• تم تحويل المنتديات للتصفح فقط

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

من جماليات الظاهر والمضمر في قصة فداء إسماعيل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • من جماليات الظاهر والمضمر في قصة فداء إسماعيل

    الحوار في قصص القرآن الكريم

    من جماليات الظاهر والمضمر في قصة فداء إسماعيل


    أَوْلَى القرآنُ الكريمُ الحوارَ أهميةً كبيرةً، وأعطاه مساحةً واسعةً؛ يظهرُ ذلك من خلال كثرةِ تمثيلِه وشواهدِه، ومن خلال تَنَوُّعِ طرائقِه باعتباره وسيلةً من أنجحِ وسائلِ الإقناعِ؛ فالأسلوبُ القرآنيُّ يُقنعُ ولا يُجْبِر، ويُقِيمُ الحُجَّةَ ولا يُصادرُ آراءَ المخالفين، وإذا تأملتَ آيَ القرآنِ الكريمِ وسُورَه لوجدتَ هذه القاعدةَ مضطردة لا تتخلف، ثابتة لا تتغيرُ؛ فاللهُ عزَّ وجلَّ خلقَ لنا العقولَ لنفكِّرَ ونتدبرَ، ومن ثم نحاور بغيةَ الوصولِ إلى الحقيقةِ عَبْرَ ذلك الحوار الهادف الذي هو أقربُ طريقٍ إلى الفهم، وأمثلُ سبيلٍ إلى الإقناع.

    ويعتمدُ القرآنُ الحوارَ أسلوبًا لتوضيح المواقفِ، وجلاءِ الحقائقِ، وتحريكِ الوجدانِ، والتدرجِ بالحُجَّةِ احترامًا لعقل الإنسان، ومراعاة لكرامته الإنسانية، وفي إطلالتنا هذه نجد أن إبراهيم عليه السلام كان طرفًا في أكثر من حوار في القرآن الكريم، وكان لحواره سَمْت خاص، وأسلوب مميز، يتواءم مع طبيعة كل موقف ويتماشى معه، ويراعي المقام، ومقتضى الحال فيه؛ فقد حاور إبراهيمُ عليه السلام ربّه عز وجل، وسأله عن كيفية إحياء الموتى ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 260] فقد حاول إبراهيم -هنا- التَّرَقِّي من علم اليقين إلى " عين اليقين" وإثبات قدرة الله في الخلق. وحاور أباه في آيات سورة مريم (من آية 42- 48) بأسلوب فيه من الرقي والبر وحسن الخلق، ولين الجانب ما فيه، فقد استهل كل خطاب لأبيه في الآيات بقوله: "يا أبتِ". وحاور قومه، وسجّل القرآن ذلك الحوار في سورة الأنعام (الآيات من 76 إلى 79).

    فإذا ما جئنا إلى حواره مع ابنه إسماعيل- وهو مبتغانا هنا- وجدناه حوارًا له خصوصيّة؛ فلئن كان إبراهيم (الابن) قد حاور أباه من قبل فإن المواقع هنا قد تبدّلت، والأدوار قد اختلفت، والسياق أيضا – برُمَّته- قد تباين؛ فإذا كان إبراهيم قد حاول جاهدا إقناع أبيه بترك الشِّرْك ودخول الإسلام مستخدمًا كل وسائل اللين وأدوات الإقناع الممكنة، فإنه هنا في حوار ممزوج بابتلاء عظيم، وبلاء مبين، حوار هو جزء من قلب يكاد ينفطر، ونفس تكاد تذوب، وهو – في ذات الوقت- صورة من التسليم والانقياد، فلئن كان حُبُّه لوحيده الذي طال انتظاره قد ملأ قلبَه، وإذا كانت شفقته عليه قد هصرت فؤاده، فإن هناك حبًا آخر هو أولى بالتقديم، وأجدر ألا ينازَع؛ إنه حب الله عز وجل، حبُّ الخليلِ خليلَه، وهو ما كان سبب اختبار الله له، ومن ثم كان الحوار هنا مع الابن مختلفًا عن أي حوار! إنه لم يأت لابنه ليحدّثه حديث سَمَرٍ، ولا يحاوره حوار أُنْسٍ، ولم تكن مشاورته إياه في زوجة اختارها له، ولا في سكن فارهٍ ينقله إليه! لم يكن شيء من ذلك ولا من غيره مما يحمله أبٌ كبير السن -من مبهجات الدنيا- لوحيده تسريةً له أو إدخالا لدواعي السرور إلى قلبه.. إنها مشاورة" ليعلم ما عند ابنه من العزم: هل هو من الصبر على أمر الله على مثل الذي هو عليه، فَيُسَرُّ بذلك أم لا؟ وهو في الأحوال كلها ماض لأمر الله" انظر ابن جرير الطبري.


