تفسير سورة الفلق
بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾ [الفلق: 1 - 5].
مكية، وعدد آياتها خمسٌ، نزلت بعد سورة الفيل.
سبب نزول السورة:
أخرج البيهقي في الدلائل (7/ 92)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (2272)، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلامٌ يهودي يخدُمُه، يُقال له: لبيد بن أعصم، وكان تُعجبه خدمته، فلم تَزَل به يهودٌ حتى سحر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذوب ولا يدري ما وجعُه، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة نائم إذ أتاه مَلَكَان، فجلس أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رأسه للذي عند رجليه: ما وجعه؟ قال الذي عند رأسه: مَطْبُوب، قال الذي عند رجليه: مَن طبَّه؟ قال الذي عند رأسه: لَبيد بن أعصم، قال الذي عند رجليه: بِمَ طبَّه؟ قال الذي عند رأسه: بمُشْطٍ ومُشاطة وجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ بذي ذروان، وهي تحت رَاعُوفة البئر، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا عائشة فقال: يا عائشةُ، أشعرتِ أن الله عز وجل قد أنبأني بوجعي؟ فلما أصبح غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغدا معه أصحابه إلى البئر، فإذا ماؤها كأنه نَقُوع الحِنَّاء، وإذا نخلها الذي يشرب من مائها قد التوى سَعَفُه كأنه رؤوس الشياطين، قال: فنزل رجلٌ فاستخرج جُفَّ طلعة من تحت الراعوفة، فإذا فيها مُشْطُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن مُراطة رأسه، وإذا تمثالٌ من شمع؛ تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا فيها إبَرٌ مَغْروزة، وإذا وُتِرَ فيه إحدى عشرة عُقدةً، فأتاه جبريل عليه السلام بالمعوِّذَتَينِ، فقال: يا محمد ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1]، وحلَّ عقدةً، ﴿ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ﴾ [الفلق: 2]، وحل عقدةً، حتى فرغ منها، ثم قال: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ [الناس: 1]، وحل عقدةً، حتى فرغ منها، وحل العُقَدَ كلها، وجعل لا ينزع إبرةً إلا وجد لها ألمًا، ثم يجد بعد ذلك راحةً، فقيل: يا رسول الله، لو قتلت اليهودي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد عافاني الله عز وجل، وما وراءه من عذاب الله أشد)).
وقال الألباني في (السلسلة الصحيحة 6/ 617): "وكذا زيادة نزول جبريل بـ(المعوذتين)، وسندها صحيح".
وقال السيوطي في (لباب النزول ص: 220):
"وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أنس بن مالك، قال: ((صنعتِ اليهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، فأصابه من ذلك وجعٌ شديد، فدخل عليه أصحابه فظنوا أنه لما به، فأتاه جبريل بالمعوذتين فعوَّذه بهما، فخرج إلى أصحابه صحيحًا))"؛ ا.هـ.
وقد قال بهذا البغوي والقرطبي وابن الجوزي، وعزاه ابن الملقن للرافعي.
مناسبة السورة لما قبلها:
قبلها في ترتيب السور سورة الإخلاص؛ وهي في بيان التوحيد وأسماء الله وصفاته، ونفي الشريك والمثيل عنه سبحانه؛ فجاءت سورة الفلق بعدها في الترتيب لتكون شرحًا وبيانًا لِما يُستعاذ منه بالله الذي له كمال الصفات، كذا بيان التوحيد في الاستعاذة والاستعانة، وطلب الحماية منه سبحانه؛ فهو وحده القادر على دفع الضر.
ومن جميل ما يُذكَر وهو مناسبة سورة الفلق في الوزن لفواصل سورة الإخلاص وسورة تبَّت.
