• تم تحويل المنتديات للتصفح فقط

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بين القراءتين: ﴿ تَخْرُجُون ﴾ وَ﴿ تُخْرَجُونَ ﴾

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بين القراءتين: ﴿ تَخْرُجُون ﴾ وَ﴿ تُخْرَجُونَ ﴾

    بين القراءتين:

    ﴿ تَخْرُجُون وَ﴿ تُخْرَجُونَ


    من كنوزِ القرآن العظيم وأعاجيبِ إعجازهِ ونَظْمِهِ وفرةُ المعاني التي تصوِّرها الآية؛ بل المفردة الواحدة من مفرداتِهِ العَطِرَة الطَّيِّبة التي ملؤها النُّورُ والهُدى، فكيف بسائرِ الكتابِ المبين، وكيفَ بمن أكرَمَهُ اللهُ بعلمِ الكتابِ واصطفاهُ لحملِ لواءِ الأنبياءِ وورثتهم من العلماء الخُلَّص الصادِقِين؟!

    مفردة واحدة يُظهِرُ لنا اختلافُ القراءاتِ فيها مشهدًا حيًّا من مشاهِدِ يوم القيامة؛ ألا وهو مشهدُ البعث والنشور والخروج من تلكم الأجداث التي عَمَرت طويلًا بساكنيها؛ ما بين روضةٍ من رِياضِ الجنَّات أو حُفرة من حُفَرِ النيران- والعياذُ بالله-.. ما بين ظِلالٍ وريفةٍ، وأنفَاس الجِنَانِ عطرًا وشذًى باردًا ونعيمًا[1].

    وفُسحةٌ في المكان والحال[2] تدفعُ بساكنها لأن يُردِّد حثيثًا: ((ربِّ أقمِ السَّاعة))[3]، وما بين الأخرى- والعياذ بالله- وقد استنفد ساكِنُها خَيَارات النجاةِ والوصول، ﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49] [4].

    أما الآية الكريمة التي معنا، فهي الآية الحادية عشرة من سورةِ الزخرف، وهي قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ﴾ [الزخرف: 11].

    وفي خاتمة الآية الكريمة قراءتان:
    1- قَرَأَ ابن ذكوان، وحَمْزَة والكسائي، وخلفٌ: ﴿ كَذَلِك تَخْرُجُونَ ﴾ بِفَتْح التَّاء وَضم الرَّاء.
    2- قرأ الباقون ﴿ تُخْرَجُونَ ﴾ بضم التاء وفتحِ الراء[5].

    المعنى اللغوي للقراءات:
    الخروج: نقيض الدخول، والمخرج: موضع الخروج، "خرج خروجًا: برز من مقرِّه أو حاله، سواء كان مقره دارًا، أو بلدًا أو ثوبًا، وسواءً كان حالُهُ حالةً في نفسه، أو في أسبابهِ الخارجة"[6].
    تفسير الآية الكريمة:
    تتحدث الآية الكريمة عن دليلٍ آخر من دلائل وحدانية الله تعالى وكمال قُدرته، وعظيم سلطانه، والمعنى: "أي: إن الله هو الذي جعل الأرض ذلولًا، وأنزل من السماء ماءً بقدرٍ على حسب احتياج الناس، وبقدر منافعهم، فأحيا بهذا الماء الأرض القاحلة المجدبة، فأنبتت وأينعت، وأخرجت الحب والزرع، والزهر والثمر، ﴿ كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ﴾؛ أي: كما بعث الحياة في الأرض المجدبة قادرٌ على أن يخرجكم من قبوركم، ويُحييكم بعد موتكم"[7].


    العلاقة التفسيرية بين القراءات[8]:
    في "قراءة ﴿ تَخْرُجون ﴾ أضاف الفعل إلى المخاطبين؛ أي: هم الفاعلون على معنى أنكم تخرجون بأنفسكم؛ لأن الله تعالى إذا بعثهم من قبورهم يوم القيامة وأحياهم خرجوا بأمرٍ من الله تعالى دون تلَكُّؤٍ، مدفوعين بأنفسهم للخروج.

    وأما قراءة ﴿ تُخْرَجُونَ ﴾ بالمبني للمفعول، فالمخاطَبون مفعولٌ بهم قاموا مقام الفاعل، وفيهِ إشارة إلى أن خروجهم من الأرض يوم القيامة يكون على غير إرادتهم قسرًا وبأيسر أمر وأسهل شأن، وهم كارهون للخروج خوفًا مما ينتظرهم، وعلى هذا يمكن اعتبار قراءة المبني للمفعول ﴿ تُخْرَجُونَ ﴾ المقصود بها الكفار لبيان حالهم فهم لا يتمنون الخروج ولا يرغبون بملاقاة الله عز وجل خوفًا من عِقابه، فيُخرَجون من قُبورهم على الرَّغم منهم وعلى غيرِ إرادتهم.

