حوار مع المفكر الإسلامي الشيخ د. عوض القرني
كتب وحاور: مصطفى أبو عمشة*
05/05/2010
دايتون كان يخطط مع شخصيات من المنطقة لاستئصال المقاومة
حماس موحّدة وراء قيادة واحدة، أما فتح الآن فهي فتوح وليست فتحاً واحدة، وبالتالي الوطنيون وأصحاب التاريخ النضالي من فتح ركنوا على الرف ولم يعد لهم أي دور حقيقي في الميدان، بالتالي الذين الآن اختطفوا فتح ويتحدثون باسمها ليس لديهم استعداد أن يستجيبوا لا لعالم، ولا لمفكر، ولا جماعة، ولا حتى لدولة، هم أصحاب مشروع مصالح شخصية وأجندة صهيونية وأمريكية.
-------------------------
تعدّ المقاومة في العالم العربي والإسلامي أحد الأعمدة المهمة التي ترتكز عليها حركات التحرر ومنظماتها في البلدان المحتلة، ونظراً لأنّ المقاومة باتت تتصدر الصفحات الأولى من الصحف والمجلات و على رأس كل مشهد تلفزيوني، فإنّ الضرورة تبقى ملحة لفتح حوار مع شخصية إسلامية ذات تأثير ديني وبعد سياسي بين أوساط المجتمعات العربية، فقلما تجد شخصية سواء كانت مثقفة أو عامية من لا يسمع بها ...
إنّه المفكر الإسلامي الشيخ عوض القرني صاحب الفتوى التي تجيز ضرب المصالح الإسرائيلية في كل مكان حول العالم بعد أحداث غزة الأخيرة عام 2008، على أثره حملت تلك الفتوى المعلم الأبرز لرسم شخصية إسلامية مختصة بفكر المقاومة وتشريحه وتحلليه ومحاولة نقده في العالم العربي والإسلامي ...
سألنا القرني عن أبرز القضايا العالقة في ذهن هذه الجماهير الواسعة والتي تتساءل يوماً بعد يوم، إلى أين تسير بنا المقاومة في البلدان المحتلة، وإلى أين ستنتهي، وهل تحولت المقاومة في تلك البلدان إلى مشاريع سلطوية، وما هو نظرة الجماهير العريضة لهذه المقاومة في الوقت الحالي بعد الأحداث المتسارعة في العراق، والأراضي الفلسطينية وما آلت إليها الأحداث هناك، إضافة إلى التعريج حول مستقبل المقاومة، والوقوف إلى أبرز المشاكل التي تواجهها، كل هذه التساؤلات يجيب عنها عوض القرني في نص الحوار التالي.
بداية الحوار:
س1) لنعرّج قليلاً على مفهوم المقاومة في العالم العربي والإسلامي؟ ألا ترى أنّ هذا المفهوم بحاجة إلى إعادة نظر، وذلك بعد الخلط الكبير في مشاريع المقاومة في الدول العربية والإسلامية المختلفة؟
ج1) أولاً المقاومة هي قضية فطرية بشرية، قد تكون فطرية في جميع المخلوقات، حيث أنّها إذا استشعرت الخطر على ذواتها أو على مسكنها أو على ما يشكل خصوصية وبيئة لها اندفعت تقاوم، والبشرية عبر تاريخها كله سواء على مستوى أتباع الأنبياء أو في ظل الديانات الوثنية، أو القوانين والفلسفات الوضعية الأرضية كانوا متفقين جميعاً على أنّ أي شعب من الشعوب من حقه أن يقاوم الظلم ويدفع الاحتلال والغزو والعدوان عن أرضه وعن شعبه وعن ومقدراته ومصالحه، حيث اعتبر الإسلام المقاومة المشروعة التي هي لدفع الظلم والعدوان جهاداً في سبيل الله، و القتلى فيها شهداء، أما الظالمون إذا قتلوا فهم من أهل النار، وبالتالي فالمقاومة لدينا نحن عبر تاريخنا كله هي الجهاد في سبيل الله، حيث بيّن القرآن الكريم أنّ من صور الجهاد هو ذلك الجهاد الذي يكون في سبيل المستضعفين من النساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يدفعون عن أنفسهم، والفقهاء بيّنوا وجوب الدفاع عن المسلمين وأراضيهم وكذلك الدفاع عن أهل الذمّة حتى قال الفقيه الشهير الإمام ابن حزم: "لو العدو أراد أن يستأصل أهل الذمة لوجب أن يدافع المسلمين عنهم حتى لو استأصل المسلمين كافة".
