حديث: "إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام"
عَنْ أَبِي مُوسَىٰ الأشعري رضي الله عنه قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَقَالَ: "إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَنَامُ وَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ. يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ. يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ. وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ. حِجَابُهُ النُّورُ (وَفِي رِوَايَةِ: النَّارُ) لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ". رواه مسلم.
ترجمة راوي الحديث:
أبو موسى الأشعري رضي الله عنه تقدمت ترجمته في الحديث الثاني والسبعين من كتاب الإيمان.
تخريج الحديث:
الحديث أخرجه مسلم حديث (179)، وانفرد به عن البخاري، وأخرجه ابن ماجة في المقدمة، " باب فيما أنكرت الجهمية " حديث (195).
شرح ألفاظ الحديث:
• " قَامَ فِينَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ ": أي قام متكلماً بخمس جمل مترابطة المعنى.
• " لاَ يَنَامُ وَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ": معناه أنه سبحانه وتعالى لا ينام وأنه يستحيل في حقه النوم، فإن النوم انغمار وغلبة على العقل، يسقط به الإحساس، والله تعالى منزه عن ذلك، وهو مستحيل في حقه عز وجل، قاله النووي رحمه الله [شرح مسلم 3/16].
• " يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ": القسط هو العدل، والذي ينخفض ويرتفع هو الموزون، وسمي الميزان قسطاً لأنه بالميزان يقع العدل، فمن عمل ما يستحق الرفع رفعه، ومن عمل ما يستحق الخفض خفضه.
وقيل المراد بالقسط الرزق، فالله تعالى يخفض رزق كل مخلوق فيقتره أو يرفعه فيوسعه.
• " حِجَابُهُ النُّورُ ": أي أنه جل وعلا محتجب عن خلقه بالنور.
قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله:" وهي حجب عظيمة من النور، لا يعلم قدرها إلا الله، وفي رواية "حِجَابُهُ النَّار " كأن الراوي فهم من قوله صلى الله عليه وسلم "لأَحْرَقَتْ" أنها نار، والصواب "حِجَابُهُ النُّورُ " والشك في قوله "أو النَّار " لعله تطرق إلى الراوي، وهم من قوله صلى الله عليه وسلم "لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ" وصوابه الرواية: "حِجَابُهُ النُّورُ" [التعليق على صحيح مسلم (1/603)].
• " سُبُحَاتُ وَجْهِهِ ": أي بهاؤه وعظمته ونوره.
• "مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ": أي جميع خلقه؛ لأن بصره جل وعلا محيط بجميع الكائنات ولفظ "من" في قوله "مِنْ خَلْقِهِ" لبيان الجنس لا للتبعيض، والمعنى لو زال هذا الحجاب لأحرقت سبحات وجهه جميع مخلوقاته.
من فوائد الحديث:
• الفائدة الأولى: الحديث دليل على نفي صفة النوم عن الله تعالى، فالله تعالى لا ينام ومستحيل أن ينام لكمال قيوميته وحياته، ومعلوم أن صفات الله تعالى على قسمين: ثبوتية وهي ما أثبتها الله لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم كالعلو والوجه في حديث الباب وكالعلم والقدرة والرحمة وغيرها، فيجب إثباتها على الوجه اللائق به سبحانه، وسلبية: وهي ما نفاها عن نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم كالنوم في حديث الباب وكالظلم والموت، وغيرها، فيجب نفيها عن الله تعالى مع وجوب إثبات ضدها على الوجه الأكمل، فمثلاً في قوله تعالى: ﴿ وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدّاً ﴾ [الكهف:49] يجب نفي الظلم عن الله تعالى مع وجوب إثبات العدل لله تعالى على الوجه الأكمل، وفي حديث الباب قول النبي صلى الله عليه وسلم "إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَنَامُ" نفي صفة النوم يستلزم إثبات ضدها وهو كمال حياته وقيوميته ولذا قال تعالى عن نفسه: ﴿ اَلَلَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ اَلْحَيُّ اَلْقَيُّوْمُ ﴾ [ البقرة:255].
