في حياتك وموتك لنا عبرة
دونها: مازن بن سعد بن فرحه
شارك في الجمع والتوثيق ابن الفقيد : أيمن بن سعدي
لم أشاء أن تمر هذه الحادثة من دون أن اعبر عن ما في خلجات صدري من مشاعر هي بين الحزن والألم تارة وبين الفخر والاعتزاز تارة أخرى ، رحل من دنيانا لكن ذكره وأفعاله لازالت حية بيننا نستلهم منها الدروس والعبر . اعتاد قلمي أن يكتب بموضوعية وتحت منهجية معينة اقصدها في كل مقالة ، لكن اسمحوا لقلمي أن يكتب لكم اليوم ويعبر عن مشاعري بمداد حبر من دموعي اسكبها لكم ، راجيا من الله أن أساهم في نشر شيء من سيرته علها أن تكون شافعة لي وله يوم العرض، فالذكر للإنسان عمر ثاني كما يقال .
في يوم الخميس ليلة الجمعة توالت الأخبار أن العم سعدي بن فرحة قد أصيب بحادث وأنه في حالة خطيرة ، تواصلت مع بعض المحبين والأقارب ولا مجيب ، إلى أن وصلت إلى ابنه أيمن والذي عرفت من صوته ما الذي حدث ، نزل علي خبر كالصاعقة هز وجداني ومشاعري .
ما أقسى لحظات الوداع ، خاصة إذا جاءت فجاءة ، تعتصر القلوب كمدا وحسرة ، تحاول ان تعبر عما في صدرك وقلبك من الوجع والألم فلا تجد إلا الدموع تنهمر من عينيك تعبر عن كل صمت
في ذِمَّةِ اللهِ ما ألقَى وما أجِدُ - - أهذِهِ صَخرةٌ أمْ هذِه كبِدُ
قدْ يقتُلُ الحُزنُ مَنْ أحبابهُ بَعُدوا - - عنه فكيفَ بمنْ أحبابُهُ فُقِدوا
تَجري على رِسْلِها الدُنيا ويتبَعُها - - رأيٌ بتعليلِ مَجراها ومُعتقَدُ
في المقبرة
توافدت الجموع من مختلف أصقاع البلاد إلى المقبرة لحضور مشهد التوديع الأخير لأخيهم وحبيبهم الذي طالما آنسهم وواساهم وحاول جاهدا خدمتهم . اخلطت مشاعر الصدمة مع الرضا بقضاء الله بمشاعر الحزن والبكاء ، وري الجسد الثرى ، وهل التراب على قبره ، توافدت الجموع للسلام على أهله وأبنائه ، تهافتت الأصوات بالدعاء له وذكر محاسنه ، تساقطت الدموع واستجمعت الذكريات مع الفقيد الراحل ، حسبنا وعزاؤنا أن أحبابنا في هذه اللحظات تحت رحمة أرحم الراحمين ، وبين يدي من وسعت رحمته كل شيء .
نشأته
ولد العم سعدي – رحمه الله - في عام 1373 م في بلقرن ، عاش طفولته كبقية إخوانه وأقرانه في القرية ، حياة ملؤها الجد والعمل والتعب ، بجانب دراسته ومواصلته للتعليم ، كان يمارس الرعي والزراعة وتوفير سبل المعيشة الكريمة لوالدته وبقية إخوته ، هذه البيئة وهذا المناخ ساعد بلا شك في تكوين شخصيته وشخصية أقرانه ، وبناءها على الجد والاجتهاد والاعتماد على النفس . بعد وفاة والده ( جدي محمد رحمه الله ) تولى مع العم ظافر مسؤولية بقية إخوته فكان نعم الأخ والوالد والمربي .
مسيرته العلمية والعملية
تخرج العم سعدي من الثانوية التجارية عام 1395 هـ وبدأ مسيرته المهنية الحافلة بالنجاحات والتحديات ، فقد بدأت هذه المسيرة في وزارة المالية بالرياض في ذلك العام ، ثم انتقلت خدماته بعدها إلى وزارة الشؤون البلدية والقروية في العام 1397 هـ في المنطقة الجنوبية . ثم انتقل لاحقا إلى مكة ليكمل تلك المسيرة حتى تقاعده .