س2) نلاحظ أنّ مفهوم المقاومة بات يقتصر على المفهوم العسكري فقط، هل يعدّ ذلك جموداً من العلماء والمفكرين الإسلاميين؟ ولماذا لا يتم توسيع ذلك المفهوم من الناحية الفقهية ليشمل المقاومة بالفكر والثقافة وجميع أنواع المقاومة؟
ج2) المقاومة العسكرية هي صورة من صور الجهاد، والجهاد في القرآن الكريم وفي السنة النبوية وفي الفقه ورد أوسع وأشمل من الجهاد العسكري المسلّح، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى مخاطباً النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم: (وجاهدهم به جهاداً كبيراً)، أي بالقرآن، وبالتالي فهو صورة من صور الجهاد، لكنّه لا يمكن أن تتحقق المقاومة العسكرية و تصل إلى النصر ما لم يكن معها وقبلها وبعدها صور من صور الجهاد الأخرى، بمعنى أنّ الأمة على المستوى الفكري والثقافي والعقائدي، والنفسي، والسياسي، والاقتصادي، وفي جميع الجوانب لا بد أن تتهيّأ لتكون قائمة بأمر المقاومة، ولا يمكن في الأصل على الإطلاق أن تنشأ مقاومة عسكرية ناجحة قبل أن يسبقها تهيئة ثقافية وفكرية ونفسية وعقائدية، و يصحبها كذلك مشروع سياسي ناضج، مع وجود عمل إعلامي راشد يصحبها ويستثمرها بعد ذلك.
س3) كيف تنظر إلى من يقول أنّ حركات المقاومة في الدول العربية والإسلامية سواء في فلسطين أو في العراق تحوّلت من مشاريع مقاومة إلى مشاريع سلطوية، على أثرها تركت المقاومة والتضحية وباتت تركز على كيفية تثبيت حكمها؟
ج3) ليس من ضرورات نجاح المقاومة أن لا تستهدف إقامة سلطة على الأراضي التي تحررها أو بين الشعوب التي تسعى إلى إنجاز تحريرها من الاحتلال والاستعمار بل قد يكون إقامة السلطة على مستويات عديدة تختلف من حال إلى حال، والسلطة أحد أوجه المقاومة بل أحد واجباتها، لأنّه عندما تتسع المقاومة تصبح قاعدتها الحاضنة لها بيئة اجتماعية واسعة ولابد لهذه البيئة الاجتماعية من تيسير لأمرها وضبط لإيقاعها ليتوافق مع تطلّعات المقاومة وتستمر في حضن المقاومة وتوليدها وتطويرها، فإذا لم تصبح السلطة صورة من صور المقاومة والتي تقوم على أمر هذا المجتمع فلا يمكن أن تستمر هذه المقاومة ولا أن تنجح، ويمكن بعدها أن تحوّل المجتمعات من مجتمعات حاضنة لها إلى مجتمعات نابتة طاردة وعدوة لها، ولا أعتقد أنّ السعي للسلطة يعدّ منقصة، لكن عندما تكون السلطة شاغله عن المقاومة، يعني أننا في حينه ما نزال في حاجة إلى المقاومة والجهاد وعلى أثر ذلك يمكن أن تكون السلطة معوّقة.
