• تم تحويل المنتديات للتصفح فقط

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تفسير سورة الفلق

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تفسير سورة الفلق

    تفسير سورة الفلق


    بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾ [الفلق: 1 - 5].

    مكية، وعدد آياتها خمسٌ، نزلت بعد سورة الفيل.

    سبب نزول السورة:
    أخرج البيهقي في الدلائل (7/ 92)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (2272)، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلامٌ يهودي يخدُمُه، يُقال له: لبيد بن أعصم، وكان تُعجبه خدمته، فلم تَزَل به يهودٌ حتى سحر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذوب ولا يدري ما وجعُه، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة نائم إذ أتاه مَلَكَان، فجلس أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رأسه للذي عند رجليه: ما وجعه؟ قال الذي عند رأسه: مَطْبُوب، قال الذي عند رجليه: مَن طبَّه؟ قال الذي عند رأسه: لَبيد بن أعصم، قال الذي عند رجليه: بِمَ طبَّه؟ قال الذي عند رأسه: بمُشْطٍ ومُشاطة وجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ بذي ذروان، وهي تحت رَاعُوفة البئر، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا عائشة فقال: يا عائشةُ، أشعرتِ أن الله عز وجل قد أنبأني بوجعي؟ فلما أصبح غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغدا معه أصحابه إلى البئر، فإذا ماؤها كأنه نَقُوع الحِنَّاء، وإذا نخلها الذي يشرب من مائها قد التوى سَعَفُه كأنه رؤوس الشياطين، قال: فنزل رجلٌ فاستخرج جُفَّ طلعة من تحت الراعوفة، فإذا فيها مُشْطُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن مُراطة رأسه، وإذا تمثالٌ من شمع؛ تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا فيها إبَرٌ مَغْروزة، وإذا وُتِرَ فيه إحدى عشرة عُقدةً، فأتاه جبريل عليه السلام بالمعوِّذَتَينِ، فقال: يا محمد ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1]، وحلَّ عقدةً، ﴿ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ﴾ [الفلق: 2]، وحل عقدةً، حتى فرغ منها، ثم قال: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ [الناس: 1]، وحل عقدةً، حتى فرغ منها، وحل العُقَدَ كلها، وجعل لا ينزع إبرةً إلا وجد لها ألمًا، ثم يجد بعد ذلك راحةً، فقيل: يا رسول الله، لو قتلت اليهودي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد عافاني الله عز وجل، وما وراءه من عذاب الله أشد)).

    وقال الألباني في (السلسلة الصحيحة 6/ 617): "وكذا زيادة نزول جبريل بـ(المعوذتين)، وسندها صحيح".

    وقال السيوطي في (لباب النزول ص: 220):
    "وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أنس بن مالك، قال: ((صنعتِ اليهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، فأصابه من ذلك وجعٌ شديد، فدخل عليه أصحابه فظنوا أنه لما به، فأتاه جبريل بالمعوذتين فعوَّذه بهما، فخرج إلى أصحابه صحيحًا))"؛ ا.هـ.

    وقد قال بهذا البغوي والقرطبي وابن الجوزي، وعزاه ابن الملقن للرافعي.

    مناسبة السورة لما قبلها:
    قبلها في ترتيب السور سورة الإخلاص؛ وهي في بيان التوحيد وأسماء الله وصفاته، ونفي الشريك والمثيل عنه سبحانه؛ فجاءت سورة الفلق بعدها في الترتيب لتكون شرحًا وبيانًا لِما يُستعاذ منه بالله الذي له كمال الصفات، كذا بيان التوحيد في الاستعاذة والاستعانة، وطلب الحماية منه سبحانه؛ فهو وحده القادر على دفع الضر.

    ومن جميل ما يُذكَر وهو مناسبة سورة الفلق في الوزن لفواصل سورة الإخلاص وسورة تبَّت.

