* رحل صاحب القلب الكبير *
كلمات حول رحيل العم عبدالله بن قحمان – رحمه الله -
_ كتبه : مازن بن سعد بن فرحه _
لم تكد تجف دموعي وأفيق من صدمة وفاة عمي ووالدي سعدي بن فرحة إلا وفجعت بوفاة والدي وعمي عبدالله بن قحمان ، رحل صاحب القلب الكبير ، رحل مريضاً من قلبه الذي وسع الجميع محبة ، والذي تحمل في نفس الوقت الآلام والهموم ، رحل وبقي ذكره الحسن يتردد بين الجموع .
منذ صبيحة يوم الثلاثاء الثاني من شهر صفر تتابعت علي الأخبار أنه صحته ليست على ما يرام ، إلى أن جاء الخبر برحيله إلى جوار ربه ، وجوار الله خير من جوارنا .
~ حياته ~
عاش عمي عبدالله طفولته في كد وعمل ، متنقلاً بين عدة مدن ، مارس خلالها العديد من المهن وتحمل العديد من المسؤوليات كما هي عادة أقرانه في ذلك الزمان ، هذه البيئة والحياة الصعبة ساهمت بلا شك في بناء شخصيته وإكسابه مهارات وصفات متعددة من أهمها صفة الصبر وتحمل المشاق ، عمل عمي ـ رحمه الله ـ في بنك التسليف في المنطقة الشرقية إبتداء ثم انتقل إلى سكة الحديد حيث عمل في إحدى محطات القطار في مدينة الأحساء ، ثم انتقل إلى الدمام واستقر بها حتى وفاته .
~ صفاته ~
كان مجلس عمي ـ رحمه الله ـ لا يمل ، وذلك بشهادة من جالسه ، تسمع فيه الكلمة الطيبة والنصيحة والتذكير بالله ، والمزاح الجميل المؤنس ، والقصص القديمة ، والتحليل للأحداث المعاصرة ، وإبداء وجهة النظر ، كان يتقبل اختلاف الرأي ، كان يسمع منك ويتقبل حديثك وإن كنت في مقام إبنه .
كان ـ رحمه الله ـ كريماً مضيافاً ينزل عند رغبة الضيف ، ويقدم له الترحاب وما يشتهيه .
تعود بسط الكف حتى لو أنه ـ ثناها لقبض لم تطعه أنامله
تراه إذا ما جئته متهللاً ـ كأنك تعطيه الذي أنت سائله
هو البحر من أي النواحي أتيته ـ فلجته المعروف والجود ساحله
أما عن معاملته ، فقد كان يعامل الآخرين بكل احترام ومودة ، تجلس معه وتحادثه فيستمع لك ويصغي لحديثك ، يعطيك كل اهتمامه ، كان عمي عبدالله ـ رحمه الله ـ يعاملني ويعامل أبناء جيلي من أقاربه كأننا أبناء له قولاً وفعلاً ، يفرح لأي خبر يفرحنا ، ويحزن لأي أمر يضايقنا ، يخاطبنا بالإسلوب الذي نألفه ونحبه ، يقدم النصيحة والدعاء ، وينقل خبراته وتجاربه لنا بكل محبة .
~ سعدي وعبدالله ـ رحمهما الله ـ :~
فقدت قرية آل روحان في أقل من شهر إبنين بارين من أبنائها ، ساهما في خدمة أبناء هذه القرية وبناتها ، وكانا قدوات في الأخلاق والتعامل لكل من عرفهما وجالسهما ، تشارك الفقيدان ـ رحمهما الله ـ في عدة صفات لعل من أهمها الصبر والصلة ، كلما سألت كل واحد منهما وهو عز أزمته أو مرضه إلا ويردد الحمد لله ، الحمد لله .
عانى العم عبدالله من مرض الضغط والسكري ، ثم توقفت كليتيه عن العمل ، ثم أصيب بمرض في القلب ، ولم أره إلا صابراً محتسباً محسناً الظن بربه يردد أن المؤمن مبتلى وأن الله إذا أحب عبداً إبتلاه ، ويدعو الله سبحانه أن يكون من المحبوبين .
أما في الوصل والبر والوفاء ، فحدث ولا حرج ، فقد عاش الفقيدان حياة بر لوالديهم ، واصلين لأرحامهم وذوي قرابتهم ، يسألون عنهم ويعودون مريضهم ، ويشاركونهم في أفراحهم وأتراحهم ما استطاعوا لذلك سبيلا .