    لذا فالحوار في ظاهره مشاورة، وفي باطنه أمرٌ، أمرٌ بالذبح، وذبح من؟ ابنه الوحيد الذي رُزِقَه بعد طول انتظار (86 سنة كما ذكر ابن كثير في قصص الأنبياء) وبعد إلحاح في الدعاء، وبعد ما رأى من عَنَت قومه ما رأى، إذ ألقوه في النار في اختبار لا يثبت فيه إلا أولو العزم من الرسل، يتيقن من إعراضهم عنه، وعدم استجابتهم له فيقرر الخروج من بين ظهرانيهم، ويدعو ربَّه قائلا: ﴿ ربّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ[الصافات: 100] فيأتيه الجواب: ﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ [الصافات: 101] ولك أن تتخيل مدى الغبطة والسرور بهذه البُشرى، إنها ليست بشرى بالغلام فحسب بل هي مشفوعة بـصفة" حليم" وهي صفة جامعة لجُلِّ أبواب الخير، تلك التي امتدحها نبينا محمد "ﷺ” في أشج عبد القيس، فقال له: " إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالأَنَاةُ"؛ (رواه مسلم) وقد صوّر القرآن هذا المشهد الذي توارت وراء أستاره كثيرٌ من المشاعر؛ مشاعر أب يشتهي الولد، ويلهج لسانه بالدعاء ليل نهار طلبًا له، فبعد أن يستجاب دعاؤه، ويأتيه الولد، ويتعهده بالرعاية والعناية، ويشمله بحبه وعطفه، فتشرق نفسه مع كل بسمة ترتسم على مُحيَّاه، وتُضحي كل تفصيلة من تفصيلات حياته غايته ومبتغاه.. فكأنّ متاع الدنيا قد جُمع فيه، وتسير الأيام على هذه الحال، لا يعكر صفوها عقوق ابن، ولا تكدّرها غلظة أب، ويشب إسماعيل عن الطوق، (قيل:ثلاث عشرة سنة) ويبدأ مرحلة السَّعي مع أبيه؛ فيكون ساعدَه ومُساعدَه، ويبدأ الأب مرحلة الاعتماد عليه، وإيكال بعض الأعمال إليه، فتزيد بهجة الأب بالولد المطيع، القادر على تنفيذ بعض المهام التي كان يتعين على الأب القيام بها من قبل، فيكون أدعى لتعلق إبراهيم به، "فالابن سند أبيه" لا سيما إذا كان الأب قد نيّف على التسعين، وخطت إحدى رجليه عتبة المئة، ويبلغ ذلك التعلق من إبراهيم مبلغًا لا يستطيع منه فِكاكًا، فقد ملأ حب الولد على الأب شغاف قلبه... وبعد هذا كله يأتيه أمر بذبح ولده.. هنا تخُتَبَرُ معادنُ الرجال، وتُبلى سرائرهم فيكون الأمر العلوي الذي يحمل -في ظاهره- هدمًا لصروح السعادة، وطمسًا لشواهق الأنس، ولكن هل هناك سعادة بعيدًا عن الخالق؟! وهل يكون الأنس إلا في جواره سبحانه؟! ولعل هذا أحد المقاصد الإلهية من ابتلاء إبراهيم! فالقرب يوجب الأنس والهيبة والمحبة! "كما يقول ابن القيم في مدارج السالكين 2/ 382 وفي هذا الإطار؛ إطار تعديل المسار يأتي الأمر بالذبح في مشهد مهيب تصوره الآيات الكريمات: ﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الصافات: 101-111].

