إسْكَانْ.. أم ارْتِهَانْ..؟! 1 / 2
إذا قلت ما بي \ د. فاطمة القرني
2016/04/28
l هذه ليست المرة الأولى التي أكتب فيها عن أزمة السكن ولا أظنها ستكون الأخيرة!.. وسأحاول ابتداءً أن أعيد طرح القضية وفق ما يلحظه المواطن غير المتخصص المحتاج لسرعة حلها وهو يتابع تلويحات الفرج من هنا أو هناك، ولا شك في أن أنشطة وزارة الإسكان و التغطيات الإعلامية لحراك مسؤوليها تمثل وجهة التتبع الأولى لهذا المواطن اللاهث العالق بين اليأس والرجاء، فما الذي قرأه ويقرؤه من بارز العناوين والتصريحات التي يبشرون بها في الأشهر القليلة الماضية:
(إن الركود الحاصل في سوق العقار لن يطول، حيث من المتوقع أن نرى انتعاشاً خلال الربع الثاني من العام الحالي 2016م في حركات البيع والشراء!).
(وَصْف سوق الرهن العقاري في المملكة ب «السوق الصغيرة» وأنها تُقَدَّر بنحو 94 بليون ريال، وتَوَقُّع نموها خلال الفترة المقبلة إلى نحو 250 بليون ريال بحلول العام 2020م، وأن الوزارة تخطط لإنشاء شركة تطوير وإنشاء صندوق للرهن العقاري لتشجيع المصارف على زيادة الإقراض!).
- (بعد توقيعها مع تحالف سعودي – كوري لإنشاء 100 ألف وحدة سكنية في مدينة الرياض بعقد تصل قيمته إلى 75 مليار ريال، تُوَقِّع وزارة الإسكان خلال الشهر الجاري مع ثلاث شركات مصرية لإنشاء عدد من الوحدات على مستوى المملكة، يتبعها التوقيع مع شركات تركية).. ويُفَصَّل في الخبر في صحيفة أخرى: (دراسة جدوى مشروع التعاقد مع الشركات الكورية تحتاج إلى ستة أشهر لتصدر، ثم إن الزمن المقدر لإنشاء الوحدات المتفق عليها يصل إلى عشر سنوات!).
ثم يأتي خبر آخر ليشير لإيقاف صرف الدفعات للمستحقين لقروض بنك التنمية العقارية لإعادة هيكلته!،.. ومؤخراً تأتي الأخبار بنجاح الوزارة في إعداد (نظام إيجار) الذي سيتم تطبيقه بعد ستة أشهر، لتنظيم قطاع التأجير العقاري بهدف ضمان حقوق المؤجر والمستأجر والوسيط العقاري!.
l هذه هي انعكاسات جهود وزارة الإسكان في الإعلام، وهي تَجْهَر أعين المواطنين بما تنعدم معه الرؤية أو تكاد، ففي بلد تمثل فيها نسبة غير المتملكين للمساكن ما يتجاوز 70%، ويقف فيها ما يقارب نصف مليون مستحق في طوابير الانتظار لقروض صندوق التنمية العقارية، في بلد تحتاج إلى 3 ملايين وحدة سكنية جديدة بحلول 2025م بناء على معدل النمو السكاني... لا يجد المتأمل رابطاً واضحاً مؤملاً باليسر بعد العسر ما بين هذه الجهود وبين أهداف الوزارة ومهامها الموكلة إليها والتي تتصدر واجهة موقعها الإلكتروني، وهي أربعة أهداف وثلاث عشرة مهمة، وحسبي أن أشير لأول الأهداف الذي نص على: (تيسير حصول المواطن على مسكن ميسر تُراعى فيه الجودة ضمن حدود دخله في الوقت المناسب من حياته!)،.... وإلى رابع وثامن وتاسع وعاشر مهامها، ونصوصها على التوالي باختصار: (وضع البرامج المختلفة والكافية من أجل توفير السكن المناسب لذوي الدخول المتوسطة وما دون ذلك. – تشجيع إنشاء جمعيات تعاونية للإسكان وتنسيق جهودها ومراجعة مشروعات أنظمتها. – بناء مساكن مناسبة للمحتاجين غير القادرين على الاستفادة من برامج الإقراض والتمويل الحكومية والخاصة. – تشجيع المؤسسات الخيرية والأفراد والشركات للمساهمة في بناء وحدات سكنية خيرية مناسبة للمحتاجين، وتقديم المشورة والعون عند الحاجة).
والسؤال.. هل من صلة مباشرة يلمسها المواطن ما بين شواهد أداء الوزارة وبين هذه العينة من أهدافها ومهامها؟!... ألا يبدو ضرباً من الترف المعجِز أن يحلم المواطن ذو الدخل المتوسط أو فئة (ما دون ذلك) من المستحقين – وهم النسبة الأعلى مهما كابرنا – بالسكن ولو في «سطح أو ملحق مناسب» في «الوقت المناسب من حياته» كما ذُيِّل نص الهدف الأول من إنشاء الوزارة؟!.
