• تم تحويل المنتديات للتصفح فقط

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رحيل الشباب.. يعيد ذكريات العمر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رحيل الشباب.. يعيد ذكريات العمر

    رحيل الشباب.. يعيد ذكريات العمر


    تقدُّم السن يجعل من العصا رِجلاً ثالثة




    دائما ما تشبّه سنوات الشباب بربيع العمر, التي تعبر عن الحياة المفعمة بالنشاط, والقوة, والطموح, والتمني الذي تسوقه الأفكار لتحقيقه, وهي عوامل تؤثر على نفس المسنين حين مرور ركاب ذكرياتهم لسنوات العمر الذي فات, فينفضون بها غبار الوقت, ليتجول الخيال بهم عند محطات بمواقف وحوادث وأعمال في أيام خلت, كان هو فيها سيد الموقف ومدبره, فتنكسر نفسه حين يرى ما آل إليه مصيره بمرور السنين وتقدم العمر إلى العجز ما يجعل شعوره بعدم الفائدة منه يسيطر على مشاعره وفكره.
    الشاعر جابر بن سعيد الوثر يظهر حسراته, على تلك الأيام, ويوضح الأسباب التي تجبره على قبول هذا الوضع مرغما, ونرى تأثره الكبير فلم تعد قدراته كما كان في شبابه, ما أجبره العجز على الجلوس الدائم بعدم الحركة, ثم يحاول تبرير هذا الضعف, وأنه لم يأت إلا بفعل تقدم السنين به, فحين كان في عنفوان شبابه كان يمارس الحياة بقوته وصحته ويلبي متطلباتها, ويسافر دون حساب للمسافات, وكلما أراد, والضعف بتقدم السن محطة طبيعية يمر بها كل من يعيش على الأرض ويطول به العمر, لتجعل من العصا رِجلاً ثالثة له, لينتهي به طول الأمد مثله كمثل الركية وهي زاوية المشب الذي يجمعون فيه الرماد, قصيدة زودتنا معانيها بشعور مدى ما يحمله الشاعر من حسرة على الشباب, الذي يسبب له الشعور بالعجز ومقت الكبر الذي يجلب الضعف للإنسان بعد قوة.
    صور الشاعر رحيل الشباب كشخص تركه ليوصي عليه الشيب, وشبه الشيب كشخص ليس منه منفعة, بل ويحمل صفات غير محببة للإنسان, كالعجز والضعف, وما يتبعهما في حياة ابن آدم في هذه المحطة العمرية:
    الشب خالاني ووكل عليّه
    وكّل علي الشيب عفن العذاريب
    الاعتماد على الآخرين في قضاء الحاجات, من أكبر هموم التقدم في السن, والذي يحسب له ابن آدم ألف حساب, وهو شعور يثقل على تفكيرهم بالهم والقلق, حيث لا يتخيل بعد أن كان يعتمد على نفسه, صارت حاجاته يقضيها له الآخرون, وقد صور لنا الشاعر العجز بالجمود وقلة الحركة, وهي عوامل تحدثها التغيرات الفسيولوجية الطبيعية بمرور العمر فيصف لنا الشاعر طول جلوسه في مكان واحد بجانب موقد النار مرغما لعدم القدرة بانهيار القوة:
    امسيت واصبح عند جال الركيّه
    ما كن عمري وقت روس المراقيب
    تأتي الذاكرة بأيام انطلاقة الشباب في تحقيق الطموح بدون تردد, تسانده القوة والصحة والإقدام, ما تؤثر هذه المقارنة على نفسيته بالتراجع ومن ثم الحزن على الشباب.
    ياما بديت الصبح في الجاهليه
    اطرد عيال الصيد والضبع والذيب
    وان ثار داخلي تحرّى الشويَّه
    اليا قضبت امصلفحات العراقيب
    يوقن الشاعر بأنها حالة تمر على كل ابن آدم, وهي في طبيعة البشر, التي كتبها الله عليهم.
    واليوم ماغير العصى في يديَّه
    أمشي عليها ثالثة للمراكيب
    وكبيت مشي في الديار العفيّه
    اليوم حيلي لا يودي ولا يجيب
    واللي مضى للناس ماضي عليّه
    وأخذت من أثْرْ الليالي تجاريب
    ما ينعرف رجل بليا حميًّه
    ولا تنرعي جْفْره بليا مشاريب
    ولا تنقطع سهله بليا مطيَّه
    ولا تنّجب حرة بليا ضواريب
    مصلفحات العراقيب: البندق
    يخبئ ابن آدم ذكرياته ليشحذها خياله عند الشعور بالقهر والانهيار النفسي في حال التقدم بالسن والشعور بالضعف, فيبرد خاطره, وتهدأ نفسه, وتتغير نظرته لنفسه, كعضو فعال أصبح قدوة بماضيه, ويثبت لنفسه ان العجز لا يأتي إلا بعد قوة.
    استطاع الشاعر محبوب سعد الجميدي, ان يصور لنا الشيب بأوراق الشجر التي يصفر لونها بالخريف بعد أن كانت خضراء في الربيع تماما كربيع العمر في الشباب وخريفه في المشيب. فيخبرنا بالتغيرات الفسيلوجية, التي تمر على الانسان بمراحل التقدم العمر, ومنها الاختلاف في التذوق سواء الطعام أو الحياة بصفة عامة, وهذا يسبب لدى كبار السن العزلة النفسية, الذي يؤدي للعزلة الاجتماعية, وقد تؤدي به لحالة اكتئاب, لشعوره أنه ثقيل على الآخرين, فيبدأ بالتخفيف عن نفسه بإعادة شريط الذكريات, وسرد المأثورات التي قام بها في محطات حياته حين كان شابا ويتسم بالقوة والصحة.
    فيصف رحيل الشباب, الذي فيه قوتهم وطموحهم واصرارهم ومآثرهم من مكارم الأخلاق وشيمها, بقدوم خريف الوقت وقيظه, أي المشيب لتوقف معنى الحياة في تقديره.
    لا وابي إلا صفّرن خُضر الأوراق
    أقفا ربيع العمر واقبل خريفه
    يسرد الشاعر التغيرات التي طرأت عليه وتسبب له القلق, منها تغير المذاق, التعب السريع والارهاق, وعندما أرد الهروب من التفكير في هذا الوضع الذي لا يحبذه لما يحمله من معنى للضعف المقيت, لجأ لخياله يتجول في لحظات الشباب وعنفوانه وقوته, فيجد الفخر بين زوايا ماضيه حين تذكر شجاعته, وكرمه, ونبل أخلاقه, التي كان يؤديها بلا كلل أو ملل.
    تغيرت كل المشارب والأذواق
    والقلب ما جاه زايد رجيفه
    طبع الليالي كل ما ناض برّاق
    هبت سموم القيض واغدت رفيفه
    أخذت من دناياي نشوات واشراق
    آطا طمان الضلع وأرقى منيفه
    وأقدم على زين المواقف والإقدام
    وأخذ سمين العلم واترك ضعيفه
    لو زاد ثقل الحلم ما يوجع الساق
    أبدى لنا الشاعر نظرته في مرحلة خريف العمر التي تؤثر عليه سلبيا, كتردي الصحة والإجهاد, والشدة, والقلق, والاكتئاب, لكنه يرى أن الحياة سائرة على ما كتب الله لنا فيها فيستسلم لأمر الله:
    أشوف من عزمي ثقيلة خفيفه
    واليوم موج الوقت مغرقني اغراق
    حبل الرجا يا دوب مدرك رصيفه
    قصرت محابيلي وضاقن الآفاق
    واسع مجالي جاء بدالي قضيفه
    بارك بروك الثلب والجسم منعاق
    أرزم رزيم اللي مضيع وليفه
    دنيا تصافقنا على غير ما لاق
    بالغصب نشرب كاسها لو نعيفه
    وفي هذه الحالة ليس للمخلوق ملجأ إلا إلى الله سبحانه وتعالي, ثم الدعاء بأن يلطف بنا عندما نسافر السفرة الأخيرة, يقصد بعد موته وقد يتضح لنا من هذا دخول الشاعر بحالة يأس من الحياة. فيطلب من الله ويرجيه بأن يرحمه عندما يحل عليه ضيفا.
    وأطلب من اللي معتلي سبعة أطباق
    يلطف بمن لا غير لطفه سعيفه
    اللي يخبر إني على الضيف مشفاق
    يشفق علي برحمته يوم أضيفه
    وأزكى صلاة الله على زين الأعراق
    أطهر طهور الخلق واشرف شريفه
    قال الله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا, إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا) الاسراء 23- 24.