س4) مقاطعاً: وهل ترى أنّ قضية المنافسة على السلطة موجودة فعلاً في المقاومات العربية، لنحلل الأمور بشكل فيه أكثر صراحة؟
ج4) بالنسبة للعراق بالعكس مازال الذين يقاومون في العراق إلى الآن رافضين المشاركة في المشروع والبرنامج السياسي، ولم يسارعوا ويدعموا الوصول إلى الحكم على الإطلاق لا من قريب ولا من بعيد، وأنا أتحدث هنا عن المقاومة العراقية الراشدة، وكذلك الأمر بالنسبة لفلسطين فهناك بعض جهات المقاومة مازالت رافضة للمشروع السياسي والبعض الآخر انطلق من المفهوم الذي ذكرته قبل قليل ورأى أنّ حماية المقاومة من الغدر وحماية ظهرها من الخيانة ومنعها من تكالب واستشراء العملاء في البيئات الحاضنة لها استدعى أن تكون المقاومة السياسية لها وجودها الفاعل في تيسير أمور المجتمع لتحضن المقاومة العسكرية، والفكرية، والثقافية، والاجتماعية، وقد يكون هناك من يخالفهم في توقيت الأمر و مقداره لا في أصل المبدأ، فأصل المبدأ محل اتفاق، وقد يكون حتى بين قادة المقاومة من يخالف هذا الأمر لكن تبقى القضية قضية اجتهادية واتخاذ القرار فيها يكون بعد تداولها بالأغلبية.
س5) هناك من يقول أنّ إسرائيل إذا ما وجهت ضربة ضد لإيران وخرجت إيران خاسرة في هذه الضربة، فإنّ حركات المقاومة العربية والإسلامية ستتضرر من جراء هذه الضربة وربما تشكل ضربة لها، في حين أنّ إيران إذا ما خرجت منتصرة فإنّ حركات المقاومة ستزيد أرصدتها، وبالتالي تصبح أكثر خطراً على إسرائيل والمعسكر الغربي، كيف تفسرون ذلك؟
ج5) ليس بهذه الصورة، أقول بلا شك أنّ أي دولة من دول المنطقة لو تمكنت إسرائيل من كسر شوكتها وضربها فإنّ الأثر السلبي سيكون على جميع شعوب المنطقة بما فيها المقاومة بالدرجة الأولى، فمثلاً الآن من الدول المطبّعة مع إسرائيل النظام المصري والحكومة الأردنية إلى حد كبير ومع هذا لو وجهّت إسرائيل ضربة إلى النظام المصري أو الأردني وهزمته هزيمة عسكرية فآثارها السلبية ستطال جميع شعوب المنطقة بما فيها حركات المقاومة، فكيف لو كانت الضربة لبعض الدول والأنظمة التي مازالت تناوئ الكيان الصهيوني سيكون الأمر أسوأ بلا شكّ، لكنني أقول في المحصلة النهائية أنّ حركات المقاومة الإسلامية في المنطقة اختلفت عن حركات المقاومة السابقة بمعنى أنّها بنت نفسها بناء ذاتياً وبناء على جهود شعوبها وأفرداها ورجالاتها، وبالتالي استطاعت أن تستمر، انظروا الحصار المفروض على قطاع غزة منذ بضع سنوات، والصراع العسكري العنيف التي تخوضه الحكومة الإسرائيلية ضد المقاومة هناك في ظروف غير مواتية، ومع هذا عجزت إسرائيل عن أن تكسر شوكتهم، بينما في عام 1982م المقاومة الفلسطينية في تلك الفترة مع امتلاكها إمكانيات هائلة في لبنان، استطاعت إسرائيل في أيام وجيزة أن تصل إلى بيروت وتحتلها، وترحلّ المقاومة إلى مناطق الشتات، ولذلك حتى لو وجّهت إسرائيل هزيمة لبعض الدول العربية والإسلامية وأنظمتها فلن تكسر هيبة هذه الدول وفي مقدمتها المقاومة.