    لقد تلقّى إبراهيم الأمر برضا وتسليم، ومن ثم خاطب ابنه خطاب الودّ والمحبة، خطاب من يريد قبول الأمر والتعجيل به لا التسويف فيه:" يا بُني" وهو خطاب بقدر ما فيه من التدليل الظاهر من التصغير فإنّ فيه تذكيرًا للابن بموجبات البُنُوَّة الصالحة المقتضية للطاعة، ولو كان ثمنها رأس تُقطع، ورقبة تُحزّ!! ثم أعقب النداء بالتوكيد الجازم المضاف لياء المتكلم مُكرَّرًا مرتين، لا يفصل الثاني عن الأول سوى كلمات ثلاث لبيان أن الأمر على محمل الجد والتكليف، ﴿ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ﴾، وكلمة "في المنام" تحمل من الدلالات المُضمَرَة الكثير، منها: ثقة الأب في طاعة ابنه له، وتذكير الابن بأن رؤيا الأنبياء صدق فلا مجال أمامنا سوى التسليم والتنفيذ، وربما أراد نقل المشهد برمته لابنه؛ كي يضعه معه في موقع تحمل المسؤولية، وربما كان الحوار مع الابن فيه شيء من التنفيس عما في النفس قبل الشروع في التنفيذ.. وكأن الابن قد أحس شيئًا مما يثقل كاهل أبيه من همّ تنوء بحمله الجبال فسارع إلى تخفيف ذلك الحِمْل بلا مواربة، وبردٍّ مباشر، قاطع، صريح، برضا نفس؛ ليضرب " إسماعيل" المثل الأعلى في بر الأب وطاعته، فيجيب أباه بنفس الأسلوب الحاني الرفيق: ﴿ يَا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤمَر سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ هكذا، وبأسلوب النداء الذي يحمل البِرّ والودّ،فكما كان خطاب الأب خطاب حُنُوٍّ وعطف: (يا بُني) كان ردّ الابن البارّ رَدَّ حُبٍّ وودّ حتى في أحلك الأوقات وأشدهايا أبتِ) ثم يُتْبِعُ ذلك بـجواب الواثق الثابت الراضي المستعد العازم على الطاعة والتنفيذ " افعل مَا تُؤْمَرُ "..لقد خفّف الابن عن كاهل أبيه بهذا الجواب نصف الحِمْل، وبقي نصفه؛ خفف عنه تَحَسُّبَه الرفض، أو التلكؤ، أو محاولة الإفلات من تنفيذ هذا الأمر الثقيل، أو التسويف على أقل تقدير، أمّا نِصف الحِمْل الآخر فستتولاه عملية الشروع في الذبح، والصبر عليه.

    ولم يقف رد الابن عند حد "افعل" وإنما أردفها بتقديم المشيئة الدالة على العزم بقوله: ﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ لأنه أمر مستقبلي، ولأن تقديم المشيئة فيه الصدق لا الادعاء أو الزعم الذي قد لا يكون الإنسان على قدره ومستواه، ولأن الأمر متعلق بمستقبل لا يدري الإنسان حاله معه؛ لأجل ذلك وغيره أوكل إسماعيل أمره لله عز وجل؛ أمّا السين في قوله: "ستجدني" ففيها من التأكيد والتنفيس ما فيها!.

    وفي مشهد الشروع في التنفيذ ومباشرة الذبح يظهر صدق الإيمان، وتتضح علامات الإخلاص واليقين، (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) فالاستسلام والانقياد كانا منهما معًا؛ من الأب الهامّ بالذبح، فيُكِبّ ابنه على وجهه حتى لا يرى ذلك الوجه الحبيب، فتأخذه الرأفة به فيتأخر عن تنفيذ أمر الله فيه، ومن الابن البارّ الراضي بقضاء الله، وكان عليه قميص أبيض، فقال له: يا أبت، إنه ليس لي ثوبٌ تكفنني فيه غيرُه، فاخلعه حتى تكفنني فيه فعالجه ليخلعه، فنودي من خلفه ﴿ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ﴾ [الصافات: 104، 105]، فالتفت إبراهيم فإذا بكبش أبيض أقرن أعين. قال ابن عباس: لقد رأيتنا نتبع ذلك الضرب من الكباش.