• الفائدة الثانية: الحديث دليل على أن الله تعالى يعز من يشاء ويذل من يشاء يحكم بالعدل يخفض ويرفع، من عمل عملاً يستحق الرفع رفعه، ومن عمل عملاً يستحق الخفض خفضه، فهو سبحانه كل وقت هو في شأن يرفع أقواماً ويضع آخرين.
• الفائدة الثالثة: الحديث دليل على ارتفاع الأعمال إليه في اليوم مرتين ليلاً ونهاراً، لا ينتهي الليل إلا وقد رفع إليه عمل الليل، ولا ينتهي النهار إلا وقد رفع إليه عمل النهار، لا يتأخر من ذلك شيء لكمال سلطانه، ولو تأمل العبد رفع الأعمال في كل ليل ونهار لحرص ألا يرتفع من أعماله إلا ما كان طيباً، والله المستعان.
• الفائدة الرابعة: الحديث دليل على إثبات صفة العلو لله تعالى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم "يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ. وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ" والكلام على صفة العلو من عدة وجوه:
• المبحث الأول: معتقد أهل السنة والجماعة في صفة العلو:
أهل السنة والجماعة يثبتون صفة العلو لله تعالى كما يليق به سبحانه من غير تحريف ولا تكييف ومن غير تمثيل ولا تعطيل، وهي من الصفات الذاتية.
وعلو الله تعالى على ثلاثة أقسام:
الأول: علو شأن (أي علو شرف وقدْر وعظمة).
الثاني: علو قهر.
وهذان القسمان لم يخالف فيهما أحد ممن ينتسب للإسلام سواء كان من أهل السنة أو أهل البدعة.
الثالث: علو الذات.
وهذا هو الذي جرى فيه الخلاف بين أهل السنة فأثبتوه وبين أهل البدعة فأنكروه وهو المقصود في المباحث القادمة يقول الحافظ حكمي:
• المبحث الثاني: صفة العلو دلَّ عليها الكتاب والسنة والإجماع:
• فمن الكتاب: قوله تعالى: ﴿ ءَأَمِنْتُمْ مَنْ فِيْ اَلْسَّمَاءِ ﴾ [الملك: 16] قال شيخ الإسلام ابن تيمية:" قد وصف الله تعالى نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله " بالعلو والاستواء على العرش والفوقية " وفي كتابه في آيات كثيرة، حتى قال بعض أكابر أصحاب الشافعي: في القرآن ألف دليل أو أزيد تدل على أن الله تعالى عالٍ على الخلق، وأنه فوق عباده. وقال غيره: فيه ثلاثمائة دليل تدل على ذلك " [انظر مجموع الفتاوى 5 / 121].
• ومن السنة: أيضاً أدلة كثيرة منها حديث الباب، وحديث معاوية بن الحكم السلمي وفيه قصة الجارية وقول النبي صلى الله عليه وسلم لها:" أين الله؟ " قالت: في السماء، قال:" أعتقها فإنها مؤمنة " رواه مالك ومسلم وغيرهما من الأئمة.
• وأجمع السلف على إثبات علو الله تعالى بذاته فهو فوق جميع خلقه بائن عنهم، ونقل الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم، بل نقل عن بعض السلف أنه يُكفِّر من ينكر أن الله في السماء، ففي شرح كتاب التوحيد للغنيمان:" قال شيخ الإسلام: وفي الفقه الأكبر المروي عن الإمام أبي حنيفة -رحمه الله - قال:" من قال لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض؟ فقد كفر، لأن الله تعالى يقول: ﴿ اَلْرَّحْمَنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اْسْتَوَى ﴾ [طه:5]، وعرشه فوق سبع سماواته. قلت: فإن قال: إنه على العرش استوى، ولكنه يقول: لا أدري، العرش في السماء أم في الأرض؟ قال: هو كافر، لأنه أنكر أن يكون في السماء لأنه تعالى في أعلى عليين...- قال الشيخ الغنيمان - وهذا تصريح من أبي حنيفة - رحمه الله - بتكفير من أنكر أن يكون الله في السماء " [انظر شرح العلامة عبدالله الغنيمان لكتاب التوحيد من صحيح البخاري (1 / 272 - 273)].