وعلَّق فخر الدين الرازي في تفسيره (32/ 310) على مناسبة السورة لِما قبلها من السور فقال: "إنه سبحانه ختم كتابه الكريم بتلك الطريق التي هي أشرف الطريقين؛ فبدأ بذكر صفات الله وشرح جلاله؛ وهو سورة: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، ثم أتبعه بذكر مراتب مخلوقاته في سورة: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1]، ثم ختم بذكر مراتب النفس الإنسانية، وعند ذلك ختم الكتاب، وهذه الجملة إنما يتضح تفصيلها عند تفسير هذه السورة على التفصيل، فسبحان من أرشد العقول إلى معرفة هذه الأسرار الشريفة الْمُودَعة في كتابه الكريم".
مناسبة السورة لِما بعدها:
بعدها في الترتيب سورة الناس، وقد نزلتا معًا كما مرَّ في سبب نزول السورتين، وقد اشتركتا في التسمية بالْمُعَوِّذَتِينِ، وفي الافتتاح بـ(قل أعوذ)؛ ولذلك قُرِنتا في الترتيب، وفي وحدة الموضوع، وفي الفضائل، وفي الرُّقية بهما.
وفي سورة الفلق استعاذة من شر النفس، وفي سورة الناس استعاذة من قرينها وصاحبها؛ فأمر الله سبحانه نبيَّه وأتباعه بالاستعاذة بربوبيته التامة الكاملة من هذين الْخَلْقَين العظيم شأنهما في الشر والفساد.
فضائل سورة الفلق وسورة الناس:
(1) روى مسلم في صحيحه من حديث عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألم تَرَ آياتٍ أُنزلت الليلة لم يُرَ مثلُهُنَّ قط: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1]، و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ [الناس: 1])).
(2) روى أبو داود عن عقبة بن عامر، قال: ((بينا أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الجُحْفَة والأبْواء، إذ غَشِيَتْنا ريح وظلمة شديدة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوَّذ بـ"أعوذ برب الفلق، وأعوذ برب الناس"، ويقول: يا عقبةُ، تعوَّذ بهما؛ فما تعوَّذ مُتعوِّذ بمثلهما، قال: وسمعته يؤمُّنا بهما في الصلاة)).
(3) روى الدارمي عن عقبة بن عامر، أنه قال: ((تعلقت بقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: يا رسول الله، أقْرِئْني سورة هود، وسورة يوسف، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عقبة، إنك لن تقرأ من القرآن سورةً أحبَّ إلى الله، ولا أبلغ عنده، من ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1])).
(4) روى الترمذي وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجانِّ، وعين الإنسان، حتى نزلت المعوذتان، فلما نزلتا، أخذ بهما وترك ما سواهما)).
(5) أخرج النسائي وابن حبان عن جابر بن عبدالله، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ يا جابر، قلت: وماذا أقرأ بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟ قال: اقرأ ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1]، و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ [الناس: 1]، فقرأتهما، فقال: اقرأ بهما، ولن تقرأ بمثلهما)).
(6) أخرج البخاري عن عائشة قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد النوم يجمع يديه، فينفُثُ فيهما، ويقرأ بـ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، و ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1]، و ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ [الناس: 1]، ثم يمسح بهما على وجهه ورأسه وسائر جسده، وعند أبي داود: يفعل ذلك ثلاث مرات)).
(7) وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفِثُ على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوِّذات، فلما ثَقُل كنت أنفث عليه بهن، وأمسح بيد نفسه لبركتها)).
(8) وروى الترمذي عن عبدالله بن خبيب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((قل: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، والمعوذتين، حين تمسي وتصبح ثلاث مرات، تكفيك من كل شيء)).
مقاصد سورة الفلق:
(1) التوجيه إلى طلب الاستعاذة من الله من كل شر ومكروه؛ وذلك من الدعاء المطلوب والتوكل المشروع، وفيه الإقرار بأن الله تعالى هو خالق الخير والشر، فيُطلَب منه النفع، ويُستعاذ به لدفع الضر.
(2) طلب التحصُّن بالله من شر الليل إذا أقبل بظلامه وبما فيه من مخاوف.
(3) طلب التحصن بالله من السواحر والحَسَدَة، وأن السحر والحسد يؤذي، بل قد يقتل.
(4) تتمحور السورة حول الاعتصام بالله من سائر الشرور.
بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾ [الفلق: 1 - 5].
مكية، وعدد آياتها خمسٌ، نزلت بعد سورة الفيل.
سبب نزول السورة:
أخرج البيهقي في الدلائل (7/ 92)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (2272)، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلامٌ يهودي يخدُمُه، يُقال له: لبيد بن أعصم، وكان تُعجبه خدمته، فلم تَزَل به يهودٌ حتى سحر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذوب ولا يدري ما وجعُه، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة نائم إذ أتاه مَلَكَان، فجلس أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رأسه للذي عند رجليه: ما وجعه؟ قال الذي عند رأسه: مَطْبُوب، قال الذي عند رجليه: مَن طبَّه؟ قال الذي عند رأسه: لَبيد بن أعصم، قال الذي عند رجليه: بِمَ طبَّه؟ قال الذي عند رأسه: بمُشْطٍ ومُشاطة وجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ بذي ذروان، وهي تحت رَاعُوفة البئر، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا عائشة فقال: يا عائشةُ، أشعرتِ أن الله عز وجل قد أنبأني بوجعي؟ فلما أصبح غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغدا معه أصحابه إلى البئر، فإذا ماؤها كأنه نَقُوع الحِنَّاء، وإذا نخلها الذي يشرب من مائها قد التوى سَعَفُه كأنه رؤوس الشياطين، قال: فنزل رجلٌ فاستخرج جُفَّ طلعة من تحت الراعوفة، فإذا فيها مُشْطُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن مُراطة رأسه، وإذا تمثالٌ من شمع؛ تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا فيها إبَرٌ مَغْروزة، وإذا وُتِرَ فيه إحدى عشرة عُقدةً، فأتاه جبريل عليه السلام بالمعوِّذَتَينِ، فقال: يا محمد ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1]، وحلَّ عقدةً، ﴿ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ﴾ [الفلق: 2]، وحل عقدةً، حتى فرغ منها، ثم قال: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ [الناس: 1]، وحل عقدةً، حتى فرغ منها، وحل العُقَدَ كلها، وجعل لا ينزع إبرةً إلا وجد لها ألمًا، ثم يجد بعد ذلك راحةً، فقيل: يا رسول الله، لو قتلت اليهودي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد عافاني الله عز وجل، وما وراءه من عذاب الله أشد)).
وقال الألباني في (السلسلة الصحيحة 6/ 617): "وكذا زيادة نزول جبريل بـ(المعوذتين)، وسندها صحيح".
وقال السيوطي في (لباب النزول ص: 220):
"وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أنس بن مالك، قال: ((صنعتِ اليهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، فأصابه من ذلك وجعٌ شديد، فدخل عليه أصحابه فظنوا أنه لما به، فأتاه جبريل بالمعوذتين فعوَّذه بهما، فخرج إلى أصحابه صحيحًا))"؛ ا.هـ.
وقد قال بهذا البغوي والقرطبي وابن الجوزي، وعزاه ابن الملقن للرافعي.
مناسبة السورة لما قبلها:
قبلها في ترتيب السور سورة الإخلاص؛ وهي في بيان التوحيد وأسماء الله وصفاته، ونفي الشريك والمثيل عنه سبحانه؛ فجاءت سورة الفلق بعدها في الترتيب لتكون شرحًا وبيانًا لِما يُستعاذ منه بالله الذي له كمال الصفات، كذا بيان التوحيد في الاستعاذة والاستعانة، وطلب الحماية منه سبحانه؛ فهو وحده القادر على دفع الضر.
ومن جميل ما يُذكَر وهو مناسبة سورة الفلق في الوزن لفواصل سورة الإخلاص وسورة تبَّت.
