• تم تحويل المنتديات للتصفح فقط

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رعاية المسنين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رعاية المسنين

    رعاية المسنين


    الشَّيخُوخَة خريف العُمُر، وزمن الضعف؛ حيث يَهِنُ العظم، ويضْعُف البدن، ويضطرب الرَّأي، وتخور القوى، ويشتعل الشيبُ، وتطرأ على الإنسان تغيُّرات نفسيَّة وعاطفيَّة وجسميَّة وعقليَّة حَرِجة، بعد أن أدَّى دوره في الحياة، وقام بوظيفته فيها، وخبر حقيقتها، وعركته شدائدُها ومِحنها، واستفاد من دروسها وعِبَرِها، ليصل إلى المحطة الأخيرة في رحلة الحياة الطويلة.

    فرحلة عُمُرِ الإنسان تبدأ بالضعف وتنتهي إليه؛ كما قال الله تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ﴾ [الروم: 54]، وها هو نبي الله زكريا عليه السلام يناجي ربَّه في خلوته، ويشكو إليه ما حلَّ به من ضعفِ قوَّة وشيب، فيقول: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴾ [مريم: 4].

    بل إنَّ بعض الناس قد يردُّ إلى أرذَل العمر، فينسى ما تعلَّمه من مدرسة الحياة ليعود أدراجه كما ولد جاهلًا لا يَعلم شيئًا، قال الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ [النحل: 70]، ولذلك كان من دعاء النَّبي صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ بالله تعالى من الهرم ومن أن يردَّ إلى أرذل العُمُر، فيقول: ((اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك من الكسَل، وأعوذُ بك من الجُبن، وأعوذُ بك من الهرم، وأعوذُ بك من البُخل))[1]، ويقول صلى الله عليه وسلم: ((اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك أن أُردَّ إلى أرذل العُمُر))[2].

    أمَّا منزلة الشيوخ وكبار السنِّ ومكانتهم في الإسلام فجليلة عالية؛ فقد أكَّد النبيُّ صلى الله عليه وسلم على إكرامهم والاهتمام بهم، وجعل ذلك مما يُتَقَرَّبُ به إلى الله تعالى، فقال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ من إِجْلال الله إكرام ذِي الشَّيْبة المسلِم))[3]، وأخبر صلى الله عليه وسلم بأنَّ كلَّ من يقصِّر فيما يجب عليه تجاههم من إكرام وعناية واحترام، فليس متَّبعًا للمنهج والأخلاق التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((ليس منَّا مَن لم يرحم صغيرنا ويُوقِّر كبيرنا))[4].

    وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة في هذا السلوك الأخلاقي العظيم؛ وذلك عندما جاء أبو بكرٍ الصدِّيق بأبيه أبي قُحافة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة يحملُه، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكرٍ رضي الله عنه: ((لو أقررت الشَّيخَ في بيته لأتيناه))[5].

    ولا بدَّ أن يعلَم كلُّ مسلم بأنَّ كبار السنِّ والشيوخ هم مَظِنَّة البركة والرحمة من الله تعالى، وهذا أمر مؤكَّد أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((البركة مع أكابركم))[6]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((ابْغُوني الضُّعفاءَ؛ فإنَّما تُرزقون وتُنصَرون بضُعفائكم))[7]‌.

    بل إنَّ من خير النَّاس وأعظَمهم شأنًا عند الله تعالى ذلك الذي طال عمره مع حسن طاعته لربه، قال النبي صلى الله عليه وسلم عندما سأله رجل فقال له: يا رسول الله، أيُّ النَّاس خيرٌ؟ قال: ((مَن طال عمرُه وحَسُن عملُه))، قال: فأيُّ النَّاس شرٌّ؟ قال: ((من طال عُمره وساء عملُه))[8]‌.

    وقد تناولت الأحاديث النبويَّة جانبًا كبيرًا من جوانب رعاية المسنِّين والشيوخ في المجتمع الإسلامي؛ منها ما يتعلَّق بجانب العبادات، ومنها ما يتعلَّق بجانب المعاملات والآداب.