يتلخص مما سبق أن علو الله تعالى ثابت بالكتاب والسنة والإجماع وأيضاً دلَّ على ذلك:
• العقل: لأن نفي علو ذات الله تعالى نفي لصفة كمال، وكونه سبحانه في السفل صفة نقص تجعل بعض المخلوقات فوقه.
• ودل على ذلك الفطرة: لأن الخلق مفطورون على أن الله تعالى في السماء، فالإنسان إذا أراد أن يدعو الله تعالى ينصرف قلبه إلى السماء، ويذكر أن أحد أئمة السلف وهو أبو العلاء الهمذاني دخل على الإمام الجويني (أحد الأشاعرة) وهو يلقي درساً على المنبر يقرر فيه عقيدة الأشاعرة وكان مما قرر إنكار أن الله في العلو وقال: إن لله كان ولا مكان، وهو الآن على ما كان عليه ويقرر نفي العلو عن الله تعالى فقال له أبو العلاء الهمذاني أمام الناس يا إمام دعنا من أقوالك وحججك، ما هذه الحاجة التي يجدها كل واحد منا، ما أراد أحد ربه قط إلا رفع بصره إلى السماء فنزل الإمام الجويني من منبره يقول: حيرني الهمذاني حيرني الهمذاني وجلس بين أصحابه يبكي، وتاب في آخر أمره عن هذا التأويل.
عَنْ أَبِي مُوسَىٰ الأشعري رضي الله عنه قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَقَالَ: "إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَنَامُ وَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ. يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ. يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ. وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ. حِجَابُهُ النُّورُ (وَفِي رِوَايَةِ: النَّارُ) لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ". رواه مسلم.
ترجمة راوي الحديث:
أبو موسى الأشعري رضي الله عنه تقدمت ترجمته في الحديث الثاني والسبعين من كتاب الإيمان.
تخريج الحديث:
الحديث أخرجه مسلم حديث (179)، وانفرد به عن البخاري، وأخرجه ابن ماجة في المقدمة، " باب فيما أنكرت الجهمية " حديث (195).
شرح ألفاظ الحديث:
• " قَامَ فِينَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ ": أي قام متكلماً بخمس جمل مترابطة المعنى.
• " لاَ يَنَامُ وَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ": معناه أنه سبحانه وتعالى لا ينام وأنه يستحيل في حقه النوم، فإن النوم انغمار وغلبة على العقل، يسقط به الإحساس، والله تعالى منزه عن ذلك، وهو مستحيل في حقه عز وجل، قاله النووي رحمه الله [شرح مسلم 3/16].
• " يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ": القسط هو العدل، والذي ينخفض ويرتفع هو الموزون، وسمي الميزان قسطاً لأنه بالميزان يقع العدل، فمن عمل ما يستحق الرفع رفعه، ومن عمل ما يستحق الخفض خفضه.
وقيل المراد بالقسط الرزق، فالله تعالى يخفض رزق كل مخلوق فيقتره أو يرفعه فيوسعه.
• " حِجَابُهُ النُّورُ ": أي أنه جل وعلا محتجب عن خلقه بالنور.
قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله:" وهي حجب عظيمة من النور، لا يعلم قدرها إلا الله، وفي رواية "حِجَابُهُ النَّار " كأن الراوي فهم من قوله صلى الله عليه وسلم "لأَحْرَقَتْ" أنها نار، والصواب "حِجَابُهُ النُّورُ " والشك في قوله "أو النَّار " لعله تطرق إلى الراوي، وهم من قوله صلى الله عليه وسلم "لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ" وصوابه الرواية: "حِجَابُهُ النُّورُ" [التعليق على صحيح مسلم (1/603)].
