تفسير قول الله تعالى:
﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ... ﴾
قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [البقرة: 221].
قوله: ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ﴾ الواو: استئنافية.
و«لا» ناهية، والخطاب للمؤمنين، والنكاح لغة: الضم والجمع، وفي الشرع: عقد الزوجية الصحيح، ويطلق على الوطء، والمراد به هنا العقد، أي: لا تتزوجوا أيها المؤمنون المشركات.
والمشركات: جمع مشركة، والمشركة والمشرك: من يدعو غير الله، ويتخذه شريكًا لله، ويسوي غير الله بالله فيما هو من خصائص الله، قال تعالى عن المشركين: ﴿ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 97، 98].
﴿ حَتَّى يُؤْمِنَّ ﴾ «حتى» للغاية، أي: إلى غاية أن يؤمن، فإذا آمنَّ جاز لكم نكاحهن، أي: حتى يُصدقن بما جاء من عند الله تعالى وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وينقدن لذلك ظاهرًا وباطنًا، ويخلصن العبادة لله.
والآية عامة في جميع المشركات من عبدة الأوثان وأهل الكتاب وغيرهم. خص من عمومها نساء أهل الكتاب، فأباحهن الله- عز وجل- في سورة المائدة في قوله تعالى: ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ﴾ [المائدة: 5].
وقيل: إن الآية ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ ﴾ خاصة بالوثنيات.
﴿ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ﴾ الواو: استئنافية، واللام للابتداء، وهذه الجملة تعليل للنهي عن نكاح المشركات.
والأَمة تطلق على المرأة، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله»[1]، وقال صلى الله عليه وسلم: «ما أصاب أحدًا قط همّ ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك، وابن عبدك، ابن أمتك»[2]، وقال صلى الله عليه وسلم: «كلكم عبيد الله، وكل نسائكم إماء الله»[3].
وتطلق الأمة على المملوكة، كما في حديث جبريل عليه السلام: «وأن تلد الأمة ربَّتها»[4]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «ورجل كانت عنده أمة، فأدبها فأحسن تأديبها...»[5].
﴿ مُؤْمِنَةٌ ﴾؛ أي: مؤمنة بالله- عز وجل- مصدقة برسوله صلى الله عليه وسلم، منقادة لشرعه، حسب ما يظهر منها، وأمر الباطن إلى الله- عز وجل- كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ ﴾ [النساء: 25].
وقال صلى الله عليه وسلم للأَمَة: «أين الله»؟ قالت: في السماء. قال: «مَن أنا»؟ قالت: أنت رسول الله. قال صلى الله عليه وسلم لسيدها: «أعتقها فإنها مؤمنة»[6].
ومعنى الآية: ولامرأة مؤمنة، حرة كانت أو مملوكة ﴿ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ ﴾.
وقوله: ﴿ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ ﴾؛ أي: خير وأفضل من امرأة مشركة خيرية مطلقة؛ لأن المشركة لا خير فيها.
واسم التفضيل قد يرد بين شيئين لا فضل في أحدهما البتة، كما في قوله تعالى: ﴿ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ﴾ [الفرقان: 24]، وقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الروم: 27].
وقد يكون اسم التفضيل هنا استعمل على بابه، ويراد بالخير في المشركة ما قد يظهر للناس من جمال أو حسب أو مال، ولهذا قال بعده:
﴿ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ﴾ الواو حالية، أي: ولو أعجبتكم هذه المشركة، وسرتكم، بجمالها، أو حسبها، أو ما لها، ونحو ذلك، فكل هذا لا قيمة له، ولا يساوي شيئًا مع الإشراك بالله، وفِقدان الدين.
فالمؤمنة طيبة والمشركة خبيثة، وقد قال الله تعالى: ﴿ قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 100].
والمؤمنة رعت حق الله عز وجل فعبدته وحده، فهي أحرى برعاية حق زوجها وحفظ نفسها وولده وماله.
والمشركة لم ترع حق الله، بل أشركت معه غيره، وهي أحرى بعدم رعاية حق زوجها بنفسها وولده وماله.
