[align=right]سمعته يلوم المقاومة ويتهكم بها بأنهم لو كانوا عقلاء وسمعوا نصيحتنا والتزموا الصمت لما وقع عليهم القتل والذبح .. فظننت أن مثل هذه المواقف إنما هي من الانتكاسات المعاصرة التي لاسابق لها .. حتى قرأت قوله تعالى:
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا)
ورأيت عدداً من المتثيقفين يردد شعارات الوطنية ويقول أن غزة شأن فلسطيني لسنا مسؤولين عنه، بل يجب أن نركز ثروتنا وطاقتنا في الشأن السعودي فقط، نحن سعوديون أولاً، فتوهمت أن هذا التذرع بالوطنية للتنصل من المسؤولية الدينية في دعم المقاومة إنما هي انحراف معاصر.. حتى قرأت قوله تعالى:
(وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا)
ورأيت كاتباً آخر يلوّح بأن اختيار المقاومة فصل الشتاء القارس للتصعيد السياسي جريمة تجعل المسؤولية مسؤوليتها في ضخامة الأضرار .. فظننت أن هذا التعلل بالفصول الأربعة في التهرب عن نصرة المقاومة إنما هو تقليعة جديدة .. حتى قرأت قوله تعالى:
(وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)
ورأيت كاتباً آخر ينهر المحتاجين في غزة، ويعلن في عنوان مقاله بكل فجاجة فيقول (وإذا تبرعنا فهل ستشكرون؟!) فتوهمت أن هذه المنة والأذية وتطلّب الامتنان والتقدير إنما هي مستوى قياسي جديد في التبذل الأخلاقي .. حتى قرأت قوله تعالى:
(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ)
وسمعت أحد نظرائه يعتذر ويبرر ويقول: نحن ليس لدينا مشكلة في التبرع للإسلام، ولكن ليس لهؤلاء الفلسطينيين والإخوانيين والحمساويين القذرين، ففرق كبير بين الاسلام وأتباعه، فالاسلام مقدس أما أتباعه فهم للأسف بشرٌ منحطون، فظننت أن هذا تفصيلاً جديداً في التبرع.. حتى قرأت قوله تعالى:
(هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا)
ولطالما سمعت الليبراليين في وطني يتعللون في رفض الأحكام الشرعية والإصرار على تبديلها بحجة المخاطر الأمنية، فيقولون لك هذه الأحكام الشرعية ستسبب لنا إحراجات أمنية كبيرة مع العالم فيجب تبديلها ومحوها وتغييرها، ويشنعون على كل من همس بمثل هذه الأحكام بشماعة المخاطر الأمنية، فكنت أتوهم أن التذرع بالمخاطر الأمنية لرفض الشريعة إنما هي موضة سبتمبرية .. حتى قرأت قوله تعالى:
(وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا)
ورأيت كثيراً من الكتّاب الخائضين في تبديل الأحكام الشرعية إذا أنكر عليه العاملون للإسلام، ونهوه عن تبديل الأحكام الشرعية، وساقوا له نصوص الوحي في وجوب التمسك بها، يترك مناقشة الأدلة الشرعية ويلوذ باتهام المنكرين عليه بأنهم طلاب سلطة وطموحات سياسية، وأن دفاعهم ضد تبديل الشريعة ليس دفاعاً عقائدياً بل مجرد غطاء للمضمر المصلحي.. فظننت أن اتهام الرافضين للتبديل بأنهم مصلحيون إنما هي تهمة جديدة .. حتى قرأت قوله تعالى:
يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا) ولطالما لاحظت في النصوص الشرعية بعض المواضع الملتبسة على القارئ، إما لإشكالية ثبوت أو إشكالية دلالة، فكنت أدعها وأتمسك بالنصوص الواضحة الظاهرة، حتى رأيت ثلة جديدة من الكتّاب تتطلب هذه المواضع الملتبسة وتنقب عنها وتجمعها، وتستغلها في توهين التمسك بالأحكام الواضحة الظاهرة، فكنت أتعجب من جهودهم في تتبع المتشابه واستغلاله لتصديع المحكم والتمتع بفتنة الناس في دينهم، وكنت أظن أن هذه ظاهرة جديدة .. حتى قرأت قوله تعالى:
(فأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ )
وكنت أرى مجموعة من الكتاب يتطلبون الاختلاف والمفارقة عن عامة المتدينين، بل تشعر أحياناً أن معيارهم في إصابة الحق هو "مخالفة المطاوعة"، فيصعب عليهم اتباع الحكم الشرعي الذي يجمعهم بعامة المتدينين، لما امتلأ في قلوبهم من الغرور والزهو الزائف، بل بعضهم إذا أراد الاحتجاج على رد مفهوم معين قال لك: ومافرق كلامك عن كلام دراويش الصحوة؟! فصار المعيار (المفارقة) وليس (البرهان)، فكنت أتعجب كيف يتورط الانسان بترك الشريعة لأجل مخالفة من يزدريهم فقط؟! وكنت أتوهم ذلك أمراً جديداً .. حتى قرأت قوله تعالى:
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ)
بل لقد رأيت عدداً من كبار المثقفين الذين يكتبون في "إعادة قراءة التراث" ينادي بكل صراحة في عدد من كتاباته ومحاضراته بضرورة الاستفادة من التراث الاسلامي، فإن وافق المفاهيم الحديثة استعملناه في تأصيلها، وإن خالف المفاهيم الحديثة تجاوزناه. بمعنى أن العلاقة مع النص صارت علاقة مشروطة، السمع والطاعة إن جاءت بما نريده فقط، فكنت أتصور أن هذه انتهازية معاصرة .. حتى قرأت قوله تعالى:
(يحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا)
ورأيت شريحة أخرى لايرفضون الشريعة كلها، ويعلنون الالتزام بها، لكنهم يريدون أن يتوسطوا بين المتدينين الذين يأخذون الاسلام كله وبين العلمانيين الذي يرفضون الشريعة جملة، ويرى أن هذا من سبيل الوسطية والاعتدال بين الفريقين، فكنت أتعجب من هذا الفهم للوسطية! كيف تكون الوسطية هي التوسط بين الإسلاميين والعلمانيين؟! .. وكنت أتوهم هذا فهماً جديداً لمعنى الوسطية .. حتى قرأت قوله تعالى:
(وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا)
ولطالما التقيت بعدد من المتثيقفين تمتد أمسياتهم الفكرية إلى آخر ساعات الليل.. فإذا أقحم أحد الحضور نصوصاً شرعية تضايقوا وتبرموا وانقبضت وجوههم، ولمزوا المتحدث بأن مقصوده المزايدة ورغبة الهيمنة.. فإذا ذكرت أسماء الأعلام الغربية الرنانة ابتهجوا وانبلجت أسارير وجوههم واستزادوا المتحدث .. فكنت أتوهم ذلك سلوكاً جديداً .. حتى قرأت قوله تعالى:
(وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)
ورأيت شريحة أخرى تعلن الالتزام بالشريعة والإيمان بها، وأنها المقدس، وأنها عظيمة، لكن هؤلاء في كل دعوتهم وعملهم وخطابهم وكتاباتهم إنما يتحاكمون للثقافة الغربية والقوانين الغربية والدول الغربية .. فكنت أتعجب كيف يدعي الإيمان بالشريعة ويتظاهر بتعظيمها وهو لايتحاكم إليها؟! لم لايصرح ويكشف مرجعيته الحقيقية؟! وكنت أتصور أن هذا تناقض معاصر .. حتى قرأت قوله تعالى:
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ)
ورأيت طائفة من مثقفي إعادة قراءة التراث يبثون الارتيابات والتوجسات حول السنة النبوية، حيث يرون أن أحاديث الرسول كلها ليست تشريع، وإنما هي أمور تلقفها النبي من عصره ورددها، فكنت أظن هذا التنقص لمقام الرسول فكرة جديدة .. حتى قرأت قوله تعالى:
(ومِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ)
وشهدت عدداً من الكتّاب الشباب لازالت خصومتهم مع المتدينين تتجارى بهم، حتى بلغت بهم أن تورطوا في مقالات مليئة بمحادة النصوص ومشاقة الوحي. كل ذلك بدافع النكاية والمناكفة ومغاضبة المتدينين وإغاظتهم فقط، فكنت أتساءل بدهشة: كيف ينسى المرء ربه لأجل أن يسخر بخصمه فقط؟! وكنت أفترض أن هذه آثار صراعية جديدة .. حتى قرأت قوله تعالى:
(إنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ)
ورأيت طائفة من المثقفين يبالغون ويغالون في تعظيم القرآن، وقداسة القرآن، وشمولية القرآن، بصورة انبهارية لايقولها مفسروا أهل السنة أنفسهم! فكنت أتساءل مالمغزى ياترى لهذه التوقير المفاجئ للقرآن؟ فماعهدت القوم نصوصيين! وإذا بهم يتخذون هذه المغالاة في التوقير مجرد مقدمة لينفذوا من خلالها لنفي السنة واغتيالها .. فيجعلون قداسة الله ذريعة لإنكار نصوص رسول الله .. فظننت هذا المدخل المخاتل شيئاً جديداً .. حتى قرأت قوله تعالى:
(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ)
ورأيت عدداً من الكتّاب يذكرون ماكان عليه أهل منطقتهم من رقص الرجال والنساء سوياً بكل نقاء وطهارة وصفاء نية، حتى جاءت الصحوة التي لوثت ذلك الصفاء ومنعت تلك المظاهر، فإذا قلت له: ولكن رقص الرجال والنساء سوياً لون من الفواحش التي نهى الله ورسوله عنها. فيستمر يحتج عليك بالماضي الذي دمرته الصحوة! .. فكنت أتوهم هذا التفكير الساذج لون جديد من التفكير .. حتى قرأت قوله تعالى:
(وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا)
وقرأت لعددٍ من المثقفين الذين يعلنون احترامهم لمرجعية الوحي ومفاهيم القرآن والسنة، لكنه كلما عرض له مفهوم شرعي رده وشنع عليه، فإذا ساءله الناس عن ذلك؟ قال لهم: أنا ليس لدي مشكلة
مع "النص"، وإنما مشكلتي مع "تسييس النص"، وهذه الخطابات الدينية كلها خطابات باحثة عن السيطرة.. فصار يتعلل في رد كل حقيقة شرعية بتهمة التسييس وقذف العاملين للاسلام بالبحث عن الهيمنة والنفوذ!. فكنت أعتقد أن اتهام العاملين للاسلام بذلك بهدف التخلص من كلفة الانقياد إنما هي فكرة جديدة .. حتى قرأت قوله تعالى:
(قالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ)[/align]
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا)
ورأيت عدداً من المتثيقفين يردد شعارات الوطنية ويقول أن غزة شأن فلسطيني لسنا مسؤولين عنه، بل يجب أن نركز ثروتنا وطاقتنا في الشأن السعودي فقط، نحن سعوديون أولاً، فتوهمت أن هذا التذرع بالوطنية للتنصل من المسؤولية الدينية في دعم المقاومة إنما هي انحراف معاصر.. حتى قرأت قوله تعالى:
(وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا)
ورأيت كاتباً آخر يلوّح بأن اختيار المقاومة فصل الشتاء القارس للتصعيد السياسي جريمة تجعل المسؤولية مسؤوليتها في ضخامة الأضرار .. فظننت أن هذا التعلل بالفصول الأربعة في التهرب عن نصرة المقاومة إنما هو تقليعة جديدة .. حتى قرأت قوله تعالى:
(وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)
ورأيت كاتباً آخر ينهر المحتاجين في غزة، ويعلن في عنوان مقاله بكل فجاجة فيقول (وإذا تبرعنا فهل ستشكرون؟!) فتوهمت أن هذه المنة والأذية وتطلّب الامتنان والتقدير إنما هي مستوى قياسي جديد في التبذل الأخلاقي .. حتى قرأت قوله تعالى:
(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ)
وسمعت أحد نظرائه يعتذر ويبرر ويقول: نحن ليس لدينا مشكلة في التبرع للإسلام، ولكن ليس لهؤلاء الفلسطينيين والإخوانيين والحمساويين القذرين، ففرق كبير بين الاسلام وأتباعه، فالاسلام مقدس أما أتباعه فهم للأسف بشرٌ منحطون، فظننت أن هذا تفصيلاً جديداً في التبرع.. حتى قرأت قوله تعالى:
(هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا)