س6) هناك من يرى أنّ الشعوب العربية والإسلامية قلّ تعاطفها بشكل كبير مع مشاريع المقاومة العربية والإسلامية خصوصاً فيما تعتبره تلك الشعوب من أنّ هذه الحركات تساهم في تعزيز الانقسام في الصف الداخلي للدولة المحتلة؟
ج6) لا يوجد شك أن التفاف الشعوب حول حركات المقاومة أقل مما كان عليه سابقاً، لكن ليس من أجل السبب الذي ذكرته فقط، فالإرهاب الذي استهدف بعض دول المنطقة أدى إلى ارتياب وتشكيك كثير من الناس من الذين لا يدروكن حقائق الأمور ولا يفرّقون بين المقاومة والإرهاب، وكذلك من الأسباب الضخ الإعلامي المعادي والعنيف الذي يعمل ليل نهار على تشويه صورة المقاومة، إضافة إلى الحرب التي تقودها الأنظمة المتعاونة مع الكيان الصهيوني في المنطقة ضد المقاومة وضد رجالاتها وضد مشاريعها ومناهجها، والحصار الدولي المفروض على حركات المقاومة ومع الذي يتعامل معها، بالإضافة إلى الخلافات والاختلافات في مشاريع المقاومة، لكن يجب أن تفرّق بين القاتل منهم والمقتول بمعنى أنّ حركات المقاومة دافعت عن نفسها حين أراد الآخرون أن يستأصلوها وأنا أتحدّث بالذات هنا عن فلسطين، المشاريع كانت مطروحة ومعلنة وتناقش على المستويات، والجنرال دايتون كان يعدّ بكل أسف مع رجالات من أبناء المنطقة لاستئصال المقاومة، فليس من الحكمة، بل كان سيكون من السذاجة أن ينتظروا حتى يتعشى بهم الآخرون.
س7) مقاطعاً: لكن تأذَّت حركات المقاومة في الضفة الغربية ؟
ج7) طبعاً كان أحلاهم مرّ، والذي حصل، أنّ غزة كانت ستكون أسوأ من الضفة الغربية، فعلى الأقل بقيت لهم شوكة في غزة، وهم الآن يساومون من أجل رفع الضيم عن إخوانهم ويضغطون، لكن لو تركوا الأمر لتمّ استئصالهم في الضفة الغربية وغزة.
يتبع
كتب وحاور: مصطفى أبو عمشة*
05/05/2010
دايتون كان يخطط مع شخصيات من المنطقة لاستئصال المقاومة
حماس موحّدة وراء قيادة واحدة، أما فتح الآن فهي فتوح وليست فتحاً واحدة، وبالتالي الوطنيون وأصحاب التاريخ النضالي من فتح ركنوا على الرف ولم يعد لهم أي دور حقيقي في الميدان، بالتالي الذين الآن اختطفوا فتح ويتحدثون باسمها ليس لديهم استعداد أن يستجيبوا لا لعالم، ولا لمفكر، ولا جماعة، ولا حتى لدولة، هم أصحاب مشروع مصالح شخصية وأجندة صهيونية وأمريكية.
-------------------------
تعدّ المقاومة في العالم العربي والإسلامي أحد الأعمدة المهمة التي ترتكز عليها حركات التحرر ومنظماتها في البلدان المحتلة، ونظراً لأنّ المقاومة باتت تتصدر الصفحات الأولى من الصحف والمجلات و على رأس كل مشهد تلفزيوني، فإنّ الضرورة تبقى ملحة لفتح حوار مع شخصية إسلامية ذات تأثير ديني وبعد سياسي بين أوساط المجتمعات العربية، فقلما تجد شخصية سواء كانت مثقفة أو عامية من لا يسمع بها ...
إنّه المفكر الإسلامي الشيخ عوض القرني صاحب الفتوى التي تجيز ضرب المصالح الإسرائيلية في كل مكان حول العالم بعد أحداث غزة الأخيرة عام 2008، على أثره حملت تلك الفتوى المعلم الأبرز لرسم شخصية إسلامية مختصة بفكر المقاومة وتشريحه وتحلليه ومحاولة نقده في العالم العربي والإسلامي ...
