• تم تحويل المنتديات للتصفح فقط

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الحفظ السريع للقرآن الكريم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحفظ السريع للقرآن الكريم

    الحفظ السريع للقرآن الكريم


    الإعلانات التي صِرْنا نقرؤها حديثًا عن أُناسٍ قد اجتازوا دورة (إنعاش العقل)، ثم حفظوا القرآن في أربعة أيام أو خمسة، أو نحوها!

    هذه الإعلانات تكاد تصدم كلَّ من قرأها ممن له اشتغال بالقرآن الكريم وعلومه، فيتساءل: هل هذا يُعقَل؟! وكيف كان؟! ومتى كان؟! وأنا أزيد فأقول: وهل هذا - لو صَحَّ - مشروعٌ، ويُقرِّب إلى الله تعالى؟ وهل هو من هَدْي سلفنا؟

    لا بُدَّ للإجابة عن تلك الأسئلة من وقفات:
    ١- هذا القرآن العظيم أنزله الله عز وجل ليكون منهاجَ حياةٍ للبشر، وموعظةً للمؤمنين، وشفاءً لما في صدورهم، وهُدًى ورحمةً للناس؛ ليُخرِجهم من ظُلُمات الجهل والضلال إلى نور العلم والإيمان، قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [إبراهيم: 1]، وقال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57].

    ٢- من هنا فإن بركة هذا القرآن، ورحمة الله بالخلق منوطةٌ بالإيمان به، والعمل بما فيه، واتِّباع هَدْيِه، والتخلُّق بأخلاقه، والحكم بشريعته، وليس بمجرد قراءته، وتجويد النطق به، وحفظه، قال تعالى: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأنعام: 155]، وقال: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]، فالمطلوب أن يتدبَّر الناس آياته، ويستخرجوا عِلْمَها، ويتأمَّلُوا أسرارَها وحِكَمَها، ليعملوا بما فيها، وبهذا تُدرَك بركته، ويُنال خيرُه، ويعظُم أجْرُ قارئه، ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24].

    ٣- قراءة القرآن، وتجويده، وحفظه، وسيلةٌ للوصول إلى تدبُّره، والعمل بمقتضاه، وتحليل حلاله، وتحريم حرامه، والاتِّعاظ به، وعندما ينشغل المرء بالوسائل، وتتحوَّل عنده إلى غايات، لا يمكنه أن يصل إلى الغاية التي يهدف لها، فيتيه ويضلُّ، وهو يحسب أنه يُحسِن صُنْعًا؛ لذلك فإن التجويد والاستكثار من حفظ القرآن لم يوجِبْه الله على الناس؛ وإنما الواجب ترتيل القرآن، وهو قراءته على مَهْل، كما قال تعالى: ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا ﴾ [الإسراء: 106]، وقال: ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل: 4]، قال ابن كثير: "أي: اقرأه على مَهْل، فإنه يكون عونًا على فَهْم القرآن وتدبُّره، وكذلك كان يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم، قالت حفصة رضي الله عنها: "كانَ يَقْرَأُ بالسُّورَةِ فيُرَتِّلُهَا حتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِن أَطْوَلَ منها"؛ رواه مسلم.

    ولا شَكَّ أن هذا يتنافى مع الحفظ السريع للقرآن الذي يُنادي به البعضُ في هذا الزمان.

    ٤- لو كان مجرد الحفظ والتلاوة هدفًا يسعى له قارئ القرآن، لكان أوْلى الناس بذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعون الذين كان هَمهم وشغلهم الشاغل كتاب الله، يقومون به آناء الليل وأطراف النهار، فكم كانوا بحاجة إلى مَن كان يستظهر القرآن ويجمعه ولم يكن عندهم مثل نسخ المصاحف التي عندنا، ولا بين أيديهم هذه الوسائل المتاحة - المرئية منها والمسموعة - والتي يُسجَّل عليها القرآن بأجمل الخطوط، ونسمعه بأحسن الأصوات، وأجمل القراءات.

