها مسلمٌ في شيءٍ قطّ إلا استجابَ الله له بها» وذلك مصداقًا لقوله - سبحانه -: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) [الأنبياء: 88].
    ومن أعظم ما يُرجى لتفريج الكُربة ورفع الشدة في العاجلة ، والفوز والنجاة من أهوال يوم القيامة : القيام بحق الله؛بالإيمان به ، والمُسارعة إلى مرضاته ، والإيمان برسوله - صلى الله عليه وسلم - واتباع سنته ، وتحكيم شرعه.ومن ذلك: القيام بحقوق عباد الله ؛ بالإحسان إليهم في كل دروب الإحسان ؛ تأسِّيًا بهذا النبي الكريم - صلوات الله وسلامه عليه - الذي قالت له أم المؤمنين خديجة - رضي الله عنها - لما ذكر لها ما وقع له في غار حراء حين جاءه جبريل - عليه السلام - بالوحي ، قالت: كلا ؛ والله لا يُخزِيك الله أبدًا ، إنك لتصِلُ الرَّحِم ، وتحمِلُ الكلَّ ، وتقرِي الضيفَ ، وتُكسِبُ المعدومَ ، وتُعينُ على نوائبِ الحق ؛ أخرجه البخاري ومسلم - رحمهما الله - في "صحيحيهما".
    وفي هذه الإعانة والإكساب للمعدوم تفريجٌ للكَرب عن المكروب ، ورفع كابوس المحنةِ عن كاهله ، وقال - عليه الصلاة والسلام - في الحثِّ على اصطناع المعروف: «صنائعُ المعروف تقِي مصارِعَ السوء والآفات والهلَكَات ، وأهلُ المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة »؛ أخرجه الحاكم في "مستدركه" بإسنادٍ صحيحٍ.
    وفي هذا الإحسان أيضًا قيامٌ بحقِّ الأُخُوَّة في الدين التي ذكرها الله تعالى بقوله:إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10]،وبقوله: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ[التوبة: 71]، وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: «مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثَلُ الجسد؛ إذا اشتكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسد بالسهَر والحُمَّى»؛ أخرجه مسلم في "صحيحه" من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه -.

    وهذا تعبيرٌ غنيُّ الدلالة على أن من مُقتضيات هذه الأُخُوَّة الإيمانية: تفريجَ الكربة عن المسلم ، والوقوف معه في مِحنَته ، وإعانته على بلائه رجاء ما ورد في ثواب ذلك من الموعود والجزاء الضافي والأجر الكريم الذي جاء بيانُه في الحديث الذي أخرجه الشيخان في "صحيحيهما" - واللفظ للبخاري - عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «المسلمُ أخو المسلم ؛ لا يظلِمُه ، ولا يُسلِمه ، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرَّج عن مسلمٍ كُربةً فرَّجَ الله عنه كُربةً من كُرُبات يوم القيامة ، ومن ستَر مسلمًا سترَه الله يوم القيامة». وزاد في لفظ مسلم: «ومن يسَّر على مُعسِرٍ في الدنيا يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبدُ في عون أخيه».
    وفي هذا الحديث - كما قال أهل العلم - إشارةٌ إلى أن الجزاء من جنس العمل ؛ فجزاءُ التفريج في الدنيا تفريجٌ في الآخرة ، ولا مُساواة - يا عباد الله - بين كُرَب الدنيا وكُرب يوم القيامة ؛ فإن شدائد الآخرة وأهوالها جسيمةٌ عظيمة ، فكان ادِّخارُ الله تعالى جزاء تفريج الكُرَب الدنيوية ليُفرِّجَ بها عن عباده كُرُباتهم يوم القيامة حين يكون الإنسان أحوجَ ما يكون إلى فضل الله ورحمته ، وإنما يرحمُ الله من عباده الرُّحَماء. فاتقوا الله - عباد الله - ، واعملوا على القيام بحقوق الأُخوَّة في الدين ؛ بالوقوف من الإخوة عند الكُرَب ونزول الشدائد بساحتهم ، وتجهُّم الزمان لهم ، وإعانتهم بما ينفعهم ولا يضرُّكم مما أنعم الله به عليكم من نِعَمه العِظَام ؛ لتحظَوا برضوان ربكم....