    وعلى عكس ذلك قراءة ﴿ تَخْرُجُون ﴾ بالمبني للفاعل فيمكن اعتبارها بيانًا لحال المؤمن المطمئن الراغب في لقاء الله تعالى الذي ينتظر أمر الله تعالى لهُ بالخروج ليخرج مندفعًا بذاته من غيرِ تلكُّؤ.

    وعلى كُلِّ حال فالقراءتان متداخلتان في المعنى؛ لأن الله تعالى إذا أخرجهم خرجوا، وإذا خرجوا، فبإخراجِ الله خرجوا، فهم فاعلون مفعولون".

    الجمع بين القراءات:
    وبالجمع بين القراءتين يكون المعنى؛ أي: كما أحيا الله تعالى هذه الأرض المُجدبة الميتة التي لا أمل لكم فيها بالحياةِ والانتفاع، قادرٌ على أن يبعثكم من قبوركم، ويخرجكم أحياءً بأيسر أمرٍ وأسهل شأنٍ سواء كنتم كارهين لذلك أم راغبين، والله أعلم[9].

    وبعد.. فسبحان مُنزِّل الكتاب العظيم الذي لا تنقضي عجائبه! إذ يُجسد المعاني والمشاهِد بما يلابسهما من المشاعِرِ والأحاسيس والانفعالات النفسية وردود الأفعال الظاهرة والباطنة[10]في صُوَرٍ حيَّة لكأنها رأي العين، وكَفى بذلِك إعجازًا للمُنْزَلِ الكريم واللسانِ العربي البديع الذي حواه.

    وصدق الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم القائل: ((مَن أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَن كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ))، فَقُلتُ: يا نَبِيَّ اللهِ، أَكَرَاهيةُ المَوْتِ؟ فَكُلُّنَا نَكْرَهُ المَوْتَ، فَقالَ: ((ليسَ كَذَلِكِ، وَلَكِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا بُشِّرَ برَحْمَةِ اللهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ، أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، فأحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وإنَّ الكَافِرَ إِذَا بُشِّرَ بعَذَابِ اللهِ وَسَخَطِهِ، كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ))[11].

    ثم مسك الختام معنًى جديرٌ بالتأمل والتفكر:
    وهو أن محبة المؤمن للقاءِ ربِّهِ تعالى متكررةُ الحدوث والوقوع؛ فالأولى عند مفارقةِ الروح البدن استعدادًا للقاءِ الله عز وجل، والامتحان العظيم في القبر[12]، والأخرى عند الانتباه في القبر من رُقادٍ طويل إثرَ عودةِ هذه الروح للجسد استعدادًا للنشورِ والحشر والحساب وسائر ما هنالك من أهوالِ القيامةِ الكبرى.

    فما بين مُحبٍّ مُشتاقٍ للقاءِ ربِّهِ، بما وُفِّق إليه من إحسان العمل وحُسن الختام في دارِ دُنياه، وما بين كارهٍ- والعياذُ بالله- بما فرَّط في جنبِ الله فخذَلَتهُ خطاياهُ عند الموتِ، وعندَ البعثِ أخرى.

    نسأل الله الرحيم المنَّان أن يمُنَّ علينا بحسنِ الختام، وأن يُلهمنا حُسن السؤال والدعاء، إذ ما شيء أكرم عليه منه، كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليـه وسلم، فقال: ((ليسَ شيءٌ أَكْرَمَ علَى اللَّهِ منَ الدُّعاءِ))[13] فدونك سؤال الله العون على العمل الصالح الذي يرضيه، والاستعانة به كل حين، وإلحاحُ سؤاله الثبات على دينهِ حتى ملاقاته تبارك وتعالى.

    [1] جاء في الحديث الصحيح الذي مطلعه: ((استعيذوا باللهِ من عذابِ القبرِ مرَّتَيْن أو ثلاثًا))، قوله صلى الله عليـه وسلم في حالة المؤمن: ((فينادي مُنادٍ من السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وافتحوا له بابًا إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره)).

    [2] جاء في الحديث قوله صلى الله عليـه وسلم: ((إنَّ المؤمنَ في قبرِه لفي روضةٍ خضراءَ، فيُرحَّبُ له قبرُه سبعون ذراعًا، ويُنوَّرُ له كالقمرِ ليلةَ البدرِ))؛ حسنهُ الألباني وشعيب الأرناؤوط.

    [3] راجع الحديث السابق في هامش (1) بتمامِهِ.

