• تم تحويل المنتديات للتصفح فقط

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

النظــرة المـؤدلجــة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • النظــرة المـؤدلجــة

    النظــرة المـؤدلجــة


    الشيخ عادل الكلباني


    كم هُمّش علماء، وكم حورب مفكرون ومبدعون، وكم عودي متنورون ومنفتحون، وبالمقابل كم من نصف فقيه رفعوه، وكم من جاهلٍ مدحوه وجملوه، وتركوا أساطين العلم وقصدوه واتخذهم بعض الناس أئمة يستفتونهم فيفتون ويفتنون، وهم بذلك بعيدون كل البعد عن منهج القرآن
    حين تقتنع العقول بفكرة ما فإنها تقيس كل صاحب فكرة بناءً على توافقه من عدمه مع الفكرة المقتنَع بها، وتبني مقدمات حكم تتلاءم مع ما اقتنعت به، فتستنتج نتائج مبنية على ما حكمت به مسبقاً، فيكون الحكم باطلًا في مقدمته فضلاً عن نتيجته!
    وهذا لا ينحصر في حكم البعض على الأفكار والمفكرين، إنما يعم كل حكم ونظر. فذلك العاشق المدنف الذي يرى أن حبيبه قد فاق الخليقة حُسنًا وأعجز الشعراء وصفًا، لم ينظر إلى حبيبه بعين باصرته إنما سبق نظرتَه ما تجملت به روحه من نظرة تجاه ذلك المحبوب، ورسم عنه صورة قد تخالف الواقع! فلا تجد في الموروث الأدبي عن العشاق عاشقًا يرى أحدًا أجمل من محبوبه، أو أكمل، بل زعم أحدهم أن نصف جمال الخلق في عين محبه، وبقية الجمال في باقي ذلك المحبوب! فصار حبيبه هو الجمال، وعرّى بقية الخلق منه!
    وإذا ما عكستَ أيضًا فقد أصبتَ، فأنتَ تقرأ في الهجائيات الكثير أيضًا مما قد يبين لك بـ "النظرة المؤدلجة" وأنها هي أساس الحكم على الشيء. فإن فيها ما قد لا يصدق أن أحدًا يوصف به، ولكن هكذا يفعل غلو الحب والبغض، وقد صور هذه الحالة حكيم في قوله:
    وعين الرضا عن كل عيبٍ كليلةٌ
    ولكنّ عينَ السخط تبدي المساويا
    ولم يتلبس هذه الحالة عشاقُ الفاتنات في تغزلهم أو شعراءُ الهجاء في محاوراتهم، بل تلبس بها أيضاً كثير من الناس على كافة الأصعدة، ابتداء من أعداء الأنبياء حيث نظروا إلى أنبيائهم بعين البغض والكراهية فأنبتت تلك النظرة عيوبًا لا تراها العيون حقيقة، وإنما تراها تلك الأنفس بما رسمته في وجدانها من انطباع اختلقته فصدقته واتهمت من لا يراه بالعمى كما قيل:
    أَما ترى يا صاحبي نارَهم
    فقال تُريني ما لا أرى
    سقاك الغرام ولم يسقني
    فأبصرت ما لم أكن مبصرا
    وهؤلاء لم يسقهم الغرام وإنما سقتهم الكراهية والبغض فأبصروا ما لا يبصره الآخرون فقالوا: ساحر. وقالوا: كذاب. وقالوا: أشر. وقالوا كاهن. في مَن؟ في رسل وأنبياء!
    وتتمدد تلك النظرات وتتوسع بتوسع الأزمنة والمجتمعات، ويعظم إثمها كلما عظم مقصدها. قال تعالى "وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا". وهذا البهتان إنما نشأ عن هذه النظرة التي منشؤها البغض والكراهية.
    وهل تقف هذه النظرة هنا؟ الجواب، لا، بل عبّدها إبليس وزيّنها وأدخل فيها من لا يشك الناس بتدينهم وعدلهم من الأحبار والرهبان والعلماء والفقهاء والأدباء كي تتمكن غوايته من حشر ما يمكن حشره تحت رايته تنفيذًا لقسمه الذي أقسم به أول مرة، فلا يزال أولئك يستصحبون "مديحهم وهجاءهم" بحسب ما تمليه عليهم نفوسهم وتوجهاتهم، فذاك يغدق على شيخه الألقاب الفضفاضة التي لا تُملأُ في عصرنا ولو جمع لها كل علماء العصر، ويلبسه الأوصاف التي ربما قد لا تجتمع في واحدٍ من علماء الإسلام، وما ذاك إلا لتوافق النفوس وتمازج الأفكار وتوحد الطريقة وتأطيرها بناءً على قاعدة "من خالفنا فليس منا" والخطأ بين هؤلاء مغمور مهما عظم ضرره واستبان خطره لأن النظر إليه وقع بعين الرضا، فهو يتأول فيه الآيات ويورد في غمر أخطائه الأحاديث ويتمثل في ستر مساوئه بالأشعار:
    وإذا الحبيبُ أتى بذنبٍ واحدٍ
    جاءت محاسنه بألفِ شفيعِ
    بينما لا تجد شيئًا من تلك الآيات والأحاديث والأشعار مقبولاً إذا ما وقع الخطأ من مخالف، بل قد لا يكون هناك خطأٌ أصلاً، ولكن البغض يصنع ألف خطيئة، فإذا بك تسمع من الوصف ما لم يجتمع في فرعون، أفسق، وأخبث، وأشر، وأجهل، طبعًا هي أوصاف لا تنتج إلا مع الضغط على الحروف والكلمات بما يبدي للسامع والناظر عمق البغضاء في نفس المتحدث، تلك الطريقة والنظرة والحكم المسبق على المخالف ورد كل ما يقوله جملةً وتفصيلاً، ليست هي النظرة القرآنية في الحكم على الآخرين، وإنما يصورها أصحابها بأنها هي التي لا يجوز غيرها، وهي المعصومة لأنها منسوبة إلى العصمة، وما تلك النسبة إلا ادعاء لا يعجز أحد التلفظ به، وتبقى مجتمعاتنا غارقة في هذا التوصيف والتصنيف، فكم هُمّش علماء، وكم حورب مفكرون ومبدعون، وكم عودي متنورون ومنفتحون، وبالمقابل كم من نصف فقيه رفعوه، وكم من جاهلٍ مدحوه وجملوه، وتركوا أساطين العلم وقصدوه واتخذهم بعض الناس أئمة يستفتونهم فيفتون ويفتنون، وهم بذلك بعيدون كل البعد عن منهج القرآن وأخلاق النبي العدناني صلى الله عليه وآله، الذي قال في الشيطان وهو الشيطان "صدقك وهو كذوب".

