• تم تحويل المنتديات للتصفح فقط

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تفسير سورة الفلق

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تفسير سورة الفلق

    تفسير سورة الفلق



    إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

    وبعد:
    ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1]، عن زرِّ بنِ حُبيشٍ قال: "سألتُ أُبيَّ بن كعبٍ رضي الله عنه عن المُعوذتين فقلتُ: يا أبا المُنذر، إنَّ أخاك ابن مسعودٍ رضي الله عنه لا يكتُبُ المُعوذتين في مُصحفه، فقال: سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((قيل لي فقلتُ))، فنحنُ نقولُ كما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم"؛ صحيح، مسند أحمد بتحقيق الأرنؤوط.

    ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1]، أَعوذ؛ أي: ألتجِئ وأحتمي، والاستعاذة دعاء؛ فعن شكل بن حُميد قال: قلتُ: يا رسول الله، علِّمني دُعاء، قال: ((قُل: اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك من شرِّ سمعي، ومن شرِّ بصري، ومن شرِّ لساني، ومن شرِّ قلبي، ومن شرِّ منيي))؛ صحيح أبي داود.

    ﴿ بِرَبِّ الْفَلَقِ[الفلق: 1]، قال ابن الأنباري: يكون الربُّ: المالك، ويكون: السيِّد المطاع، ويكون: المصلح؛ فهذه ثلاثة أصول تَرجع إليها معاني كلمة الرب.

    فبمعنى المالِك والصَّاحب، قول الرسول صلى الله عليه وسلم في ضالَّة الإبل قال: ((ما لَك ولها؟ مَعها سِقاؤها وحذاؤها، تردُ الماءَ وتأكلُ الشجر حتى يلقاها ربُّها))؛ متفق عليه.

    وبمعنى السيِّد المطاع، قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث أشراط السَّاعة: ((إذا ولَدَت الأَمَة ربَّها))؛ أي: سيِّدها - وهذا لفظ البخاري.

    وبمعنى المصلح للشَّيء المدبِّر له، قال الرَّاغب: (الرَّب في الأصل التربية، وهو إنشاء الشيء حالًا فحالًا إلى حدِّ التمام).

    والفَلق: أصله شقُّ الشِّيء عن الشيء، وفَصل بعضه عن بعض، وإبانة بعضه عن بعض، نقل الفرَّاء في اللُّغة: أنَّ "فطر وخلق وفلق"؛ بمعنًى واحد، وقيل: ولا يُعرف هذا لغةً، وهذا لا يُلتفَت إليه؛ لأن هذا مَنقول عن ابن عباس والضحَّاك أيضًا، لا يقال ذلك على جهة التفسير للتقريب.

    فالخلق هو الإيجاد من العدَم، وإيجاد المخلوق من المخلوق؛ وهو الانفِطار والانفلاق من العدَم أو من المخلوق، وإذا تأمَّلنا ما ذُكر لنا من الخَلق وجدناه على انفِطارٍ وانفلاق، قال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ﴾ [الأنبياء: 30]، وقال: ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ﴾ [البقرة: 29]، وقال: ﴿ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا ﴾ [عبس: 25 - 27]، وقال: ﴿ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ﴾ [النساء: 1].

    إذا علمنا أنَّ فلَق وفطَر بمعنًى واحد، فكذلك فالِق وفاطِر بمعنًى واحد؛ أي: خالِق، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ﴾ [الأنعام: 95]، وقال: ﴿ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ﴾ [الأنعام: 96].

    فالله خالِق الخلق وخالق أفعالهم، قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الصافات: 96]، وعن حُذيفة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله خلَق كلَّ صانعٍ وصنعته))؛ سلسلة الأحاديث الصحيحة، والمخلوق يكسب الفعل.

    فقال تعالى عن فِعله: ﴿ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴾ [البقرة: 50]، وقال عن مفعوله؛ أي: مخلوقه: ﴿ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ﴾ [الشعراء: 63]، وقال عن فعله: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا ﴾ [النحل: 78]، وقال عن مفعوله: ﴿ وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ﴾ [فاطر: 11]، وقال عن فعله: ﴿ فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ﴾ [البقرة: 22]، وقال عن مفعوله: ﴿ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا ﴾ [فصلت: 47]، وقال عن فعله: ﴿ فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا ﴾ [عبس: 27]، وقال عن مفعوله: ﴿ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ ﴾ [البقرة: 261].