    [4] حريٌّ بعاقل أن يُدرِك أيُّ المقامَين أجدرُ باهتمام! إذ عن قريبٍ سوف ينسى دنياهُ التي لطالما رَتعَ فيها طويلًا، ولطالما أهدَرَ فيها وقتهُ وعُمُرَهُ فيما لا ينفعُهُ، ولطالما استنفد طاقات ذهنهِ وفِكرِهِ فيما لن يُسعِفهُ في أولِ منازل الآخرة وهو بيتُهُ الحقيقي "القبر"، والشيءُ بالشيءِ يُذكر: تقول إحدى الفاضلات- وهي صالحةٌ ثقة ولا أزكِّيها على الله تعالى-: اهتممتُ لأمرٍ استحوذَ على جُلِّ تفكيري وأصابني من الغمِّ بسبَبِهِ ما اللهُ به عليم! تقول: فرأيتُ والدي في رؤيا أحسبُها رؤيا حقٍّ، يقول: "لا بسيطة؛ الأمرُ الفلاني لا تهتمي له فهو بسيط"، تقول: فانتبهتُ فزِعة: إذ إن أبي في حياته قد كان مثل ذلك الأمر مما يُهِمُّهُ فعلًا، ولكن ليس للدرجةِ التي يطغى ذلك الهَم والاهتمام على جدولِ عِبَادَتِهِ وأُنسِهِ بربِّهِ تعالى! تقول: فقلت: "لأمرٍ ما، أراهُ يُهوِّنُ ما أهمَّني من شأنِ دُنياي!". وكان والدها قد قدِمَ على ربِّهِ منذُ سنين، فكأن الموقف تجسدهُ العبارة المنسوبة لعليٍّ رضي الله عنه: "النَّاسُ نيامٌ فإذا ماتوا انتَبَهوا". فلا يكترثُ لما كان يكترثُ لهُ من قبل إنسانٌ عايَنَ الموت وأهواله وشدائدهُ وما بعده، ستغدو الدنيا صفرًا بما فيها وما عليها أمام ناظِرَيه، وهنا نستحضرُ الحديث الشريف حين مرَّ النبي صلى الله عليـه وسلم على قبرٍ فقال: ((ركعتانِ خفيفتان مما تحقرونَ وتنفلونَ يزيدهُما هذا - يشيرُ إلى قبرٍ - في عملهِ أحبُّ إليهِ من بقيَّةِ دُنياكُم))؛ السلسلة الصحيحة.

    [5] تفسير القرآن بالقراءات القرآنية العشر من سورة الزمر حتى نهاية سورة محمد صلى الله عليه وسـلم، رسالة ماجستير للباحث: عماد شعبان الشريف، إشراف: د. رياض محمود قاسم، 1428هـ - 2007م، كلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية – غزة، ج11 ص158.

    [6] لسان العرب مادة "خ رج"، ومفردات ألفاظ القرآن ص781 نقلًا عن تفسير القرآن بالقراءات القرآنية العشر، ج11 ص158.

    [7] تفسير القرآن بالقراءات القرآنية العشر، ص159.

    [8] المرجع السابق، ص160- 161.

    [9] المرجع السابق، ص161.

    [10] من أمثلةِ الظاهر ما وردَ ذكرهُ من خشوعِ الأبصار وشخوصها، ومن الانتشار وسرعة الخروج من الأجداث كالجراد المنتشر، والدعاء بالويل والثبور، ومن أمثلةِ الباطن ما وردَ في شدة الخوف والهلع والحسرة والذل، وسائر ما هنالك من الحالات الباطنة المتسبِّبة في المظاهر البادية وردود الأفعال المُشاهَدة في ذلك اليوم العظيم.

    [11] أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أُمِّنا السيدة عائشة رضي الله عنها.

    [12] حيث أخبرَ صلى الله عليـه وسلم أن الناس يُفتنون في قبورهم قريبًا من فتنة المسيح الدجال، ومعلومٌ أن فتنة المسيح الدجَّال من علامات الساعة الكُبْرى؛ وهي أعظم فتنة ستدهم أهل الأرض منذ خلق الله السموات والأرض، فنسألُ الله رحمته وعافيته.

    [13] أخرجه الإمام أحمد في مُسنده، وقال الشيخ أحمد شاكر: "إسنادُهُ صحيح".







    الألوكة


  • #2
    بارك الله فيك

    تعليق


    • #3
      بارك الله فيك

      تعليق


      • #4
        جزاك الله الف خير

        تعليق


        • #5
          مشكور والله يعطيك العافية







          تعليق


          • #6

            تعليق

            يعمل...
            X