    منقول



    كل العطور سينتهي مفعولها
    ويدوم عطر مكارم
    الأخلاق

  • #2


    • الشيب في الشعر الشعبي والفصيح


    لا يرحل الشيب عن دار أقام بها، حتى يُرحِّل عنها صاحبَ الدارِ (مسلم بن الوليد) ألا وا وجودي وجد عودٍ على الصبا، تذكر لعّجات الشباب وشاب (سرور الأطرش)






    ورد في كتاب (محاضرات الأدباء للأصفهاني): إن الإمام أبا حنيفة قال للمزين (الحلاق):
    • التقط هذه الشعرات البِيض..

    فقال الحلاق:
    • لا تلتقطها فإنها تكثر..

    فقال أبو حنيفة باسماً:
    • إذن التقط الشعرات السود لعلها تكثر!..

    والأمام يعلم أنه إذا حلّ الشيب فلن يرحل، ولكنه يداعب الحلاق!
    وفي مأثورنا الشعبي أن رجلاً عجلاً في رأسه شيب كثير جاء للحلاق (وكانوا يسمونه الحجام لأنه يقوم بالمهمتين معاً: الحجامة والحلاقة) وبمجرد أن جلس عنده وكشف رأسه قال بعجلة:
    • في رأسي شيب واحد؟!

    قال الحلاق:
    • يطيح وتشوفه!!