    وعلَّق فخر الدين الرازي في تفسيره (32/ 310) على مناسبة السورة لِما قبلها من السور فقال: "إنه سبحانه ختم كتابه الكريم بتلك الطريق التي هي أشرف الطريقين؛ فبدأ بذكر صفات الله وشرح جلاله؛ وهو سورة: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، ثم أتبعه بذكر مراتب مخلوقاته في سورة: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1]، ثم ختم بذكر مراتب النفس الإنسانية، وعند ذلك ختم الكتاب، وهذه الجملة إنما يتضح تفصيلها عند تفسير هذه السورة على التفصيل، فسبحان من أرشد العقول إلى معرفة هذه الأسرار الشريفة الْمُودَعة في كتابه الكريم".

    مناسبة السورة لِما بعدها:
    بعدها في الترتيب سورة الناس، وقد نزلتا معًا كما مرَّ في سبب نزول السورتين، وقد اشتركتا في التسمية بالْمُعَوِّذَتِينِ، وفي الافتتاح بـ(قل أعوذ)؛ ولذلك قُرِنتا في الترتيب، وفي وحدة الموضوع، وفي الفضائل، وفي الرُّقية بهما.

    وفي سورة الفلق استعاذة من شر النفس، وفي سورة الناس استعاذة من قرينها وصاحبها؛ فأمر الله سبحانه نبيَّه وأتباعه بالاستعاذة بربوبيته التامة الكاملة من هذين الْخَلْقَين العظيم شأنهما في الشر والفساد.

    فضائل سورة الفلق وسورة الناس:
    (1) روى مسلم في صحيحه من حديث عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألم تَرَ آياتٍ أُنزلت الليلة لم يُرَ مثلُهُنَّ قط: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1]، و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ [الناس: 1])).

    (2) روى أبو داود عن عقبة بن عامر، قال: ((بينا أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الجُحْفَة والأبْواء، إذ غَشِيَتْنا ريح وظلمة شديدة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوَّذ بـ"أعوذ برب الفلق، وأعوذ برب الناس"، ويقول: يا عقبةُ، تعوَّذ بهما؛ فما تعوَّذ مُتعوِّذ بمثلهما، قال: وسمعته يؤمُّنا بهما في الصلاة)).

    (3) روى الدارمي عن عقبة بن عامر، أنه قال: ((تعلقت بقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: يا رسول الله، أقْرِئْني سورة هود، وسورة يوسف، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عقبة، إنك لن تقرأ من القرآن سورةً أحبَّ إلى الله، ولا أبلغ عنده، من ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1])).

    (4) روى الترمذي وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجانِّ، وعين الإنسان، حتى نزلت المعوذتان، فلما نزلتا، أخذ بهما وترك ما سواهما)).

    (5) أخرج النسائي وابن حبان عن جابر بن عبدالله، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ يا جابر، قلت: وماذا أقرأ بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟ قال: اقرأ ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1]، و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ [الناس: 1]، فقرأتهما، فقال: اقرأ بهما، ولن تقرأ بمثلهما)).

    (6) أخرج البخاري عن عائشة قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد النوم يجمع يديه، فينفُثُ فيهما، ويقرأ بـ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، و ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1]، و ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ [الناس: 1]، ثم يمسح بهما على وجهه ورأسه وسائر جسده، وعند أبي داود: يفعل ذلك ثلاث مرات)).

    (7) وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفِثُ على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوِّذات، فلما ثَقُل كنت أنفث عليه بهن، وأمسح بيد نفسه لبركتها)).

    (8) وروى الترمذي عن عبدالله بن خبيب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((قل: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، والمعوذتين، حين تمسي وتصبح ثلاث مرات، تكفيك من كل شيء)).

    مقاصد سورة الفلق:
    (1) التوجيه إلى طلب الاستعاذة من الله من كل شر ومكروه؛ وذلك من الدعاء المطلوب والتوكل المشروع، وفيه الإقرار بأن الله تعالى هو خالق الخير والشر، فيُطلَب منه النفع، ويُستعاذ به لدفع الضر.

    (2) طلب التحصُّن بالله من شر الليل إذا أقبل بظلامه وبما فيه من مخاوف.