    أمَّا ما يتعلق بجانب العبادات فأذكر منها:
    التخفيف في القراءة في صلاة الجماعة؛ مراعاةً لضعف كبار السن والمرضى والضعفاء، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا صلَّى أحدُكم للنَّاس فليُخفِّف؛ فإن منهم الضَّعيف والسَّقيم والكبير، وإذا صلَّى أحدُكم لنفسه فليُطوِّل ما شاء))[9]‌.

    التَّخفيف في الصيام عن المسنين، فقد أباح لهم الشرع الفطر ودفع الفدية، ولم يكلفهم الصيام مع المشقة، فقال تعالى: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ [البقرة: 184]، وقد فسَّرها ابن عباس رضي الله عنه بقوله: "هو الشَّيخُ الكبيرُ والمرأةُ الكبيرةُ لا يستطيعان أن يَصوما، فيُطعمان مكان كل يومٍ مسكينًا"[10]‌.

    التَّخفيف في الحجِّ؛ وذلك بجواز الإنابة فيه عند العجز وعدم القدرة على أدائه بالنَّفس بسبب كِبَر السنِّ، فقد جَاءت امرأةٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت: يا رسول الله، إنَّ فريضة الله على عباده في الحجِّ أدركَت أبي شيخًا كبيرًا لا يثبُتُ على الراحلة، أفأحُج عنه؟ قال: ((نعم))، وذلك في حجَّة الوداع[11]‌.


    وأمَّا ما يتعلق بالمعاملات والأخلاق فأذكر منها:
    تقديم كبيرِ السنِّ في الحديث والكلام على من هو دونه في العُمُر؛ حفظًا لمكانته واحترامًا له، ولا ينبغي أن يُتَحدَّث بحضرته إلَّا إن أذن، ولا يُقضى بأمر يتعلَّق به إلَّا بعد الرجوع إليه؛ وذلك ليبدي رأيه ويستفاد من خبرته، ومما يدلُّ على ذلك أنَّه لما تكلَّم أحد الصحابة في أمر من الأمور وكان أصغرَ القَوم، قال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((كَبِّرْ الْكُبْر))[12]؛ أي: قدم الكبير ليتكلَّم.

    تقديم كبار السنِّ والشيوخ في الضيافة والإكرام على غيرهم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا سُقِيَ ابدؤوا بالكُبَرَاء))، أو قال: ((بالأكابر))[13]‌.

    بذل السلام من الصغار للكبار، فيُسَلِّم الصغير على الكبير وليس العكس، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((يُسلِّم الصغيرُ على الكبير، والمارُّ على القاعد، والقليلُ على الكثير))[14]‌.

    أما واجب الدولة المسلمة في رعاية المسنين والشيوخ، فيدخل في إطار دلالة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلُّكم راعٍ وكلُّكُم مسؤولٌ عن رعيَّته؛ الإمامُ راعٍ ومسؤولٌ عن رعيَّته...))[15]‌، ومن هذا المنطلق يجب على الدولة المسلمة:
    أن تفرض لكبار السنِّ حالة العجز والفقر ما يكفيهم ويلبِّي حاجاتهم.
    أن ترعى المسنين صحيًّا واجتماعيًّا؛ وذلك بإنشاء مراكز خاصة لرعايتهم.

    أن تُؤْوي المسنين والعجزة ممن لا معيلَ له ولا كافل، أما من كان له أسرة وأولاد فينبغي أن لا يُسمح لهم بوضع آبائهم وأمهاتهم في دور الرعاية والعناية؛ لأن ذلك يشجع أبناء المسلمين على العقوق والتقصير في حقِّ آبائهم وأمَّهاتهم عند كبر السنِّ والشيخوخة.