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدين، تربت يداك»[7].
وقال صلى الله عليه وسلم: «الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة»[8].
وفي الأثر: «إياكم وخضراء الدمن».
﴿ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ﴾ الخطاب للمؤمنين، وبخاصة أولياء الأمور منهم، وفيه دليل على اشتراط الولي في النكاح، أي: ولا تُزَوجوا الرجال المشركين النساء المؤمنات حتى يؤمنوا؛ لحرمة المؤمنة على المشرك، كما قال تعالى: ﴿ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾ [الممتحنة: 10].
لأن للزوج ولاية على الزوجة، كما قال تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾ [النساء: 34].
والإسلام يعلو ولا يعلى عليه، فلا يجوز أن يكون لمشرك ولاية على مؤمنة، قال تعالى: ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 141].
﴿ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ ﴾ أي: ولعبد مؤمن حرًا كان أو مملوكًا خير وأفضل من مشرك خيرية مطلقة من جميع الوجوه. والكلام فيه- كما تقدم في قوله: ﴿ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ ﴾.
﴿ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ﴾ الواو: حالية، أي: ولو أعجبكم وسركم المشرك، بمظهره، أو ماله، أو منصبه، ونحو ذلك، كما قال تعالى في المنافقين: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾ [المنافقون: 4].
﴿ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ﴾ هذه الجملة كالتعليل لما قبلها، أي: أولئك المشركون الذين نُـهيتم عن مناكحتهم يدعون الناس إلى النار، بأقوالهم وأفعالهم وأخلاقهم، وأموالهم، وأحوالهم، وما هم عليه من الشرك.
فمخالطتهم ومعاشرتهم سبب للتشبه بهم، وموالاتهم واتباعهم، وتقليدهم، مما يوجب دخول النار معهم، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾ [المائدة: 51]، وأشار إليهم بإشارة البعيد «أولئك» تحقيرًا لهم.
﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ﴾؛ أي: والله يدعو بما أرسل به الرسل من الوحي والشرع، والأمر والنهي إلى الجنة، دار السلام، كما قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [يونس: 25].
﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ... ﴾
قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [البقرة: 221].
قوله: ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ﴾ الواو: استئنافية.
و«لا» ناهية، والخطاب للمؤمنين، والنكاح لغة: الضم والجمع، وفي الشرع: عقد الزوجية الصحيح، ويطلق على الوطء، والمراد به هنا العقد، أي: لا تتزوجوا أيها المؤمنون المشركات.
والمشركات: جمع مشركة، والمشركة والمشرك: من يدعو غير الله، ويتخذه شريكًا لله، ويسوي غير الله بالله فيما هو من خصائص الله، قال تعالى عن المشركين: ﴿ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 97، 98].
﴿ حَتَّى يُؤْمِنَّ ﴾ «حتى» للغاية، أي: إلى غاية أن يؤمن، فإذا آمنَّ جاز لكم نكاحهن، أي: حتى يُصدقن بما جاء من عند الله تعالى وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وينقدن لذلك ظاهرًا وباطنًا، ويخلصن العبادة لله.
والآية عامة في جميع المشركات من عبدة الأوثان وأهل الكتاب وغيرهم. خص من عمومها نساء أهل الكتاب، فأباحهن الله- عز وجل- في سورة المائدة في قوله تعالى: ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ﴾ [المائدة: 5].
وقيل: إن الآية ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ ﴾ خاصة بالوثنيات.
﴿ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ﴾ الواو: استئنافية، واللام للابتداء، وهذه الجملة تعليل للنهي عن نكاح المشركات.
والأَمة تطلق على المرأة، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله»[1]، وقال صلى الله عليه وسلم: «ما أصاب أحدًا قط همّ ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك، وابن عبدك، ابن أمتك»[2]، وقال صلى الله عليه وسلم: «كلكم عبيد الله، وكل نسائكم إماء الله»[3].
وتطلق الأمة على المملوكة، كما في حديث جبريل عليه السلام: «وأن تلد الأمة ربَّتها»[4]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «ورجل كانت عنده أمة، فأدبها فأحسن تأديبها...»[5].