وعلَّق فخر الدين الرازي في تفسيره (32/ 310) على مناسبة السورة لِما قبلها من السور فقال: "إنه سبحانه ختم كتابه الكريم بتلك الطريق التي هي أشرف الطريقين؛ فبدأ بذكر صفات الله وشرح جلاله؛ وهو سورة: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، ثم أتبعه بذكر مراتب مخلوقاته في سورة: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1]، ثم ختم بذكر مراتب النفس الإنسانية، وعند ذلك ختم الكتاب، وهذه الجملة إنما يتضح تفصيلها عند تفسير هذه السورة على التفصيل، فسبحان من أرشد العقول إلى معرفة هذه الأسرار الشريفة الْمُودَعة في كتابه الكريم".
مناسبة السورة لِما بعدها:
بعدها في الترتيب سورة الناس، وقد نزلتا معًا كما مرَّ في سبب نزول السورتين، وقد اشتركتا في التسمية بالْمُعَوِّذَتِينِ، وفي الافتتاح بـ(قل أعوذ)؛ ولذلك قُرِنتا في الترتيب، وفي وحدة الموضوع، وفي الفضائل، وفي الرُّقية بهما.
وفي سورة الفلق استعاذة من شر النفس، وفي سورة الناس استعاذة من قرينها وصاحبها؛ فأمر الله سبحانه نبيَّه وأتباعه بالاستعاذة بربوبيته التامة الكاملة من هذين الْخَلْقَين العظيم شأنهما في الشر والفساد.
فضائل سورة الفلق وسورة الناس:
(1) روى مسلم في صحيحه من حديث عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألم تَرَ آياتٍ أُنزلت الليلة لم يُرَ مثلُهُنَّ قط: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1]، و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ [الناس: 1])).
(2) روى أبو داود عن عقبة بن عامر، قال: ((بينا أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الجُحْفَة والأبْواء، إذ غَشِيَتْنا ريح وظلمة شديدة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوَّذ بـ"أعوذ برب الفلق، وأعوذ برب الناس"، ويقول: يا عقبةُ، تعوَّذ بهما؛ فما تعوَّذ مُتعوِّذ بمثلهما، قال: وسمعته يؤمُّنا بهما في الصلاة)).
(3) روى الدارمي عن عقبة بن عامر، أنه قال: ((تعلقت بقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: يا رسول الله، أقْرِئْني سورة هود، وسورة يوسف، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عقبة، إنك لن تقرأ من القرآن سورةً أحبَّ إلى الله، ولا أبلغ عنده، من ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1])).
(4) روى الترمذي وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجانِّ، وعين الإنسان، حتى نزلت المعوذتان، فلما نزلتا، أخذ بهما وترك ما سواهما)).
(5) أخرج النسائي وابن حبان عن جابر بن عبدالله، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ يا جابر، قلت: وماذا أقرأ بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟ قال: اقرأ ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1]، و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ [الناس: 1]، فقرأتهما، فقال: اقرأ بهما، ولن تقرأ بمثلهما)).
(6) أخرج البخاري عن عائشة قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد النوم يجمع يديه، فينفُثُ فيهما، ويقرأ بـ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، و ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1]، و ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ [الناس: 1]، ثم يمسح بهما على وجهه ورأسه وسائر جسده، وعند أبي داود: يفعل ذلك ثلاث مرات)).
(7) وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفِثُ على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوِّذات، فلما ثَقُل كنت أنفث عليه بهن، وأمسح بيد نفسه لبركتها)).
(8) وروى الترمذي عن عبدالله بن خبيب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((قل: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، والمعوذتين، حين تمسي وتصبح ثلاث مرات، تكفيك من كل شيء)).
مقاصد سورة الفلق:
(1) التوجيه إلى طلب الاستعاذة من الله من كل شر ومكروه؛ وذلك من الدعاء المطلوب والتوكل المشروع، وفيه الإقرار بأن الله تعالى هو خالق الخير والشر، فيُطلَب منه النفع، ويُستعاذ به لدفع الضر.
(2) طلب التحصُّن بالله من شر الليل إذا أقبل بظلامه وبما فيه من مخاوف.
(3) طلب التحصن بالله من السواحر والحَسَدَة، وأن السحر والحسد يؤذي، بل قد يقتل.
(4) تتمحور السورة حول الاعتصام بالله من سائر الشرور.
تعليق