    ٥- ((أهلُ القرآنِ هم أهْلُ اللهِ وخاصَّتُه)) كما صَحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد عرَف الصحابة رضي الله عنهم أن أهل القرآن ليسوا هم من أتقن قراءته، وجوَّد النطق بحروفه، وحفظ آياته؛ بل هم العاملون به، الواقفون عند حدوده، كما جاء في حديث النواس بن سمعان: (( يُؤْتى بالقُرْآنِ يَومَ القِيامَةِ وأَهْلِهِ الَّذِينَ كانُوا يَعْمَلُونَ به في الدنيا))؛ رواه مسلم.

    لذلك لم يكن من هَدْي السَّلَف التكثُّر من حفظ القرآن وأخذه، ولم يكن يُشغلهم ذلك عن فَهْم القرآن، وتدبُّره، والعمل بما فيه؛ بل كان من هَدْيهم التدرُّج في تعلُّمه وحفظه، كما قال أبو عبد الرحمن السُّلَمي - وهو من كبار التابعين -: حدَّثنا الذين كانوا يقرئوننا: أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا تعلَّمُوا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلَّمْنا القرآن والعمل جميعًا؛ رواه الطبري بإسناد صحيح.

    وقد جاء في "موطأ مالك" أن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلَّمُها.

    قال الزرقاني - رحمه الله -: "ليس ذلك لبطء حفظه- معاذ الله - بل لأنه كان يتعلَّم فرائضها وأحكامها وما يتعلَّق بها؛ فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم كراهة الإسراع في حفظ القرآن دون التفقُّه فيه، ولعَلَّ ابنَ عمر خلط مع ذلك من العلم أبوابًا غيرها؛ وإنما ذلك مخافة أن يتأوَّله على غير تأويله؛ قاله الباجي، انتهى من "شرح الزرقاني لموطأ مالك" (2 / 27).

    وقد يعجب المرء حين يقرأ حديث أنس بن مالك: "ماتَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ولَمْ يَجْمَعِ القُرْآنَ غَيْرُ أرْبَعَةٍ: أبو الدَّرْداءِ، ومُعاذُ بنُ جَبَلٍ، وزَيْدُ بنُ ثابِتٍ، وأَبُو زَيْدٍ، قالَ: ونَحن ورثناه"؛ رواه البخاري.

    وإذا كان هناك اختلاف في عدد من استظهر القرآن وحفظه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وتعيينهم؛ لكن لاخلافَ أنَّ عددَهم كان قليلًا، وأنَّ هِمَمَهم كانت منصرفةً إلى قراءة التدبُّر والفَهْم، لأجل العمل بالقرآن، وأن مجالسهم القرآنية ما كانت تقف عند التجويد والحفظ، وهم الذين أخذوا مباشرةً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلوبَ تعليمِه وطريقةَ التدرُّج فيه، جاءَ رَجُلٌ إلى ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقالَ: قَرَأْتُ المُفَصَّلَ اللَّيْلَةَ في رَكْعَةٍ، فَقالَ: هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ؛ (البخاري ومسلم).

    ٦- من التوجيهات الإلهية لنبيِّه عليه الصلاة والسلام عدم الاستعجال بقراءة القرآن، ففِي التِّرْمِذِيِّ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ، يُرِيدُ أَنْ يَحْفَظَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴾ [القيامة: 16]، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ﴾ [طه: 114]؛ فلقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أُمَّتَه عن الإسراع في قراءة القرآن؛ لما في ذلك من تفويت أمر التدبُّر والفَهْم، ومعلوم أن أصحاب فكرة الحفظ السريع قد لا يستغرق الجزء معهم أكثرَ من ربع ساعة، فماذا عساهم أن يفهموا منه؟!

    وقد صحَّ أنه صلى الله عليه وسلم أمَرَ عبدَالله بن عمرو أن يقرأ القرآن في شهر، أو في خمس وعشرين، أو عشرين، أو خمس عشرة، أو سبع، ثم قال: ((من قرأ القرآنَ في أقلَّ من ثلاثٍ لم يفقهْه))، وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((إنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً، ولِكُلِّ شِرَّةٍ فَترةً، فمَن كانت شِرَّتُه إلى سُنَّتي، فقد أفلَحَ، ومَن كانت فَترَتُه إلى غَيرِ ذلك، فقد هلَكَ))؛ (مسند أحمد).