    لقد اعترت إبراهيم مشاعر متباينة، وحالات متعارضة؛ من رغبة في الولد وإلحاح في طلبه، إلى فرح غامر بقدومه، إلى حزن مُمِضّ على فَقْدٍ وشيك على يد الأب نفسه؛ حزن تعجز الكلمات عن وصفه، وفي هذا الجو المبكي من خلال مشاهدة أجزاء المشهد التي تتآلف لتكون الصورة الكلية تأخذك روعة التصوير القرآني، وتنتقل بك من الأب المأمور بالذبح إلى الابن / الضحية ثم إلى الأب ثانية وهو يُمَرِّرُ سكينَه على رقبة وحيده في عرض يحبس الأنفاس؛ حيث تَرَقُّب عملية الذبح، وتَخَيُّل حال الابن المُسَجَّى وقد أسلم أمره لربه فأطاع أباه راضيًا، وحالة الأب وهو ممسك بسكينه وقد شحذها، وشمّر عن ساعديه، وانحنى على رقبة ابنه لينهي - بيديه- أجمل فصل من فصول سعادته، وهنا يحين وقت الذروة في قصة حقيقية ليست من وحي خيال، فيمرر الأب السكين على عنق الابن المنقاد ليذبح ذلك الصراع الناشب بداخله قبل ذبح ولده، ولكنَّ لطف الله يدركه في اللحظة الحاسمة؛ فالاختيار اختياره، والزمن بيده سبحانه، والأمر كله خاضع لمشيئته فتأبى السِّكِّين في يد إبراهيم أن تعمل عملها المعهود فتقطع، لقد تخلّت عن صفتها، وفقدت أهم خواصها، وليس هذا عن إبراهيم ببعيد، ولا أمره بالنسبة إليه بغريب، فقد فقدت النار معه خواصها من قبل فبدلا من أن تحرق – هناك-كانت بردًا وسلامًا، وبدلا من أن تقطع السِّكِّين- هنا- عنق ولده إسماعيل قطعت رقبة كبش أملح؛ إذ أتاه النداء العلوي ليولد الأمل من رحم المعاناة والألم: ﴿ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ إنّ أية كلمات – غير كلمات القرآن- لتقف عاجزة عن تصوير هذا المشهد، وما فيه من الرضا والحبور بعد الحزن والألم ليتجلى لُطْف الله عز وجل فلا يُحيّد المشاعر بأن تؤجّل عملية الذبح إلى حين، وإنما تطلق العنان للفرحة والسعادة؛ وهكذا عطاء الله عز وجل وكرمه إذا حلّ أدهش!

    إن خلف هذا الحوار الظاهر آلاف الصور المستترة، وآلاف المشاهد المتوارية؛ فالقرآن معجز، ولا يبوح ببعض ما فيه إلا لمن أعطاه كيانه كله، كتاب لا تنقضي عجائبه، فسبحان من هذا كلامه.

    ومن الصور المتوارية وإن كانت حاضرة في صلب القصة، صورة هاجر أُمُّ إسماعيل.. هل أخبرها زوجها برؤيا ذبح وليدها؟ وهل هرع ابنها إليها يودّعها قبل فراقها؟ أم أن الزوج والابن قد اتفقا معا على عدم إخبارها رأفة بها، وشفقة عليها؟ أم تُراها علمت وحضرت مشهد الشروع في الذبح وصبرت واحتسبت وأطاعت كما هو عهدها؟ لم يذكر القرآن شيئًا من ذلك؛ لأن القصة تتعلق بإبراهيم ووجوب أن يكون قلبه منصرفا إلى خالقه لا ينازعه فيه أحد، وبإسماعيل لضرب المثل في أعلى درجات التضحية والبر والطاعة، وقد نجحا في الاختبار، كما نجحت هاجر من قبل في طاعتها لزوجها، وتنفيذها أمر ربها فجادت بنفسها وبرضيعها لله في تلك الصحراء القاحلة فنجّاها الله ورضيعها وخلّد على مسامع الزمن اسمها وذِكْرَها مع نَبيينِ؛ إبراهيم زوجها، وإسماعيل ابنها؛ لتُبعث يوم القيامة زوج نبي، وأمّ نبي؛ فأي جزاء أعظم من ذلك الجزاء؟! وأي تكريم يعادل ذاك التكريم؟!

    إن الظاهر والمضمر في الحوار في قصة فداء إسماعيل ليسيران متوائمين متآلفين في سياق الحدث من بدايته إلى نهايته، يعيشه القارئ بوجدانه وهو يتلو هذه الآيات بخشوع فترتسم في مخيلته هذه الصورة، وغيرها من الصور التي تتولّد داخل كل قارئ حسبما تمده به الآيات من ظلال، وما ترفده به من معانٍ، وما تفيضه عليه من تجليات؛ ليبقى للحوار في القصص القرآني خصوصيته من حيث إعجاز النص، وإمتاع القص.





    الألوكة


  • #2
    بارك الله فيك وجزاك الخير

    تعليق


    • #3

      تعليق


      • #4
        بارك الله فيك

        تعليق


        • #5
          بارك الله فيك

          تعليق


          • #6
            بارك الله فيك


            ‏يامن سجد وجهي لوجهك ولازال
            يجني ثمار السجده اللي سجدها

            انا بوجهك من عنى الوقت لا مال
            وشر النفوس المبغضات وحسدها

            تعليق

            يعمل...
            X