بحكم صلتي بالفقيدين وقربي منهما ، فقد كانا دائماً يسألاني عن بعضهما في كل إتصال أو كل لقاء ، يقدران العشرة ويصلان الرحم ، قبل وفاة عمي سعدي بيومين إتصل بعمي عبدالله ليطمئن على صحته ووعده أن يكون أول رجل من إخوانه يزوره ويطمأن عليه فإذا به يسبقه إلى الدار الآخرة ، وأوفى الإخوة بوعد أخيهم وزاروا العم عبدالله .
كنت أثناء وفاة أبي محمد في الدمام وذهبت مباشرة لرؤية عمي عبدالله في المستشفى قبل أن احجز واذهب إلى مكة لحضور العزاء ، سلمت عليه فإذا دموعه تنهمر ، ويحاول أن يواسيني ثم يتذكر مآثر الفقيد ـ رحمه الله ـ ويزيد في الحزن ، ذهبت إلى مكة وبقي عمي عبدالله في غرفته في التنويم فإذا بالأخبار تصلني في اليوم التالي أنه أصيب بجلطة وادخل على إثرها العناية المركزة من شدة التأثر ، وهو في هذا المكان وبهذه الحال أصر إلا أن يتصل ويقدم واجب العزاء في أخيه وحبيبه ، فرحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته .
~ فوائد المصائب ~
ما خلق الله شر محض ، فالمصائب بها من الألم النفسي والحزن الكثير ، ولكن هناك خير يخرج من رحم هذه الأحداث والفواجع ، لعل من أبرزها أنها فرصة لأن يراجع الإنسان نفسه ويتأمل ، ينظر في علاقته بربه ، ويقيم علاقته مع والديه وأهله ، ينظر إلى ما قدم من أثر ، يتأمل في خططه وأهدافه ويعدل مسارها ، يعيد كافة حساباته في علاقته بالناس ، يوقن الإنسان أن لكل شيء نهاية وأنه لن يبقى له إلا ما قدم من أثر وسمعة حسنة .
رحم الله العم عبدالله وأسكنه فسيح جناته وأنزل على قبره شآبيب الرحمات ، وجعله روضة من رياض الجنة ، وجمعنا به وبعمي سعدي في مستقر رحمته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .
وإنا لله وإنا إليه راجعون
كلمات حول رحيل العم عبدالله بن قحمان – رحمه الله -
_ كتبه : مازن بن سعد بن فرحه _
لم تكد تجف دموعي وأفيق من صدمة وفاة عمي ووالدي سعدي بن فرحة إلا وفجعت بوفاة والدي وعمي عبدالله بن قحمان ، رحل صاحب القلب الكبير ، رحل مريضاً من قلبه الذي وسع الجميع محبة ، والذي تحمل في نفس الوقت الآلام والهموم ، رحل وبقي ذكره الحسن يتردد بين الجموع .
منذ صبيحة يوم الثلاثاء الثاني من شهر صفر تتابعت علي الأخبار أنه صحته ليست على ما يرام ، إلى أن جاء الخبر برحيله إلى جوار ربه ، وجوار الله خير من جوارنا .
~ حياته ~
عاش عمي عبدالله طفولته في كد وعمل ، متنقلاً بين عدة مدن ، مارس خلالها العديد من المهن وتحمل العديد من المسؤوليات كما هي عادة أقرانه في ذلك الزمان ، هذه البيئة والحياة الصعبة ساهمت بلا شك في بناء شخصيته وإكسابه مهارات وصفات متعددة من أهمها صفة الصبر وتحمل المشاق ، عمل عمي ـ رحمه الله ـ في بنك التسليف في المنطقة الشرقية إبتداء ثم انتقل إلى سكة الحديد حيث عمل في إحدى محطات القطار في مدينة الأحساء ، ثم انتقل إلى الدمام واستقر بها حتى وفاته .
~ صفاته ~
كان مجلس عمي ـ رحمه الله ـ لا يمل ، وذلك بشهادة من جالسه ، تسمع فيه الكلمة الطيبة والنصيحة والتذكير بالله ، والمزاح الجميل المؤنس ، والقصص القديمة ، والتحليل للأحداث المعاصرة ، وإبداء وجهة النظر ، كان يتقبل اختلاف الرأي ، كان يسمع منك ويتقبل حديثك وإن كنت في مقام إبنه .
كان ـ رحمه الله ـ كريماً مضيافاً ينزل عند رغبة الضيف ، ويقدم له الترحاب وما يشتهيه .