    (3) طلب التحصن بالله من السواحر والحَسَدَة، وأن السحر والحسد يؤذي، بل قد يقتل.

    (4) تتمحور السورة حول الاعتصام بالله من سائر الشرور.

  • #2

    تفسير قوله تعالى: ï´؟ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ï´¾ [الفلق: 1]:
    ï´؟ قُلْ ï´¾: أي: قل يا محمد، والخطاب للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه.

    ï´؟ أَعُوذُ ï´¾: أحتمي وأتَّقي، وألتجئ وأتحصَّن؛ وحقيقة التعوذ: الهروب من شيء تخافه إلى من يعصمك منه؛ ولذا دلَّ الله تعالى إلى التعوذ به سبحانه (رب الفلق).

    وفي الحديث: ((أن ابنة الجَون لما أُدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها، قالت: أعوذ بالله منك، فقال لها: لقد عُذْتِ بمَعاذ، الحقي بأهلكِ))[1].

    وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في امتثال هذا الأمر: ((أعوذ بالله من الشيطان الرجيم))؛ [متفق عليه]، و((أعوذ بكلمات الله التامات))؛ [رواه مسلم]، و((أعوذ بعزة الله وقدرته))؛ [رواه مسلم]، وقوله: ((أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك))؛ [رواه مسلم].

    وقد أخبر تعالى في كتابه عمن استعاذ بخلقه أن استعاذته زادته طغيانًا ورَهَقًا؛ فقال تعالى: ï´؟ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ï´¾ [الجن: 6]؛ جاء في التفسير: أنه "كان الرجل من العرب في الجاهلية إذا سافر فأمسى في أرض قَفْرٍ، قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه، فيبيت في أمن وجوار منهم، حتى يصبح"؛ أي: فزاد الإنس الجنَّ باستعاذتهم بسادتهم رهقًا؛ أي: طغيانًا وإثمًا وشرًّا، يقولون: سُدْنا الإنس والجن، والرَّهَق في كلام العرب: الإثم وغشيان المحارم، فزادوهم بهذه الاستعاذة غشيانًا لِما كان محظورًا من الكِبر والتعاظم، فظنوا أنهم سادوا الإنس والجن[2].

    والفَلَق: بمعنى الشَّق؛ يقال مررت بجرة فيها فُلُوق؛ أي شقوق، وانفلق المكان به: انشق، وفلقت النخلة، وهي فالق: انشقت عن الطَّلْع، وقال الأصمعي: الفَلَق: المطمئن من الأرض بين المرتفعين، وقال الزجاج: الفَلَق: بيان الصبح.

    وفلق الله الفجر: أبداه وأوضحه، وعليه فالفلق هو الصبح؛ بدليل قوله: ï´؟ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ ï´¾ [الأنعام: 96]، والله تعالى ذكره أقسم بالصبح عند إسفاره: ï´؟ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ ï´¾ [المدثر: 33، 34]، وأسفر أي: أضاء.

    وورد أن نافع بن الأزرق قال لابن عباس: أخبرني عن قوله تعالى: ï´؟ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ï´¾ [الفلق: 1]، فقال: أعوذ برب الصبح إذا انفلق عن ظلمة الليل[3].

    وفي الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: ((أول ما بُدِئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحةُ في النوم؛ فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فَلَقِ الصبح)).

    قال ابن عاشور في تفسيره (التحرير والتنوير 30/ 626): "والفلق: الصبح، وهو فَعَل بمعنى مفعول، مثل الصمد؛ لأن الليل شُبِّه بشيء مغلق ينفلق عن الصبح، وحقيقة الفلق: الانشقاق عن باطن شيء، واستُعِير لظهور الصبح بعد ظلمة الليل، وهذا مثل استعارة الإخراج لظهور النور بعد الظلام؛ في قوله تعالى: ï´؟ وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ï´¾ [النازعات: 29]، واستعارة السلخ له في قوله تعالى: ï´؟ وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ ï´¾ [يس: 37]"؛ [انتهى].