    أما بعد ، فيا عباد الله:
    قال بعض أهل العلم بالحديث تعليقًا على قوله - صلى الله عليه وسلم -: « ومن فرَّجَ عن مسلمٍ كُربةً فرَّجَ الله عنه بها كُربةً من كُرَب يوم القيامة »:
    "فيه عظيمُ فضل قضاء حوائج المسلمين ونفعهم بما تيسَّر من علمٍ ، أو جاهٍ ، أو إشارةٍ ، أو نُصحٍ ، أو دلالةٍ على خير ، أو إعانةٍ بنفسه ، أو سَفارته ووساطَته ، أو شفاعته ، أو دعائه بظهر الغيب".
    ومما يُعلِمُك بعِظَم الفضل في هذا وما بعده : أن الخلق عِيالُ الله ، وتنفيسُ الكُرَب إحسانٌ إليهم ، والعادةُ أن السيد والمالكَ يحبُّ الإحسان لعِياله وحاشيتِه ، وليس شيءٌ أسهل من كشف الكُروب ودفع الخُطوب إذا ألمَّت بالمؤمن الذي لا يرى نفسَه إلا وقفًا على إخوانه ، يُعينهم فيما استطاع ، ويُصبِّرُهم على ما كان ، ويُؤمِّنُ خائفَهم ، ويُساعِدُ ضعيفَهم ، ويحمِل ثِقَلهم ، ويجِدون عنده المعدومَ ، ولا يضجَرُ منهم ، ولا يسأمُهم ولا يملُّهم.
    ومثلُ هذا في الاحتفاظ بحقوق المسلمين وكفِّ الشرِّ عنهم قولُه - صلى الله عليه وسلم -:« لا تَحاسَدوا ، ولا تباغَضوا ، ولا تَدابَروا ، ولا يبِعْ بعضُكم على بعضٍ ، وكونوا عباد الله إخوانًا ، المسلمُ أخو المسلم ؛ لا يظلِمُه ، ولا يخذُلُه ، ولا يحقِرُه ، التقوى ها هنا - وأشار إلى صدره ثلاث مراتٍ - ، بحسب امرئٍ من الشرِّ أن يحقِرَ أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرامٌ ؛ دمُه ومالُه وعِرضُه ».

  • #2
    حسبـــــــــــــــنا الله و نعم الوكـيــــــــــــــــــــــــ ـل
    أما والله إن الظلـــمَ لؤمٌ = وما زال المسيءُ هو الظلومُ
    إلى ديان يوم الدين نمضي = وعند الله تجتمع الخصومُ
    اللهم إغفر لوالديّ وارحمهما وأكرم نزلهما وإغسلهما بالماء والثلج والبرد إنك غفور رحيم
    اللهم قهما عذابك يوم تبعث عبادك
    اللهم نور لهما قبريهما ووسع مدخلهما وآنس وحشتهما
    اللهم وابني لهما بيتا في الجنة
    اللهم واسقهما من حوض نبيك محمد صلى الله عليه وسلم
    شربة هنيئة مريئه لا يظمأن بعدها ابدأ

    تعليق


    • #3
      شكراً لنقلك الموفق والمفيد ...


      تعليق


      • #4
        مشكور والله يعطيك الف عافيه

        تعليق


        • #5
          بارك الله فيكم على حسن الطرح وروعة النقل
          في ميزان أعمالك إن شاء الله
          مودتي وتقديري

          تعليق


          • #6
            بارك الله فيكم ونفع بكم وكتب لكم الأجر

            تعليق


            • #7
              جزآكِ ربي آلف خير
              على الطرح المبآآرك والنآفع من شخصك




              تعليق


              • #8
                بارك الله فيك واثابك الفردوس الاعلى

                تعليق

                يعمل...
                X