يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ
﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ * كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 215، 216].
﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ﴾: سؤال عن المقدار والمصرف، أي ما ينفق وأين ينفق، فإن الإنفاق حقيقة معروفة في البشر، وقد عرفها السائلون في الجاهلية، فكانوا في الجاهلية ينفقون على الأهل وعلى الندامى وينفقون في الميسر، يقولون فلان يتمم أيساره؛ أي يدفع عن أيساره أقساطهم من مال المقامرة، ويتفاخرون بإتلاف المال، فسألوا في الإسلام عن المعتد به من ذلك دون غيره.
وفي الآية حرص الصحابة رضي الله عنهم على السؤال عن العلم، وقد وقع سؤالهم لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القرآن أكثر من اثنتي عشرة مرة.
﴿قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ﴾ بيان ما ينفقون، ويتناول القليل والكثير، ويدل على طيب المنفق، وكونه حلالًا؛ لأن الخبيث منهي عنه بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [البقرة:267]، وما ورد من أن الله طيب لا يقبل إلا الطيب، ولأن الحرام لا يقال فيه خير.
وفي الآية: أنه ينبغي للإنسان ألا يحقر من المعروف شيئًا؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ﴾ [البقرة:197]، ويقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اتقوا النار ولو بشق تمرة).
﴿فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ﴾ القرابة لهم حق؛ لأنهم من الأرحام، لكن الأقرب أولى من الأبعد، بدأ في المصرف بالأقرب فالأقرب، ثم بالأحوج فالأحوج.
﴿ وَالْيَتَامَى ﴾ جمع يتيم، وهو مشتق من اليتم، وهو الانفراد، والمراد به من مات أبوه ولم يبلغ، فإذا بلغ استقل بنفسه، فلم يكن يتيمًا.
وفي الآية أن لليتامى حقًّا في الإنفاق - ولو كانوا أغنياءَ - لأنه خصهم بالذكر، ثم ذكر بعدهم المساكين.
﴿ وَالْمَسَاكِينِ ﴾ جمع مسكين، وهو المعدم الذي ليس عنده مال، سُمِّي كذلك؛ لأن الفقر قد أسكنه وأذلَّه، والمسكين هنا يدخل فيه الفقير؛ لأنه إذا ذكر المسكين وحده دخل فيه الفقير، وإذا ذكر الفقير وحده دخل فيه المسكين، وإذا اجتمعا صار الفقير أشد حاجة من المسكين، فيفترقان.
﴿ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾ هو المسافر الذي انقطع به السفر، والسبيل هو الطريق، وسمي ابنًا للسبيل؛ لأنه ملازم له - أي للسبيل - وكل ما لازم شيئًا فهو ابن له، كما يقال: «ابن الماء» لطير الماء؛ لأنه ملازم له، وإنما ذكر الله ابن السبيل؛ لأنه غريب في مكانه، قد يحتاج ولا يُعلَم عن حاجته.
وجائز بإجماع أن ينفق في غير هذه الأصناف إذا رأى ذلك.
والآية دالة على الأمر بالإنفاق على هؤلاء والترغيب فيه، وهي في النفقة التي ليست من حق المال أعني «الزكاة»، ولا هي من حق الذات من حيث إنها ذات كالزوجة، بل هذه النفقة التي هي من حق المسلمين بعضهم على بعض لكفاية الحاجة وللتوسعة، وأولى المسلمين بأن يقوم بها أشدهم قرابة بالمعوزين منهم، فمنها واجبة كنفقة الأبوين الفقيرين والأولاد الصغار الذين لا مال لهم إلى أن يقدروا على التكسب، أو ينتقل حق الإنفاق إلى غير الأبوين، وذلك كله بحسب عادة أمثالهم، وفي تحديد القربى الموجبة للإنفاق خلاف بين الفقهاء، فليست هذه الآية بمنسوخة بآية الزكاة، إذ لا تعارض بينهما حتى نحتاج للنسخ، وليس في لفظ هذه الآية ما يدل على الوجوب؛ حتى يظن أنها نزلت في صدقة واجبة قبل فرض الزكاة.
