• تم تحويل المنتديات للتصفح فقط

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

طائف لغوية في قوله تعالى: ﴿ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • طائف لغوية في قوله تعالى: ﴿ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ

    لطائف لغوية في قوله تعالى:


    ﴿ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ

    قوله تعالى: ﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [المائدة: 45].

    من طرافة هذه الآية القرآنية أنها توخت ألفاظًا جزلة رزينة للتعبير عن المعاني الدقيقة التي تقصد إيصالها إلى البشرية جمعاء، ففيها من التعاليم والتوجيهات الربانية القيمة ما يشع ضوؤه في عقول المتدبرين فيها، فإن هذا النص الإلهي المحكم يقرب إلى أذهاننا حقائق الأعضاء الإنسانية ومكانتها، حتى تصبح أحكامها جلية واضحة، نحاول الوقوف على هذا النص الذي يشير إلى عقوبة القصاص التي كتبها الله على عباده، ويبين أصناف الأعضاء التي تخضع للعقوبة، يلاحظ أن الآية لم تذكر الأعضاء التي تلحق بالكيان الإنساني مثل اليد والأصابع والرجل وغيرها، وعلى العكس من ذلك اقتصرت على أعضاء الوجه من العين والأنف والأذن والسِّنِّ، فما ميزة أعضاء الوجه حتى يخص بذكرها البيان المحكم المبين؟!

    لمحمد الطاهر بن عاشور في "التحرير والتنوير" تفسير رائع لهذا الاقتصار على أعضاء الوجه؛ حيث يقول: "والاقتصار على ذكر هذه الأعضاء دون غيرها من أعضاء الجسد كاليد والرجل والإصبع؛ لأن القطع يكون غالبًا عند المضاربة بقصد قطع الرقبة، فقد ينبو السيف عن قطع الرأس فيصيب بعض الأعضاء المتصلة به من عين أو أنف أو أذن أو سنٍّ، وكذلك عند المصاولة لأن الوجه يقابل الصائل، قال الحريش بن هلال:

    نُعَرِّضُ لِلسُّيُوفِ إذا التَقَيْنا
    وُجُوهًا لا تُعَرَّضُ لِلِّطامِ







    يبين هذا البيت أهمية الوجه في جسم الإنسان، ويقدم رأيًا سديدًا عن منزلته في الوجه لدى العرب، واهتمامهم البالغ به في كل حال، كما يعكس سيرتهم وثقافتهم الحربية"[1].

    ويقول آخر:

    فإن إراقة ماء الحياة
    دون إراقة ماء المُحَيَّا







    المراد بماء الحياة دم الإنسان، وبماء المحيا دم الوجه، وهو كناية عن كون الموت أسهل على الشخص العاقل اللبيب من ذل مسألة الخلق، وسمي الوجه محيا؛ لأن التحية تلقى قِبله[2]، فالوجه هو العضو الذي تلقى به التحية والسلام، وهو أشرف الأعضاء وأكرمها في جسم الإنسان.

    ومما يشير إلى منزلة الوجه في جسم الإنسان قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ [الأنفال: 50]، الذي يصور حال الكفار عند الموت؛ كما أشار ابن عاشور في تفسيره: "وذكر الوجوه والأدبار للتنكيل بهم وتخويفهم؛ لأن الوجوه أعز الأعضاء على الناس"[3].


    إن البعض يظن أن الوجه مجرد مجموعة من الأعضاء في الجسد البشري، ولكن الأمر ليس كذلك، بل له دور كبير في حياة الإنسان منذ نعومة أظفاره، حتى زوال الحياة عنه، وقد بيَّن الإمام النووي في شرح المسلم في باب النهي عن ضرب الوجه: "هذا تصريح بالنهي عن ضرب الوجه؛ لأنه لطيف يجمع المحاسن، وأعضاؤه نفيسة لطيفة، وأكثر الإدراك بها، فقد يبطلها ضرب الوجه، وقد ينقصها، وقد يشوَّه الوجه، والشين فيه فاحش..."[4]، ويقول صاحب عون المعبود: "لأن من مقاصد النهي عن ضرب الوجه: تكريمه وعدم إهانته، فهو الصورة الكريمة التي خلق الله عليها ابن آدم، وكرمه بها"[5]، ومما يبين مكانة الوجه في الهيكل الإنساني ما نراه في شرح رياض الصالحين: "ولأن الوجه أشرف ما في الإنسان، وهو واجهة البدن كله"[6]، ويتضح مما ذكر ما للوجه من دور هام في مسارات الحياة البشرية المختلفة، كآلة قوية للإرشاد والتوجيه إلى الطريق السديد، وهو مرآة قلبه، والعضو الذي ترتسم فيه مشاعره.