سألنا القرني عن أبرز القضايا العالقة في ذهن هذه الجماهير الواسعة والتي تتساءل يوماً بعد يوم، إلى أين تسير بنا المقاومة في البلدان المحتلة، وإلى أين ستنتهي، وهل تحولت المقاومة في تلك البلدان إلى مشاريع سلطوية، وما هو نظرة الجماهير العريضة لهذه المقاومة في الوقت الحالي بعد الأحداث المتسارعة في العراق، والأراضي الفلسطينية وما آلت إليها الأحداث هناك، إضافة إلى التعريج حول مستقبل المقاومة، والوقوف إلى أبرز المشاكل التي تواجهها، كل هذه التساؤلات يجيب عنها عوض القرني في نص الحوار التالي.
بداية الحوار:
س1) لنعرّج قليلاً على مفهوم المقاومة في العالم العربي والإسلامي؟ ألا ترى أنّ هذا المفهوم بحاجة إلى إعادة نظر، وذلك بعد الخلط الكبير في مشاريع المقاومة في الدول العربية والإسلامية المختلفة؟
ج1) أولاً المقاومة هي قضية فطرية بشرية، قد تكون فطرية في جميع المخلوقات، حيث أنّها إذا استشعرت الخطر على ذواتها أو على مسكنها أو على ما يشكل خصوصية وبيئة لها اندفعت تقاوم، والبشرية عبر تاريخها كله سواء على مستوى أتباع الأنبياء أو في ظل الديانات الوثنية، أو القوانين والفلسفات الوضعية الأرضية كانوا متفقين جميعاً على أنّ أي شعب من الشعوب من حقه أن يقاوم الظلم ويدفع الاحتلال والغزو والعدوان عن أرضه وعن شعبه وعن ومقدراته ومصالحه، حيث اعتبر الإسلام المقاومة المشروعة التي هي لدفع الظلم والعدوان جهاداً في سبيل الله، و القتلى فيها شهداء، أما الظالمون إذا قتلوا فهم من أهل النار، وبالتالي فالمقاومة لدينا نحن عبر تاريخنا كله هي الجهاد في سبيل الله، حيث بيّن القرآن الكريم أنّ من صور الجهاد هو ذلك الجهاد الذي يكون في سبيل المستضعفين من النساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يدفعون عن أنفسهم، والفقهاء بيّنوا وجوب الدفاع عن المسلمين وأراضيهم وكذلك الدفاع عن أهل الذمّة حتى قال الفقيه الشهير الإمام ابن حزم: "لو العدو أراد أن يستأصل أهل الذمة لوجب أن يدافع المسلمين عنهم حتى لو استأصل المسلمين كافة".
س2) نلاحظ أنّ مفهوم المقاومة بات يقتصر على المفهوم العسكري فقط، هل يعدّ ذلك جموداً من العلماء والمفكرين الإسلاميين؟ ولماذا لا يتم توسيع ذلك المفهوم من الناحية الفقهية ليشمل المقاومة بالفكر والثقافة وجميع أنواع المقاومة؟
ج2) المقاومة العسكرية هي صورة من صور الجهاد، والجهاد في القرآن الكريم وفي السنة النبوية وفي الفقه ورد أوسع وأشمل من الجهاد العسكري المسلّح، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى مخاطباً النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم: (وجاهدهم به جهاداً كبيراً)، أي بالقرآن، وبالتالي فهو صورة من صور الجهاد، لكنّه لا يمكن أن تتحقق المقاومة العسكرية و تصل إلى النصر ما لم يكن معها وقبلها وبعدها صور من صور الجهاد الأخرى، بمعنى أنّ الأمة على المستوى الفكري والثقافي والعقائدي، والنفسي، والسياسي، والاقتصادي، وفي جميع الجوانب لا بد أن تتهيّأ لتكون قائمة بأمر المقاومة، ولا يمكن في الأصل على الإطلاق أن تنشأ مقاومة عسكرية ناجحة قبل أن يسبقها تهيئة ثقافية وفكرية ونفسية وعقائدية، و يصحبها كذلك مشروع سياسي ناضج، مع وجود عمل إعلامي راشد يصحبها ويستثمرها بعد ذلك.