    كل العطور سينتهي مفعولها
    ويدوم عطر مكارم
    الأخلاق

  • #2
    بارك الله فيك وجزاك الله خيراا

    تعليق


    • #3
      كتب الله أجرك وجعل ما تطرح في موازين حسناتك


      تعليق


      • #4
        مشكور والله يعطيك الف عافيه

        تعليق


        • #5
          جزاكم الله خيرااا

          تعليق


          • #6
            المشاركة الأصلية بواسطة جمال بن صالح مشاهدة المشاركة
            كتب الله أجرك وجعل ما تطرح في موازين حسناتك
            واجرك بارك الله فيك شكرالك
            كل العطور سينتهي مفعولها
            ويدوم عطر مكارم
            الأخلاق

            تعليق


            • #7
              المشاركة الأصلية بواسطة طالبة العلم مشاهدة المشاركة
              مشكور والله يعطيك الف عافيه
              الله يعافيك وشكرالك والله يعطيك العافية
              كل العطور سينتهي مفعولها
              ويدوم عطر مكارم
              الأخلاق

              تعليق


              • #8
                المشاركة الأصلية بواسطة همسه وطن مشاهدة المشاركة
                جزاكم الله خيرااا
                وإياك شكرالك
                كل العطور سينتهي مفعولها
                ويدوم عطر مكارم
                الأخلاق

                تعليق


                • #9
                  شكرا جزيلا

                  طرح متميز

                  تعليق


                  • #10
                    جزآكِ ربي آلف خير
                    على الطرح المبآآرك والنآفع من شخصك




                    تعليق


                    • #11
                      بارك الله فيك واثابك
                      جنات الرضوان
                      وتقييمي لموضوعكم

                      تعليق

                      يعمل...
                      X