• تم تحويل المنتديات للتصفح فقط

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الجزء الثالث من (قراءة في آخر الرعاة)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الجزء الثالث من (قراءة في آخر الرعاة)

    [align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
    7. [align=center] قبل الهديل شرعت أجنحة الرحيل
    ومضيت ما أخبرتنا عن سر تلك الابتسامة
    وكيف صادقت الجبال وكيف لامست الجمال
    وكيف يوصلنا يقين ما إلى ما أوصلك [/align]
    هنا الخيال السابح بالشاعر في فضاء الإبداع وسماء الإمتاع :-
    (قبل الهديل).......وقبل زقزقة العصافير وقبل صياح الديك .
    قبل طلوع الفجر الصادق وقبل شروق الشمس وقبل ارتفاعها قيد رمح .
    وجميل جدا اختيار هديل الحمام دون غيره للتعبير عن وقت التبكير و البركة (بورك لأمتي في بكورها).
    وكأني بالشاعر يريد أن يقول (قبل الهديل) قبل أن تهتف بك حمامة البيت ,قبل أن تسمع صوت الأنثى وقبل أن تنزع يد النهار جلباب الليل , قبل أن تشم رائحة الأنثى .
    (شرعت أجنحة الرحيل) والشروع يعني البدء والدخول والمضي قدما بل والتوغل في الأعماق , فهو عازم وحازم على الرحيل ولا تؤمي الكلمة بأي شكل من الأشكال إلى التراجع , وإنما الرحيل ولا غيره .
    ثم تأتي الأجنحة للدلالة على الارتفاع وعلى الإسراع فهو يرتفع عن هذا الواقع ويعلو في السماء بهذه الأجنحة ثم هي ولا شك تسرع به أكثر من أي وسيلة أخرى برية أو بحرية .
    ثم إن (الرحيل) كلمة دالة على المفارقة الأبدية و الانفصال التام فكانت (الرجل المناسب في المكان المناسب).
    [align=center]ومضيت ما أخبرتنا عن سر تلك الابتسامة[/align]
    وتركتنا نسهر الليل جراها
    فقائل يقول هو يزدرينا ويزدري ما نحن فيه فهو يبتسم .
    وقائل يقول هو يشفق علينا فيحاول أن يواسينا فهو يبتسم .
    وقائل يقول هو يعيش استقرارا نفسيا وتوازنا عاطفيا فهو يبتسم .
    وقائل يقول هو يرى البلاء وشر البلية ما يضحك فهو يبتسم .
    ومتفائل يقول :-
    [align=center]قال الحياة كئيبة فتجهــــــما*** قلت ابتسم ودع التجهم للسما [/align]
    ومتشائم يقول :-
    [align=center]إذا رأيت نيوب الليث بارزة ***فلا تظـنن أن الليث يبتـــــسم[/align]
    كيف صادقت الجبال وكيف لامست الجمال
    كيف .....كيف
    صادقت .........لامست
    الجبال...........الجمال
    تقابل بديع بلا تكلف وبلا تقعر.
    (كيف صادقت الجبال) والصداقة الملازمة و الوفاء والتأثر والأخذ من الصفات والطبائع
    وكل قرين بالمقارن يقتدي
    فأنت أخذت تقلد الجبال وتتأثر بها تأثير الصديق بصديقه .
    عيانا بيانا أنت تأخذ منها الشموخ والرسوخ فتزداد إباء وإصرارا مع الأيام .
    (وكيف لامست الجمال) فالجمال شيء مرتفع لا تكاد تصل إليه الأيدي فأنت استطعت بطولك الروحي الفارع أن تمد يدك فتلامس الجمال في عليائه و كبريائه .
    والملامسة تعني الرفق والذوق مع الشبع والارتواء فأنت لم تكتف بالإشارة إليه ولم تطمع في القبض عليه , وإنما لامسته وصافحته وهذا والله هو السمو والرفعة .
    والجمال هو أحد ثلاث مبادئ رئيسية تبحث فيها الحياة (الحق والخير والجمال).
    فالحق تبحث عنه القوانين والنظريات العلمية .
    والخير تبحث عنه المبادئ والأديان والمذاهب الفكرية و الأيديولوجية .
    والجمال تبحث عنه الفنون والآداب .
    [align=center] وكيف يوصلنا يقين ما إلى ما أوصلك [/align]
    سؤال صعب وجواب سهل وصعوبة السؤال في أن السائل يصعب عليه الأخذ بالجواب
    لأنه لا يمتلك مقومات شخصية (معيض) التي يسألها فهو كا لطفل الذي يسأل أباه كيف يقود السيارة وسهولة الجواب في أن المجيب سهل عليه قول الإجابة وهي (افعلوا ما افعل _ تصلوا إلى ما وصلت) .
    8. [align=center] حتى عرفنا سر جودك في وجودك
    حين فاجأ نا بك الموت الذي ما أمهلك[/align]