س3) كيف تنظر إلى من يقول أنّ حركات المقاومة في الدول العربية والإسلامية سواء في فلسطين أو في العراق تحوّلت من مشاريع مقاومة إلى مشاريع سلطوية، على أثرها تركت المقاومة والتضحية وباتت تركز على كيفية تثبيت حكمها؟
ج3) ليس من ضرورات نجاح المقاومة أن لا تستهدف إقامة سلطة على الأراضي التي تحررها أو بين الشعوب التي تسعى إلى إنجاز تحريرها من الاحتلال والاستعمار بل قد يكون إقامة السلطة على مستويات عديدة تختلف من حال إلى حال، والسلطة أحد أوجه المقاومة بل أحد واجباتها، لأنّه عندما تتسع المقاومة تصبح قاعدتها الحاضنة لها بيئة اجتماعية واسعة ولابد لهذه البيئة الاجتماعية من تيسير لأمرها وضبط لإيقاعها ليتوافق مع تطلّعات المقاومة وتستمر في حضن المقاومة وتوليدها وتطويرها، فإذا لم تصبح السلطة صورة من صور المقاومة والتي تقوم على أمر هذا المجتمع فلا يمكن أن تستمر هذه المقاومة ولا أن تنجح، ويمكن بعدها أن تحوّل المجتمعات من مجتمعات حاضنة لها إلى مجتمعات نابتة طاردة وعدوة لها، ولا أعتقد أنّ السعي للسلطة يعدّ منقصة، لكن عندما تكون السلطة شاغله عن المقاومة، يعني أننا في حينه ما نزال في حاجة إلى المقاومة والجهاد وعلى أثر ذلك يمكن أن تكون السلطة معوّقة.
س4) مقاطعاً: وهل ترى أنّ قضية المنافسة على السلطة موجودة فعلاً في المقاومات العربية، لنحلل الأمور بشكل فيه أكثر صراحة؟
ج4) بالنسبة للعراق بالعكس مازال الذين يقاومون في العراق إلى الآن رافضين المشاركة في المشروع والبرنامج السياسي، ولم يسارعوا ويدعموا الوصول إلى الحكم على الإطلاق لا من قريب ولا من بعيد، وأنا أتحدث هنا عن المقاومة العراقية الراشدة، وكذلك الأمر بالنسبة لفلسطين فهناك بعض جهات المقاومة مازالت رافضة للمشروع السياسي والبعض الآخر انطلق من المفهوم الذي ذكرته قبل قليل ورأى أنّ حماية المقاومة من الغدر وحماية ظهرها من الخيانة ومنعها من تكالب واستشراء العملاء في البيئات الحاضنة لها استدعى أن تكون المقاومة السياسية لها وجودها الفاعل في تيسير أمور المجتمع لتحضن المقاومة العسكرية، والفكرية، والثقافية، والاجتماعية، وقد يكون هناك من يخالفهم في توقيت الأمر و مقداره لا في أصل المبدأ، فأصل المبدأ محل اتفاق، وقد يكون حتى بين قادة المقاومة من يخالف هذا الأمر لكن تبقى القضية قضية اجتهادية واتخاذ القرار فيها يكون بعد تداولها بالأغلبية.
