تويت
أحاديث في الأدب الشعبي
حقوق الإنسان تراعيها الأعراف والأخلاق العربية
عبدالرحيم الأحمدي
االحلايب (المواشي ذات الحليب) يحظر سلبها
وجاءت الوحدة الوطنية لتزيل الحواجز وتجمع شتات الأقاليم المتناحرة وتخضع الجميع لإدارة موحدة تحقق الحياة الكريمة على بساط الوطن الواحد وتحت مظلة خيمة واحدة تمنحهم سعة الوطن ورحابته والسعي في مناكب وطن كبير بالألفة والتضامن المعزز بالدين والعدالة والتربية والتعليم واتساع الموارد الاقتصادية والأمن والاستقرار.
لقد زالت سلطة القبيلة وأسست دولة حديثة ذات سيادة وسعي للاضطلاع بمسؤولية الرعاية الشاملة.
لكن هل كانت اعراف القبلية سيئة تغيب عنها الإنسانية وتسودها حكومة الغاب؟ لا أظن ذلك، وهذا ما ادعته أقلام غير مدركة لواقع الأمر.
لقد سادت السلطة القبلية نظام نبع من واقعها وأدركه حكماؤها نتناول منه اليوم موضوع حقوق الإنسان في مجتمع تسوده الفوضى كما يدعي البعيدون عنه. وحقوق الإنسان منذ العصر الجاهلي تراعيها الأعراف والأخلاق العربية التي بعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لاتمامها "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
ولقد نقل لنا الأدب الشعبي شيئاً من مراعاة السلطة القبلية لحقوق الإنسان داخلها وفيما بينها، وقد تجاهلها بعض الكتاب الواثق من أن هذه السلطة تعيش حياة بدائية لا تعرف الرفق ولا المعاني الإنسانية، وهذه النظرة هي من ساهمت في إهمال أدب الصحراء وأهميته في تشكيل وجدان الأمة التي وحدت نظرتها للمجتمع باديته ومدنه وتعمل لتنمية وشمولية رعايته.
واليوم تنبه المدركون لهذه المعاني المتذوقون لأدب الصحراء فظهرت بعض المؤلفات التي تحاول جلاء الأفكار الكامنة في الأدب الشعبي بأسلوب يغلب عليه الاجتهاد، ويخلو من التحليل الواعي والميسر لفهم هذا الأدب الذي ينقل ملامح الماضي نظمه وقيمه ومعايير التعبير فيه، ورغم وجود بعض المؤلفات المؤسسة على ذائقة ثقافية وأسس دراسية ولكنها لا تستجيب لحاجة المتلقي من الشباب الذي ينحو إلى الثقافة الأجنبية ولا تكتمل لديه الذائقة الأدبية العربية فكيف له أن يفهم الأدب الشعبي الذي تمثل له مفرداته وتعبيراته ألغازاً، يجب أن نساعد المتلقي الجديد على فهم الأدب الشعبي ورموزه.
إن أكبر معاناة لفهم الأدب الشعبي تكمن في كتابة نصوصه إملائياً وشرحاً ففي قوله:
من غب كونه مرتكله بصيوان
والبن يحمل والمنادي ينادي
فالكون هو الموقعة الحربية التي تجري بمشاركة عدد كبير من الرجال من قبيلتين متحاربتين أو بمشاركة أحلاف مع كل منهما بدافع ثارات أو غزو للسلب، أما الاملاء ففي كلمة مرتكله فإن الواجب كتابتها مرتكٍ له أي جالس ومستعد للحوار والمفاهمة إما لخير أو لشر.
والعادة هنا أن المنتصر بعد أن تضع الحرب أوزارها يجلس بين رجاله ويستقبل المنهزمين ممن شملتهم الحرب وهم ليسوا سبباً فيها كالجيران ومحدودي الملكية، فينظر المنتصر في المتضررين منهم ويرد إليهم ما فقدوه، فشيوخ القبائل يعفّون عما يلحق الضرر بالآخرين ويتركهم يواجهون مصيراً سيئاً لا تقبله شهامة المنتصر، وهذا التصرف لا يقل قيمة معنوية عن الانتصار، وهذا ما يعنيه هذا البيت.
والذي يشملهم التعويض من المهزومين قياداتهم فمن الشهامة عدم أخذ كل ما يملكون، فيرد إليهم شيئ مما افتقدوه وبخاصة ما يلي:
الحلايب: وهي المواشي ذات الحليب التي يعيل الأسرة حليبها وهي مخصصة لذلك.
الراوي: وهي المواشي من ابل ونحوها مما يعتمد عليه لإحضار الماء للأسرة أو الحرث.
المداد: وهي المواشي التي تستخدم للنقل والارتحال وجلب المواد الغذائية من المدن.
الكداد: الذي يعيش من الخدمة كالرعاة والخدم ومحدودي الدخل.
الضعيف: من محدودي الدخل.
ونحو ذلك مما تتوقف عليه حياة البادية.
وهناك النساء والأطفال فإن التعرض لهم بالايذاء مما تحرمه العادات والتقاليد.
ولما كان الغزو حينها يستهدف مكاناً فإن الممتلكات من المواشي مختلطة فلا يعرف مال الغني من الفقير ولا حقوق المتجاورين والمستجيرين من سواهم، لذا وجب أن يعقد هذا المجلس لإبراء الذمة وللرفق واحترام الحقوق:
ما ياخذ الطارش ولا يقطع النقذ
شره على سجح البكار الجلايل
وقول آخر:
إذا صرت كداد وراعي طويلة
صغّر على نقالة الما غروبها
في هذين البيتين إشارة إلى حقوق الإنسان والحيوان أيضاً، فالطارش هو عابر السبيل والنقذ هو ما تتوقف عليه الحياة كالماء والطعام، والحيوان كتخفيف الاحمال من متاع ودلاء لنزع الماء من الآبار.
وحتى الحنشل إذا استولوا على مواشي لقبيلة ما فإنهم يأسرون الرعاة معهم حتى يبلغوا مأمنهم من اللحاق بهم وهو مشارف ديارهم فيطلقون سراح الرعاة ويسمحون لهم بأخذ ما يستطيعون الإمساك به أو حمله من كسب الحنشل والعودة لديارهم فإن كانت راعية يرسلون معها واحداً منهم يأمنونه على عدم الاعتداء عليها ويتركها عند بلوغ مأمنها وهو مشارف مضارب أهلها وسماع الأذان أو سماع أصوات حيواناتهم، وإذا حدث إخلال من المرافق عوقب أشد العقاب.
وبين القبائل اتفاقيات شفهية يحترمونها ويحتكمون إليها عند الإخلال بها.
وهناك حقوق أخرى للضعيف والجار والمستجير وغير ذلك من أهل الحقوق التي راعاها مجتمع الصحراء في الجزيرة العربية وقام بتطبيقها قبل سواه، وقد نبعت هذه القوانين من حكماء القبائل لحاجتهم إليها دون تأثرهم بغيرهم وهذا خفف من وطأة اختلال الأمن وعدم الاستقرار.
وقل أن توجد قصيدة وصية دون الحث على صون هذه القيم.
ولمزيد من الاطلاع يرجع لكتاب قاموس البادية لمؤلفه القدير شاهر محسن الأصقه المطيري ففيه كثير من ثقافة الصحراء.
الأعراف القبلية حفظت حقوق الضعيف والجار والمستجير
تعليق