خبزة شعير
ذلك الجبل، الذي يعلو قريتهم، وأشجار العرعر التي تنبت في تربته، تضم جسد ابنتها الصغيرة
منذ عشر سنوات، كانت في كل مغرب يوم تتجه إليه، تذرف دمعاً، مالحاً.. وصامتا.
عرفت في القرية بالباكية، تعود إلى بيتها الصغير
تحلب بقرتها، تخض اللبن، تفصل الزبد، تعبئ
قدوراً صغيرة، توزعها على فقراء القرية.
في الصباح، تذهب إلى الوديان، تهيم معظم النهار،
تعود عند الظهيرة، تصنع قرصاً من شعير، تأكل نصفه، تبقي نصفه الآخر للعصافير، واليمام والغربان الحذرة، تبوح لهم: زوروا ابنتي في أعلى الجبل، خبروها عن دمعتي وانتظاري
هكذا كل يوم
ذات يوم سمعت أصوات الدركترات تسوي قمة الجبل، تغتال الأشجار .
بعد شهر لم تبك، ولم توزع خبزاً، نبت في قمة الجبل برج للتلفيزيون، يبث أغاني الكون، عدا صوت ابنتها،
في أسفل الجبل، تقف أمام البوابة، تسأل كل داخل وخارج: ألم تر ابنتي؟؟؟؟
إحداهن
حين كانت مملوءة بالدهشة والصبا والأحلام.. قررت لكي لا تصادَر مشاعرها تلك أن تخبئها عن العيون.. كل العيون حتى عن أخواتها.
افترضت أن جدار غرفتها بلونه الأخضر الفاتح الذي اختارته عبارة عن غلاف لما تكتبه وترسمه وتتنفس به من مشاعر وضعتها داخل الجدران الأربعة حتى السقف الذي تشخص عيناها إليه، تودعه بعض أسرارها، أليست هذه الغرفة والجدران والسقوف هي التي تحضن عُرينا.. وحزننا.. وضحكاتنا التي تتسلل من حين لآخر من دواخلنا.. هي الملاذ الصامت الذي لا يبوح للآخرين بأخطائنا الصغيرة.. ومشاغباتنا.. واقتراف التجربة تلو التجربة لكي يخرج من هذه الغرفة للعالم .
إحدى المرات راودها حلم كابوسي سد عليها كل شيء حتى
السقف الذي باحت له بمئات الأسرار.. يجثم على جسدها الصغير
والجدران تتقارب وتكاد تصنع لها قبراً أخضر يسرق منها أنفاسها.. من خلال الجدران التي أودعتها ذكرياتها.. تتسرب الحروف والجمل وتكون نهراً أزرق .. تغزو جسدها الضئيل.. تحاول الخروج.. التنفس.. الحركة.. ثم أخذت تصرخ بصوت مرتفع، لكن كل ذلك لم يجدِ شيئاً.. أدركت أن صوتها لا يصل إلى أحد.. شعرت أنّ الصوت يرتدّ إلى داخلها ويرجها رجاً.. يزيدها هلعاً.
فجأة .. خرجت من حالتها تلك.. تنفست وإذا بكل شيء في مكانه والقليل من التشنج.. والألم في ذراعيها يشعرانها كم عانت.. لا تعرف الزمن الذي استغرق ذلك.. بكت بكاءً خافتاً.. كرهت تلك الغرفة الخضراء.
حاولت أن تستعيد أسرارها وأحزانها وأفراحهاالتي خبأتها داخل جدران غرفتها الخضراء.. خرجت إلى الحديقة ونشرت الكثير من الحبال وقررت أن تخرج كل شيء في حياتها خبأته عن الآخرين وتنشره فوق الحبال وتحت ضوء الشمس.
عرفت في القرية بالباكية، تعود إلى بيتها الصغير
تحلب بقرتها، تخض اللبن، تفصل الزبد، تعبئ
قدوراً صغيرة، توزعها على فقراء القرية.
في الصباح، تذهب إلى الوديان، تهيم معظم النهار،
تعود عند الظهيرة، تصنع قرصاً من شعير، تأكل نصفه، تبقي نصفه الآخر للعصافير، واليمام والغربان الحذرة، تبوح لهم: زوروا ابنتي في أعلى الجبل، خبروها عن دمعتي وانتظاري
هكذا كل يوم
ذات يوم سمعت أصوات الدركترات تسوي قمة الجبل، تغتال الأشجار .
بعد شهر لم تبك، ولم توزع خبزاً، نبت في قمة الجبل برج للتلفيزيون، يبث أغاني الكون، عدا صوت ابنتها،
في أسفل الجبل، تقف أمام البوابة، تسأل كل داخل وخارج: ألم تر ابنتي؟؟؟؟
إحداهن
حين كانت مملوءة بالدهشة والصبا والأحلام.. قررت لكي لا تصادَر مشاعرها تلك أن تخبئها عن العيون.. كل العيون حتى عن أخواتها.
افترضت أن جدار غرفتها بلونه الأخضر الفاتح الذي اختارته عبارة عن غلاف لما تكتبه وترسمه وتتنفس به من مشاعر وضعتها داخل الجدران الأربعة حتى السقف الذي تشخص عيناها إليه، تودعه بعض أسرارها، أليست هذه الغرفة والجدران والسقوف هي التي تحضن عُرينا.. وحزننا.. وضحكاتنا التي تتسلل من حين لآخر من دواخلنا.. هي الملاذ الصامت الذي لا يبوح للآخرين بأخطائنا الصغيرة.. ومشاغباتنا.. واقتراف التجربة تلو التجربة لكي يخرج من هذه الغرفة للعالم .
إحدى المرات راودها حلم كابوسي سد عليها كل شيء حتى
السقف الذي باحت له بمئات الأسرار.. يجثم على جسدها الصغير
والجدران تتقارب وتكاد تصنع لها قبراً أخضر يسرق منها أنفاسها.. من خلال الجدران التي أودعتها ذكرياتها.. تتسرب الحروف والجمل وتكون نهراً أزرق .. تغزو جسدها الضئيل.. تحاول الخروج.. التنفس.. الحركة.. ثم أخذت تصرخ بصوت مرتفع، لكن كل ذلك لم يجدِ شيئاً.. أدركت أن صوتها لا يصل إلى أحد.. شعرت أنّ الصوت يرتدّ إلى داخلها ويرجها رجاً.. يزيدها هلعاً.
فجأة .. خرجت من حالتها تلك.. تنفست وإذا بكل شيء في مكانه والقليل من التشنج.. والألم في ذراعيها يشعرانها كم عانت.. لا تعرف الزمن الذي استغرق ذلك.. بكت بكاءً خافتاً.. كرهت تلك الغرفة الخضراء.
حاولت أن تستعيد أسرارها وأحزانها وأفراحهاالتي خبأتها داخل جدران غرفتها الخضراء.. خرجت إلى الحديقة ونشرت الكثير من الحبال وقررت أن تخرج كل شيء في حياتها خبأته عن الآخرين وتنشره فوق الحبال وتحت ضوء الشمس.
تعليق