س5) هناك من يقول أنّ إسرائيل إذا ما وجهت ضربة ضد لإيران وخرجت إيران خاسرة في هذه الضربة، فإنّ حركات المقاومة العربية والإسلامية ستتضرر من جراء هذه الضربة وربما تشكل ضربة لها، في حين أنّ إيران إذا ما خرجت منتصرة فإنّ حركات المقاومة ستزيد أرصدتها، وبالتالي تصبح أكثر خطراً على إسرائيل والمعسكر الغربي، كيف تفسرون ذلك؟
ج5) ليس بهذه الصورة، أقول بلا شك أنّ أي دولة من دول المنطقة لو تمكنت إسرائيل من كسر شوكتها وضربها فإنّ الأثر السلبي سيكون على جميع شعوب المنطقة بما فيها المقاومة بالدرجة الأولى، فمثلاً الآن من الدول المطبّعة مع إسرائيل النظام المصري والحكومة الأردنية إلى حد كبير ومع هذا لو وجهّت إسرائيل ضربة إلى النظام المصري أو الأردني وهزمته هزيمة عسكرية فآثارها السلبية ستطال جميع شعوب المنطقة بما فيها حركات المقاومة، فكيف لو كانت الضربة لبعض الدول والأنظمة التي مازالت تناوئ الكيان الصهيوني سيكون الأمر أسوأ بلا شكّ، لكنني أقول في المحصلة النهائية أنّ حركات المقاومة الإسلامية في المنطقة اختلفت عن حركات المقاومة السابقة بمعنى أنّها بنت نفسها بناء ذاتياً وبناء على جهود شعوبها وأفرداها ورجالاتها، وبالتالي استطاعت أن تستمر، انظروا الحصار المفروض على قطاع غزة منذ بضع سنوات، والصراع العسكري العنيف التي تخوضه الحكومة الإسرائيلية ضد المقاومة هناك في ظروف غير مواتية، ومع هذا عجزت إسرائيل عن أن تكسر شوكتهم، بينما في عام 1982م المقاومة الفلسطينية في تلك الفترة مع امتلاكها إمكانيات هائلة في لبنان، استطاعت إسرائيل في أيام وجيزة أن تصل إلى بيروت وتحتلها، وترحلّ المقاومة إلى مناطق الشتات، ولذلك حتى لو وجّهت إسرائيل هزيمة لبعض الدول العربية والإسلامية وأنظمتها فلن تكسر هيبة هذه الدول وفي مقدمتها المقاومة.
س6) هناك من يرى أنّ الشعوب العربية والإسلامية قلّ تعاطفها بشكل كبير مع مشاريع المقاومة العربية والإسلامية خصوصاً فيما تعتبره تلك الشعوب من أنّ هذه الحركات تساهم في تعزيز الانقسام في الصف الداخلي للدولة المحتلة؟
ج6) لا يوجد شك أن التفاف الشعوب حول حركات المقاومة أقل مما كان عليه سابقاً، لكن ليس من أجل السبب الذي ذكرته فقط، فالإرهاب الذي استهدف بعض دول المنطقة أدى إلى ارتياب وتشكيك كثير من الناس من الذين لا يدروكن حقائق الأمور ولا يفرّقون بين المقاومة والإرهاب، وكذلك من الأسباب الضخ الإعلامي المعادي والعنيف الذي يعمل ليل نهار على تشويه صورة المقاومة، إضافة إلى الحرب التي تقودها الأنظمة المتعاونة مع الكيان الصهيوني في المنطقة ضد المقاومة وضد رجالاتها وضد مشاريعها ومناهجها، والحصار الدولي المفروض على حركات المقاومة ومع الذي يتعامل معها، بالإضافة إلى الخلافات والاختلافات في مشاريع المقاومة، لكن يجب أن تفرّق بين القاتل منهم والمقتول بمعنى أنّ حركات المقاومة دافعت عن نفسها حين أراد الآخرون أن يستأصلوها وأنا أتحدّث بالذات هنا عن فلسطين، المشاريع كانت مطروحة ومعلنة وتناقش على المستويات، والجنرال دايتون كان يعدّ بكل أسف مع رجالات من أبناء المنطقة لاستئصال المقاومة، فليس من الحكمة، بل كان سيكون من السذاجة أن ينتظروا حتى يتعشى بهم الآخرون.
س7) مقاطعاً: لكن تأذَّت حركات المقاومة في الضفة الغربية ؟
ج7) طبعاً كان أحلاهم مرّ، والذي حصل، أنّ غزة كانت ستكون أسوأ من الضفة الغربية، فعلى الأقل بقيت لهم شوكة في غزة، وهم الآن يساومون من أجل رفع الضيم عن إخوانهم ويضغطون، لكن لو تركوا الأمر لتمّ استئصالهم في الضفة الغربية وغزة.
يتبع
تعليق