﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ﴾
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ * نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 222، 223].
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ ﴾، وقبله ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى ﴾ [البقرة: 220]، وقبله ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ﴾ [البقرة: 219] بالواو العاطفة على ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ﴾ [البقرة: 219]، قيل: لأن السؤال عن الثلاثة في وقت واحد، فجيء بحرف الجمع لذلك، كأنه قيل: جمعوا لك بين السؤال عن الخمر والميسر، والسؤال عن كذا وكذا.
قال ابن عاشور: "والباعث على السؤال أن أهل يثرب قد امتزجوا باليهود، واستنُّوا بسنتهم في كثير من الأشياء، وكان اليهود يتباعدون عن الحائض أشد التباعد بحكم التوراة؛ ففي الإصحاح الخامس عشر من سفر اللاويين: "إذا كانت امرأة لها سيل وكان سيلها دمًا في لحمها فسبعة أيام تكون في طمثها، وكل من مسها يكون نجسًا إلى المساء، وكل ما تضطجع عليه يكون نجسًا، وكل من مس فراشها يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجسًا إلى المساء، وإن اضطجع معها رجل فكان طمثها عليه يكون نجسًا سبعة أيام".
وَإِنَّ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ مَنْ كَانَتِ الْحَائِضُ عِنْدَهُمْ مَبْغُوضَةً؛ فَقَدْ كَانَ بَنُو سُلَيْحٍ أَهْلُ بَلَدِ الْحَضْرِ، وَهُمْ مِنْ قُضَاعَةَ نَصَارَى إِنْ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ أَخْرَجُوهَا مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الرَّبْضِ حَتَّى تَطْهُرَ، وَفَعَلُوا ذَلِكَ بِنَصْرَةَ ابْنَةِ الضَّيْزَنِ مَلِكِ الْحَضْرِ، فَكَانَتِ الْحَالُ مَظِنَّةَ حِيرَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الْأَمْرِ تَبْعَثُ عَلَى السُّؤَالِ عَنْهُ.
﴿ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى ﴾، الضر الذي ليس بفاحش؛ كما دل عليه الاستثناء في قوله تعالى: ﴿ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى ﴾ [آل عمران:111]، إشارة إلى إبطال ما كان من التغليط في شأنه، وشأن المرأة الحائض في شريعة التوراة.
فقدَّم العلة على الحكم لتنفِرَ النفوس من الفعل قبل الحكم به؛ فيقع الحكم وقد تهيأت النفوس للاستعداد له، وقبوله.
ومن فوائد الآية: أنه لا ينبغي أن يستحيي الإنسان من سؤال العلم.
ومنها أيضًا: إثبات الحكمة فيما شرعه الله عز وجل، لكن من الحكمة ما هو معلوم للخلق، ومنها ما ليس بمعلوم، لكننا نعلم أن جميع أحكام الله الشرعية والقدرية مقرونة بالحكمة.
﴿ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ ﴾ الحائضات ﴿ فِي الْمَحِيضِ ﴾؛ مكان الحيض وهو الفرج، ﴿ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ ﴾؛ أي: لا تقربوا جِماعهن.
روى أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ((أَنَّ الْيَهُودَ كَانَتْ إِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ مِنْهُمْ أَخْرَجُوهَا مِنْ الْبَيْتِ، فَلَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهَا، فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾ [البقرة: 222]، حَتَّى فَرَغَ مِنْ الْآيَةِ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ، قَالَتْ الْيَهُودُ: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِنَا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ، فَجَاءَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْيَهُودَ قَالَتْ كَذَا وَكَذَا، أَفَلَا نَنْكِحُهُنَّ؟ فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ وَجَدَ عَلَيْهِمَا، فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ وَاسْتَقْبَلَتْهُمَا هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمَا فَسَقَاهُمَا، فَظَنَنَّا أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عَلَيْهِمَا)).
واختُلف في هذا الاعتزال؛ فذهب ابن عباس، وجماعة من أهل العلم إلى أنه يجب اعتزال ما اشتمل عليه الإزار، ويعضده ما صح أنها تشد عليها إزارها ثم شأنه بأعلاها؛ فروى الدارمي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا أَنْ تَشُدَّ عَلَيْهَا إِزَارَهَا، ثُمَّ يُبَاشِرُهَا)).
وذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه لا يجب إلا اعتزال الفرج فقط، وهو الصحيح من قول الشافعي.
ولم تتعرض الآية لِما يجب على من وطِئ في الحيض، واختلف في ذلك العلماء؛ فقال أبو حنيفة، ومالك، ويحيى بن سعيد، والشافعي، وداود: يستغفر الله ولا شيء عليه، وقال محمد: يتصدَّق بنصف دينار، وقال أحمد: يتصدَّق بدينار أو نصف دينار، واستحسنه الطبري، وهو قول الشافعي ببغداد.
