الكلام على قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾
قال المصَنِّفُ: وَعَنْ أَبِي أُمَيَّةَ[1] قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ[2] فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا ثَعْلَبَة! كَيْفَ تَقُولُ فِي ِهَذِهِ الْآيَةِ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾[3]، فَقَالَ: أَمَا وَالله لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: (بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتُمْ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ؛ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ الْعَوَامّ؛ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّابِرُ فِيهِنَّ[4]؛ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِلِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ)، قلنا: مِنَّا أَمْ مِنْهُمْ؟ قَالَ: بَلْ مِنْكُم، رواه أبو داود والترمذي[5].
معنى قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ... ﴾:
قال العلامة السعدي: في "تفسيره" (ص246): يقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾ أي: اجتهدوا في إصلاحها وكمالها وإلزامها سلوك الصراط المستقيم، فإنكم إذا صلحتم؛ لا يضركم من ضل عن الصراط المستقيم، ولم يهتد إلى الدين القويم، وإنما يضر نفسه.
ولا يدل هذا على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يضر العبدَ تركُهما وإهمالُهما، فإنه لا يتم هداه، إلا بالإتيان بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نعم، إذا كان عاجزًا عن إنكار المنكر بيده ولسانه وأنكره بقلبه، فإنه لا يضره ضلال غيره.
وقوله: ﴿ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا ﴾؛ أي: مآلكم يوم القيامة، واجتماعكم بين يدي الله تعالى. ﴿ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ من خير وشر؛اهـ.
تعليق الإمام ابن باز: على قوله تعالى: ﴿ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾:
قال العلامة ابن باز: قوله: ﴿ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾: من الهداية، الأمر بالمعروف، ولا يضر الناس من ضل إذا استقاموا وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، بعض الناس يظن أنه إذا اهتدى يعني: إذا أدى الطاعات الخاصة، هذا غلط.
من الهداية: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا من أسباب الهداية، ولهذا خطب الصديق س الناس لما تولى، وقال: إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم ينكروه؛ أوشك أن يعمهم الله بعقابه.
وكذا في هذه الآية قال: بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيتم شحًّا مطاعًا وهوًى متبع، ودنيا مؤثَرَةً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه؛ فعليك بخاصة نفسك ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أيامًا الصابر فيهن كالقابض على الجمر.
الله المستعان، هؤلاء هم الغرباء الذين يَصلُحون عند فساد الناس، ويُصلحون ما أفسد الناس، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويتمسكون بالقرآن حينما يتركه الناس، بدأ الإسلام غريبًا وسيعود كما بدأ غريبًا، فطوبى للغرباء.
فالغرباء هم: أهل الصلاح والاستقامة، وتنفيذ الأوامر والدعوة إلى الله، عند فساد الزمان وتغير أهله؛ اهـ.
قوله: (أما والله): قال الحافظ: في "الفتح" (1/ 102) عند قوله: فوالله لا يمل الله حتى تملوا: فيه: جواز الحلف من غير استحلاف، وقد يستحب إذا كان في تفخيم أمر من أمور الدين، أو حث عليه، أو تنفير من محذور؛ اهـ.
قوله: (سألتَ عنها خبيرًا): فيه جوز مدح النفس بما فيها عند الحاجة، إذا أمنت الفتنة، والله أعلم.
تعريف المعروف والمنكر:
قال العلامة السعدي: في "القواعد الحسان" (ص10): المعروف في القرآن: اسم جامع لكل ما عرف حسنه شرعًا وعقلًا، وعكسه: المنكر والسوء والفاحشة؛ اهـ.
قوله: (شحًّا مطاعًا): قال ابن الأثير: في "النهاية" (ص468): الشح: هو أشد من البخل؛ اهـ.
قوله: (مطاعًا): قال المناوي: في "التيسير" (1/ 956): أي: بخل يطيعه الإنسان، فلا يؤدي ما عليه من حق الحق، وحق الخلق.
الحكمة من تقيده صلى الله عليه وسلم الشحَ أن يكون مطاعًا:
فال المناوي: ـ عقب كلامه السابق ـ: ولم يقل صلى الله عليه وسلم مجرد الشح يكون مهلكًا؛ لأنه إنما يكون مهلكًا إذا كان مطاعًا، أما لو كان موجودًا في النفس غير مطاع فلا يكون كذلك؛ لأنه من لوازم النفس مستمدا من أصل جبلتها الترابي، وفي التراب قبض وإمساك، وليس ذلك بعجيب من الآدمي، وهو جبلي، إنما العجب وجود السخاء في الغريزة، وهو النفوس الفاضلة الداعي لهم إلى البذل والإيثار؛ اهـ.