    وقيل: الفلق جُبٌّ في جهنم مغطًّى؛ وقد روى ابن جرير في ذلك فأخرج بسنده عن أبي هريرة، مرفوعًا: "الفلق: جب في جهنم مغطًّى، وأما سجِّين فمفتوح"، وقال ابن كثير: هو حديث غريب منكر لا يصح.

    وقيل: الفلق: الخَلْق.
    وقيل: هو الرَّحِم تنفلق بالحيوان.

    وقيل: هو كل ما انفلق عن جميع ما خلق الله من الحيوان والأرض والصبح، والحَبِّ والنوى والنبات، والجبال عن العيون، والسحاب عن المطر، والأرحام عن الأولاد وغير ذلك.

    قال القرطبي في تفسيره (20/ 255): "هذا القول يشهد له الاشتقاق، فإن الفلق الشَّق، فلقتُ الشيءَ فَلْقًا أي: شققتُه، والتفليق مثله، يُقال: فلقتُه فانفلق وتفلَّق، فكل ما انفلق عن شيء من حيوان وصبح وحبٍّ ونوًى وماء، فهو فلق؛ قال الله تعالى: ï´؟ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ ï´¾ [الأنعام: 96]، قال: ï´؟ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى ï´¾ [الأنعام: 95]"؛ [انتهى].

    تفسير قوله تعالى: ï´؟ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ï´¾ [الفلق: 2]:
    وهذا يعم ويشمل كل شرور الدنيا والآخرة؛ أي: من شر جميع المخلوقات التي لا يدفع شرها إلا مالك أمرها.

    وقيل: ï´؟ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ï´¾ [الفلق: 2]: أي: إبليس وذريته، وقيل: جهنم.

    وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا أوى إلى فراشه: ((اللهم ربَّ السماوات ورب الأرض، ورب العرش العظيم، ربَّنا ورب كل شيء، فالق الحبِّ والنوى، ومنزلَ التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذٌ بناصيته...)).

    وقوله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم إني أعوذ بك من الهم والحَزَن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضَلَع الدَّين وغَلَبة الرجال))؛ [أخرجه البخاري].

    ومن ذلك تعوُّذُه صلى الله عليه وسلم ((من المأثم والْمَغْرَم))؛ [متفق عليه].

    وقوله صلى الله عليه وسلم في خطبه الحاجة: ((ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا))؛ [أخرجه أبو داود وغيره].

    تفسير قوله تعالى: ï´؟ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ï´¾ [الفلق: 3]:
    وهذا من ذكر الخاص بعد العام؛ لتعظيمه والتنبيه عليه، والغاسق: الليل؛ وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه: ï´؟ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ï´¾ [الفلق: 3] قال: "الليل إذا دخل".

    ورجَّح الشوكاني أن الأقرب في التأويل بأن الغاسق الليل؛ فقال: "ووجه تخصيصه أن الشر فيه أكثر، والتحرز من الشرور فيه أصعب، ومنه قولهم: الليل أخفى للويل".

    ومما يقوِّي هذا القول ما ورد عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والسَّمَرَ بعد هدوء الليل؛ فإن أحدكم لا يدري ما يبث لله من خَلْقِه، غلَّقوا الأبواب، وأوكئوا السِّقاء، وأكْفِئوا الإناء، وأطفئوا المصابيح))[4].

    وعن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كفُّوا صبيانكم حتى تذهب فَحْمَةُ - أو فَورة - العشاء ساعةَ تهب الشياطين)).

    تعليق


    • #3

      وقيل: الغاسق الظلام؛ ومنه قوله سبحانه: ï´؟ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ï´¾ [الإسراء: 78]، وأصل الغسق الظلمة؛ ورد عن مجاهد في قوله: ï´؟ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ï´¾ [الإسراء: 78]، قال: "يعني غروب الشمس؛ صلاة المغرب".

      وقيل: الغاسق بمعنى البارد؛ قال الزجاج: هو الليل؛ لأنه أبرد من النهار، والغاسق: البارد؛ ومنه قوله تعالى: ï´؟ إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا ï´¾ [النبأ: 25]، وعن ابن عباس: ï´؟ إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا ï´¾ [النبأ: 25]، قال: الحميم الحار الذي يحرق، الغسَّاق الزمهرير البارد.

      وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ï´؟ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا ï´¾ [النبأ: 24، 25]، قال: ((قد انتهى حره))، ï´؟ وَغَسَّاقًا ï´¾ [النبأ: 25] قال: ((لقد انتهى برده، وإن الرجل إذا أدْنَى الإناء من فِيهِ، سقط فروة وجهه حتى يبقى عظامًا تَقَعْقَعُ))[5].

      وقيل: الغاسق القمر؛ فقد أخرج الترمذي - وقال حسن صحيح - عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر، فقال: ((يا عائشة، استعيذي بالله من شر هذا، فإن هذا هو الغاسق إذا وقب)).

      وهذا لا ينافي قول الجمهور بأن الغاسق الليل؛ لأن القمر آية الليل، ولا يوجد له سلطان إلا فيه.

      وقيل: الغاسق كل هاجم يضر كائنًا من كان.

      ومعنى ï´؟ إِذَا وَقَبَ ï´¾: إذا حلَّ ودخل؛ وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس: ï´؟ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ï´¾ [الفلق: 3] قال: "الليل إذا أقبل".

      تفسير قوله تعالى: ï´؟ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ï´¾ [الفلق: 4]:
      النفَّاثات أي: السواحر من الإنس والشياطين، والنفث: نفخ من الفم ولا ريقَ معه، فإذا كان بريقٍ، فهو التَّفْلُ.

      والعُقَد هي عقد الخيط للسحر؛ وذلك حتى يصعب الشفاء منه بصعوبة حل العقدة أو العقد.

      قال الشاعر:
      نفثت في الخيط شبيه الرقى
      من خشية الجِنَّةِ والحاسدِ




      وأخرج البيهقي في (دلائل النبوة 7/ 91) عن عائشة قالت: ((كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلامٌ يهودي يخدُمُه، يُقال له: لبيد بن أعصم، وكان تُعجبه خدمته، فلم تَزَل به يهودٌ حتى سحر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذوب ولا يدري ما وجعُه، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة نائم إذ أتاه مَلَكَان، فجلس أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رأسه للذي عند رجليه: ما وجعه؟ قال الذي عند رأسه: مَطْبُوب، قال الذي عند رجليه: مَن طبَّه؟ قال الذي عند رأسه: لَبيد بن أعصم، قال الذي عند رجليه: بِمَ طبَّه؟ قال الذي عند رأسه: بمُشْطٍ ومُشاطة وجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ بذي ذروان، وهي تحت رَاعُوفة البئر، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا عائشة فقال: يا عائشةُ، أشعرتِ أن الله عز وجل قد أنبأني بوجعي؟ فلما أصبح غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغدا معه أصحابه إلى البئر، فإذا ماؤها كأنه نَقُوع الحِنَّاء، وإذا نخلها الذي يشرب من مائها قد التوى سَعَفُه كأنه رؤوس الشياطين، قال: فنزل رجلٌ فاستخرج جُفَّ طلعة من تحت الراعوفة، فإذا فيها مُشْطُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن مُراطة رأسه، وإذا تمثالٌ من شمع؛ تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا فيها إبَرٌ مَغْروزة، وإذا وُتِرَ فيه إحدى عشرة عُقدةً، فأتاه جبريل عليه السلام بالمعوِّذَتَينِ، فقال: يا محمد ï´؟ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ï´¾ [الفلق: 1]، وحلَّ عقدةً، ï´؟ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ï´¾ [الفلق: 2]، وحل عقدةً، حتى فرغ منها، ثم قال: ï´؟ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ï´¾ [الناس: 1]، وحل عقدةً، حتى فرغ منها، وحل العُقَدَ كلها، وجعل لا ينزع إبرةً إلا وجد لها ألمًا، ثم يجد بعد ذلك راحةً، فقيل: يا رسول الله، لو قتلت اليهودي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد عافاني الله عز وجل، وما وراءه من عذاب الله أشد))؛ [وقد أخرجه البخاري ومسلم مختصرًا].

