• تم تحويل المنتديات للتصفح فقط

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ

    ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ


    حث ديننا الإسلام على الأخوة بين أفراد المجتمع المسلم، ورغب إلى كل ما يؤدي إلى المحبة بين المسلمين ودوامها، ونفّر من كل ما يؤدي إلى ضعف المحبة وزوالها.

    وجعل من شروط الإيمان: الحب في الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» [1].

    ولقد حث الإسلام أتباعه على القيم النبيلة التي من شأنها أن تحافظ على بقاء الأخوّة الإسلامية، ومن ذلك ما تدعو إليه هذه الآية الكريمة: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} [سورة المؤمنون، الآية: 96]. "أي: إذا أساء إليك أعداؤك، بالقول والفعل، فلا تقابلهم بالإساءة، مع أنه يجوز معاقبة المسيء بمثل إساءته، ولكن ادفع إساءتهم إليك بالإحسان منك إليهم، فإن ذلك فضل منك على المسيء، ومن مصالح ذلك، أنه تخف الإساءة عنك، في الحال، وفي المستقبل، وأنه أدعى لجلب المسيء إلى الحق، وأقرب إلى ندمه وأسفه، ورجوعه بالتوبة عما فعل، وليتصف العافي بصفة الإحسان، ويقهر بذلك عدوه الشيطان، وليستوجب الثواب من الرب، قال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}" [2].

    فالدّفع بالحسنى إحدى صور الإحسان الذي من شأنه أن يقضي على العداوات بين الناس ويبدلها صداقة حميمة ومودّة رحيمة، فتنتهي نار الفتن، وينتهي أسباب الصراع.

    قال تعالى: {ادفع بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم} [سورة فصلت، الآية:34]. "أي: من أساء إليك فادفعه عنك بالإحسان إليه، كما قال عمر رضي الله عنه: ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه" [3].

    قال ابن عباس: "أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوُّهم، كأنه وليّ حميم" [4].

    "فإذا أساء إليك مسيء من الخلق، خصوصًا من له حق كبير عليك، كالأقارب، والأصحاب، ونحوهم، إساءة بالقول أو بالفعل، فقابله بالإحسان إليه، فإن قطعك فَصلْهُ، وإن ظلمك، فاعف عنه، وإن تكلم فيك، غائبًا أو حاضرًا، فلا تقابله، بل اعف عنه، وعامله بالقول اللين. وإن هجرك، وترك خطابك، فَطيِّبْ له الكلام، وابذل له السلام، فإذا قابلت الإساءة بالإحسان، حصل فائدة عظيمة. {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} أي: كأنه قريب شفيق" [5].

    الكلمة الطيبة تفتح مغاليق القلوب وتزيل الغشاوة عنها وتصفي النفوس، والتسامح والعفو والنصح يعيد المودة بين الناس، وحين يبذل المرء الكلمة الطيبة ويتغاضى عن الإساءة يكبر في عيون الناس ويجعل المسيء يعتذر عن إساءته أو يتوقف عن التمادي فيها.

    أما مقابلة السيئة بمثلها فإنّه يؤدّي إلى تدهور العلاقات وإشعال نيران الفتن وتفاقم أسباب العداوة والبغضاء.

    ولقد تركز في النفس البشرية غزيزة حب الانتصار للنفس عند الإساءة، فمن خالف هوى نفسه، وأخذ بأمر ربه، وقابل السيئة بالحسنة نال درجة عظيمة "لا يلقاها كل إنسان، فهي في حاجة إلى الصبر، وهي كذلك حظ موهوب يتفضل به الله على عباده الذين يحاولون فيستحقون: {وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا، وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}" [6].

    فمقابلة السيئة بالحسنة لا يقدر عليه إلا الخواص من الناس ولا يستطيع القيام بتلك الأخلاق العظيمة إلا الذين صبروا على المكاره وعلى الأذى، وما يستطيعها إلا صاحب الحظ الوافر، والنصيب الكبير، من توفيق الله تعالى له إلى مكارم الأخلاق.

    وقرن الله تعالى دفع السيئة بالحسنة بالصبر والصلاة والإنفاق، ووعدهم بعقبى الدار، فقال سبحانه: {وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} [سورة الرعد، الآية: 22].

    فيدرؤون بالحسنة السيئة لمن أساء إليهم بقول أو فعل، لم يقابلوه بفعله، بل قابلوه بالإحسان إليه.