    ومن المعلوم أن القلب هو موضع الإيمان، والرأس هو موضع الفكر، وأن أثر الإيمان والتقوى يظهر في الوجه على حساب الأعمال الصالحات والحسنات عند المؤمنين، وقد أشار شيخ الإسلام إلى الإيمان؛ حيث يقول: "والمرجئة الذين قالوا: الإيمان تصديق القلب، وقول اللسان، والأعمال ليست منه"[7]، كما أن الإيمان يبدو في الوجه؛ كما أشار إليه قوله تعالى في سورة الفتح: ﴿ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾ [الفتح: 29]؛ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: "حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّنَافسي، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الجَعْفي، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾ [الفتح: 29]؛ قَالَ: الْخُشُوعُ، قُلْتُ: مَا كُنْتُ أَرَاهُ إِلَّا هَذَا الْأَثَرَ فِي الْوَجْهِ، فَقَالَ: رُبَّمَا كَانَ بَيْنَ عَيْنَيْ مَنْ هُوَ أَقْسَى قَلْبًا مِنْ فِرْعَوْنَ"[8]، وجاء قول ابن عباس رضي الله عنهما لتوضيح ذلك: "إن للحسنة ضياء في الوجه"[9]، فإن ثمرات الإيمان والأعمال الصالحات لها مذاق، ولها حلاوة، ولها جمال، ولها نضارة في الوجه.

    وقد احتل الوجه في البدن الإنساني مكانة شريفة كما ذكرنا ذلك من قبل، ولأن الله تعالى كرم بني آدم فلا محالة أن الوجه الذي هو أشرف عضو في الجسم وأعزه يستحق هذه الكرامة أكثر من أي عضو آخر، كما أن كل جزء من الوجه يستحق ذلك الشرف والكرامة؛ ولذلك حرم الله أي عدوان عليها ليبين شرفه، مهما كان حجم العضو صغيرًا، وأوجب القصاص عن كل عضو يُعتدَى عليه، وخص منها بالذكر أربعة أعضاء؛ وهي: العين، والأنف، والأذن، والسن، وسن الإنسان رغم تعددها، فإن وقوع عدوان على سن واحدة من أسنان الإنسان جريمة، وعقوبتها يجب أن تكون مثيلة لذلك العدوان؛ كما بين ذلك قوله تعالى: ﴿ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ ﴾.

    وبالإضافة إلى ذلك، فقد اعتنت الشريعة الإسلامية بحفظ النفس، وجعله ضرورة حتمية يؤول إليه بقاء نوع الإنسان على الأرض، ويعتمد عليه معظم تفاعلاته ومعاملاته في المجتمع، وإلا أصبحت البشرية فوضى، والأمة مستضعفة، وذلك نراه في تفسير الآلوسي: "وصرف الآية عما ذكر فإنه لو كان كذلك قتلوا مجتمعين حتى يسقط عنهم القصاص، وحينئذٍ تهدر الدماء، ويكثر الفساد"[10]، فالمطلع على البيان الإلهي المحكم في آية القصاص اقتصر على أعضاء الوجه، يدرك أنها تهدف إلى تحقيق المصالح العامة والفردية للمجتمع، ويجد أن التعبيرات الإلهية مثمرة في ظل الأحكام الشرعية.

    [1] ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج5، ص118.



    [2] منصور الشنواني: حاشية الشنواني على إتحاف المريد شرح جوهرة التوحيد، ص50.


    [3] ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج17، ص52.


    [4] النووي: شرح النووي على مسلم، 16/ 165.


    [5] العظيم آبادي: عون المعبود، 12/ 130.


    [6] محمد بن صالح العثيمين: شرح رياض الصالحين، ج1، ص327.


    [7] علي آل عبداللطيف: تيميات، ص296.


    [8] ابن كثير: تفسير ابن كثير، ج4، ص219.


    [9] ينظر: الموسوعة الفقية، ج38، ص209.


    [10] الآلوسي: روح المعاني، ج3، ص318.







    الألوكة


  • #2
    جزاك الله خيرا


    ‏يامن سجد وجهي لوجهك ولازال
    يجني ثمار السجده اللي سجدها

    انا بوجهك من عنى الوقت لا مال
    وشر النفوس المبغضات وحسدها

    تعليق


    • #3
      بارك الله فيك وجزاك الله خيرا
      وجعله فى ميزان حسناتك

      تعليق


      • #4
        بارك الله فيك
        وبورك في جهودك الطيب




        تعليق


        • #5
          يسعدني ويشرفني مروركم العطر

          تعليق

          يعمل...
          X