عندما تغنى إنسان عسير بالشعر في كل مناسباته
قصة البناء وأهازيجه .. تعكسان روح التعاون وفطرة الإنسان وعبقريته
مهمة تعلوها أهازيج الهمة
سلطان الأحمري
قصة البناء وأهازيجه .. تعكسان روح التعاون وفطرة الإنسان وعبقريته
مهمة تعلوها أهازيج الهمة
نكمل معكم في هذا العدد على صفحات « خزامى» ما بدأناه الأسبوعين الماضيين من الإضاءة على الإنسان في منطقة عسير قديماً عندما جعل الشعر رفيقاً له في كل مناسباته، باعتباره أنه نبض الحياة الذي كان يأنس به في كل حالاته.
فمن القاف في مناسبة الختان لدى البعض. إلى أهازيج الحياة اليومية الأخرى التي يعيشها إنسانها ما بين أعمال الزراعة والحرث والحصاد، وتسيير القوافل التي ذكرناها في عدد السبت الماضي.
ترى البواني ترفع البنا والكرس ذا يبقا ويزما
نلقي الضوء في هذا العدد على قصة البناء وأهازيجه، وهي ذات طابع خاص خففت في ذلك الوقت وطأة المعاناة وبعثت معها روح التعاون واليد الواحدة.
قصة البناء وأهازيج الهمة :
حيث نبدأ بأهازيج البناء. الذي لم يقتصر على بناء المنازل، والحصون والقصور الشاهقات فقط، فالبناء حتى في مصاف المدرجات الزراعية التي تشتهر بها المنطقة التي لم تقم وتتشكل إلا بواسطة البناء لجدرانها المستخدم فيها الحجر والطين، واليد العاملة.
كل هذه الأعمال كان يقوم بها إنسان المنطقة قديماً عندما ينادي بطلب «المعونة» من أبناء قبيلته أو قريته أو بالمقايضة، وكان لكل فرد منهم مهمته الخاصة التي تعكس إبداعات أهل تلك الأرض في وقت لم تكن الآلات الهندسية موجودة. ولكنها فطرة الإنسان وعبقريته، فالباني هو شخص معروف. وله مهنته وهو «المعلم « الذي لايتدخل أحد سواه في هذه المهمة وكذلك عامل الطين، وملقفي الحجر أي الذين يناولون الحجر للباني وكذلك الطين، وعامل التكحيل وهو من يستخدم نوعا من الحجارة مختلفا عما يستخدمه الباني، حيث تسمى عند البعض ب «الكَحْل» وهي القطع الصغيرة التي تستخدم في اغلاق الفتحات ما بين الحجارة الكبيرة أو للتزيين وذلك بعد انتهاء مهمة الباني، ويضاف في بناء الحصون والقصور الشاهقات وبعض المنازل حجارة « المرو» الأبيض للتزيين.
ومع هذه المهمة وتنوعها كانت تتعالى الأصوات بترديد العديد من الأهازيج منها :
ترى البواني ترفع البنا
والكرس ذا يبقا ويزما
بكرة نبانيها مثل مابنا
وإلا بنيانها ياملقفة
كما يردد البعض العبارات المعروفة والمشهورة ومنها الأمثال كترديدهم للمثل :
أربعة شالوا الجمل والجمل ما شالهم.