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ * نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 222، 223].
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ ﴾، وقبله ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى ﴾ [البقرة: 220]، وقبله ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ﴾ [البقرة: 219] بالواو العاطفة على ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ﴾ [البقرة: 219]، قيل: لأن السؤال عن الثلاثة في وقت واحد، فجيء بحرف الجمع لذلك، كأنه قيل: جمعوا لك بين السؤال عن الخمر والميسر، والسؤال عن كذا وكذا.
قال ابن عاشور: "والباعث على السؤال أن أهل يثرب قد امتزجوا باليهود، واستنُّوا بسنتهم في كثير من الأشياء، وكان اليهود يتباعدون عن الحائض أشد التباعد بحكم التوراة؛ ففي الإصحاح الخامس عشر من سفر اللاويين: "إذا كانت امرأة لها سيل وكان سيلها دمًا في لحمها فسبعة أيام تكون في طمثها، وكل من مسها يكون نجسًا إلى المساء، وكل ما تضطجع عليه يكون نجسًا، وكل من مس فراشها يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجسًا إلى المساء، وإن اضطجع معها رجل فكان طمثها عليه يكون نجسًا سبعة أيام".
وَإِنَّ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ مَنْ كَانَتِ الْحَائِضُ عِنْدَهُمْ مَبْغُوضَةً؛ فَقَدْ كَانَ بَنُو سُلَيْحٍ أَهْلُ بَلَدِ الْحَضْرِ، وَهُمْ مِنْ قُضَاعَةَ نَصَارَى إِنْ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ أَخْرَجُوهَا مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الرَّبْضِ حَتَّى تَطْهُرَ، وَفَعَلُوا ذَلِكَ بِنَصْرَةَ ابْنَةِ الضَّيْزَنِ مَلِكِ الْحَضْرِ، فَكَانَتِ الْحَالُ مَظِنَّةَ حِيرَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الْأَمْرِ تَبْعَثُ عَلَى السُّؤَالِ عَنْهُ.
﴿ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى ﴾، الضر الذي ليس بفاحش؛ كما دل عليه الاستثناء في قوله تعالى: ﴿ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى ﴾ [آل عمران:111]، إشارة إلى إبطال ما كان من التغليط في شأنه، وشأن المرأة الحائض في شريعة التوراة.
فقدَّم العلة على الحكم لتنفِرَ النفوس من الفعل قبل الحكم به؛ فيقع الحكم وقد تهيأت النفوس للاستعداد له، وقبوله.
ومن فوائد الآية: أنه لا ينبغي أن يستحيي الإنسان من سؤال العلم.
ومنها أيضًا: إثبات الحكمة فيما شرعه الله عز وجل، لكن من الحكمة ما هو معلوم للخلق، ومنها ما ليس بمعلوم، لكننا نعلم أن جميع أحكام الله الشرعية والقدرية مقرونة بالحكمة.
﴿ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ ﴾ الحائضات ﴿ فِي الْمَحِيضِ ﴾؛ مكان الحيض وهو الفرج، ﴿ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ ﴾؛ أي: لا تقربوا جِماعهن.
روى أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ((أَنَّ الْيَهُودَ كَانَتْ إِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ مِنْهُمْ أَخْرَجُوهَا مِنْ الْبَيْتِ، فَلَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهَا، فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾ [البقرة: 222]، حَتَّى فَرَغَ مِنْ الْآيَةِ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ، قَالَتْ الْيَهُودُ: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِنَا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ، فَجَاءَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْيَهُودَ قَالَتْ كَذَا وَكَذَا، أَفَلَا نَنْكِحُهُنَّ؟ فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ وَجَدَ عَلَيْهِمَا، فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ وَاسْتَقْبَلَتْهُمَا هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمَا فَسَقَاهُمَا، فَظَنَنَّا أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عَلَيْهِمَا)).
واختُلف في هذا الاعتزال؛ فذهب ابن عباس، وجماعة من أهل العلم إلى أنه يجب اعتزال ما اشتمل عليه الإزار، ويعضده ما صح أنها تشد عليها إزارها ثم شأنه بأعلاها؛ فروى الدارمي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا أَنْ تَشُدَّ عَلَيْهَا إِزَارَهَا، ثُمَّ يُبَاشِرُهَا)).
وذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه لا يجب إلا اعتزال الفرج فقط، وهو الصحيح من قول الشافعي.
ولم تتعرض الآية لِما يجب على من وطِئ في الحيض، واختلف في ذلك العلماء؛ فقال أبو حنيفة، ومالك، ويحيى بن سعيد، والشافعي، وداود: يستغفر الله ولا شيء عليه، وقال محمد: يتصدَّق بنصف دينار، وقال أحمد: يتصدَّق بدينار أو نصف دينار، واستحسنه الطبري، وهو قول الشافعي ببغداد.
تعليق