    ومما سبق يظهر الفرق جليًّا بين مكانة المُسنِّ في المجتمع المسلم الملتزم بقِيَم دينه وتعاليمه، ومكانته في المجتمعات الأخرى، التي يكون فيها مآل كثير من المسنين إلى دور الرعاية والعناية، أو إلى العيش وحيدًا دون أدنى عناية أو إكرام.

    [1] أخرجه البخاري في الدعوات، برقم (6007)، ومسلم في الذكر والدعاء، برقم (589)، وأبو داود، برقم (4902) واللفظ له.

    [2] أخرجه البخاري في الجهاد والسير، برقم (2667)، والترمذي في الدعوات، برقم (3567).

    [3] أخرجه أبو داود في الأدب، برقم (4843)، وابن أبي شيبة في مصنفه (4/ 440)، برقم (21922)، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 64)، برقم (165).

    [4] أخرجه أحمد في المسند (2/ 207)، برقم (6937)، وأبو داود في الأدب، برقم (4943)، والترمذي في البر والصلة، برقم (1919)، وهو صحيح.

    [5] أخرجه أحمد في مسنده (3/ 160)، برقم (12656)، وأبو يعلى في مسنده (5/ 216)، برقم (2831)، وابن حبان في صحيحه (12/ 286)، برقم (5472)، والحاكم في المستدرك (3/ 72)، برقم (5064)، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، قال الذهبي على شرط البخاري.

    [6]‌ أخرج الطبراني في الأوسط (9/ 16)، برقم (8991)، وابن حبان في صحيحه (2/ 319)، برقم (559)، والحاكم في المستدرك (1/ 131)، برقم (210)، وقال: على شرط البخاري، ووافقه الذهبي.

    [7] أخرجه أبو داود في الجهاد، برقم (2594)، والترمذي في الجهاد، برقم (1702) وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي في الجهاد، برقم (3179).

    [8] أخرجه أحمد في المسند (4/ 188)، برقم (17716)، والترمذي في الزهد، برقم (2330)، وقال: حديث حسن صحيح، والدارمي في الرقاق، برقم (2742).

    [9] أخرجه البخاري في الأذان، برقم (671)، ومسلم في الصلاة، برقم (467).

    [10] أخرجه البخاري في تفسير القرآن، برقم (4235).

    [11] أخرجه البخاري في الحج، برقم (1442)، ومسلم في الحج، برقم (1334).

    [12] أخرجه البخاري في الأدب، برقم (5791)، ومسلم في القسامة، برقم (1669).

    [13] أخرجه أبو يعلى في المسند (4/ 315)، برقم (2425)، والطبراني في الأوسط (4/ 139)، برقم (3786)، وذكره الهيثمي في المجمع (5/ 131)، برقم (8263)، وقال: رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح.

    [14] أخرجه البخاري في الاستئذان، برقم (5877)، ومسلم في السلام، برقم (2160).

    [15] أخرجه البخاري في الجمعة، برقم (853)، ومسلم في الإمارة، برقم (1829)






  • #2
    شكراً لنقلك الموفق والمفيد ...


    تعليق


    • #3

      تعليق


      • #4
        جزاك الله خير أخي الفاضل










        الحياة مستمرة سواء ضحكت أم بكيت فلا تحمل نفسك هموماً لن تستفيد منها.




        تعليق


        • #5
          بارك الله فيك وجزاك الله خيرااا
          مشكوووور ويعطيك العافية
          نقل موفق ومفيد
          جزاك الله خيراااا

          تعليق


          • #6
            بارك الله فيك

            طرح رائع ومتميز

            تعليق


            • #7
              مشكووووووووووووووووووور

              تعليق


              • #8
                مشكور والله يعطيك الف عافيه

                تعليق


                • #9
                  اختيار موفق

                  جزيل الشكر لك

                  بارك الله فيك

                  تعليق


                  • #10
                    نسأل الله حسن الختام وحسنى الدارين
                    جميل ما طرحت بارك الله فيك
                    وجزاك خير وكتب لك الاجر

                    تعليق


                    • #11
                      روعة , بالتوفيق

                      تعليق

                      يعمل...
                      X