• " سُبُحَاتُ وَجْهِهِ ": أي بهاؤه وعظمته ونوره.
• "مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ": أي جميع خلقه؛ لأن بصره جل وعلا محيط بجميع الكائنات ولفظ "من" في قوله "مِنْ خَلْقِهِ" لبيان الجنس لا للتبعيض، والمعنى لو زال هذا الحجاب لأحرقت سبحات وجهه جميع مخلوقاته.
من فوائد الحديث:
• الفائدة الأولى: الحديث دليل على نفي صفة النوم عن الله تعالى، فالله تعالى لا ينام ومستحيل أن ينام لكمال قيوميته وحياته، ومعلوم أن صفات الله تعالى على قسمين: ثبوتية وهي ما أثبتها الله لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم كالعلو والوجه في حديث الباب وكالعلم والقدرة والرحمة وغيرها، فيجب إثباتها على الوجه اللائق به سبحانه، وسلبية: وهي ما نفاها عن نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم كالنوم في حديث الباب وكالظلم والموت، وغيرها، فيجب نفيها عن الله تعالى مع وجوب إثبات ضدها على الوجه الأكمل، فمثلاً في قوله تعالى: ﴿ وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدّاً ﴾ [الكهف:49] يجب نفي الظلم عن الله تعالى مع وجوب إثبات العدل لله تعالى على الوجه الأكمل، وفي حديث الباب قول النبي صلى الله عليه وسلم "إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَنَامُ" نفي صفة النوم يستلزم إثبات ضدها وهو كمال حياته وقيوميته ولذا قال تعالى عن نفسه: ﴿ اَلَلَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ اَلْحَيُّ اَلْقَيُّوْمُ ﴾ [ البقرة:255].
• الفائدة الثانية: الحديث دليل على أن الله تعالى يعز من يشاء ويذل من يشاء يحكم بالعدل يخفض ويرفع، من عمل عملاً يستحق الرفع رفعه، ومن عمل عملاً يستحق الخفض خفضه، فهو سبحانه كل وقت هو في شأن يرفع أقواماً ويضع آخرين.
• الفائدة الثالثة: الحديث دليل على ارتفاع الأعمال إليه في اليوم مرتين ليلاً ونهاراً، لا ينتهي الليل إلا وقد رفع إليه عمل الليل، ولا ينتهي النهار إلا وقد رفع إليه عمل النهار، لا يتأخر من ذلك شيء لكمال سلطانه، ولو تأمل العبد رفع الأعمال في كل ليل ونهار لحرص ألا يرتفع من أعماله إلا ما كان طيباً، والله المستعان.
• الفائدة الرابعة: الحديث دليل على إثبات صفة العلو لله تعالى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم "يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ. وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ" والكلام على صفة العلو من عدة وجوه:
• المبحث الأول: معتقد أهل السنة والجماعة في صفة العلو:
أهل السنة والجماعة يثبتون صفة العلو لله تعالى كما يليق به سبحانه من غير تحريف ولا تكييف ومن غير تمثيل ولا تعطيل، وهي من الصفات الذاتية.
وعلو الله تعالى على ثلاثة أقسام:
الأول: علو شأن (أي علو شرف وقدْر وعظمة).
الثاني: علو قهر.
وهذان القسمان لم يخالف فيهما أحد ممن ينتسب للإسلام سواء كان من أهل السنة أو أهل البدعة.
الثالث: علو الذات.
