تأملات في آيات من القرآن الكريم
سورة الكهف
1- ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ﴾ [الكهف: 1].
تبدأ سورة الكهف بـ ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾، وهي واحدة من خمس سور مباركات تبدأ به، وهي:
الفاتحة، والأنعام، والكهف، وسبأ، وفاطر، ولـ ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ في كلٍّ منها سياق مخصوص؛ فهو يجيء في سورة الفاتحة في سياق بيان ربوبية الله تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، ولأن الإقرار بهذه الربوبية هو رأس الإيمان، وأن له الأولوية في أصل الإيجاد، وينبغي من ثَمَّ أن تكون له الأولوية في حياة الناس؛ كان ترتيبها الأول من بين سور القرآن الكريم، ووجبت تلاوتُها في كل ركعة؛ لإغذاء شعور الإنسان بربوبية ربه، وتجديد صلة عبوديته به سبحانه وتعالى عدة مرات في اليوم الواحد.
و"الْحَمْدُ لِلَّهِ" في سورة الأنعام في سياق الخالق: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ ﴾ [الأنعام: 1، 2].
والخلق هو الإيجاد، وقد يكون إيجادًا من شيء سابق، فالإنسان مثلًا مخلوق جديد من مخلوق سابق، هو الطين. وأما في ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [فاطر: 1]، فإن الحمد لنوع آخرَ من الخلق، وهو الإيجاد من عدم. وملكية هذه المخلوقات لله تعالى وحده، وحمدُه سبحانه في سورة سبأ ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [سبأ: 1] آتٍ لعائدية هذا الملك إليه، ومن ثم لكونه المتصرفَ الوحيد فيها، فيدبِّرها برحمته وحكمته.
ولم يكن الإنسان على علم بهذه المعاني الجليلة والحكمة منها - أي: الربوبية والخلق بمعنيَيْه والمُلْك، وغيرها من أسماء الله تعالى وصفاته - لولا فضلُه سبحانه ولولا إنزال الكتاب لهداية الإنسان إلى جنابه العليِّ، فـكان ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ في أول هذه السورة؛ لأنه سبحانه هدى الإنسان إلى سبيل الخروج من العَمَايَة.
والتعبير بلفظ الكتاب عن القرآن الكريم كامن - كما يقول محمد رشيد رضا في سياق تفسير سورة المائدة ( تفسير المنار 6: 339) - في أنه الوحيد الجدير بانصراف معنى الكتاب الإلهي إليه عند الإطلاق؛ لأن ما قبله، وقد سماه القرآن الكريم بأسمائه، وهو التوراة والإنجيل، وما أودع الله فيهما من هدى ونور - كانت مقدماتٍ ووسائلَ، بينما كان القرآن الكريم مقصدًا ونتيجة، فبه أكمل الله تعالى الدين، وهو الكامل الهادي إلى الحق، وهو الشاهد على صدق الأنبياء السابقين في أنهم جاؤوا بالهدى من عنده سبحانه. ولهذا ولشمولية القرآن الكريم على هدى الكتب السابقة وحفظه مما تعرَّضت له تلك الكتب من تغيير؛ صار القرآن الكريم حقيقًا بأن يسمى الكتاب، فلدِينِ الله تعالى كتابٌ واحد؛ أي: منهج واحد، وإن تعدَّدت الرسل. والقرآن الكريم الحاوي على ما خص الله تعالى به الأمة المحمدية، والشامل لهدى الكتب السابقة - هو الكتاب الوحيد المحتفظ شكلًا ومضمونًا بما أراده الله تعالى، فلا كتاب غيره يصح أن يقال عنه: ﴿ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا ﴾.
2- ﴿ قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا * وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ﴾ [الكهف: 2 - 5].
إن هذا الكتاب هو الحق، ويُرشد الإنسانَ بهدْيٍ قويم، ولكن الله تعالى المحيط بكوامن الإنسان يعلم أن من الناس من يتنكب عن هذا الإرشاد وأن منهم من يتقبلها، فكانت رسالته إنذارًا وبشارة على عمومهما وبدون تخصيص؛ فمن الناس من يصحو بالإنذار، ومنهم من يستجيب بالبشرى، وقدَّم الإنذار؛ لأن النفوس - عادةً - لا تذعن من أول الأمر، ثم إنه كرر الإنذار وخَصَّ به من قال: ﴿ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ﴾، وهم اليهود والنصارى وقسم من الكافرين الذين كانوا يعتقدون أن الملائكة بنات الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [التوبة: 30]، ﴿ أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا ﴾ [الإسراء: 40].