وفي الآية: أن من حسن الإجابة أن يزيد المسؤول على ما يقتضيه السؤال إذا دعت الحاجة إليه، فإنهم سألوا عما ينفقون، وكان الجواب عمَّ ينفقون، وفيم ينفقون، ونظير ذلك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن الوضوء بماء البحر؟ فقال: (هو الطهور ماؤه الحل ميتتُه).
ولما كان أولًا السؤال عن خاص، أجيبوا بخاص، ثم أتى بعد ذلك الخاص التعميم في أفعال الخير، وذكر المجازاة على فعلها: ﴿ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ دلالة على المجازاة؛ لأنه إذا كان عالِمًا به جازى عليه، فهي جملة خبرية، وتتضمن الوعد بالمجازاة.
﴿ كُتِبَ ﴾ فرض ﴿ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ ﴾ يعود على القتال، وليس يعود على الكتابة؛ فإن المسلمين لا يكرهون ما فرضه الله عليهم، وإنما يكرهون القتال بمقتضى الطبيعة البشرية، وفرق بين أن يقال: إننا نكره ما فرض الله من القتال، وبين أن يقال: إننا نكره القتال، فكراهة القتال أمر طبيعي، فإن الإنسان يكره أن يقاتل أحدًا من الناس فيقتله، فيصبح مقتولًا، لكن إذا كان هذا القتال مفروضًا علينا صار محبوبًا إلينا من وجهٍ، ومكروهًا لنا من وجهٍ آخر، فباعتبار أن الله فرضه علينا يكون محبوبًا إلينا، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يأتون إلى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصرون أن يقاتلوا، وباعتبار أن النفس تنفر منه يكون مكروهًا إلينا.
﴿ كُرْهٌ ﴾ مكروه ﴿ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾، فالقتال مكروه بالطبع لما فيه من التعرض للقتل والأسر، وإفناء الأبدان وألم الجراح، وإتلاف الأموال، فضلًا عن ذُلِّهم، وضعف أمرهم، واستئصال شأفتهم، وسبى ذراريهم، ونهب أموالهم، وملك بلادهم.
والخير الذي فيه هو الظفر والغنيمة، وأعظمه الشهادة، وهي الحالة التي تمناها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرارًا.
﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ * كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 215، 216].
﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ﴾: سؤال عن المقدار والمصرف، أي ما ينفق وأين ينفق، فإن الإنفاق حقيقة معروفة في البشر، وقد عرفها السائلون في الجاهلية، فكانوا في الجاهلية ينفقون على الأهل وعلى الندامى وينفقون في الميسر، يقولون فلان يتمم أيساره؛ أي يدفع عن أيساره أقساطهم من مال المقامرة، ويتفاخرون بإتلاف المال، فسألوا في الإسلام عن المعتد به من ذلك دون غيره.
وفي الآية حرص الصحابة رضي الله عنهم على السؤال عن العلم، وقد وقع سؤالهم لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القرآن أكثر من اثنتي عشرة مرة.
﴿قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ﴾ بيان ما ينفقون، ويتناول القليل والكثير، ويدل على طيب المنفق، وكونه حلالًا؛ لأن الخبيث منهي عنه بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [البقرة:267]، وما ورد من أن الله طيب لا يقبل إلا الطيب، ولأن الحرام لا يقال فيه خير.
وفي الآية: أنه ينبغي للإنسان ألا يحقر من المعروف شيئًا؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ﴾ [البقرة:197]، ويقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اتقوا النار ولو بشق تمرة).
﴿فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ﴾ القرابة لهم حق؛ لأنهم من الأرحام، لكن الأقرب أولى من الأبعد، بدأ في المصرف بالأقرب فالأقرب، ثم بالأحوج فالأحوج.
﴿ وَالْيَتَامَى ﴾ جمع يتيم، وهو مشتق من اليتم، وهو الانفراد، والمراد به من مات أبوه ولم يبلغ، فإذا بلغ استقل بنفسه، فلم يكن يتيمًا.
وفي الآية أن لليتامى حقًّا في الإنفاق - ولو كانوا أغنياءَ - لأنه خصهم بالذكر، ثم ذكر بعدهم المساكين.