    فيعطون من حرمهم، ويعفون عمن ظلمهم، ويصلون من قطعهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، وإذا كانوا يقابلون المسيء بالإحسان، فما ظنك بغير المسيء [7].

    وقال: {أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [سورة القصص، الآيات: 54-55].

    وهذا الصبر هو أشد مؤنة من مجرد الصبر على الإيذاء والسخرية، فهو الاستعلاء على كبرياء النفس، ورغبتها في دفع السخرية، ورد الأذى، والشفاء من الغيظ، والبرد بالانتقام! ثم درجة أخرى بعد ذلك كله. درجة السماحة الراضية. التي ترد القبيح بالجميل وتقابل الجاهل الساخر بالطمأنينة والهدوء وبالرحمة والإحسان وهو أفق من العظمة لا يبلغه إلا المؤمنون الذين يعاملون الله فيرضاهم ويرضونه، فيلقون ما يلقون من الناس راضين مطمئنين [8].

    {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ} من جاهل خاطبهم به، {قَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} أي: كُلٌّ سَيُجازَى بعمله الذي عمله وحده، ليس عليه من وزر غيره شيء. ولزم من ذلك، أنهم يتبرءون مما عليه الجاهلون، من اللغو والباطل، والكلام الذي لا فائدة فيه.

    {سَلامٌ عَلَيْكُمْ} أي: لا تسمعون منا إلا الخير، ولا نخاطبكم بمقتضى جهلكم، فإنكم وإن رضيتم لأنفسكم هذا المرتع اللئيم، فإننا ننزه أنفسنا عنه، ونصونها عن الخوض فيه" [9].

    ولا يعني دفع السيئة بالحسنة ومداراة الناس واستمالتهم نفاقا، قال ابن مفلح الحنبلي رحمه الله: "وقيل لابن عقيل في فنونه: أسمع وصية الله عز وجل {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [سورة فصلت، الآية: 34]، وأسمع الناس يعدون من يظهر خلاف ما يبطن منافقا , فكيف لي بطاعة الله تعالى والتخلص من النفاق؟".

    فقال ابن عقيل: "النفاق هو: إظهار الجميل، وإبطان القبيح، وإضمار الشر مع إظهار الخير لإيقاع الشر، والذي تضمنتْه الآية: إظهار الحسن في مقابلة القبيح لاستدعاء الحسن".

    فخرج من هذه الجملة أن النفاق إبطان الشر وإظهار الخير لإيقاع الشر المضمر، ومن أظهر الجميل والحسن في مقابلة القبيح ليزول الشر: فليس بمنافق، لكنه يستصلح، ألا تسمع إلى قوله سبحانه وتعالى {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [سورة فصلت، الآية: 34]، فهذا اكتساب استمالة، ودفع عداوة، وإطفاء لنيران الحقائد، واستنماء الود، وإصلاح العقائد، فهذا طب المودات، واكتساب الرجال [10].

    وإذا تذكرنا موقف الرسول صلى الله عليه وسلم مع المسيئين إليه، أدركنا تماما أثر العفو في جمع الناس وتأليفهم.

    فقد كان صلى الله عليه وسلم غاية في الرحمة والشفقة والعفو، والحلم، والصفح، والصبر، والتحمل.

    مع أنه صلى الله عليه وسلم طرد وشرد وأبعد عن أهله في مكة، وغادر مكة بعد محاولة قتله صلى الله عليه وسلم؛ إلا أنه لما عاد إلى مكة فاتحًا ظافرًا: «ما ترون أني صانع بكم؟»، قالوا: "خيرًا , أخ كريم وابن أخ كريم". قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» [11].

    وسيرته العطرة حافلة بالوقائع الدالة على حلمه وصبره وعفوه، ففي الصحيحين عن جابر رضي الله عنه قال: "غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة قبل نجد، فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في واد كثير العضاه، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة فعلق سيفه بغصن من أغصانها". قال: "وتفرق الناس في الوادي يستظلون بالشجر"، قال: "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن رجلاً أتاني وأنا نائم، فأخذ السيف، فاستيقظت وهو قائم على رأسي، فلم أشعر إلا والسيف صلتا في يده، فقال لي: "من يمنعك مني؟" قال: قلت: الله، ثم قال في الثانية: "من يمنعك مني؟" قال: قلت: الله»، فشام السيف فها هو ذا جالس لم يعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم" (وهذا لفظ مسلم، وعند البخاري: "ولم يعاقبه وجلس") [12].

    وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: "دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: "السام عليكم"، قالت عائشة ففهمتها فقلت: "وعليكم السام واللعنة". قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مهلاً يا عائشة؛ إن الله يحب الرفق في الأمر كله». فقلت: "يا رسول الله ألم تسمع ما قالوه؟" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد قلت: وعليكم» [13].

    وعن أنس رضي الله عنه قال: "كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة"، قال أنس: "فنظرت إلى صفحة عنق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثَّرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: "يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك"، فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء" [14].

    وبمثل هذه المواقف الكريمة جمع الرسول الناس حوله وألف بين الناس، ولو كان فظاً غليظاً لما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وصدق الله العظيم: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [سورة القلم، الآية: 4] ، {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}، [سورة آل عمران، الآية: 1


    التعديل الأخير تم بواسطة سعد بن معيض القرني; الساعة Jul-09-2017, 02:24 PM.
    كل العطور سينتهي مفعولها
    ويدوم عطر مكارم
    الأخلاق

  • #2


    وقد جاء في وصف النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر»[15].

    فإن جهل عليك جاهل فلينفعن إياك حلمك وإنك إذا لم تحسن حتى يحسن إليك فما أجرك وما فضلك على غيرك فإذا أردت الفضيلة فأحسن إلى من أساء إليك واعف عمن ظلمك وانفع من لم ينفعك وانتظر ثواب ذلك من قبل الله فإن الحسنة الكاملة التي لا يريد صاحبها عليها ثوابا في الدنيا [16].

    وفي الأخير: يجدر بنا أن ننبه على أنه لا تسامح مع التفريط في الحقوق، وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط، فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله عز وجل" [17].

    والمقصود أنهم يقابلون السيئة بالحسنة في التعاملات اليومية لا في دين الله. ولكن التعبير يتجاوز المقدمة إلى النتيجة. فمقابلة السيئة بالحسنة تكسر شرة النفوس، وتوجهها إلى الخير وتطفئ جذوة الشر، وترد نزغ الشيطان، ومن ثم تدرأ السيئة وتدفعها في النهاية. فعجل النص بهذه النهاية وصدر بها الآية ترغيباً في مقابلة السيئة بالحسنة وطلباً لنتيجتها المرتقبة.

    ثم هي إشارة خفية إلى مقابلة السيئة بالحسنة عند ما يكون في هذا درء السيئة ودفعها لا إطماعها واستعلاؤها! فأما حين تحتاج السيئة إلى القمع، ويحتاج الشر إلى الدفع، فلا مكان لمقابلتها بالحسنة، لئلا ينتفش الشر ويتجرأ ويستعلي.

    ودرء السيئة بالحسنة يكون غالباً في المعاملة الشخصية بين المتماثلين. فأما في دين الله فلا.. إن المستعلي الغاشم لا يجدي معه إلا الدفع الصارم. والمفسدون في الأرض لا يجدي معهم إلا الأخذ الحاسم. والتوجيهات القرآنية متروكة لتدبر المواقف، واستشارة الألباب، والتصرف بما يرجح أنه الخير والصواب [18].

    نسأل الله أن يوفقنا لمحاسن الأعمال والأخلاق، صلى الله وسلم على سيدنا محمد.
    التعديل الأخير تم بواسطة سعد بن معيض القرني; الساعة Jul-09-2017, 02:20 PM.
    كل العطور سينتهي مفعولها
    ويدوم عطر مكارم
    الأخلاق

    تعليق


    • #3
      طرح رائع ومميز

      بارك الله فيك وجزاك الله خيرا

      تعليق


      • #4
        كتب الله أجرك وجعل ما تطرح في موازين حسناتك


        تعليق


        • #5

          تعليق


          • #6
            جزاك الله خيرا ونسأل الله ان يكون فى ميزان حسناتك

            تعليق


            • #7
              بارك الله فيك سعد على الطرح الممتع

              تعليق


              • #8
                جزاك الله الجنة ونفع بك
                سلمت يمينك وسلم كلك

                لآعدمنآك ولآعدمنآ جديدك الرآآآقي

                تعليق


                • #9




                  تعليق


                  • #10
                    مشكور والله يعطيك الف عافيه

                    تعليق


                    • #11
                      جزاك الله خير على الموضووووع

                      تعليق

                      يعمل...
                      X