وتخصيص ناسبي الولدِ إليه سبحانه بالإنذار مرة أخرى بعد الإنذار العام الذي ورد في صدر الآية والذي هم مُضمَّنون فيه - راجعٌ، والله أعلم، إلى أمرين؛ أولهما: أن اليهود هم الذين نصحوا مشركي مكة بسؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء جاء الجواب عن بعضها في هذه السورة، كما ذُكر في أسباب التنزيل، وهم صنف من ناسبي الولد إليه سبحانه. وثانيهما: هو أن مَن قال: إن لله ولدًا، سبحانه، لا يكفرون وحسب؛ بل ويصِفونه جل وعلا بصفات النقص، ويعزون إليه ما لا يليق من صفات بشرية. وهم بهذا يختلفون عن المشركين الآخرين الذين بدَوا وكأنهم كانوا يراعون صفة الكمال في علو الله تعالى، ونزَّهوه عن الشهوات التي ألصقها به الآخَرون وإن وقَعوا في صفة نقص أخرى، وهي إشراك غيره معه في الربوبية. والفئتان منكوستان؛ فالمشركون اعتقدوا لعقولهم القاصرة أن مقاماتهم البشرية أحَطُّ من أن تمكِّنهم من عبادة الله مباشرة؛ فاتخَذوا له سبحانه وتعالى شركاءَ تقرِّبهم إليه زلفى، وقد أنكر الله تعالى عليهم مذهبهم الفاسد، ومعتقدو الولد له سبحانه زادوا على ذلك في عدم التورع عن عزو صفات النقص البشري إليه جل وعلا؛ ولهذا شنع القرآن الكريم عليهم معتقدهم بالعموم وبالتخصيص على حد سواء في مواضع مختلفة؛ كآيتي التوبة والإسراء السابقتين، والآية الخامسة من سورة الكهف، وفي قوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ﴾ [مريم: 88 - 93].
سورة الكهف
1- ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ﴾ [الكهف: 1].
تبدأ سورة الكهف بـ ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾، وهي واحدة من خمس سور مباركات تبدأ به، وهي:
الفاتحة، والأنعام، والكهف، وسبأ، وفاطر، ولـ ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ في كلٍّ منها سياق مخصوص؛ فهو يجيء في سورة الفاتحة في سياق بيان ربوبية الله تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، ولأن الإقرار بهذه الربوبية هو رأس الإيمان، وأن له الأولوية في أصل الإيجاد، وينبغي من ثَمَّ أن تكون له الأولوية في حياة الناس؛ كان ترتيبها الأول من بين سور القرآن الكريم، ووجبت تلاوتُها في كل ركعة؛ لإغذاء شعور الإنسان بربوبية ربه، وتجديد صلة عبوديته به سبحانه وتعالى عدة مرات في اليوم الواحد.
و"الْحَمْدُ لِلَّهِ" في سورة الأنعام في سياق الخالق: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ ﴾ [الأنعام: 1، 2].
والخلق هو الإيجاد، وقد يكون إيجادًا من شيء سابق، فالإنسان مثلًا مخلوق جديد من مخلوق سابق، هو الطين. وأما في ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [فاطر: 1]، فإن الحمد لنوع آخرَ من الخلق، وهو الإيجاد من عدم. وملكية هذه المخلوقات لله تعالى وحده، وحمدُه سبحانه في سورة سبأ ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [سبأ: 1] آتٍ لعائدية هذا الملك إليه، ومن ثم لكونه المتصرفَ الوحيد فيها، فيدبِّرها برحمته وحكمته.
ولم يكن الإنسان على علم بهذه المعاني الجليلة والحكمة منها - أي: الربوبية والخلق بمعنيَيْه والمُلْك، وغيرها من أسماء الله تعالى وصفاته - لولا فضلُه سبحانه ولولا إنزال الكتاب لهداية الإنسان إلى جنابه العليِّ، فـكان ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ في أول هذه السورة؛ لأنه سبحانه هدى الإنسان إلى سبيل الخروج من العَمَايَة.