مهمة المعدل :
وإن التنوع في المهام والعمل الشاق جعل الإنسان في هذه المنطقة يتخذ الشعر رفيقاً وأنيساً له. فما أن تصطف حجارة إلا والقافية تسابقها من حناجرهم التي تتعالى بترديدها. ومن أجمل الصور التي تعكس الهمة لدى إنسان المنطقة قديماً التي يزاملها أهازيج التحدي مايقومون به عند نقل «المعادل» أو مايسميه البعض بالمفرد «ملقف» وهو قطعة خشبية كبيرة لأحد جذوع الأشجار يستخدم في السقف كداعم أثناء البناء. وطريقة النقل التي كانوا يستخدمونها نجد فيها مكابرة على الجهد والتعب وكنوع من أنواع التحدي، فرغم ثقل هذا الملقف أو المعدل إلا أنهم يضعون شخصا يقف عليه وهم يحملونه على الأكتاف وما بين الأيادي، ومع الحمل الثقيل يرددون أهازيجهم وأبياتهم الشعرية ومنها قولهم :
دعونا الله نوديه
على المبنى نقاديه
لولا الحداد ومصلق البيباني
لكان الكل باني
وقد ذكر «علي مغاوي» المهتم بموروث عسير في كتابه «رجال .. ذاكرة قرية عربية» أن طقوس التعاون في البناء لها وقع خاص وهي دعوة بالصوت يتحمس معها العاملون ويستجيب لها الجيران والأصدقاء والراغبون في التعاون مع صاحب الشأن . وأورد في كتابه ما يقال عند نقل الحجر في رجال ألمع كنموذج لأبيات وأمثال البناء في عسير عامة التي تستخدم الحجر والطين منها :
ان البناء مثل الجمل قيده حديد
ما يمشي إلا ان سواقه نفيس
وأوضح مغاوي أن الهدف هنا هو تفسير لبطء الإنجاز . واضاف أنهم يرددون أيضاً قولهم :
لاتنقل الحديد مع الرجل الوكل
يا معين اليوم عنا
وابعد الشيطان عنا
وقال إن هذا يعني خطورة أن تحمل الحجر الثقيل مع من لا همة له ولا ثبات. لاحتمال أن يسقطها عليك، وأضاف أنهم يرددون حين يمر بهم فرد أو أشخاص ولم يقدموا لهم المعونة والمساعدة فينشدون :
لاخير في غمر وشى
ول اينفع قبايله.
بالطبع هنا يكررون الأهزوجة أو الأنشودة وإن كانت بيتا واحداً يميزها لحنها الذي يصدر من حناجرهم حيث له طبقاته التي تمثل نوع المهمة التي يقومون بها وتعكس الحالة لديهم .
الخلاصة :
كما ذكرت سابقاً أن هذه الأهازيج نموذج لما كان يردده إنسان عسير قديماً في معظم حالاته وهي تختلف من مكان إلى آخر بحكم التضاريس والتنوع البيئي والجغرافي ونوع المهمة علماً أنها لم تقف ابيات الشعر والأهازيج عند أعمالهم وحياتهم اليومية فقط، فلا يزال إلى الآن يردد إنسان المنطقة فنونا شعرية أخرى لها مناسباتها وألوانها سنتطرق لها في الأعداد القادمة، ولكن جعلنا البداية استحضارا للأهازيج والفنون القديمة التي أصبحت غائبة أمام جيلنا الحالي في محاولة لوضعها من جديد أمام قراء «خزامى».
للبناء عبقريته وأهازيجه
يتبع بعده الزراعة
فمن القاف في مناسبة الختان لدى البعض. إلى أهازيج الحياة اليومية الأخرى التي يعيشها إنسانها ما بين أعمال الزراعة والحرث والحصاد، وتسيير القوافل التي ذكرناها في عدد السبت الماضي.
ترى البواني ترفع البنا والكرس ذا يبقا ويزما
نلقي الضوء في هذا العدد على قصة البناء وأهازيجه، وهي ذات طابع خاص خففت في ذلك الوقت وطأة المعاناة وبعثت معها روح التعاون واليد الواحدة.
قصة البناء وأهازيج الهمة :
حيث نبدأ بأهازيج البناء. الذي لم يقتصر على بناء المنازل، والحصون والقصور الشاهقات فقط، فالبناء حتى في مصاف المدرجات الزراعية التي تشتهر بها المنطقة التي لم تقم وتتشكل إلا بواسطة البناء لجدرانها المستخدم فيها الحجر والطين، واليد العاملة.
كل هذه الأعمال كان يقوم بها إنسان المنطقة قديماً عندما ينادي بطلب «المعونة» من أبناء قبيلته أو قريته أو بالمقايضة، وكان لكل فرد منهم مهمته الخاصة التي تعكس إبداعات أهل تلك الأرض في وقت لم تكن الآلات الهندسية موجودة. ولكنها فطرة الإنسان وعبقريته، فالباني هو شخص معروف. وله مهنته وهو «المعلم « الذي لايتدخل أحد سواه في هذه المهمة وكذلك عامل الطين، وملقفي الحجر أي الذين يناولون الحجر للباني وكذلك الطين، وعامل التكحيل وهو من يستخدم نوعا من الحجارة مختلفا عما يستخدمه الباني، حيث تسمى عند البعض ب «الكَحْل» وهي القطع الصغيرة التي تستخدم في اغلاق الفتحات ما بين الحجارة الكبيرة أو للتزيين وذلك بعد انتهاء مهمة الباني، ويضاف في بناء الحصون والقصور الشاهقات وبعض المنازل حجارة « المرو» الأبيض للتزيين.
