تفسير آية: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ... ﴾
قال تعالى: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 2].
الغَرَض الذي سِيقَتْ له الآية: بيان حد الزناة.
ومناسبتها لما قبلها: أنه لما أشار إلى ما اشتملت عليه السورة من الأحكام، شرع في تفصيل هذه الأحكام، وبدأ بحكم الزنا؛ لشدة خطره وعظيم ضرره.
والزاني هو: المجامع امرأة لا تحلُّ له من غير شبهة.
والزانية هي: التي مكَّنت رجلًا من جماعِها دون نكاح أو حق أو شبهة، وإنما قُدِّمت الزانية على الزاني؛ لأن داعيتها أقوى لقوة شهوتها ونقصان عقلها؛ ولأن زناها أشد فحشًا وأكثر عارًا؛ ولأنها لو عصت الرجل لسلِمت وسلِم، وإنما قدم الرجل في السرقة؛ لأن الغالب وقوعها من الرجال؛ إذ هم أجرأ عليها، وقد قدم الرجل في الآية التالية؛ لأنها مسوقة لبيان حكم نكاح الزناة، والرجل أصل فيه؛ إذ منه يبدأ.
وقوله تعالى: (الزانية) مبتدأ، وخبره (فاجلدوا)؛ عند الأخفش والفراء والمبرد والزجاج.
ودخلت الفاء على الخبر؛ لأن الأمر مضارع للشرط في أن فعل كل منهما مستقبل، أو لأنَّ المبتدأ - وهو (الزانية) - على معنى التي تزني، والموصول شبيه بالشرط في أن كلًّا منهما يفيد العموم، فتدخل الفاء في خبره.
وذهب سيبويه إلى أنَّ الخبر محذوف، تقديره: مما يتلى عليكم، وعلى هذا ففي الكلام حذف، تقديره: حكم الزانية والزاني مما يُتلى عليكم.
وسببُ الخلاف: أن سيبويه يشترط أن يكون المبتدأ الذي تدخل الفاء في خبره موصولًا بما يقبل أداة الشرط لفظًا أو تقديرًا، واسم الفاعل واسم المفعول لا يجوز أن تدخل عليهما أداة الشرط.
أما عند غيره فلا يشترط هذا؛ فسيبويه يشترط في دخول الفاء على خبر المبتدأ أن يكون المبتدأ موصولًا بما يقبل أداة الشرط لفظًا أو تقديرًا، واسم الفاعل كالزاني مثلًا، واسم المفعول كالمضروب مثلًا، لا يقبلان أداة الشرط لا لفظًا ولا تقديرًا، فإن سيبويه يشترط في دخول الفاء على خبر المبتدأ أن يكون المبتدأ موصولًا، صلته فعل أو ظرف، أو أن يكون اسمًا نكرة موصوفة، صفتها فعل أو ظرف؛ إذ الفعل أو الظرف يقبلان أداة الشرط بخلاف الموصول الذي هو اسم فاعل أو اسم مفعول، فإن صلته صريحة لا فعل ولا ظرف، وكأن سيبويه لا يرى عمومية الموصول، وأنه شبيه بالشرط إلا أن تكون صلته فعلًا أو ظرفًا.
ومعنى ﴿ فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ﴾؛ أي: فاضربوا، وأصيبوا جلد كل واحد منهما مائة ضربة بالسوط، يقال: جلده إذا ضرب جلده، كما يقال: رأسه إذا أصاب رأسه، وهذا مطَّرد في أسماء الأعيان الثلاثية العضوية.
وهذه الآية ناسخة لما كان يصنع بالزناة في أول الأمر من حبس النساء بالبيوت حتى يتوفاهنَّ الموت، وإيذاء الرجال.
وظاهرُ قوله: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ﴾ يشمل بعمومه كل مَن جُومعت أو جامع مِن غير حق ولا شبهة، سواء كان ثيبًا أم بكرًا، وسواء كان حرًّا أم عبدًا، وسواء كان صبيًّا أم بالغًا، وسواء كان مسلمًا أم كافرًا، وسواء كان عاقلًا أو مجنونًا، وسواء كان مختارًا أم مكرهًا، فيكون جلد المائة حدًّا للجميع، لكن الإجماع منعقد على إخراج الصبي والمجنون من ذلك.
وكذلك أجمع الصحابة رضي الله عنهم وأئمة المسلمين وسائر أهل الحق على أن المحصن (وهو مَن وطئ في نكاح صحيح حال كونه حرًّا بالغًا عاقلًا، ويعبر عنه بالثيب) إذا ثبت زناه، فإنه يرجم حتى الموت، وسندهم في ذلك السنة القطعية، فقد ثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرجم الثيب الزاني، وقد رجم ماعزًا والغامدية، وأمر برجم المرأة التي زنا بها العسيف، ورجم اليهوديينِ، كما رجم الجهنية.