ولطالما سمعت الليبراليين في وطني يتعللون في رفض الأحكام الشرعية والإصرار على تبديلها بحجة المخاطر الأمنية، فيقولون لك هذه الأحكام الشرعية ستسبب لنا إحراجات أمنية كبيرة مع العالم فيجب تبديلها ومحوها وتغييرها، ويشنعون على كل من همس بمثل هذه الأحكام بشماعة المخاطر الأمنية، فكنت أتوهم أن التذرع بالمخاطر الأمنية لرفض الشريعة إنما هي موضة سبتمبرية .. حتى قرأت قوله تعالى:
(وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا)
ورأيت كثيراً من الكتّاب الخائضين في تبديل الأحكام الشرعية إذا أنكر عليه العاملون للإسلام، ونهوه عن تبديل الأحكام الشرعية، وساقوا له نصوص الوحي في وجوب التمسك بها، يترك مناقشة الأدلة الشرعية ويلوذ باتهام المنكرين عليه بأنهم طلاب سلطة وطموحات سياسية، وأن دفاعهم ضد تبديل الشريعة ليس دفاعاً عقائدياً بل مجرد غطاء للمضمر المصلحي.. فظننت أن اتهام الرافضين للتبديل بأنهم مصلحيون إنما هي تهمة جديدة .. حتى قرأت قوله تعالى:
يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا) ولطالما لاحظت في النصوص الشرعية بعض المواضع الملتبسة على القارئ، إما لإشكالية ثبوت أو إشكالية دلالة، فكنت أدعها وأتمسك بالنصوص الواضحة الظاهرة، حتى رأيت ثلة جديدة من الكتّاب تتطلب هذه المواضع الملتبسة وتنقب عنها وتجمعها، وتستغلها في توهين التمسك بالأحكام الواضحة الظاهرة، فكنت أتعجب من جهودهم في تتبع المتشابه واستغلاله لتصديع المحكم والتمتع بفتنة الناس في دينهم، وكنت أظن أن هذه ظاهرة جديدة .. حتى قرأت قوله تعالى:
(فأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ )
وكنت أرى مجموعة من الكتاب يتطلبون الاختلاف والمفارقة عن عامة المتدينين، بل تشعر أحياناً أن معيارهم في إصابة الحق هو "مخالفة المطاوعة"، فيصعب عليهم اتباع الحكم الشرعي الذي يجمعهم بعامة المتدينين، لما امتلأ في قلوبهم من الغرور والزهو الزائف، بل بعضهم إذا أراد الاحتجاج على رد مفهوم معين قال لك: ومافرق كلامك عن كلام دراويش الصحوة؟! فصار المعيار (المفارقة) وليس (البرهان)، فكنت أتعجب كيف يتورط الانسان بترك الشريعة لأجل مخالفة من يزدريهم فقط؟! وكنت أتوهم ذلك أمراً جديداً .. حتى قرأت قوله تعالى:
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ)
بل لقد رأيت عدداً من كبار المثقفين الذين يكتبون في "إعادة قراءة التراث" ينادي بكل صراحة في عدد من كتاباته ومحاضراته بضرورة الاستفادة من التراث الاسلامي، فإن وافق المفاهيم الحديثة استعملناه في تأصيلها، وإن خالف المفاهيم الحديثة تجاوزناه. بمعنى أن العلاقة مع النص صارت علاقة مشروطة، السمع والطاعة إن جاءت بما نريده فقط، فكنت أتصور أن هذه انتهازية معاصرة .. حتى قرأت قوله تعالى:
(يحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا)
ورأيت شريحة أخرى لايرفضون الشريعة كلها، ويعلنون الالتزام بها، لكنهم يريدون أن يتوسطوا بين المتدينين الذين يأخذون الاسلام كله وبين العلمانيين الذي يرفضون الشريعة جملة، ويرى أن هذا من سبيل الوسطية والاعتدال بين الفريقين، فكنت أتعجب من هذا الفهم للوسطية! كيف تكون الوسطية هي التوسط بين الإسلاميين والعلمانيين؟! .. وكنت أتوهم هذا فهماً جديداً لمعنى الوسطية .. حتى قرأت قوله تعالى:
(وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا)
