وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ
﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 188، 189].
مناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة، وذلك أن من يعبد الله تعالى بالصيام، فحبس نفسه عما تعوَّده من الأكل والشرب والمباشرة بالنهار، ثم حبس نفسه بالتقييد في مكان تعبد الله تعالى صائمًا له ممنوعًا من اللذة الكبرى بالليل والنهار، جدير ألا يكون مطعمه ومشربه إلا من الحلال الخالص الذي ينور القلب ويزيده بصيرة، ويفضي به إلى الاجتهاد في العبادة، فلذلك نهى عن أكل الحرام المفضي به إلى عدم قبول عبادته من صيامه واعتكافه؛ قال ابن عاشور: عطف على جملة، والمناسبة أن قوله: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا ﴾ [البقرة:187] تحذير من الجرأة على مخالفة الصيام بالإفطار غير المأذون فيه، وهو ضرب الأكل الحرام، فعطف عليه أكل آخر محرم وهو أكل المال بالباطل، والمشاكلة زادت المناسبة قوة، هذا من جملة عداد الأحكام المشروعة لإصلاح ما اختل من أحوالهم في الجاهلية، ولذلك عُطِفَ على نظائره، وهو مع ذلك أصل تشريع عظيم للأموال في الإسلام.
كان أكل المال بالباطل شِنْشِنَةً معروفة لأهل الجاهلية، بل كان أكثر أحوالهم المالية، فإن اكتسابهم كان من الإغارة ومن الميسر، ومن غصب القوي مال الضعيف، ومن أكل الأولياء أموال اليتامى، ومن الْغرَر وَالْمُقَامَرَةِ، ومن الْمُرَابَاةِ ونحو ذلك، وكل ذلك من الباطل الذي ليس عن طيب نفس.
﴿ وَلاَ تَأْكُلُواْ ﴾: المراد بالأكل ما هو أعم منه، فيشمل الانتفاع بغير الأكل من الملبوسات، والمفروشات، والمسكونات، والمركوبات، لكنه خَص الأكل؛ لأنه أقوى وجوه الانتفاع، فالإنسان ينتفع بالمال ببناء مسكن له، وهو منفصل عنه، ويفترش الفراش فينتفع به، وهو منفصل عنه إلا أنه ألصق به من البيت، ويلبس ثوبًا فينتفع به، وهو منفصل عنه، إلا أنه ألصق به من الفراش، والإنسان يأكل الأكل فينتفع، وهو متصل ممازج لعروقه، فكان أخص أنواع الانتفاع، وألصقها بالمنتفع، ولهذا ذكر بعض أهل العلم رحمهم الله أن الإنسان إذا كان عنده مال مشتبه، ينبغي أن يصرفه في الوقود، لا يصرفه في الأكل والشرب يتغذى بهما البدن، وهما أخص انتفاع بالمال.
﴿ أَمْوَالَكُم ﴾، فهناك آكل، ومأكول منه، فإذا كنت أنت أيها الآكل لا ترضى أن يؤكل مالك، فكيف ترضى أن تأكل مال غيرك، فاعتبر مال غيرك بمنزلة مالك في أنك لا ترضى أن يأكله أحد، وبهذا تتبين الحكمة في إضافة الأموال المأكولة للغير إلى آكلها.
والمعنى: أموال بعضكم بعضًا، فمال الكافر غير المحارب كمال المسلم في الحرمة، إلا أن مال المسلم أشد حرمة، فإضافة الأموال إلى المخاطبين من باب التأليف؛ كقوله تعالى: ﴿ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ﴾ [النساء:29]؛ أي لا يقتل بعضكم بعضًا.
﴿ بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ ﴾ بغير حق شرعي؛ إما بغير حق أصلًا كالغضْب والسرقة والخيانة والخَدْع والتطفيف والغش، وغير ذلك، أو بحق باطل كما يؤخذ في السحر والكهانة والفأل والقِمار والجاه، وهدية القرض والضمان، والرشوة، والربا، وغير ذلك مما نهى الشارعُ عنه، ولا يدخل في ذلك التمائم والعزائم إذا كان بالقرآن أو السنة وغلَب الشفاء، وكذلك لا يدخل أيضًا الغَبْن، إذا كان البائعُ عالِمًا بالمَبِيع.