﴿ وَالْمَسَاكِينِ ﴾ جمع مسكين، وهو المعدم الذي ليس عنده مال، سُمِّي كذلك؛ لأن الفقر قد أسكنه وأذلَّه، والمسكين هنا يدخل فيه الفقير؛ لأنه إذا ذكر المسكين وحده دخل فيه الفقير، وإذا ذكر الفقير وحده دخل فيه المسكين، وإذا اجتمعا صار الفقير أشد حاجة من المسكين، فيفترقان.
﴿ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾ هو المسافر الذي انقطع به السفر، والسبيل هو الطريق، وسمي ابنًا للسبيل؛ لأنه ملازم له - أي للسبيل - وكل ما لازم شيئًا فهو ابن له، كما يقال: «ابن الماء» لطير الماء؛ لأنه ملازم له، وإنما ذكر الله ابن السبيل؛ لأنه غريب في مكانه، قد يحتاج ولا يُعلَم عن حاجته.
وجائز بإجماع أن ينفق في غير هذه الأصناف إذا رأى ذلك.
والآية دالة على الأمر بالإنفاق على هؤلاء والترغيب فيه، وهي في النفقة التي ليست من حق المال أعني «الزكاة»، ولا هي من حق الذات من حيث إنها ذات كالزوجة، بل هذه النفقة التي هي من حق المسلمين بعضهم على بعض لكفاية الحاجة وللتوسعة، وأولى المسلمين بأن يقوم بها أشدهم قرابة بالمعوزين منهم، فمنها واجبة كنفقة الأبوين الفقيرين والأولاد الصغار الذين لا مال لهم إلى أن يقدروا على التكسب، أو ينتقل حق الإنفاق إلى غير الأبوين، وذلك كله بحسب عادة أمثالهم، وفي تحديد القربى الموجبة للإنفاق خلاف بين الفقهاء، فليست هذه الآية بمنسوخة بآية الزكاة، إذ لا تعارض بينهما حتى نحتاج للنسخ، وليس في لفظ هذه الآية ما يدل على الوجوب؛ حتى يظن أنها نزلت في صدقة واجبة قبل فرض الزكاة.
وفي الآية: أن من حسن الإجابة أن يزيد المسؤول على ما يقتضيه السؤال إذا دعت الحاجة إليه، فإنهم سألوا عما ينفقون، وكان الجواب عمَّ ينفقون، وفيم ينفقون، ونظير ذلك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن الوضوء بماء البحر؟ فقال: (هو الطهور ماؤه الحل ميتتُه).
ولما كان أولًا السؤال عن خاص، أجيبوا بخاص، ثم أتى بعد ذلك الخاص التعميم في أفعال الخير، وذكر المجازاة على فعلها: ﴿ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ دلالة على المجازاة؛ لأنه إذا كان عالِمًا به جازى عليه، فهي جملة خبرية، وتتضمن الوعد بالمجازاة.
﴿ كُتِبَ ﴾ فرض ﴿ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ ﴾ يعود على القتال، وليس يعود على الكتابة؛ فإن المسلمين لا يكرهون ما فرضه الله عليهم، وإنما يكرهون القتال بمقتضى الطبيعة البشرية، وفرق بين أن يقال: إننا نكره ما فرض الله من القتال، وبين أن يقال: إننا نكره القتال، فكراهة القتال أمر طبيعي، فإن الإنسان يكره أن يقاتل أحدًا من الناس فيقتله، فيصبح مقتولًا، لكن إذا كان هذا القتال مفروضًا علينا صار محبوبًا إلينا من وجهٍ، ومكروهًا لنا من وجهٍ آخر، فباعتبار أن الله فرضه علينا يكون محبوبًا إلينا، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يأتون إلى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصرون أن يقاتلوا، وباعتبار أن النفس تنفر منه يكون مكروهًا إلينا.
﴿ كُرْهٌ ﴾ مكروه ﴿ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾، فالقتال مكروه بالطبع لما فيه من التعرض للقتل والأسر، وإفناء الأبدان وألم الجراح، وإتلاف الأموال، فضلًا عن ذُلِّهم، وضعف أمرهم، واستئصال شأفتهم، وسبى ذراريهم، ونهب أموالهم، وملك بلادهم.
والخير الذي فيه هو الظفر والغنيمة، وأعظمه الشهادة، وهي الحالة التي تمناها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرارًا.
تعليق