ولطالما التقيت بعدد من المتثيقفين تمتد أمسياتهم الفكرية إلى آخر ساعات الليل.. فإذا أقحم أحد الحضور نصوصاً شرعية تضايقوا وتبرموا وانقبضت وجوههم، ولمزوا المتحدث بأن مقصوده المزايدة ورغبة الهيمنة.. فإذا ذكرت أسماء الأعلام الغربية الرنانة ابتهجوا وانبلجت أسارير وجوههم واستزادوا المتحدث .. فكنت أتوهم ذلك سلوكاً جديداً .. حتى قرأت قوله تعالى:
(وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)
ورأيت شريحة أخرى تعلن الالتزام بالشريعة والإيمان بها، وأنها المقدس، وأنها عظيمة، لكن هؤلاء في كل دعوتهم وعملهم وخطابهم وكتاباتهم إنما يتحاكمون للثقافة الغربية والقوانين الغربية والدول الغربية .. فكنت أتعجب كيف يدعي الإيمان بالشريعة ويتظاهر بتعظيمها وهو لايتحاكم إليها؟! لم لايصرح ويكشف مرجعيته الحقيقية؟! وكنت أتصور أن هذا تناقض معاصر .. حتى قرأت قوله تعالى:
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ)
ورأيت طائفة من مثقفي إعادة قراءة التراث يبثون الارتيابات والتوجسات حول السنة النبوية، حيث يرون أن أحاديث الرسول كلها ليست تشريع، وإنما هي أمور تلقفها النبي من عصره ورددها، فكنت أظن هذا التنقص لمقام الرسول فكرة جديدة .. حتى قرأت قوله تعالى:
(ومِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ)
وشهدت عدداً من الكتّاب الشباب لازالت خصومتهم مع المتدينين تتجارى بهم، حتى بلغت بهم أن تورطوا في مقالات مليئة بمحادة النصوص ومشاقة الوحي. كل ذلك بدافع النكاية والمناكفة ومغاضبة المتدينين وإغاظتهم فقط، فكنت أتساءل بدهشة: كيف ينسى المرء ربه لأجل أن يسخر بخصمه فقط؟! وكنت أفترض أن هذه آثار صراعية جديدة .. حتى قرأت قوله تعالى:
(إنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ)
ورأيت طائفة من المثقفين يبالغون ويغالون في تعظيم القرآن، وقداسة القرآن، وشمولية القرآن، بصورة انبهارية لايقولها مفسروا أهل السنة أنفسهم! فكنت أتساءل مالمغزى ياترى لهذه التوقير المفاجئ للقرآن؟ فماعهدت القوم نصوصيين! وإذا بهم يتخذون هذه المغالاة في التوقير مجرد مقدمة لينفذوا من خلالها لنفي السنة واغتيالها .. فيجعلون قداسة الله ذريعة لإنكار نصوص رسول الله .. فظننت هذا المدخل المخاتل شيئاً جديداً .. حتى قرأت قوله تعالى:
(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ)
ورأيت عدداً من الكتّاب يذكرون ماكان عليه أهل منطقتهم من رقص الرجال والنساء سوياً بكل نقاء وطهارة وصفاء نية، حتى جاءت الصحوة التي لوثت ذلك الصفاء ومنعت تلك المظاهر، فإذا قلت له: ولكن رقص الرجال والنساء سوياً لون من الفواحش التي نهى الله ورسوله عنها. فيستمر يحتج عليك بالماضي الذي دمرته الصحوة! .. فكنت أتوهم هذا التفكير الساذج لون جديد من التفكير .. حتى قرأت قوله تعالى:
(وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا)
وقرأت لعددٍ من المثقفين الذين يعلنون احترامهم لمرجعية الوحي ومفاهيم القرآن والسنة، لكنه كلما عرض له مفهوم شرعي رده وشنع عليه، فإذا ساءله الناس عن ذلك؟ قال لهم: أنا ليس لدي مشكلة
مع "النص"، وإنما مشكلتي مع "تسييس النص"، وهذه الخطابات الدينية كلها خطابات باحثة عن السيطرة.. فصار يتعلل في رد كل حقيقة شرعية بتهمة التسييس وقذف العاملين للاسلام بالبحث عن الهيمنة والنفوذ!. فكنت أعتقد أن اتهام العاملين للاسلام بذلك بهدف التخلص من كلفة الانقياد إنما هي فكرة جديدة .. حتى قرأت قوله تعالى:
(قالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ)[/align]
تعليق