وقد روى البخاري ومسلم وغيرهما من حديث مالك أن ابن عباس قال: "قام عمر بن الخطاب فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعدُ، أيها الناس، فإن الله تعالى بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم، فقرأناها ووعيناها، ورجم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى أن يطول بالناس زمانٌ أن يقول قائل: لا نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله، فالرجم في كتاب الله حق على مَن زنا إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو الحَبَلُ أو الاعتراف".
وقد روى الزُّهري بإسناده عن ابن عباس أنَّ عمر قال: "قد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل: لا نجد الرجم في كتاب الله تعالى؛ فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى، وقد قرأنا: (الشيخ والشيخة إذا زَنَيَا فارجموهما ألبتة)، فرجم النبي صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده".
وكذلك أجمع أهلُ العلم على أن الأَمَة إذا زَنَتْ بعد أن تتزوج، فحدُّها خمسون جلدة؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ﴾ [النساء: 25]، أما إذا زَنَتْ وهي بكر، فكذلك عند جماهير أهل العلم على أن القَيد في الآية لا مفهوم له.
وزَعَمَ بعضُ الظاهرية أنها تُجلد مائة إذا كانت بكرًا، بدعوى أن قوله: ﴿ فَإِذَا أُحْصِنَّ ﴾ [النساء: 25] يُشعر بذلك، وحكم العبد كالأَمَة عند جمهور أهل العلم؛ لأنه لا فرق بين العبد والأمة بتنقيح المناط.
وزَعَم بعضُ أهل الظاهر أن العبد يجلد مائة، بدعوى أن النص على الإماء يخرج ما عداهنَّ، فيبقى على الأصل.
وأما الكافر فإن كان حربيًّا فهو غير داخل تحت هذا الحكم؛ لأنه لم يلتزمْ أحكامنا ولم تنَلْه يدنا.
وإن كان ذميًّا، فمذهب جمهور الفقهاء على دخوله تحت هذا الحكم؛ لعموم الآية.
وقال مالك: لا يجلد الذمِّي إذا زنا، ولعله مبني على أن الكفار غير مخاطَبين بفروع الشريعة.
قال تعالى: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 2].
الغَرَض الذي سِيقَتْ له الآية: بيان حد الزناة.
ومناسبتها لما قبلها: أنه لما أشار إلى ما اشتملت عليه السورة من الأحكام، شرع في تفصيل هذه الأحكام، وبدأ بحكم الزنا؛ لشدة خطره وعظيم ضرره.
والزاني هو: المجامع امرأة لا تحلُّ له من غير شبهة.
والزانية هي: التي مكَّنت رجلًا من جماعِها دون نكاح أو حق أو شبهة، وإنما قُدِّمت الزانية على الزاني؛ لأن داعيتها أقوى لقوة شهوتها ونقصان عقلها؛ ولأن زناها أشد فحشًا وأكثر عارًا؛ ولأنها لو عصت الرجل لسلِمت وسلِم، وإنما قدم الرجل في السرقة؛ لأن الغالب وقوعها من الرجال؛ إذ هم أجرأ عليها، وقد قدم الرجل في الآية التالية؛ لأنها مسوقة لبيان حكم نكاح الزناة، والرجل أصل فيه؛ إذ منه يبدأ.
وقوله تعالى: (الزانية) مبتدأ، وخبره (فاجلدوا)؛ عند الأخفش والفراء والمبرد والزجاج.
ودخلت الفاء على الخبر؛ لأن الأمر مضارع للشرط في أن فعل كل منهما مستقبل، أو لأنَّ المبتدأ - وهو (الزانية) - على معنى التي تزني، والموصول شبيه بالشرط في أن كلًّا منهما يفيد العموم، فتدخل الفاء في خبره.
وذهب سيبويه إلى أنَّ الخبر محذوف، تقديره: مما يتلى عليكم، وعلى هذا ففي الكلام حذف، تقديره: حكم الزانية والزاني مما يُتلى عليكم.
وسببُ الخلاف: أن سيبويه يشترط أن يكون المبتدأ الذي تدخل الفاء في خبره موصولًا بما يقبل أداة الشرط لفظًا أو تقديرًا، واسم الفاعل واسم المفعول لا يجوز أن تدخل عليهما أداة الشرط.