    فالفَلق هو ما خَلق الله، وما انفلَق عن جميع ما خَلَق من الإنس، والجن، والحيوان، والنَّبات، والحبِّ، والنَّوى، والمطر، والليل.. والكسب يكونُ من المخلوق؛ فالشرُّ يَنبثق عن الشيطان، والسمُّ ينبثِق عن الحيَّة، والحسَد ينبثق عن الحاسِد.

    قال الشنقيطي في أضواء البيان: فرَبُّ الفَلَق تُعادِل رب العالمين، فقابَلَها في الاستعاذة بعُموم المُستعاذ منه، من شرِّ ما خلق.

    ﴿ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ﴾ [الفلق: 2]؛ أي: من شرِّ كل مَخلوق فيه شَرٌّ، ويدلُّ على هذا حديث أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ إذا أَوى إلى فراشه: ((اللهمَّ ربَّ السموات والأرض، ورب كلِّ شيءٍ، فالِق الحبِّ والنوى، مُنزل التوراة والإنجيل والقُرآن، أعوذ بك من شرِّ كلِّ ذي شرٍّ أنت آخِذٌ بناصيته، أنت الأولُ فليس قبلك شيءٌ، وأنت الآخرُ فليس بعدك شيءٌ، وأنت الظَّاهرُ فليس فوقك شيءٌ، وأنت الباطنُ فليس دونك شيءٌ، اقض عني الدَّينَ، وأغنني من الفقر))؛ صحيح أبي داود، وفي رواية لمسلم: ((أعوذُ بك من شرِّ كلِّ دابَّةٍ أنت آخِذٌ بناصيتها))، فاستعاذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالله من شرِّ كل مخلوق فيه شَرٌّ، لا من شرِّ كل ما خلَقَه الله تعالى، وإن كان الله هو الخالِق للخير والشرِّ.

    وليس الشرُّ من صِفات الله، ولا مِن أفعاله، وإنما هو في مَفعوله المخلوق، أمَّا الله جلَّ وعلا، فكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في مناجاته لربِّه: ((والشرُّ ليس إليك))، فإن قيل: أليس من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((وقِني شرَّ ما قضيتَ))؟ نقول: نعم، هذا في المقضي المخلوق الذي يصيب الإنسان.

    واعلم أن في خَلق الشرِّ حِكمًا:
    منها: أنَّ العبوديَّة كلها راجعة إلى مقتضيات الأسماء والصِّفات، وأن من مقتضيات أسماء الله تعالى وصِفاته وجود الخير والشرِّ، فالله تعالى هو الغفور، ومن مقتضيات هذا الاسم وجود الذَّنب الذي هو شرٌّ، والذي يحمل صاحبه على طلَب المغفرة، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((والَّذي نفسي بيده، لو لم تُذنِبوا، لذَهب الله بكُم، ولجاء بقومٍ يُذنِبون، فيستغفرون اللهَ، فيغفرُ لهم))؛ صحيح مُسلم.
    وهكذا، فكلُّ اسم من أسماء الله تعالى تجد أنَّ له مقتضيات في خلقه، لا بدَّ من ظهورها ووجودها.

    ومنها: أنَّ الأشياء تُعرف بضدِّها؛ كيف تَعرف الخيرَ وأنت لا تعرف الشرَّ؟ كيف تعرف نعمةَ الإيمان وأنت لا تعرف الشِّركَ؟ كيف تعرف نعمةَ الصحَّة وأنت لا تعرف المرض؟ وكيف تعرف نعمةَ الغِنى وأنت لا تعرف الفقر؟

    ومنها: أنَّ طبيعة الإنسان الظلم والطُّغيان؛ كما وصفه الله تعالى: ﴿ وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72]، وقال: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾ [العلق: 6، 7]، فيأتيه الضرُّ ليقف بين يدي ربِّه متضرعًا خائفًا منيبًا.

    ومنها: أنَّ الدنيا دار امتحان، قال تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2]، وقال: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ﴾ [الأنبياء: 35]؛ ليعرف المسيء مِن المحسن: ﴿ وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الجاثية: 22].

    ومنها: أنَّ الإنسان لا يَعلم العواقب: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 216]، وقال: ﴿ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].

    ومنها: أن الشرَّ في بعض صوره يكون لصاحبه طهورًا وكفَّارة لذنوبه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يَزالُ البلاءُ بالمؤمن والمؤمنة؛ في جسَده وأهلِه وماله، حتى يَلقى اللهَ وما عليه خطيئة))؛ صحيح الجامع.