    فصار قوله (يطيح وتشوفه) مثلاً شعبياً أورده الأستاذ الجهيمان، ويضرب لكل أمرٍ سيتضح بدون شك..
    على أي حال ورد في الشيب أشعار وأقوال كثيرة، ما بين قادح ومادح، بعضهم يشكو والآخر يتجلد ويتظاهر بأن الشيب رزانة ووقار..
    قال دعبل الخزاعي:
    «لا تعجبي يا هندُ من رجلٍ
    ضحك المشيب برأسه فبكى»
    ويقول دعبل نفسه مرحباً بالشيب (وللشعراء أطوار!!)
    «أهلاً وسهلاً بالمشيب فإنه
    سمة العفيف وحلية المتحرج
    ضيف ألمَّ بمفرقي فقريته
    رفض الغواية واقتصاد المنهج»
    قريته: أضفته، كأن الشاعر يردد المثل الشعبي (إذا كان زادك ماكول فرجت)!
    ولدعبل نفسه:
    «إن المشيب رداء الحلم والأدب
    كما الشباب رداء اللهو والطرب»
    وقال أعرابي (وأجاد):
    «أرى الشيب مذ جاوزتُ خمسين حجة
    يدب دبيب الصبح في غسق الظلم
    هو السمُّ إلا أنه غير مؤلم
    ولم أر مثل الشيب سماً بلا ألم»
    ويهم علي بن الجهم ألا يشيب رأسه على جهل:
    «إذا لم يشب رأس على الجهل لم يكن
    على المرء عار أن يشيب ويهرما
    ومن ضعفت أعضاؤه اشتد رأيه
    ومن قومته الحادثات تقوما»
    ويقول الأصبهاني - وذكر الخضاب أي صبغ الشيب بالحناء:
    «في مشيبي شماتة لعداتي
    وهو ناعٍ منغص لي حياتي
    وهو ناعٍ إليّ نفسي، ومن ذا
    سرّه أن يرى وجوه النعاة؟!
    ويعيب الخصاب قوم وفيه
    لي أنس إلى حضور وفاتي»
    ومن نادر شعر الجاحظ (وفيه سخريته المعهودة):
    «إن حال لون الرأس عن لونه
    ففي خصاب الرأس مستمتع
    هب من له شيب له حيلة
    فما الذي يحتاله الأصلع؟!»
    لم يدرك الجاحظ زمن زراعة الشعر!

    وهزأت جارية بشيب أبي دلف العجلي - وكان كريماً فارساً- قال:
    «تهزأت إذ رأت شيبي فقلت لها
    لا تهزئي من يطل عمر به يشب
    فينا لكن وإن شيب بدا أرب
    وليس فيكن بعد الشيب من أرب»
    والمتنبي يكره الشيب ويذمه تارة:
    «أبعد بعدت بياضاً لا بياض له
    لأنت أسود في عيني من الظلم»
    ويتحداه تارة أخرى معتبراً أن روحه شباب على طول:
    «وفي الجسم نفس لا تشيب بشيبه
    ولو أن ما في الوجه منه خراب
    يغير مني الدهر ما شاء غيرها
    وأبلغ أقصى العمر وهي كعاب»
    ويرى البستي أنه لم يكتمل رأيه ولم يستقم عقله إلا بعد أن عوج المشيب ظهره:
    «ما استقامت قناة رأييَ إلا
    بعد أن عوج المشيب قناتي»
    ويرى أحد الشعراء الشعبيين أن الشيب هو بريد الموت:
    «ترى الشيب سبر الموت فيانفس فاقنعي
    وخوفي وارجي من عليك رقيب
    إلى عاد شيبي ما يرد سفاهتي
    ألا وا وجعي ما في عيابي طيب!»
    ويتوجد سرور الأطرش على الشباب الذي غاب، ويتوجع من الشيب الذي أقبل كالظلمات، ويتذكر أصدقاءه الذين أخذهم الموت كما ملح خلط بالماء وذاب.. في شعر له بليغ:
    «ألا وا وجودي وجد عود على الصبا
    تذكر لعجات الشباب وشاب
    يهوم بالمراجل باغي مثل ما مضى
    ينوض ويونس بالعظام عياب
    أنا اليوم يا (حماد) ربعي تفرقوا
    كما ملح أمسى بالغدير وذاب
    أنا اليوم ما تقوى عظامي تقلني
    كما السيق يومى به بغير قضاب»
    يا الله حسن الخاتمة..




    منقول

    التعديل الأخير تم بواسطة سعد بن معيض القرني; الساعة Nov-27-2016, 11:32 AM.
    كل العطور سينتهي مفعولها
    ويدوم عطر مكارم
    الأخلاق

    تعليق


    • #3
      ما أجمل تذوقك لما تقرأ وأختيارك لما تنقل دليل على ذلك
      شكرا لك وتسلم بارك الله فيك وجزاك خير

      تعليق


      • #4
        شكراً لنقلك الموفق والمفيد ...


        تعليق

        يعمل...
        X