    هذا هو هَدْيه صلى الله عليه وسلم، كما قالت عائشة رضي الله عنها: "كان لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث"؛ (الصحيحة ٢٤٦٦)، وتصِف أمُّ سلمة رضي الله عنها قراءته عليه الصلاة والسلام فتقول: "كان يُقَطِّعُ قِراءَتَهُ آيةً آيةً: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2] ثُمَّ يَقِفُ: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 3] ثُمَّ يَقِفُ.." وهكذا.

    ووصف حذيفة رضي الله عنه قراءته عليه الصلاة والسلام في قيام الليل "أنه كانَ إذا مرَّ بآيةِ رحمةٍ سألَ، وإذا مرَّ بآيةِ عذابٍ تعوَّذَ، وإذا مرَّ بآيةٍ فيها تَنزيهٌ للَّهِ سبَّحَ"؛ صحيح ابن خزيمة:١‏/ ٥٨٧.

    وكان يأمر بمراجعته وتعاهده دائمًا؛ خشية التفلُّت والنسيان، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((تَعاهَدُوا هذا القُرْآنَ، فَوالذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ لَهو أشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الإبِلِ في عُقُلِها))؛ صحيح مسلم، ٧٩١.

    ولا عبرة- بعد ذلك- بما يُروى عن بعض السلف- لو صحَّ- أنه ختم القرآن في ركعة واحدة، أو نحوها، فقد كره كثير من السَّلَف قراءة القرآن في أقل من ثلاث، كما هو مذهب أبي عبيد، وإسحاق بن راهويه، وغيرهما، واختار الإمام أحمد وغيره عدم جواز القراءة في أقل من ذلك، فإذا كان هذا بالقراءة فكيف بالحفظ غيبًا؟!

    ٧- ختامًا فإني لا أنصح أحدًا بالاستعجال المفرط في حفظ القرآن الكريم مهما كان السبب؛ لأن هذا الفعل عندئذٍ ينحصر بين أمور ثلاثة:
    ١- إما أنه لا حقيقة له، وهو نوع من الدعاية أو التخييل، ولو امتحنت أحد هؤلاء (الحُفَّاظ) ما استطاع أن يقرأ لك سورة واحدة عن ظهر قلب!

    ٢- وإما أنه غلوٌّ في الدين منهيٌّ عنه؛ إذ لم يكن ذلك من هَدْي السَّلَف رضوان الله عليهم، ولا يعدو الحافظ بهذا الأسلوب أن يكون نسخةً من المصاحف قد زِيدت في المكتبات، هذا إن لم يصبح القرآن حجة عليه.

    ٣- وإما أنه لا يُراد به وجه الله تعالى؛ وإنما تقصد الشهادة أو الإجازة، والرياء والسُّمْعة، وهذا مُحبِط للعمل، ومُفسد للدين، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك بقوله: ((أكثرُ منافِقي أمَّتي قرَّاؤُها))؛ أخرجه أحمد (٢/ ١٧٥)، بإسناد صحيح، وهذا ما يُفسِّر ما نجده كثيرًا عند بعض الحُفَّاظ من بُعْدٍ كبير عن التخلُّق بأخلاق القرآن، والعمل بأحكامه، بالرغم من إتقان حفظه وتجويده.

    أسأل الله أن يرزقَنا الإخلاصَ في القول والعمل، وأن يهديَنا رشدنا، ويوفقنا للعمل الصالح على سُنَّة نبيِّنا صلى الله عليه وسلم، ويجعلنا من أهل القرآن- العاملين بما فيه- الذين هم أهل الله وخاصَّتُه، وصلى الله على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.






    الألوكة



  • #2
    آمين

    اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد

    وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك من حميد مجيد

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيرا .. شكرا علي المشاركة الجميلة

      تعليق


      • #4
        جزآآك الله خيرآ
        وجعله في موازين آحسناتك
        لاعدمنآك
        لك كل التقدير




        تعليق


        • #5
          استغفر الله العظيم واتوب اليه

          تعليق

          يعمل...
          X