    ومنها: ليندفع به شرٌّ أكبر؛ كخَرقِ الخضر للسَّفينة، وقتله للغلام.

    هذه بعض الحِكم من خَلق الشرِّ، وخلاصة القول: إنَّ الشرَّ ليس مقصودًا ابتداءً؛ بل هو خيرٌ في حقيقته، فيظهر فيه فَضل الله تعالى على المطيع، وعدلُه مع العاصي، فأفعال الله تعالى كلُّها حِكمة؛ تدور بين الفضلِ والعدل، عن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((يمينُ الرحمن مَلأى، سحَّاء، لا يُغيضُها اللَّيلُ والنهارُ، أرأيتُم ما أَنفق مُنذُ خلَق السَّموات والأرض؟ فإنَّه لم يغض ما في يمينه، وعرشُه على الماء، وبيده الأُخرى الميزانُ يرفَعُ ويخفضُ))؛ صحيح الترمذي.

    وإنَّ كلَّ ما هو بالنسبة للإنسان شرٌّ لأنَّه لا يلائمه هو باعتبار نِسبته إلى الله خير؛ لأن الله لم يقدِّره إلَّا لحكمة عرفها مَن عرفها وجهلها مَن جهلها، إذا علمتَ هذا أيها المؤمن وأصابك مكروه "لا تتَّهم اللهَ في شيءٍ قضاه عليك"؛ سلسلة الأحاديث الصحيحة.

    واعلم أنَّه إمَّا فَضل مِن الله أو عدل، وهو خير لك إن صبرتَ واحتسبتَ وأنَبت؛ فعن أنسٍ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((عجبتُ للمُؤمن، إنَّ الله لا يقضي للمُؤمن قضاءً إلَّا كان خيرًا له))؛ صحيح، مسند أحمد بتحقيق الأرنؤوط.

    والاستعاذة من شرِّ ما خلَق تعمُّ شرَّ كل مخلوق فيه شر، والغاسِق إذا وقَب، والنَّفاثات في العُقد، والحاسِد إذا حسد، داخِلون في هذا الشرِّ، وخُصُّوا بالذِّكر لخفاء شرهم؛ إذ يجيء من حيث لا يعلم، فعطف الخاص على العام يؤذن بمزيد اعتناء بالخاصِّ إذا اقتصر على بعض متناولات العام.
    الالوكة



  • #2


    ï´؟ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ï´¾ [الفلق: 3]، الغَسق: الظُّلمة، يُقال: غسق الليل وأغسق: إذا أظلَم، ومنه قوله تعالى: ï´؟ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ï´¾ [الإسراء: 78]، ووقب؛ أي: دخل.

    أمَّا الغاسِق؛ فعن عائشة رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نظَر إلى القمر، فقال: ((يا عائشةُ، استعيذي بالله من شرِّ هذا؛ فإنَّ هذا هو الغاسِقُ إذا وقب))؛ صحيح الترمذي، وعند أحمد بسنَد حسن: قالت عائشةُ: أخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فأراني القمرَ حين طلع، فقال: ((تعوَّذي بالله من شرِّ هذا الغاسق إذا وقب)).

    فدخول القمر آيَة الليل ودليله، قال تعالى: ï´؟ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ ï´¾ [الإسراء: 12]؛ أي: طَمسنا ضوءَ القمر.

    وعُرف الغاسِق في الحديث؛ أي: إنَّ القمر الذي هو آيَة الليل هو المقصود، ونُكِّر في الآية للتبعيض؛ أي: إن خطورته في بعض أَوقاته؛ فعن جابرٍ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تُرسلوا فواشيكُم وصبيانكُم إذا غابَت الشمسُ حتى تَذهب فحمةُ العشاء؛ فإنَّ الشياطين تَنبعثُ إذا غابت الشمسُ حتى تذهب فحمةُ العشاء))؛ صحيح مسلم، والفواشي: جمع فاشية؛ لأنَّها تَفشو؛ أي: تنتشر في الأرض، وهي كلُّ منتشِر من المال والإبل والغنم وسائرِ البهائم، وغيرها.

    وعن جابرٍ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((كفُّوا صبيانَكم عند فحمة العشاء، وإيَّاكم والسمر بعد هَدأة الرجل؛ فإنَّكم لا تدرون ما يبُثُّ الله من خلقه؛ فأغلقوا الأبوابَ، وأطفئوا المصباحَ، وأكفئوا الإناء، وأوكوا السقاء))؛ سلسلة الأحاديث الصحيحة.