في أثناء عمله التحق أبو محمد – رحمه الله – بجامعة الملك عبد العزيز ليكمل دراسته بنظام الانتساب حتى حصل على البكالوريوس في تخصص الإدارة العامة عام 1401 هـ ورشح بعدها لإكمال دراسة الماجستير في المملكة المتحدة (بريطانيا) ، لكن لظروفه الخاصة في ذلك الوقت لم يتمكن من الالتحاق بهذا البرنامج .
قصة انتقاله إلى مكة جميلة ومحفزة ، فقد كان أبو محمد وقتها موظفا بالمرتبة السادسة ، وقد طرحت مسابقة وظيفية بأمانة مكة على المرتبة الثامنة ، فوزه بهذه المسابقة يؤهله للقفز من المرتبة السادسة إلى الثامنة مباشرة من دون المرور بالمرتبة السابعة ، التقى العم سعدي بأمين العاصمة المقدسة وقتها معالي أ. فؤاد توفيق وسأله : ما سبب مجيئك هنا ، هل هو المسابقة على المرتبة ثم تتركنا أو ترغب في الاستقرار بمكة ، فأجابه العم - رحمه الله- بإجابة لم يكن محضرا لها : نعمة من الله أن أجاور بيته الحرام وأخدم مكة وأهلها فيكف أفرط في هذا الشرف . وبالفعل فاز بالمنافسة الوظيفية وانتقل يرحمه الله إلى مكة .
كان يرحمه الله محبا لعمله شغوفا بالإنجاز ، بعد فترة طرحت مسابقة أخرى على المرتبة العاشرة ، وبالفعل نافس فيها وظفر ، وقفز من المرتبة الثامنة إلى العاشرة . ثم واصل الترقي في مساره المهني في أمانة العاصمة المقدسة إلى أن وصل إلى منصب مساعد الأمين للقوى العاملة ، ومن ثم إلى منصب وكيل الأمين للتعمير والمشاريع ,
عمل خلال هذه المسيرة وشارك في عدة لجان مع عدد من الجهات الحكومية في مكة ، وكذلك مستشارا لعدد من الشركات العاملة في مكة كشركة قطارات مكة وشركة البلد الأمين ، كما عمل بالتكليف في وزارة الحج في إدارة خدمات الحجاج . حصل خلال هذه المسيرة على عدد من التكريمات والإشادة من قبل كبار المسؤولين في الدولة الذين عمل معهم من وزراء وأمراء منطقة مكة الذين مروا عليها .
في خدمة مكة وقاصديها
عاش سعدي – رحمه الله - أربعين عاما في خدمة مكة وقاصديها ، لم يتخلف عن خدمة الحجاج عاما واحدا إلا من مرض أو عذر قاهر ، ساهم مع عددا من رفقائه من مختلف القطاعات الحكومية بمكة في اقتراح ومتابعة تشييد عددا من المشاريع في الحرم والمشاعر المقدسة ، لعل من أبرزها مشاريع الطرق الرئيسة الموصلة بين المشاعر والحرم ، وكذلك المشاريع الخاصة بتموين حجاج بيت الله ، كان همه وشغله أن يجد القاصد لمكة الراحة والطمأنينة وأن تتسهل أمور مواصلاته بين المشاعر ، يجد راحته ومتعته وأنسه في هذا العمل . دائما ما تكون أيام الحج أياما استثنائية بالنسبة له ، تستشعر كل ذلك من خلال ما يروه من قصص ومواقف في المجالس واللقاءات .
نسأل الله أن يجعل ما قدم في موازين حسناته ، وأن يجد كل ذلك شاهدا له وشفيعا يوم القيامة .
نكمل لكم بقية السيرة في الجزء الثاني من هذه المقالة إن شاء الله ،
حتى ذلك الوقت تذكروا الفقيد بالدعاء في صلاتكم وعند فطركم .
تعليق