إذا حنّن الملح وشاب الغراب
حرث المزارعون الركايب. ثبّوا الخريف، حتى استوى على سوقه، وغدا يشوق العين، وبرغم أن مرعي وبشير أرحام إلا أن الكلب بينهما مذبوح، طلب بشير من مرعي يرد الحدّ اللي قلعه مكانه، فملأ زغده بالهواء، وضغطه برؤوس أصابعه.
تناول (مرعي) المسحاة ليحرّف خزانة الماء من قصبة الذرة إلى القصبة التي تليها، انحنى فتخطته رصاصة شوزن. نجا ببركة الانحناء. اعتزى بأعلى صوته (أخو عزة) وامتد في الفلج ليظن الرامي أنه أصيب.
توقع (بشير) أنه قتله، فشمّر ثوبه عن ساقيه، وألقى بندقيته في بئر مهجورة، وتناوش الريع، ولم تطمي الشمس إلا وهو مديّح من رأس الشفا، دحدر من عقبة الجمّالة، والخوفُ يكبّل خطاه، صاده الليل في وادي ما ينشاف آخره، فلمح عشّة وتسلل إليها.
استقبله أحد الخباتية الكرماء. أجلسه على القعادة، ومرخ رجليه بزيت السليط، ولفّه في مصنف، وانصرف لإعداد قرص الدخن، ومصفاة القشر، وإذا بصاحبه يشخّر، ويتهوّل ويردد «لا يا مرعي». كان الخبتي يعجن ويغني مبتسماً «أنا وضيفي يا طُخّه، مضى على الوادي وامتخّه».
فزّ بشير من النوم وعرقه يخرخر من كل مكان، فسأله الخبتي «وشبك يا امحزّي؟ وش قد سويت في حياتك من مصيبة تخليك وأنت نايم تهابش وتنابش؟ فأجابه: هب لي ماء أشرب، وبعدها أعطيك علمي.
ناوله ماعون فخاري فقبه دفعة واحدة، وقرّب إليه القرص والقشر، فلم يمدد كفه، قال سم بالرحمن ومدّ إيدك، الجود من الماجود، وكما قال المقوّل «أحسب جودي من ماجودي. واثر جودي من جود الله».
أعطاه العلم. فعلّق الخبتي «سوّد الله وجهك»، وأضاف «وش أوزاك ترمي نسيبك؟»، قال بشير «زهق عليّه، ونفسه تعجبه، وما عاد شيء جماعة يقولون الحق ويوقفون المخطي عند حدود محارمه، فأخذت حقي بيدي».
خشي الخبتي يكون وراه طلاّبه، فينشب معه. أركبه حمارة بدون حلس، وقال أقطر على النجم اللي تو عينك، ولا يردك إلا ساحل البحر، وإذا وصلته خلّه على يمينك حتى تصل القوز، وهناك ميناء تسجّل اسمك وتهاجر لأفريقيا، وتنشّد عن خميس أبو الروس واربط حمارتي عنده وقل بيجيك صاحبك (سعد الله) يوم السوق ويأخذها، للحديث بقية. علمي وسلامتكم.
تعليق