أما عند غيره فلا يشترط هذا؛ فسيبويه يشترط في دخول الفاء على خبر المبتدأ أن يكون المبتدأ موصولًا بما يقبل أداة الشرط لفظًا أو تقديرًا، واسم الفاعل كالزاني مثلًا، واسم المفعول كالمضروب مثلًا، لا يقبلان أداة الشرط لا لفظًا ولا تقديرًا، فإن سيبويه يشترط في دخول الفاء على خبر المبتدأ أن يكون المبتدأ موصولًا، صلته فعل أو ظرف، أو أن يكون اسمًا نكرة موصوفة، صفتها فعل أو ظرف؛ إذ الفعل أو الظرف يقبلان أداة الشرط بخلاف الموصول الذي هو اسم فاعل أو اسم مفعول، فإن صلته صريحة لا فعل ولا ظرف، وكأن سيبويه لا يرى عمومية الموصول، وأنه شبيه بالشرط إلا أن تكون صلته فعلًا أو ظرفًا.
ومعنى ﴿ فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ﴾؛ أي: فاضربوا، وأصيبوا جلد كل واحد منهما مائة ضربة بالسوط، يقال: جلده إذا ضرب جلده، كما يقال: رأسه إذا أصاب رأسه، وهذا مطَّرد في أسماء الأعيان الثلاثية العضوية.
وهذه الآية ناسخة لما كان يصنع بالزناة في أول الأمر من حبس النساء بالبيوت حتى يتوفاهنَّ الموت، وإيذاء الرجال.
وظاهرُ قوله: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ﴾ يشمل بعمومه كل مَن جُومعت أو جامع مِن غير حق ولا شبهة، سواء كان ثيبًا أم بكرًا، وسواء كان حرًّا أم عبدًا، وسواء كان صبيًّا أم بالغًا، وسواء كان مسلمًا أم كافرًا، وسواء كان عاقلًا أو مجنونًا، وسواء كان مختارًا أم مكرهًا، فيكون جلد المائة حدًّا للجميع، لكن الإجماع منعقد على إخراج الصبي والمجنون من ذلك.
وكذلك أجمع الصحابة رضي الله عنهم وأئمة المسلمين وسائر أهل الحق على أن المحصن (وهو مَن وطئ في نكاح صحيح حال كونه حرًّا بالغًا عاقلًا، ويعبر عنه بالثيب) إذا ثبت زناه، فإنه يرجم حتى الموت، وسندهم في ذلك السنة القطعية، فقد ثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرجم الثيب الزاني، وقد رجم ماعزًا والغامدية، وأمر برجم المرأة التي زنا بها العسيف، ورجم اليهوديينِ، كما رجم الجهنية.
وقد روى البخاري ومسلم وغيرهما من حديث مالك أن ابن عباس قال: "قام عمر بن الخطاب فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعدُ، أيها الناس، فإن الله تعالى بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم، فقرأناها ووعيناها، ورجم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى أن يطول بالناس زمانٌ أن يقول قائل: لا نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله، فالرجم في كتاب الله حق على مَن زنا إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو الحَبَلُ أو الاعتراف".
وقد روى الزُّهري بإسناده عن ابن عباس أنَّ عمر قال: "قد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل: لا نجد الرجم في كتاب الله تعالى؛ فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى، وقد قرأنا: (الشيخ والشيخة إذا زَنَيَا فارجموهما ألبتة)، فرجم النبي صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده".
وكذلك أجمع أهلُ العلم على أن الأَمَة إذا زَنَتْ بعد أن تتزوج، فحدُّها خمسون جلدة؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ﴾ [النساء: 25]، أما إذا زَنَتْ وهي بكر، فكذلك عند جماهير أهل العلم على أن القَيد في الآية لا مفهوم له.
وزَعَمَ بعضُ الظاهرية أنها تُجلد مائة إذا كانت بكرًا، بدعوى أن قوله: ﴿ فَإِذَا أُحْصِنَّ ﴾ [النساء: 25] يُشعر بذلك، وحكم العبد كالأَمَة عند جمهور أهل العلم؛ لأنه لا فرق بين العبد والأمة بتنقيح المناط.
وزَعَم بعضُ أهل الظاهر أن العبد يجلد مائة، بدعوى أن النص على الإماء يخرج ما عداهنَّ، فيبقى على الأصل.
وأما الكافر فإن كان حربيًّا فهو غير داخل تحت هذا الحكم؛ لأنه لم يلتزمْ أحكامنا ولم تنَلْه يدنا.
وإن كان ذميًّا، فمذهب جمهور الفقهاء على دخوله تحت هذا الحكم؛ لعموم الآية.
وقال مالك: لا يجلد الذمِّي إذا زنا، ولعله مبني على أن الكفار غير مخاطَبين بفروع الشريعة.
تعليق