﴿ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ ﴾: تتوسلوا بدفعها رشوة، وأصل الإدلاء: إرسالُ الدَّلْو في الماء ليتوصل به إلى أخذ الماء من البئر، ثم أُطلق في كل ما يتوسل به إلى شيء، يقال: أدلَى بمالِه إلى الحكام، أي: دفعه رِشْوة، ليتوصل بذلك إلى أخذ أكثر منه، فنهوا عن أمرين أحدهما: أخذ المال بالباطل، والثاني: صرفه للحكام لأخذه بالباطل.
وخص هذه الصورة بالنهي بعد ذكر ما يشملها وهو أكل الأموال بالباطل؛ لأن هذه شديدة الشناعة جامعة لمحرمات كثيرة، وللدلالة على أن معطي الرشوة آثم.
وفيه دلالة على أن حُكمَ الحاكم لا يغيِّر بواطن الأحكام، وعلى أن قضاء القاضي لا يغير صفة أكل المال بالباطل، ولأن الحاكم يحكم بالظاهر وهو مصيب في عمله، لا أنه مصيب ما عند الله تعالى حقيقة.
﴿ لِتَأْكُلُواْ ﴾: قد يقول قائل: إن فيها إشكالًا؛ لأنه تعالى قال: ﴿ وَلاَ تَأْكُلُواْ ﴾، ثم قال تعالى: ﴿ لِتَأْكُلُواْ ﴾، كيف يعلل الحكم بنفس الحكم؟ فنقول: إن اللام هنا ليست للتعليل، اللام هنا للعاقبة - يعني أنكم إذا فعلتم ذلك وقعتم في الأكل - أكل فريق من أموال الناس، وتأتي اللام للعاقبة؛ كما في قوله تعالى: ﴿ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ﴾ [القصص: 8]، فآل فرعون لم يلتقطوه لهذا الغرض؛ ولكن كانت هذه العاقبة.
﴿ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ ﴾: طائفة وقطعة من أموال الناس، فالفريق بمعنى الطائفة، وسُمي فريقًا؛ لأنه يُفْرَق عن غيره، فهذا فريق من الناس - يعني طائفة منهم افترقت، وانفصلت - لو قال قائل: قد يأكل كل مال المدعى عليه لا فريقًا منه؟ فالجواب من وجهين:
الأول: أنه لو أكل جميع مال المدعى عليه، لم يأكل جميع أموال الناس؛ لأن مال المدعى عليه فريق من أموال الناس.
الثاني: أنه إذا كان النهي عن أكل فريق من أموال المدعى عليه، فهو تنبيهٌ بالأدنى على الأعلى.
﴿ بِالإِثْمِ ﴾ الباء للمصاحبة؛ يعني أكلًا مصحوبًا بالإثم وهو الذنب؛ كالرشوة وشهادة الزور، واليمين الفاجرة؛ أي الحلف بالكذب؛ ليقضي القاضي له بالباطل في صورة حق.
﴿ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾: الجملة حالية، وهي قيد للحكم على أعلى أنواع بشاعته؛ لأن من أكل أموال الناس بالباطل عالِمًا أبشع مما لو أكله جاهلًا.
والمعنى: وأنتم تعلمون حرمة ذلك، وهذا تشنيع وتفظيع في الإقدام على المعصية مع العلم بها، وخصوصًا حقوق العباد، فإنَّ حُكْمَ الحاكِم لا يُحِلُّ حرامًا، وفي الحديث الصحيح الذي رواه ابن حبان عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ، أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ، مِنْ حَقِّ أَخِيهِ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ)، وهذا في الأموال باتفاق.
﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ ﴾؛ أي الحكمة من أحوالها، والذي سأله معاذُ بن جبل وثعلبةُ بن غنمة، فقالا: يا رسول الله، ما بال الهلال يبدو رقيقًا كالخيط، ثم لا يزال يزيد حتى يستوي، ثم لا يزال ينقص حتى يرجع كالخيط؟
﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 188، 189].
مناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة، وذلك أن من يعبد الله تعالى بالصيام، فحبس نفسه عما تعوَّده من الأكل والشرب والمباشرة بالنهار، ثم حبس نفسه بالتقييد في مكان تعبد الله تعالى صائمًا له ممنوعًا من اللذة الكبرى بالليل والنهار، جدير ألا يكون مطعمه ومشربه إلا من الحلال الخالص الذي ينور القلب ويزيده بصيرة، ويفضي به إلى الاجتهاد في العبادة، فلذلك نهى عن أكل الحرام المفضي به إلى عدم قبول عبادته من صيامه واعتكافه؛ قال ابن عاشور: عطف على جملة، والمناسبة أن قوله: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا ﴾ [البقرة:187] تحذير من الجرأة على مخالفة الصيام بالإفطار غير المأذون فيه، وهو ضرب الأكل الحرام، فعطف عليه أكل آخر محرم وهو أكل المال بالباطل، والمشاكلة زادت المناسبة قوة، هذا من جملة عداد الأحكام المشروعة لإصلاح ما اختل من أحوالهم في الجاهلية، ولذلك عُطِفَ على نظائره، وهو مع ذلك أصل تشريع عظيم للأموال في الإسلام.
كان أكل المال بالباطل شِنْشِنَةً معروفة لأهل الجاهلية، بل كان أكثر أحوالهم المالية، فإن اكتسابهم كان من الإغارة ومن الميسر، ومن غصب القوي مال الضعيف، ومن أكل الأولياء أموال اليتامى، ومن الْغرَر وَالْمُقَامَرَةِ، ومن الْمُرَابَاةِ ونحو ذلك، وكل ذلك من الباطل الذي ليس عن طيب نفس.
﴿ وَلاَ تَأْكُلُواْ ﴾: المراد بالأكل ما هو أعم منه، فيشمل الانتفاع بغير الأكل من الملبوسات، والمفروشات، والمسكونات، والمركوبات، لكنه خَص الأكل؛ لأنه أقوى وجوه الانتفاع، فالإنسان ينتفع بالمال ببناء مسكن له، وهو منفصل عنه، ويفترش الفراش فينتفع به، وهو منفصل عنه إلا أنه ألصق به من البيت، ويلبس ثوبًا فينتفع به، وهو منفصل عنه، إلا أنه ألصق به من الفراش، والإنسان يأكل الأكل فينتفع، وهو متصل ممازج لعروقه، فكان أخص أنواع الانتفاع، وألصقها بالمنتفع، ولهذا ذكر بعض أهل العلم رحمهم الله أن الإنسان إذا كان عنده مال مشتبه، ينبغي أن يصرفه في الوقود، لا يصرفه في الأكل والشرب يتغذى بهما البدن، وهما أخص انتفاع بالمال.
﴿ أَمْوَالَكُم ﴾، فهناك آكل، ومأكول منه، فإذا كنت أنت أيها الآكل لا ترضى أن يؤكل مالك، فكيف ترضى أن تأكل مال غيرك، فاعتبر مال غيرك بمنزلة مالك في أنك لا ترضى أن يأكله أحد، وبهذا تتبين الحكمة في إضافة الأموال المأكولة للغير إلى آكلها.
والمعنى: أموال بعضكم بعضًا، فمال الكافر غير المحارب كمال المسلم في الحرمة، إلا أن مال المسلم أشد حرمة، فإضافة الأموال إلى المخاطبين من باب التأليف؛ كقوله تعالى: ﴿ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ﴾ [النساء:29]؛ أي لا يقتل بعضكم بعضًا.
﴿ بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ ﴾ بغير حق شرعي؛ إما بغير حق أصلًا كالغضْب والسرقة والخيانة والخَدْع والتطفيف والغش، وغير ذلك، أو بحق باطل كما يؤخذ في السحر والكهانة والفأل والقِمار والجاه، وهدية القرض والضمان، والرشوة، والربا، وغير ذلك مما نهى الشارعُ عنه، ولا يدخل في ذلك التمائم والعزائم إذا كان بالقرآن أو السنة وغلَب الشفاء، وكذلك لا يدخل أيضًا الغَبْن، إذا كان البائعُ عالِمًا بالمَبِيع.
