عدالة التشريع القرآني
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أمَّا بعد:
النَّاس أمام حُكم الله تعالى سواسية، فشريعة القرآن تنظر إليهم من حيث جوهرهم وأصلهم نظرة واحدة، ومن ثم فهي تعدل فيهم بعد أن تساوي بينهم، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾ [النساء: 58].
لقد أمر الله تعالى - في هذه الآية الكريمة بالعدل بين جنس الناس، لا بين أُمَّة منهم دون أمَّة، أو جنس، دون جنس، أو لون غير لون، ومعنى العدل هنا: هو إعطاء مَنْ يستحق ما يستحق، ورفع الاعتداء والظُّلم عن المظلوم، وتدبير أمور النَّاس بما فيه صلاحهم[1].
والعدالة من أبرز سمات التَّشريع القرآني، وهي ميزان الاجتماع فيه، وبها يقوم بناء الجماعة، وكل تنسيق اجتماعي - صغيرًا كان أو كبيرًا - لا يقوم على العدالة فهو مُنهار، مهما تكن قوة التنظيم فيه؛ لأنها دعامة وأساس للنظام الصالح، ولذلك جاء الأمر بها في أجمع آية لمعاني القرآن العظيم، وهي قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]. قال القرطبي رحمه الله: «هذه الآية من أُمَّهات الأحكام تضمَّنت جميعَ الدِّين والشَّرع» [2].
وللعدل في التَّشريع القرآني معنى أبعدُ وأعمقُ منه في غيره؛ ذلك لأنَّ له أبعادًا إنسانية راقية، تُعرف من مرادفات العدل في لغة العرب، وفي استعمال القرآن، فالعدل يُعبَّر عنه بالقسطِ، والقسطُ هو توفية النَّصيب بمقتضى الإنصاف [3].
والمُنْصِف يعدل ولو كان العدل ليس في صالحه، فعندما نقول: رجل مُنصِف؛ أي: يعدل ولو مِنْ نفسه [4].
القرآن يُحرِّض على العدل:
صَرَّح القرآن العظيم بمحبَّة الله تعالى لعباده المقسطين في أكثر من موضع، فقال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [المائدة: 42]، وقال تعالى: ﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الحجرات: 9]، وقال تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8].
ويُعبِّر القرآن العظيم عن العدل أحيانًا بالميزان؛ كما في قول الله تعالى: ﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴾ [الرحمن: 7]، والمقصود به العدل [5].
وقوله تعالى: ﴿ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ﴾ [الرحمن: 8، 9]؛ أي: كما خَلَق السَّماوات والأرض بالحق والعدل اعدلوا؛ لتكون الأشياء كلُّها بالحقِّ والعدل [6].
والمتأمِّل في سياق الآيات السَّابقة يجد أنها تتحدَّث عن نِعمة خَلْق الإنسان، ونعمة الوحي، وعبودية الكون، وقيامه على العدل والميزان، ثم يأتي الأمر لنا بالعدل والميزان والإنصاف والقسط، كما قال تعالى في مطلع السورة: ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ * الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ﴾ [الرحمن: 1-9].
إذًا فللعدل في القرآن العظيم بُعْدٌ عظيم، لا ينبغي أن يُغفَل عنه، فليس هو سَردًا لمواد وأرقام تُقَنَّن ثم تُجعل في سطور، ثم تُنَظَّم في دواوين أو دفاتر، ثم تُوضع في الخزائن، أو على الأرفف! كلا وربِّي، إنَّ العدل في التَّشريع القرآني له قيمةٌ حيَّة، وبُعدًا كونيًّا.
ولقد أعلى القرآنُ العظيم من شأن العدل، حتى جعله قرينَ التَّوحيد، فقال سبحانه: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18]. ففي هذه الآية الكريمة شهادة من الله تعالى، ومن ملائكته الكرام، ومن الأنبياء وأولي العلم من المؤمنين بأنه لا معبود بحقٍّ إلاَّ الله، وأنه تعالى قائم بتدبير مخلوقاته بالعدل[7].