    بكل بساطة كان سر جودك علينا في وجودك بيننا وحين فقدناك فقدنا الجود والكرم ......
    لكنني قد أقرأها بعمق آخر حين اذهب إلى سر الجود في الوجود واعتبار أن وجودك في حد ذاته هو الكرم وهو الجود فأنت تكرمنا وتجود علينا بوجودك بيننا .
    (سر جودك في وجودك) لا أدري أهي حكمة مقتطفة من التراث فأنا لا أعرف هذا , أما أنها جاءت على لسان شاعرنا في عصر ندرت فيه الحكم وقل فيه المثل الشارد , إذا كان هذا فإني أسجل لشاعرنا قصب السبق وبراءة الاختراع لهذه الحكمة الجديدة .
    [align=center]حين فاجأ نا بك الموت الذي ما أمهلك [/align]
    فعرفنا سر جودك , والصحة تاج على رؤوس الأصحاء لايراه إلا المرضى , وأنت لاتعرف قيمة الشيء إلا إذا فقدته .
    [align=center]ستذكرني إذا عاشرت غيري ***وتبكي عشرتي زمنا طويلا [/align]
    والموت وحده الذي يصل إلى الأعماق محملا بحسنات الميت ومذكرا بجوانبه المضيئة .
    الموت وحده الذي يملأك عاطفة ويستدر دموعك على فراق من لم تكن تحبه ولم يكن له وجود في تفاصيل حياتك مسبقا .
    الموت هادم اللذات ومفرق الجماعات .
    [align=center] وكم فجع الموت من والد***وكم اسكت الدهر من والدة[/align] يحدثك الموت بأفصح لسان ويريك الصورة بمنتهى الوضوح ويقدم لك الحقيقة بلا زيف ولا تمويه (فإذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون) .
    9. [align=center] واليوم ماتت بعدك الأشياء , واندثرت هنا الأسماء
    فاشتبهت علينا الأرض , أو فقدنا هويتنا بفقدك [/align]
    قبل أن يتبين لي الخيط الأبيض من الخيط الأسود من فجر هذا المقطع يخيل لي في جنح الظلام عن آدم عليه السلام :- (وعلم آدم الأسماء كلها ) ثم ما نسب إليه حين قتل هابيل قابيل
    [align=center]تغيرت البلاد ومن عليها*** فوجه الأرض مغبر قبيح [/align]
    الشاعر هنا في حالة من اليأس والإحباط فقد ماتت في نظره بعد (معيض) الأشياء والتعبير بالأشياء هنا اعم واشمل من الأحياء فكأن الموت عنده يتجاوز مسألة الحياة مع الذات إلى الحياة مع باقي الذوات فهو مثل ما يرى موت الصديق من الناس فهو يشعر بموت الزهرة حين تقطف من الحديقة بل أبعد من ذلك هو يشعر بموت المنظر الجميل حين يعلوه الغبار فيغير معالمه .
    بل إن الموت في نظرته الشعرية هذه يأتي على الحلم والأمل والتفاؤل فيحكم عليها بالفناء والانتهاء .
    واندثار الأسماء توكيد معنوي للرؤية السابقة فنحن نسمي فلان أحمد و فلان محمد وعند موتهما نقول احملوا الجثمان وغسلوا الجنازة وكفنوا الميت وصلوا على المرحوم وادفنوا المغفور له .
    فلا بقاء للأسماء والألقاب والمناصب وإنما البقاء عند الله وحده للعمل .
    حين تموت الأشياء وتندثر الأسماء تشتبه الأرض وتفقد هويتها وهذه حالة مرضية متقدمة يعاني منها الشاعر وكأنه أصيب بها فجأة كمن أصيب بمرض (السارق) في نجد في أوائل المئة عام المنصرمة فسرق ابصارهم فشاعرنا هنا يفقد اللون ويفقد الطعم والرائحة ولا يبقى لديه تمييز في الرؤية بين الأشياء ..........
    هذه هي الحقيقة فالحدث كله كان داخل الشاعر وليس في الكون وهو الأعرف بأن الخارطة الذهنية لا تعبر بالضرورة عن الواقع .
    فالواقع لاشك لم يتغير بموت إبراهيم ابن محمد عليه الصلاة و السلام ولم تكسف الشمس لموته ,فضلا عن غيره ,ولكن الشاعر يرتدي نظارات مختلفة عما يرتديه الناس فيرى مالا يرون
    [align=center] وفي شرعة المرآة من كان شاعرا ***فليس كرواد المرايا من البشر
    إذا كان في شر فوجه معبر*** وإن كان في خير فوجه من القمر
    حين كانت ذات يوم منزلك [/align]بعد بعيد وأمد مديد حين اعتبر الأرض كل الأرض بما فيها من الأشياء وما أطلق على هذه الأشياء من الأسماء هي منزل (معيض) .............
    وفي هذا تأكيد لما ذهبت إليه في حالتين سابقتين من تسلل الفكر الاشتراكي إلى عقل ذلك الرجل , ولعل شاعرنا انغمس في تلك الشخصية حتى تأثر بها شعر أم لم يشعر .

  • #2
    أهلا وسهلا

    تعليق

    يعمل...
    X