﴿ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ ﴾: تتوسلوا بدفعها رشوة، وأصل الإدلاء: إرسالُ الدَّلْو في الماء ليتوصل به إلى أخذ الماء من البئر، ثم أُطلق في كل ما يتوسل به إلى شيء، يقال: أدلَى بمالِه إلى الحكام، أي: دفعه رِشْوة، ليتوصل بذلك إلى أخذ أكثر منه، فنهوا عن أمرين أحدهما: أخذ المال بالباطل، والثاني: صرفه للحكام لأخذه بالباطل.
وخص هذه الصورة بالنهي بعد ذكر ما يشملها وهو أكل الأموال بالباطل؛ لأن هذه شديدة الشناعة جامعة لمحرمات كثيرة، وللدلالة على أن معطي الرشوة آثم.
وفيه دلالة على أن حُكمَ الحاكم لا يغيِّر بواطن الأحكام، وعلى أن قضاء القاضي لا يغير صفة أكل المال بالباطل، ولأن الحاكم يحكم بالظاهر وهو مصيب في عمله، لا أنه مصيب ما عند الله تعالى حقيقة.
﴿ لِتَأْكُلُواْ ﴾: قد يقول قائل: إن فيها إشكالًا؛ لأنه تعالى قال: ﴿ وَلاَ تَأْكُلُواْ ﴾، ثم قال تعالى: ﴿ لِتَأْكُلُواْ ﴾، كيف يعلل الحكم بنفس الحكم؟ فنقول: إن اللام هنا ليست للتعليل، اللام هنا للعاقبة - يعني أنكم إذا فعلتم ذلك وقعتم في الأكل - أكل فريق من أموال الناس، وتأتي اللام للعاقبة؛ كما في قوله تعالى: ﴿ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ﴾ [القصص: 8]، فآل فرعون لم يلتقطوه لهذا الغرض؛ ولكن كانت هذه العاقبة.
﴿ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ ﴾: طائفة وقطعة من أموال الناس، فالفريق بمعنى الطائفة، وسُمي فريقًا؛ لأنه يُفْرَق عن غيره، فهذا فريق من الناس - يعني طائفة منهم افترقت، وانفصلت - لو قال قائل: قد يأكل كل مال المدعى عليه لا فريقًا منه؟ فالجواب من وجهين:
الأول: أنه لو أكل جميع مال المدعى عليه، لم يأكل جميع أموال الناس؛ لأن مال المدعى عليه فريق من أموال الناس.
الثاني: أنه إذا كان النهي عن أكل فريق من أموال المدعى عليه، فهو تنبيهٌ بالأدنى على الأعلى.
﴿ بِالإِثْمِ ﴾ الباء للمصاحبة؛ يعني أكلًا مصحوبًا بالإثم وهو الذنب؛ كالرشوة وشهادة الزور، واليمين الفاجرة؛ أي الحلف بالكذب؛ ليقضي القاضي له بالباطل في صورة حق.
﴿ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾: الجملة حالية، وهي قيد للحكم على أعلى أنواع بشاعته؛ لأن من أكل أموال الناس بالباطل عالِمًا أبشع مما لو أكله جاهلًا.
والمعنى: وأنتم تعلمون حرمة ذلك، وهذا تشنيع وتفظيع في الإقدام على المعصية مع العلم بها، وخصوصًا حقوق العباد، فإنَّ حُكْمَ الحاكِم لا يُحِلُّ حرامًا، وفي الحديث الصحيح الذي رواه ابن حبان عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ، أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ، مِنْ حَقِّ أَخِيهِ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ)، وهذا في الأموال باتفاق.
﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ ﴾؛ أي الحكمة من أحوالها، والذي سأله معاذُ بن جبل وثعلبةُ بن غنمة، فقالا: يا رسول الله، ما بال الهلال يبدو رقيقًا كالخيط، ثم لا يزال يزيد حتى يستوي، ثم لا يزال ينقص حتى يرجع كالخيط؟
تعليق