وفي الوقت الذي اقترن فيه العدل بالتَّوحيد، بَلَغ الظُّلم مَبْلَغَ أن يكون قرين الشرك، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]، فحرَّمه الله تعالى، وأمر بمنعه عن جنس الإنسان، ولو كان كافرًا.
فلا شيءَ أحبُّ إلى الله تعالى من العدل، ولا شيءَ أبغضُ إليه تعالى من الظُّلم، ولهذا حَرَّمه على نفسه، وبين عباده، كما جاء في الحديث القدسي: «يَا عِبَادِي! إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي[8]، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالُموا»[9]، فالله تعالى منع نفسَه من الظُّلم لعباده، كما قال عزَّ وجل: ﴿ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [ق: 29]، وقال: ﴿ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 108]، وقال: ﴿ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ ﴾ [غافر: 31]، وقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا ﴾ [يونس: 44]، وقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ﴾ [النساء: 40]، ومع أنَّهم عبيده لا يُسأل عمَّا يفعله بهم، إلاَّ أنه تعالى ينفي ظلمهم.
فالَّذي حرَّم الظُّلم على نفسه، والذي لا يظلم النَّاس شيئًا، ولو كان مثقال ذرة، لن يكون ما شرعه، وما حَكَمَ به إلا عين العدل والإنصاف، وما على العباد - إذا أرادوا الفلاح في الدُّنيا والآخرة - إلاَّ أن يَحكُموا به.
ويُقابل هذا التَّحريم للظُّلم أمر بالعدل، فعليه أقام الله تعالى السَّماوات والأرض، ومن أجله أرسل الرُّسل، وأنزل الكتب، وشرع الشَّرائع؛ قال تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ﴾ [الشورى: 17]، وقال أيضًا: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ [الحديد: 25]، فالحقُّ والميزان هما العدل والإنصاف، وهما القسط الذي يدعو إليه الكتاب والميزان [10].
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أمَّا بعد:
النَّاس أمام حُكم الله تعالى سواسية، فشريعة القرآن تنظر إليهم من حيث جوهرهم وأصلهم نظرة واحدة، ومن ثم فهي تعدل فيهم بعد أن تساوي بينهم، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾ [النساء: 58].
لقد أمر الله تعالى - في هذه الآية الكريمة بالعدل بين جنس الناس، لا بين أُمَّة منهم دون أمَّة، أو جنس، دون جنس، أو لون غير لون، ومعنى العدل هنا: هو إعطاء مَنْ يستحق ما يستحق، ورفع الاعتداء والظُّلم عن المظلوم، وتدبير أمور النَّاس بما فيه صلاحهم[1].
والعدالة من أبرز سمات التَّشريع القرآني، وهي ميزان الاجتماع فيه، وبها يقوم بناء الجماعة، وكل تنسيق اجتماعي - صغيرًا كان أو كبيرًا - لا يقوم على العدالة فهو مُنهار، مهما تكن قوة التنظيم فيه؛ لأنها دعامة وأساس للنظام الصالح، ولذلك جاء الأمر بها في أجمع آية لمعاني القرآن العظيم، وهي قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]. قال القرطبي رحمه الله: «هذه الآية من أُمَّهات الأحكام تضمَّنت جميعَ الدِّين والشَّرع» [2].
وللعدل في التَّشريع القرآني معنى أبعدُ وأعمقُ منه في غيره؛ ذلك لأنَّ له أبعادًا إنسانية راقية، تُعرف من مرادفات العدل في لغة العرب، وفي استعمال القرآن، فالعدل يُعبَّر عنه بالقسطِ، والقسطُ هو توفية النَّصيب بمقتضى الإنصاف [3].
والمُنْصِف يعدل ولو كان العدل ليس في صالحه، فعندما نقول: رجل مُنصِف؛ أي: يعدل ولو مِنْ نفسه [4].