تعود بسط الكف حتى لو أنه ـ ثناها لقبض لم تطعه أنامله
تراه إذا ما جئته متهللاً ـ كأنك تعطيه الذي أنت سائله
هو البحر من أي النواحي أتيته ـ فلجته المعروف والجود ساحله
أما عن معاملته ، فقد كان يعامل الآخرين بكل احترام ومودة ، تجلس معه وتحادثه فيستمع لك ويصغي لحديثك ، يعطيك كل اهتمامه ، كان عمي عبدالله ـ رحمه الله ـ يعاملني ويعامل أبناء جيلي من أقاربه كأننا أبناء له قولاً وفعلاً ، يفرح لأي خبر يفرحنا ، ويحزن لأي أمر يضايقنا ، يخاطبنا بالإسلوب الذي نألفه ونحبه ، يقدم النصيحة والدعاء ، وينقل خبراته وتجاربه لنا بكل محبة .
~ سعدي وعبدالله ـ رحمهما الله ـ :~
فقدت قرية آل روحان في أقل من شهر إبنين بارين من أبنائها ، ساهما في خدمة أبناء هذه القرية وبناتها ، وكانا قدوات في الأخلاق والتعامل لكل من عرفهما وجالسهما ، تشارك الفقيدان ـ رحمهما الله ـ في عدة صفات لعل من أهمها الصبر والصلة ، كلما سألت كل واحد منهما وهو عز أزمته أو مرضه إلا ويردد الحمد لله ، الحمد لله .
عانى العم عبدالله من مرض الضغط والسكري ، ثم توقفت كليتيه عن العمل ، ثم أصيب بمرض في القلب ، ولم أره إلا صابراً محتسباً محسناً الظن بربه يردد أن المؤمن مبتلى وأن الله إذا أحب عبداً إبتلاه ، ويدعو الله سبحانه أن يكون من المحبوبين .
أما في الوصل والبر والوفاء ، فحدث ولا حرج ، فقد عاش الفقيدان حياة بر لوالديهم ، واصلين لأرحامهم وذوي قرابتهم ، يسألون عنهم ويعودون مريضهم ، ويشاركونهم في أفراحهم وأتراحهم ما استطاعوا لذلك سبيلا .
بحكم صلتي بالفقيدين وقربي منهما ، فقد كانا دائماً يسألاني عن بعضهما في كل إتصال أو كل لقاء ، يقدران العشرة ويصلان الرحم ، قبل وفاة عمي سعدي بيومين إتصل بعمي عبدالله ليطمئن على صحته ووعده أن يكون أول رجل من إخوانه يزوره ويطمأن عليه فإذا به يسبقه إلى الدار الآخرة ، وأوفى الإخوة بوعد أخيهم وزاروا العم عبدالله .
كنت أثناء وفاة أبي محمد في الدمام وذهبت مباشرة لرؤية عمي عبدالله في المستشفى قبل أن احجز واذهب إلى مكة لحضور العزاء ، سلمت عليه فإذا دموعه تنهمر ، ويحاول أن يواسيني ثم يتذكر مآثر الفقيد ـ رحمه الله ـ ويزيد في الحزن ، ذهبت إلى مكة وبقي عمي عبدالله في غرفته في التنويم فإذا بالأخبار تصلني في اليوم التالي أنه أصيب بجلطة وادخل على إثرها العناية المركزة من شدة التأثر ، وهو في هذا المكان وبهذه الحال أصر إلا أن يتصل ويقدم واجب العزاء في أخيه وحبيبه ، فرحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته .
~ فوائد المصائب ~
ما خلق الله شر محض ، فالمصائب بها من الألم النفسي والحزن الكثير ، ولكن هناك خير يخرج من رحم هذه الأحداث والفواجع ، لعل من أبرزها أنها فرصة لأن يراجع الإنسان نفسه ويتأمل ، ينظر في علاقته بربه ، ويقيم علاقته مع والديه وأهله ، ينظر إلى ما قدم من أثر ، يتأمل في خططه وأهدافه ويعدل مسارها ، يعيد كافة حساباته في علاقته بالناس ، يوقن الإنسان أن لكل شيء نهاية وأنه لن يبقى له إلا ما قدم من أثر وسمعة حسنة .
رحم الله العم عبدالله وأسكنه فسيح جناته وأنزل على قبره شآبيب الرحمات ، وجعله روضة من رياض الجنة ، وجمعنا به وبعمي سعدي في مستقر رحمته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .
وإنا لله وإنا إليه راجعون
تعليق