﴿ مُؤْمِنَةٌ ﴾؛ أي: مؤمنة بالله- عز وجل- مصدقة برسوله صلى الله عليه وسلم، منقادة لشرعه، حسب ما يظهر منها، وأمر الباطن إلى الله- عز وجل- كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ ﴾ [النساء: 25].
وقال صلى الله عليه وسلم للأَمَة: «أين الله»؟ قالت: في السماء. قال: «مَن أنا»؟ قالت: أنت رسول الله. قال صلى الله عليه وسلم لسيدها: «أعتقها فإنها مؤمنة»[6].
ومعنى الآية: ولامرأة مؤمنة، حرة كانت أو مملوكة ﴿ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ ﴾.
وقوله: ﴿ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ ﴾؛ أي: خير وأفضل من امرأة مشركة خيرية مطلقة؛ لأن المشركة لا خير فيها.
واسم التفضيل قد يرد بين شيئين لا فضل في أحدهما البتة، كما في قوله تعالى: ﴿ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ﴾ [الفرقان: 24]، وقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الروم: 27].
وقد يكون اسم التفضيل هنا استعمل على بابه، ويراد بالخير في المشركة ما قد يظهر للناس من جمال أو حسب أو مال، ولهذا قال بعده:
﴿ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ﴾ الواو حالية، أي: ولو أعجبتكم هذه المشركة، وسرتكم، بجمالها، أو حسبها، أو ما لها، ونحو ذلك، فكل هذا لا قيمة له، ولا يساوي شيئًا مع الإشراك بالله، وفِقدان الدين.
فالمؤمنة طيبة والمشركة خبيثة، وقد قال الله تعالى: ﴿ قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 100].
والمؤمنة رعت حق الله عز وجل فعبدته وحده، فهي أحرى برعاية حق زوجها وحفظ نفسها وولده وماله.
والمشركة لم ترع حق الله، بل أشركت معه غيره، وهي أحرى بعدم رعاية حق زوجها بنفسها وولده وماله.
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدين، تربت يداك»[7].
وقال صلى الله عليه وسلم: «الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة»[8].
وفي الأثر: «إياكم وخضراء الدمن».
﴿ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ﴾ الخطاب للمؤمنين، وبخاصة أولياء الأمور منهم، وفيه دليل على اشتراط الولي في النكاح، أي: ولا تُزَوجوا الرجال المشركين النساء المؤمنات حتى يؤمنوا؛ لحرمة المؤمنة على المشرك، كما قال تعالى: ﴿ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾ [الممتحنة: 10].
لأن للزوج ولاية على الزوجة، كما قال تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾ [النساء: 34].
والإسلام يعلو ولا يعلى عليه، فلا يجوز أن يكون لمشرك ولاية على مؤمنة، قال تعالى: ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 141].
﴿ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ ﴾ أي: ولعبد مؤمن حرًا كان أو مملوكًا خير وأفضل من مشرك خيرية مطلقة من جميع الوجوه. والكلام فيه- كما تقدم في قوله: ﴿ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ ﴾.
﴿ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ﴾ الواو: حالية، أي: ولو أعجبكم وسركم المشرك، بمظهره، أو ماله، أو منصبه، ونحو ذلك، كما قال تعالى في المنافقين: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾ [المنافقون: 4].
﴿ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ﴾ هذه الجملة كالتعليل لما قبلها، أي: أولئك المشركون الذين نُـهيتم عن مناكحتهم يدعون الناس إلى النار، بأقوالهم وأفعالهم وأخلاقهم، وأموالهم، وأحوالهم، وما هم عليه من الشرك.
فمخالطتهم ومعاشرتهم سبب للتشبه بهم، وموالاتهم واتباعهم، وتقليدهم، مما يوجب دخول النار معهم، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾ [المائدة: 51]، وأشار إليهم بإشارة البعيد «أولئك» تحقيرًا لهم.
﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ﴾؛ أي: والله يدعو بما أرسل به الرسل من الوحي والشرع، والأمر والنهي إلى الجنة، دار السلام، كما قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [يونس: 25].
تعليق