      وقد يكون النفاثات من الجن أو الشياطين؛ فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاثَ عُقدٍ، يضرب كل عقدة: عليك ليل طويل، فارقد، فإن استيقظ فذكر الله، انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيثَ النفس كسلانَ)).

      وأخرج النسائي عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من عقد عقدةً ثم نفث فيها فقد سَحَرَ، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق شيئًا وُكِلَ إليه)).

      وأخرج ابن سعد، وابن ماجه، والحاكم، عن أبي هريرة قال: ((جاء النبي صلى الله عليه وسلم يَعُودني فقال: ألَا أرقيك برُقية رقاني بها جبريل؟ فقلت: بلى بأبي أنت وأمي، قال: بسم الله أَرْقِيك، والله يشفيك، من كل داء فيك، من شر النفاثات في العقد، ومن شر حاسد إذا حسد، فرقى بها ثلاث مرات)).

      تفسير قوله تعالى: ï´؟ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ï´¾ [الفلق: 5]:
      أي: قل أعوذ برب الفلق، من شر حاسد إذا حسد، وعلَّق الاستعاذة بحسده وشره لا بشخصه، والحسد الفعل، والحاسد الفاعل، والحسد منه المحمود؛ وهو الغِبطة؛ وهي: أن يشتهي لنفسه مثل النعمة التي لغيره، ولا يحب زوالها عنه.

      وهو محمل الحديث الصحيح: ((لا حسد إلا في اثنتين...))؛ [الحديث].

      قال ابن عطية في تفسيره (المحرر الوجيز 5/ 539): "والحسد في الاثنتين اللتين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حسدٌ مستحسن غير ضار، وإنما هو باعث على خير".

      ومنه المذموم؛ وهذا حرام بإجماع الأمة؛ قال الجرجاني في تعريفه للحسد المذموم: "الحسد تمنِّي زوال نعمة المحسود إلى الحاسد"[6].

      تعليق


      • #4

        وقال الباجي: "أن تنافس أخاك في الشيء حتى تحسُده عليه، فيجر ذلك إلى الطعن والعداوة، فذلك الحسد"[7].

        قال تعالى: ï´؟ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ï´¾ [البقرة: 109]، وقال سبحانه: ï´؟ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ï´¾ [النساء: 54].

        وروى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا)).

        ومن حسد الحاسد العَين التي تصيب الْمَعْيون فتؤذيه وقد تقتله؛ أخرج أحمد، وابن ماجه عن عبادة بن الصامت، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أن جبريل أتاه وهو يُوعَك، فقال: باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من حسد حاسد وكل عين، اسم الله يشفيك)).

        وقال مقاتل بن سليمان رحمه الله: أن ï´؟ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ï´¾ [الفلق: 5]: "هم اليهود؛ حسدوا النبي صلى الله عليه وسلم"[8].

        وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: ï´؟ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ï´¾ [الفلق: 5]، قال: "نفس ابن آدم، وعينه"[9].

        هذا ما تيسر، والله وحده من وراء القصد.

        [1] أخرجه البخاري وأحمد.

        [2] بدائع الفوائد، لابن القيم (2/ 203).

        [3] الدر المنثور، للسيوطي (8/ 688).

        [4] أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1230)، وله ألفاظ أخرى في الصحيحين.

        [5] الدر المنثور للسيوطي (8/ 396).

        [6] التعريفات (ص: 87).

        [7] المنتقى شرح الموطأ (7/ 216).

        [8] تفسير مقاتل بن سليمان (4/ 935).

        [9] الدر المنثور للسيوطي (8/ 691).







        الألوكة

        تعليق


        • #5
          بارك الله فيك

          تعليق


          • #6
            ما شاء الله
            نقل وافي ومفيد نفع الله بك

            تعليق


            • #7
              بارك الله فيك

              تعليق


              • #8
                بارك الله فيك




                تعليق

                يعمل...
                X