    وإلَّا، فالقمر والليل من نِعم الله على العباد، قال تعالى: ï´؟ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ï´¾ [إبراهيم: 33]، وقال: ï´؟ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ï´¾ [القصص: 73]، وقال: ï´؟ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ï´¾ [المزمل: 6].

    وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ينزِلُ ربُّنا كل ليلةٍ إلى السماء الدنيا حين يبقى ثُلثُ الليل الآخر، فيقولُ: مَن يدعوني فأستجيب له؟ من يسألُني فأُعطيه؟ مَن يستغفرني فأغفر له؟))؛ متفق عليه، وفي هذا الحديث دليل على أنَّ الفلَق ليس بالصبح خاصَّة، قيل: لأنَّ طلوع الصبح فيه كشف الظلمات، وهو كالمثال لِمجيء الفرج، ولو كان الأمر كذلك لكان الدُّعاء في الصبح أَولى بالاستجابة من الثُّلث الأخير من الليل؟!

    ï´؟ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ï´¾ [الفلق: 4]، النَّفث: فوق النَّفخ ودون التَّفل، وقد يكون بغير ريقٍ، بخِلاف التَّفل، وقد يكون بريقٍ خفيف، بخِلاف النفخ.

    ويكون من الأنفس الخيرة، فعن عبدالله بن مسعود، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ روح القُدُس نفَث في روعي، أنَّ نفسًا لن تَموت حتى تَستكمل رزقها، فاتَّقوا الله، وأجملوا في الطَّلَب))؛ صحيح الجامع، ولقول عائشة رضي الله عنها: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتَكى نفَث على نفسه بالمُعوذات، ومَسح عنه بيده"؛ متفق عليه.

    كما يكون من الأنفس الشريرة، فشياطين الجن والإنس تَنفث وتعقد: عن أبي سعيد الخُدري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصَّلاة بالليل كبَّر، ثُمَّ يقول: ((أعوذُ بالله السَّميع العليم من الشيطان الرجيم؛ من همزِه، ونفخِه، ونَفثه))؛ صحيح الترمذي.

    وعن أبي هريرة، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يَعقدُ الشيطانُ على قافية رأس أحدِكم إذا هو نام ثلاث عُقدٍ، يضرِبُ على كلِّ عُقدةٍ: عليك لَيلٌ طويلٌ فارقُد، فإن استيقظ فذَكَر اللهَ انحلَّت عُقدةٌ، فإن توضَّأ انحلت عُقدةٌ، فإن صلَّى انحلَّت عُقدةٌ، فأصبح نَشيطًا طيِّب النَّفس، وإلَّا أصبح خبيثَ النفس كسلان))؛ متفق عليه.

    وعن زيد بن أرقم قال: "سَحَرَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رجُلٌ من اليهود، فاشتكى لذلك أيامًا، فأتاه جبريلُ عليه السلامُ فقال: إن رجلًا من اليهود سحَرك، عقَد لك عُقدًا في بِئر كذا وكذا، فأرسَل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فاستخرجوها، فجيء بها، فقام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقالٍ"؛ صحيح النسائي.

    يقول الخطَّابي: والسِّحر من عمل الشيطان، يفعله في الإنسان بنَفثه ونفخه وهمزه ووسوسته، ويتلقَّاه الساحر بتعليمه إياه، ومعونته عليه، فإذا تلقَّاه عنه، استعمله في غيره بالقول والنَّفثِ في العقد، قال تعالى: ï´؟ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ï´¾ [البقرة: 102]، والنَّفث المقصود به هنا: النَّفث الذي فيه استِعاذة واستِعانة بالشياطين، فليس كل نفث في عقدة يعقد السحر، بل لا بدَّ أن يكون النَّفث بأدعية معينة ورُقًى شركيَّة وتعويذات، وكلام تَحضُر الجنُّ عند تلاوته، وتخدم هذه العقدة السحريَّة، فهناك عقد بين الساحر وبين الشيطان الجنِّي، بمقتضى هذا العقد تكون بينهما خدمة متبادلة، وهذا النوع من السِّحر كفر؛ فالنَّفَّاثات المقصودة في هذه الآية هي النُّفوس والأرواح الخبيثة من شياطين الجن والإنس، وليست مقصورَةً على السواحر من النساء.