والتعبير بلفظ الكتاب عن القرآن الكريم كامن - كما يقول محمد رشيد رضا في سياق تفسير سورة المائدة ( تفسير المنار 6: 339) - في أنه الوحيد الجدير بانصراف معنى الكتاب الإلهي إليه عند الإطلاق؛ لأن ما قبله، وقد سماه القرآن الكريم بأسمائه، وهو التوراة والإنجيل، وما أودع الله فيهما من هدى ونور - كانت مقدماتٍ ووسائلَ، بينما كان القرآن الكريم مقصدًا ونتيجة، فبه أكمل الله تعالى الدين، وهو الكامل الهادي إلى الحق، وهو الشاهد على صدق الأنبياء السابقين في أنهم جاؤوا بالهدى من عنده سبحانه. ولهذا ولشمولية القرآن الكريم على هدى الكتب السابقة وحفظه مما تعرَّضت له تلك الكتب من تغيير؛ صار القرآن الكريم حقيقًا بأن يسمى الكتاب، فلدِينِ الله تعالى كتابٌ واحد؛ أي: منهج واحد، وإن تعدَّدت الرسل. والقرآن الكريم الحاوي على ما خص الله تعالى به الأمة المحمدية، والشامل لهدى الكتب السابقة - هو الكتاب الوحيد المحتفظ شكلًا ومضمونًا بما أراده الله تعالى، فلا كتاب غيره يصح أن يقال عنه: ﴿ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا ﴾.
2- ﴿ قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا * وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ﴾ [الكهف: 2 - 5].
إن هذا الكتاب هو الحق، ويُرشد الإنسانَ بهدْيٍ قويم، ولكن الله تعالى المحيط بكوامن الإنسان يعلم أن من الناس من يتنكب عن هذا الإرشاد وأن منهم من يتقبلها، فكانت رسالته إنذارًا وبشارة على عمومهما وبدون تخصيص؛ فمن الناس من يصحو بالإنذار، ومنهم من يستجيب بالبشرى، وقدَّم الإنذار؛ لأن النفوس - عادةً - لا تذعن من أول الأمر، ثم إنه كرر الإنذار وخَصَّ به من قال: ﴿ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ﴾، وهم اليهود والنصارى وقسم من الكافرين الذين كانوا يعتقدون أن الملائكة بنات الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [التوبة: 30]، ﴿ أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا ﴾ [الإسراء: 40].
وتخصيص ناسبي الولدِ إليه سبحانه بالإنذار مرة أخرى بعد الإنذار العام الذي ورد في صدر الآية والذي هم مُضمَّنون فيه - راجعٌ، والله أعلم، إلى أمرين؛ أولهما: أن اليهود هم الذين نصحوا مشركي مكة بسؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء جاء الجواب عن بعضها في هذه السورة، كما ذُكر في أسباب التنزيل، وهم صنف من ناسبي الولد إليه سبحانه. وثانيهما: هو أن مَن قال: إن لله ولدًا، سبحانه، لا يكفرون وحسب؛ بل ويصِفونه جل وعلا بصفات النقص، ويعزون إليه ما لا يليق من صفات بشرية. وهم بهذا يختلفون عن المشركين الآخرين الذين بدَوا وكأنهم كانوا يراعون صفة الكمال في علو الله تعالى، ونزَّهوه عن الشهوات التي ألصقها به الآخَرون وإن وقَعوا في صفة نقص أخرى، وهي إشراك غيره معه في الربوبية. والفئتان منكوستان؛ فالمشركون اعتقدوا لعقولهم القاصرة أن مقاماتهم البشرية أحَطُّ من أن تمكِّنهم من عبادة الله مباشرة؛ فاتخَذوا له سبحانه وتعالى شركاءَ تقرِّبهم إليه زلفى، وقد أنكر الله تعالى عليهم مذهبهم الفاسد، ومعتقدو الولد له سبحانه زادوا على ذلك في عدم التورع عن عزو صفات النقص البشري إليه جل وعلا؛ ولهذا شنع القرآن الكريم عليهم معتقدهم بالعموم وبالتخصيص على حد سواء في مواضع مختلفة؛ كآيتي التوبة والإسراء السابقتين، والآية الخامسة من سورة الكهف، وفي قوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ﴾ [مريم: 88 - 93].
تعليق