القرآن يُحرِّض على العدل:
صَرَّح القرآن العظيم بمحبَّة الله تعالى لعباده المقسطين في أكثر من موضع، فقال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [المائدة: 42]، وقال تعالى: ﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الحجرات: 9]، وقال تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8].
ويُعبِّر القرآن العظيم عن العدل أحيانًا بالميزان؛ كما في قول الله تعالى: ﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴾ [الرحمن: 7]، والمقصود به العدل [5].
وقوله تعالى: ﴿ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ﴾ [الرحمن: 8، 9]؛ أي: كما خَلَق السَّماوات والأرض بالحق والعدل اعدلوا؛ لتكون الأشياء كلُّها بالحقِّ والعدل [6].
والمتأمِّل في سياق الآيات السَّابقة يجد أنها تتحدَّث عن نِعمة خَلْق الإنسان، ونعمة الوحي، وعبودية الكون، وقيامه على العدل والميزان، ثم يأتي الأمر لنا بالعدل والميزان والإنصاف والقسط، كما قال تعالى في مطلع السورة: ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ * الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ﴾ [الرحمن: 1-9].
إذًا فللعدل في القرآن العظيم بُعْدٌ عظيم، لا ينبغي أن يُغفَل عنه، فليس هو سَردًا لمواد وأرقام تُقَنَّن ثم تُجعل في سطور، ثم تُنَظَّم في دواوين أو دفاتر، ثم تُوضع في الخزائن، أو على الأرفف! كلا وربِّي، إنَّ العدل في التَّشريع القرآني له قيمةٌ حيَّة، وبُعدًا كونيًّا.
ولقد أعلى القرآنُ العظيم من شأن العدل، حتى جعله قرينَ التَّوحيد، فقال سبحانه: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18]. ففي هذه الآية الكريمة شهادة من الله تعالى، ومن ملائكته الكرام، ومن الأنبياء وأولي العلم من المؤمنين بأنه لا معبود بحقٍّ إلاَّ الله، وأنه تعالى قائم بتدبير مخلوقاته بالعدل[7].
وفي الوقت الذي اقترن فيه العدل بالتَّوحيد، بَلَغ الظُّلم مَبْلَغَ أن يكون قرين الشرك، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]، فحرَّمه الله تعالى، وأمر بمنعه عن جنس الإنسان، ولو كان كافرًا.
فلا شيءَ أحبُّ إلى الله تعالى من العدل، ولا شيءَ أبغضُ إليه تعالى من الظُّلم، ولهذا حَرَّمه على نفسه، وبين عباده، كما جاء في الحديث القدسي: «يَا عِبَادِي! إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي[8]، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالُموا»[9]، فالله تعالى منع نفسَه من الظُّلم لعباده، كما قال عزَّ وجل: ﴿ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [ق: 29]، وقال: ﴿ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 108]، وقال: ﴿ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ ﴾ [غافر: 31]، وقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا ﴾ [يونس: 44]، وقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ﴾ [النساء: 40]، ومع أنَّهم عبيده لا يُسأل عمَّا يفعله بهم، إلاَّ أنه تعالى ينفي ظلمهم.
فالَّذي حرَّم الظُّلم على نفسه، والذي لا يظلم النَّاس شيئًا، ولو كان مثقال ذرة، لن يكون ما شرعه، وما حَكَمَ به إلا عين العدل والإنصاف، وما على العباد - إذا أرادوا الفلاح في الدُّنيا والآخرة - إلاَّ أن يَحكُموا به.
ويُقابل هذا التَّحريم للظُّلم أمر بالعدل، فعليه أقام الله تعالى السَّماوات والأرض، ومن أجله أرسل الرُّسل، وأنزل الكتب، وشرع الشَّرائع؛ قال تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ﴾ [الشورى: 17]، وقال أيضًا: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ [الحديد: 25]، فالحقُّ والميزان هما العدل والإنصاف، وهما القسط الذي يدعو إليه الكتاب والميزان [10].
تعليق