ومع هذه المهمة وتنوعها كانت تتعالى الأصوات بترديد العديد من الأهازيج منها :
ترى البواني ترفع البنا
والكرس ذا يبقا ويزما
بكرة نبانيها مثل مابنا
وإلا بنيانها ياملقفة
كما يردد البعض العبارات المعروفة والمشهورة ومنها الأمثال كترديدهم للمثل :
أربعة شالوا الجمل والجمل ما شالهم.
مهمة المعدل :
وإن التنوع في المهام والعمل الشاق جعل الإنسان في هذه المنطقة يتخذ الشعر رفيقاً وأنيساً له. فما أن تصطف حجارة إلا والقافية تسابقها من حناجرهم التي تتعالى بترديدها. ومن أجمل الصور التي تعكس الهمة لدى إنسان المنطقة قديماً التي يزاملها أهازيج التحدي مايقومون به عند نقل «المعادل» أو مايسميه البعض بالمفرد «ملقف» وهو قطعة خشبية كبيرة لأحد جذوع الأشجار يستخدم في السقف كداعم أثناء البناء. وطريقة النقل التي كانوا يستخدمونها نجد فيها مكابرة على الجهد والتعب وكنوع من أنواع التحدي، فرغم ثقل هذا الملقف أو المعدل إلا أنهم يضعون شخصا يقف عليه وهم يحملونه على الأكتاف وما بين الأيادي، ومع الحمل الثقيل يرددون أهازيجهم وأبياتهم الشعرية ومنها قولهم :
دعونا الله نوديه
على المبنى نقاديه
لولا الحداد ومصلق البيباني
لكان الكل باني
وقد ذكر «علي مغاوي» المهتم بموروث عسير في كتابه «رجال .. ذاكرة قرية عربية» أن طقوس التعاون في البناء لها وقع خاص وهي دعوة بالصوت يتحمس معها العاملون ويستجيب لها الجيران والأصدقاء والراغبون في التعاون مع صاحب الشأن . وأورد في كتابه ما يقال عند نقل الحجر في رجال ألمع كنموذج لأبيات وأمثال البناء في عسير عامة التي تستخدم الحجر والطين منها :
ان البناء مثل الجمل قيده حديد
ما يمشي إلا ان سواقه نفيس
وأوضح مغاوي أن الهدف هنا هو تفسير لبطء الإنجاز . واضاف أنهم يرددون أيضاً قولهم :
لاتنقل الحديد مع الرجل الوكل
يا معين اليوم عنا
وابعد الشيطان عنا
وقال إن هذا يعني خطورة أن تحمل الحجر الثقيل مع من لا همة له ولا ثبات. لاحتمال أن يسقطها عليك، وأضاف أنهم يرددون حين يمر بهم فرد أو أشخاص ولم يقدموا لهم المعونة والمساعدة فينشدون :
لاخير في غمر وشى
ول اينفع قبايله.
بالطبع هنا يكررون الأهزوجة أو الأنشودة وإن كانت بيتا واحداً يميزها لحنها الذي يصدر من حناجرهم حيث له طبقاته التي تمثل نوع المهمة التي يقومون بها وتعكس الحالة لديهم .
الخلاصة :
كما ذكرت سابقاً أن هذه الأهازيج نموذج لما كان يردده إنسان عسير قديماً في معظم حالاته وهي تختلف من مكان إلى آخر بحكم التضاريس والتنوع البيئي والجغرافي ونوع المهمة علماً أنها لم تقف ابيات الشعر والأهازيج عند أعمالهم وحياتهم اليومية فقط، فلا يزال إلى الآن يردد إنسان المنطقة فنونا شعرية أخرى لها مناسباتها وألوانها سنتطرق لها في الأعداد القادمة، ولكن جعلنا البداية استحضارا للأهازيج والفنون القديمة التي أصبحت غائبة أمام جيلنا الحالي في محاولة لوضعها من جديد أمام قراء «خزامى».
للبناء عبقريته وأهازيجه
يتبع بعده الزراعة
تعليق