عندما يصبح الهامش مَتْنا
حسن السبع
للمظاهر سطوتها.. وقد يحتل الهامشُ حيّزا أكبر من المتن أحيانا. لاحظ كيف تزدحم حياتنا الاجتماعية والثقافية باللافتات والعناوين، لكن بعض تلك العناوين في وادٍ ومضامينها في وادٍ آخر.. فهي عناوين براقة مثل تمثال زاهٍ من الخارج ومحشو بالقش والخرق البالية من الداخل .. مظاهر تجسد المثل القائل: «وجه مدهونٌ وبطنٌ جائع» أو العبارة القائلة: «خلاخل والبلا من داخل». هكذا ترجح كفة تلك المظاهر وتحتل مكان الصدارة في كثير من النشاطات الاجتماعية والثقافية والإدارية. فما صلة بعض العناوين بمضامينها؟ وما حجم الإمكانات المادية والبشرية التي تكرس لخدمة الشكل على حساب المضمون؟
الأمثلة كثيرة، لكن يكفينا، هنا، أن نتخيل مثالا واحدا، وما عليك إلا أن تستعين بآلة حاسبة لتسجل، على سبيل المثال، تكاليف اجتماع سنوي لمؤسسة أو إدارة ما، شريطة أن تحذو حذو أحد بُخلاء الجاحظ كأبي يوسف الكندي، فلا تغادر صغيرة ولا كبيرة من النفقات المترتبة على عقد ذلك الاجتماع إلا أحصيتها، إمعانا في الموضوعية والدقة. ابدأ بتذكرة سفر درجة أولى، وتكاليف الانتداب، والإقامة في فندق درجة أولى .. ثم رافق العضو المشارك في هذا الاجتماع (ماليا) حتى عودته إلى أم العيال سالما، ثم احسب متوسط تكاليف عدد المشاركين من كافة المناطق، ولا تنسَ نصيبَ القائمين على الإعداد والاستقبال والتنظيم.
هذا اجتماع دوري، وهو منتج على هامش الخدمة، وأبرز نتائجه الملموسة هي: كسب رضاء رئيس المؤسسة، والخطب واللافتات، وباقات الورود، والمآدب الكبيرة، والتغطية الإعلامية، والصور التذكارية، وهي ما سيبقى بعد أن ينتهي هذا الاجتماع (التاريخي) وتطويه يد النسيان. إنه أشبه برحلة ترفيهية مجانية لكل من شارك فيه. ولو لم يعقد لما خسر العالم شيئا يذكر.
يدخل بعض الأعضاء المشاركين إلى قاعة الاجتماع صامتا، ويخرج منها صامتا.. ويثرثر بعضهم، لا ليقول شيئا قيما، بل ليثبت للرئيس أنه الموظف/ الضرورة، والإداري/ المعجزة. تصوّر مدى الفائدة لو أن تلك النفقات التي صرفت على الهامش قد استثمرت في خدمة المتن مثل: تحسين ظروف العمل، ورفع مستوى الأداء، وصيانة الآلات والمعدات، والمباني المنسية، وتعديل الأوضاع الوظيفية لبعض الموظفين المنسيين، أو الموظفين العاديين الذين يحققون للمؤسسة أو الإدارة نتائج غير عادية!
أول سؤال يتبادر إلى ذهن رجال الاقتصاد عند دراسة أي مشروع هو: ما هي (الجدوى الاقتصادية) للمشروع؟ وكيف يمكن استخدام الموارد البشرية والمالية المتاحة بطريقة تضاعف الإنتاجية بأقل التكاليف. ويبدو أننا بحاجة إلى تعميم هذا المصطلح الاقتصادي ليشمل كافة نشاطاتنا الخدمية والاجتماعية والثقافية والإدارية، ولنبحث في كل نشاط عن الجدوى والعائد.. وكذلك المعنى.
حسن السبع
للمظاهر سطوتها.. وقد يحتل الهامشُ حيّزا أكبر من المتن أحيانا. لاحظ كيف تزدحم حياتنا الاجتماعية والثقافية باللافتات والعناوين، لكن بعض تلك العناوين في وادٍ ومضامينها في وادٍ آخر.. فهي عناوين براقة مثل تمثال زاهٍ من الخارج ومحشو بالقش والخرق البالية من الداخل .. مظاهر تجسد المثل القائل: «وجه مدهونٌ وبطنٌ جائع» أو العبارة القائلة: «خلاخل والبلا من داخل». هكذا ترجح كفة تلك المظاهر وتحتل مكان الصدارة في كثير من النشاطات الاجتماعية والثقافية والإدارية. فما صلة بعض العناوين بمضامينها؟ وما حجم الإمكانات المادية والبشرية التي تكرس لخدمة الشكل على حساب المضمون؟
الأمثلة كثيرة، لكن يكفينا، هنا، أن نتخيل مثالا واحدا، وما عليك إلا أن تستعين بآلة حاسبة لتسجل، على سبيل المثال، تكاليف اجتماع سنوي لمؤسسة أو إدارة ما، شريطة أن تحذو حذو أحد بُخلاء الجاحظ كأبي يوسف الكندي، فلا تغادر صغيرة ولا كبيرة من النفقات المترتبة على عقد ذلك الاجتماع إلا أحصيتها، إمعانا في الموضوعية والدقة. ابدأ بتذكرة سفر درجة أولى، وتكاليف الانتداب، والإقامة في فندق درجة أولى .. ثم رافق العضو المشارك في هذا الاجتماع (ماليا) حتى عودته إلى أم العيال سالما، ثم احسب متوسط تكاليف عدد المشاركين من كافة المناطق، ولا تنسَ نصيبَ القائمين على الإعداد والاستقبال والتنظيم.
هذا اجتماع دوري، وهو منتج على هامش الخدمة، وأبرز نتائجه الملموسة هي: كسب رضاء رئيس المؤسسة، والخطب واللافتات، وباقات الورود، والمآدب الكبيرة، والتغطية الإعلامية، والصور التذكارية، وهي ما سيبقى بعد أن ينتهي هذا الاجتماع (التاريخي) وتطويه يد النسيان. إنه أشبه برحلة ترفيهية مجانية لكل من شارك فيه. ولو لم يعقد لما خسر العالم شيئا يذكر.
يدخل بعض الأعضاء المشاركين إلى قاعة الاجتماع صامتا، ويخرج منها صامتا.. ويثرثر بعضهم، لا ليقول شيئا قيما، بل ليثبت للرئيس أنه الموظف/ الضرورة، والإداري/ المعجزة. تصوّر مدى الفائدة لو أن تلك النفقات التي صرفت على الهامش قد استثمرت في خدمة المتن مثل: تحسين ظروف العمل، ورفع مستوى الأداء، وصيانة الآلات والمعدات، والمباني المنسية، وتعديل الأوضاع الوظيفية لبعض الموظفين المنسيين، أو الموظفين العاديين الذين يحققون للمؤسسة أو الإدارة نتائج غير عادية!
أول سؤال يتبادر إلى ذهن رجال الاقتصاد عند دراسة أي مشروع هو: ما هي (الجدوى الاقتصادية) للمشروع؟ وكيف يمكن استخدام الموارد البشرية والمالية المتاحة بطريقة تضاعف الإنتاجية بأقل التكاليف. ويبدو أننا بحاجة إلى تعميم هذا المصطلح الاقتصادي ليشمل كافة نشاطاتنا الخدمية والاجتماعية والثقافية والإدارية، ولنبحث في كل نشاط عن الجدوى والعائد.. وكذلك المعنى.
تعليق