وهذا هو الذي جرى فيه الخلاف بين أهل السنة فأثبتوه وبين أهل البدعة فأنكروه وهو المقصود في المباحث القادمة يقول الحافظ حكمي:
علوُّ قهرٍ وعلوُّ شَاْنِ
جلَّ عن الأضدادِ والأعوانِ
جلَّ عن الأضدادِ والأعوانِ
كذا له العلوُّ والفوقية
على عباده بلا كيفية
على عباده بلا كيفية
• المبحث الثاني: صفة العلو دلَّ عليها الكتاب والسنة والإجماع:
• فمن الكتاب: قوله تعالى: ﴿ ءَأَمِنْتُمْ مَنْ فِيْ اَلْسَّمَاءِ ﴾ [الملك: 16] قال شيخ الإسلام ابن تيمية:" قد وصف الله تعالى نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله " بالعلو والاستواء على العرش والفوقية " وفي كتابه في آيات كثيرة، حتى قال بعض أكابر أصحاب الشافعي: في القرآن ألف دليل أو أزيد تدل على أن الله تعالى عالٍ على الخلق، وأنه فوق عباده. وقال غيره: فيه ثلاثمائة دليل تدل على ذلك " [انظر مجموع الفتاوى 5 / 121].
• ومن السنة: أيضاً أدلة كثيرة منها حديث الباب، وحديث معاوية بن الحكم السلمي وفيه قصة الجارية وقول النبي صلى الله عليه وسلم لها:" أين الله؟ " قالت: في السماء، قال:" أعتقها فإنها مؤمنة " رواه مالك ومسلم وغيرهما من الأئمة.
• وأجمع السلف على إثبات علو الله تعالى بذاته فهو فوق جميع خلقه بائن عنهم، ونقل الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم، بل نقل عن بعض السلف أنه يُكفِّر من ينكر أن الله في السماء، ففي شرح كتاب التوحيد للغنيمان:" قال شيخ الإسلام: وفي الفقه الأكبر المروي عن الإمام أبي حنيفة -رحمه الله - قال:" من قال لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض؟ فقد كفر، لأن الله تعالى يقول: ﴿ اَلْرَّحْمَنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اْسْتَوَى ﴾ [طه:5]، وعرشه فوق سبع سماواته. قلت: فإن قال: إنه على العرش استوى، ولكنه يقول: لا أدري، العرش في السماء أم في الأرض؟ قال: هو كافر، لأنه أنكر أن يكون في السماء لأنه تعالى في أعلى عليين...- قال الشيخ الغنيمان - وهذا تصريح من أبي حنيفة - رحمه الله - بتكفير من أنكر أن يكون الله في السماء " [انظر شرح العلامة عبدالله الغنيمان لكتاب التوحيد من صحيح البخاري (1 / 272 - 273)].
يتلخص مما سبق أن علو الله تعالى ثابت بالكتاب والسنة والإجماع وأيضاً دلَّ على ذلك:
• العقل: لأن نفي علو ذات الله تعالى نفي لصفة كمال، وكونه سبحانه في السفل صفة نقص تجعل بعض المخلوقات فوقه.
• ودل على ذلك الفطرة: لأن الخلق مفطورون على أن الله تعالى في السماء، فالإنسان إذا أراد أن يدعو الله تعالى ينصرف قلبه إلى السماء، ويذكر أن أحد أئمة السلف وهو أبو العلاء الهمذاني دخل على الإمام الجويني (أحد الأشاعرة) وهو يلقي درساً على المنبر يقرر فيه عقيدة الأشاعرة وكان مما قرر إنكار أن الله في العلو وقال: إن لله كان ولا مكان، وهو الآن على ما كان عليه ويقرر نفي العلو عن الله تعالى فقال له أبو العلاء الهمذاني أمام الناس يا إمام دعنا من أقوالك وحججك، ما هذه الحاجة التي يجدها كل واحد منا، ما أراد أحد ربه قط إلا رفع بصره إلى السماء فنزل الإمام الجويني من منبره يقول: حيرني الهمذاني حيرني الهمذاني وجلس بين أصحابه يبكي، وتاب في آخر أمره عن هذا التأويل.
تعليق