- تذكرت هذا التذييل الطريف والمرير في آن وأنا أتابع مفاخرة وتباهي الوزارة في أكثر من صحيفة مؤخراً بكونها لاحقت أحد المستحقين المنومين بالمستشفى لتُسلِّمه مفتاح وحدته السكنية!،... قلت: (.. فعلاً.. في الوقت المناسب من حياته!!) شفاه الله وحفظه لأهله وأحبته، وأعانه وبنيه وأحفاده على سداد قرض هذا السكن «الميسر»!!.
l نشط مؤخراً في تويتر هاشتاق عنوانه (مقاطعة – منتجات – العقاريين) بهدف دعوة المواطنين للتوقف عن شراء أي منتج عقاري سكني إلى حين تفعيل نظام رسوم الأراضي، ومن ثم تَحَقُّق ما يؤمله الناس من تراجع الأسعار إلى المستوى المعقول أو المقارب للمعقول ؛ وفي المقابل نشط تيار مضاد من العقاريين أخذ يستثمر أسماء بعض مشاهيرنا في تويتر للترويج للراكد من بضاعته والتي يبدو أن الحملة قد أضرت بها بالفعل، وقد وردني إيميل بهذا الشأن انتهى بمرسِلِه لأن يستحلفني: (بالله عليكم معشر أعضاء الشورى.. هل يُعقل استباحة إيذاء رجال الأعمال وتخسيرهم لمجرد أنهم أغنياء، خافوا الله، وضِّحوا للناس، التقارير تجيكم، ومعظمنا تحت رقابة الوزارة!!)
- حسناً.. سأبدأ من ذيل العبارة، فلا أحسب أن «معظم العقاريين» تحت رقابة وزارة لم تزل في معظم طرحها وحراكها محصورة في خانة: (تعتزم – تنوي – تخطط – تعتقد – تؤمل – تؤجل – آلخ.. آلخ).
ثم.. سأمثل بحالة شخصية، فقبل حوالي ست سنوات حولت راتبي على بنك يوصف بأن مَصرفيته «إسلامية»، لأشتري فيلا بمليون وثلاثين ألفاً، يستردها البنك مقسطةٌ مليوناً ونصف المليون إلاّ بعض «التفاريق» طبعاً وفق «ضوابطه الشرعية»!!،.. ومع حرصي وتحوطي قبل الشراء باستشارة ذوي الخبرة من الأهل بعيوب العقار وميزاته، إلاّ أن التشاكي والمواساة بين جدران البيت مستمرة على مدى هذه السنوات، ما أن «نطبطب» على صدعٍ في جدار، وإلا وتداعى له آخر ب «الحمى»و «انْشَعَر»!، والإضاءة في تناوب، تتناوب فيها الممرات والغرف اشتعالاً وانطفاء، لهفة وتوجداً واحتراقاً، وأغلب الظن أن البنك وقبله «ذاك المتطاول في البنيان» الذي باعنا البيت قد بلغتْهم أخبار «شاعريتي» فخصوني بما يكفل استدامة هذا الجو «الرومانسي» الحميم!.
أما عن اطلاع الشورى على خلفيات هذه الحال التي لا تسر، ومن ثم قيامه بدوره الرقابي والتشريعي في محاولة تصحيح اعتلالاتها فالمتابع لأداء المجلس سيتضح له أن قضية الإسكان من قبل ومن بعد إنشاء الوزارة كانت ولم تزل من أَوْلى ما وجه إليه متابعته واهتمامه، ولعلي أستعيد مع أخي «العقاري» المتظلم بعض الإحصائيات التي وردت في الاستراتيجية الوطنية للإسكان التي ناقشها المجلس قبل شهرين:
سكن المواطنين: 28%مساكن شعبية- 31%فلل- 28%شقق- 12% أدوار- 1,3ظ? أخرى(خيام وصنادق وعشش!!).
تقديرمعدل الزيادة السنوية للأسر= 125ألف أسرة جديدة./ معدل التزاحم 56,3%.
تقديرات نسبة الشواغر السكنية = 17% أي حوالي 970 ألف وحدة!.... هذه الإستراتيجية التي أُعدت على مدى 32 شهراً، قد شهدت إحصائياتها بلا شك بعض التغييرات، ولكنها - بلا شك أيضاً – باتجاه التفاقم والتأزم وليس العكس!.
... وقد كانت للمجلس ملحوظات في غاية الأهمية على محتوى الاستراتيجية تَمَّ ربط موافقته عليها باعتماد تلك الملحوظات والتعديلات، منها ما تَوَجَّه لإعادة تقويم التحليلات المالية الواردة في الاستراتيجية وفق الواقع الاقتصادي الحالي، ومنها ما اشترط أن تتضمن الاستراتيجية في متنها ما يتعلق بآليات توفير المساكن لذوي الاحتياجات الخاصة والأرامل والأيتام والمطلقات بدون عائل، وكذلك إعادة النظر في تقديرات الطلب الكامن والفعلي على الإسكان ودور الوحدات الشاغرة في تلبية إجمالي الطلب، ثم ضرورة تحديث الاستراتيجية كل خمس سنوات في ضوء خطة التنمية ومستجدات الواقع الاقتصادي والمعيشي.
وإلى تتمة الحديث في العدد القادم بإذن الله
انتظروا العدد القادمة استكمالاً للموضوع
تعليق