قال المصَنِّفُ: وَعَنْ أَبِي أُمَيَّةَ[1] قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ[2] فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا ثَعْلَبَة! كَيْفَ تَقُولُ فِي ِهَذِهِ الْآيَةِ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾[3]، فَقَالَ: أَمَا وَالله لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: (بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتُمْ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ؛ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ الْعَوَامّ؛ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّابِرُ فِيهِنَّ[4]؛ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِلِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ)، قلنا: مِنَّا أَمْ مِنْهُمْ؟ قَالَ: بَلْ مِنْكُم، رواه أبو داود والترمذي[5].
معنى قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ... ﴾:
قال العلامة السعدي: في "تفسيره" (ص246): يقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾ أي: اجتهدوا في إصلاحها وكمالها وإلزامها سلوك الصراط المستقيم، فإنكم إذا صلحتم؛ لا يضركم من ضل عن الصراط المستقيم، ولم يهتد إلى الدين القويم، وإنما يضر نفسه.
ولا يدل هذا على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يضر العبدَ تركُهما وإهمالُهما، فإنه لا يتم هداه، إلا بالإتيان بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نعم، إذا كان عاجزًا عن إنكار المنكر بيده ولسانه وأنكره بقلبه، فإنه لا يضره ضلال غيره.
وقوله: ﴿ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا ﴾؛ أي: مآلكم يوم القيامة، واجتماعكم بين يدي الله تعالى. ﴿ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ من خير وشر؛اهـ.
تعليق الإمام ابن باز: على قوله تعالى: ﴿ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾:
قال العلامة ابن باز: قوله: ﴿ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾: من الهداية، الأمر بالمعروف، ولا يضر الناس من ضل إذا استقاموا وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، بعض الناس يظن أنه إذا اهتدى يعني: إذا أدى الطاعات الخاصة، هذا غلط.
من الهداية: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا من أسباب الهداية، ولهذا خطب الصديق س الناس لما تولى، وقال: إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم ينكروه؛ أوشك أن يعمهم الله بعقابه.
وكذا في هذه الآية قال: بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيتم شحًّا مطاعًا وهوًى متبع، ودنيا مؤثَرَةً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه؛ فعليك بخاصة نفسك ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أيامًا الصابر فيهن كالقابض على الجمر.
الله المستعان، هؤلاء هم الغرباء الذين يَصلُحون عند فساد الناس، ويُصلحون ما أفسد الناس، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويتمسكون بالقرآن حينما يتركه الناس، بدأ الإسلام غريبًا وسيعود كما بدأ غريبًا، فطوبى للغرباء.
فالغرباء هم: أهل الصلاح والاستقامة، وتنفيذ الأوامر والدعوة إلى الله، عند فساد الزمان وتغير أهله؛ اهـ.
قوله: (أما والله): قال الحافظ: في "الفتح" (1/ 102) عند قوله: فوالله لا يمل الله حتى تملوا: فيه: جواز الحلف من غير استحلاف، وقد يستحب إذا كان في تفخيم أمر من أمور الدين، أو حث عليه، أو تنفير من محذور؛ اهـ.
قوله: (سألتَ عنها خبيرًا): فيه جوز مدح النفس بما فيها عند الحاجة، إذا أمنت الفتنة، والله أعلم.
تعريف المعروف والمنكر:
قال العلامة السعدي: في "القواعد الحسان" (ص10): المعروف في القرآن: اسم جامع لكل ما عرف حسنه شرعًا وعقلًا، وعكسه: المنكر والسوء والفاحشة؛ اهـ.
قوله: (شحًّا مطاعًا): قال ابن الأثير: في "النهاية" (ص468): الشح: هو أشد من البخل؛ اهـ.
قوله: (مطاعًا): قال المناوي: في "التيسير" (1/ 956): أي: بخل يطيعه الإنسان، فلا يؤدي ما عليه من حق الحق، وحق الخلق.
الحكمة من تقيده صلى الله عليه وسلم الشحَ أن يكون مطاعًا:
فال المناوي: ـ عقب كلامه السابق ـ: ولم يقل صلى الله عليه وسلم مجرد الشح يكون مهلكًا؛ لأنه إنما يكون مهلكًا إذا كان مطاعًا، أما لو كان موجودًا في النفس غير مطاع فلا يكون كذلك؛ لأنه من لوازم النفس مستمدا من أصل جبلتها الترابي، وفي التراب قبض وإمساك، وليس ذلك بعجيب من الآدمي، وهو جبلي، إنما العجب وجود السخاء في الغريزة، وهو النفوس الفاضلة الداعي لهم إلى البذل والإيثار؛ اهـ.
تعليق