    ï´؟ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ï´¾ [الفلق: 5]، الحسَد: تمنِّي زوال النِّعمة عن المُنعَم عليه، وسببُه أنَّ الطِّباع مَجبولةٌ على حُبِّ الترفُّع على الجنس، وهو حرام، وقد يُطلق على الغبطة؛ وهي أن يتمنَّى أن يكون له مثلُ ما لغيره، من غير أن يزول عنه؛ فإن كانت من أمور الدنيا كانت مُباحة، وإن كانت طاعة فهي مستحبَّة، عن ابن عُمر قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لا حسَد إلَّا في اثنتين: رجُلٌ آتاه الله القُرآنَ فهو يقومُ به آناءَ الليل وآناء النهار، ورجُلٌ آتاه الله مالًا فهو يُنفقُ منه آناءَ الليل وآناء النهار))؛ متفق عليه.

    ï´؟ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ï´¾ [الفلق: 5] نُكِّر حاسِد: لأنَّه ليس كل حاسِد يضر، قال تعالى: ï´؟ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ï´¾ [البقرة: 109]، فإذا لم يُظهر الحاسِد أثَرَ ما أضمره، فلا ضرَر يعود منه على مَن حسده بل هو الضارُّ لنفسه؛ لاغتمامه بنِعَم الله على غيره، قال تعالى: ï´؟ وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ï´¾ [آل عمران: 119].

    أمَّا الضَّرر؛ فإنَّه يكون ï´؟ إِذَا حَسَدَ ï´¾ [الفلق: 5]؛ أي: أظهَر حسَدَه، وعمل بمقتضاه، ومِن أخفى الضَّرر الذي قد يصيب المحسود هي العين، فقد يكون لبعض الناس تأثيرٌ قوي في نفسه، فيؤثِّر على الآخرين بإصابته بالعين، عن ابن عباسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((العَينُ حقٌّ، فلو كان شيءٌ سابِق القدر سبقَته العينُ، وإذا استُغسِلتُم فاغسلوا))؛ صحيح مسلم.

    وقد يصيب الإنسان نفسَه أو مالَه وولده بالعين عن غير قَصد، إذا لم يَدْع بالبركة، عن عامر بن رَبيعة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا رأى أحَدُكم من نفسه أو ماله أو أخيه ما يُعجبُه، فليدْعُ بالبركة؛ فإنَّ العين حقٌّ))؛ صحيح الجامع.

    ويبقى أفضَل شيء في الوِقاية من هذه الشرور كلها: التوكُّل على الله، وقراءة المعوذات، فعن أبي سعيدٍ الخُدري رضي الله عنه قال: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يتعوَّذُ من الجان، وعينِ الإنسان، حتى نزلَت المُعوذتان، فلمَّا نزلَتا، أخَذ بهما وترك ما سواهما"؛ صحيح الترمذي، وعن مُعاذ بن عبدالله بن خُبيبٍ، عن أبيه، قال: خرجنا في ليلةٍ مطيرةٍ وظُلمةٍ شديدةٍ نطلُبُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي لنا، قال: فأدركتُه، فقال: ((قُل))، فلم أقُل شيئًا، ثُم قال: ((قُل))، فلم أقُل شيئًا، قال: ((قُل))، فقلتُ، ما أقولُ؟ قال: ((قُل: ï´؟ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ï´¾ [الإخلاص: 1]، والمُعوذتين حين تُمسي وتُصبحُ ثلاث مرَّاتٍ، تَكفيك من كلِّ شيءٍ))؛ صحيح الترمذي.

    ففي هذه السورة تبين لنا أنَّ الشرور المستعاذ منها هي شرور خارجيَّة؛ كالشياطين والهوام والسباع والأنفس الخبيثة، منفصِلة عن الإنسان، لا تُضاف إلى كَسبه ولا لإرادته، ولا يعاقب عليها شرعًا، ويبقى شرٌّ داخلي دَفين وخطير تنفرِد به نفس الإنسان والقرين من الجنِّ والإنس، ويكون للقلب فيه إرادة وكَسب يحاسَب عليه الإنسان شرعًا إذا تقبَّله وعمل بمقتضاه، سنراه في سورة الناس.

    والله سبحانه وتعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.





    الالوكة

    تعليق


    • #3
      كتب الله أجرك وجعل ما تطرحين في موازين حسناتك


      تعليق


      • #4
        جزاك الله الجنة
        نفع الله بك
        وبارك في عمرك




        تعليق


        • #5
          بارك الله فيكم

          تعليق


          • #6

            تعليق

            يعمل...
            X