• تم تحويل المنتديات للتصفح فقط

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تفسير قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ... ﴾

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تفسير قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ... ﴾


    تفسير قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ...


    قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 74].

    في هذه الآية توبيخ وتقريع لبني إسرائيل في قسوة قلوبهم بعدما مَنَّ الله عليهم به من النعم الجليلة، وما رأوا من الآيات العظيمة، من إحياء الموتى، وبيان القاتل وغير ذلك.

    قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ﴾، أي: ثم صلبت وتحجرت قلوبكم، فلم تؤثر فيها الموعظة، والخطاب لبني إسرائيل.

    ﴿ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ﴾ الإشارة لما تقدم من مشاهدتهم آيات الله تعالى في إحياء الموتى، والإنعام عليهم ببيان القاتل، وكف ما بينهم من المدارأة في ذلك، مما يستوجب الشكر ورقة القلوب لا قسوتها.

    رُويَ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إن القوم بعد أن أحيى الله تعالى الميت فأخبرهم بقاتله أنكروا قتله، وقالوا: والله ما قتلناه فكذبوا بالحق بعد إذ رأوه، فقال الله تعالى: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ﴾ الآية"[1].

    والآية أعم من هذا.
    ﴿ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ ﴾ الكاف: للتشبيه بمعنى "مثل" أي: فقلوبكم في قسوتها مثل الحجارة، وهي الصخور الصلبة التي هي أقسى شيء، وهذا من تشبيه المعقول بالمحسوس، وتشبيه أمر معنوي وهو عدم قبول قلوبهم للحق وإعراضها عنه كلية بأمر حسي وهي الحجارة الصلدة الصلبة التي لا تلين أبدا.

    ﴿ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ﴾ "أو" يحتمل أن تكون لتحقيق ما سبق، أي: أنها كالحجارة في القسوة إن لم تكن أشد قسوة منها، أي: أن قسوتها لا تنقص عن قسوة الحجارة، فإن لم تزد عليها لم تكن دونها، قال ابن القيم[2]: "وهذا المعنى أحسن وألطف وأدق".

    وقريب من هذا قول من قال: "أو" بمعنى الواو، أي: فهي كالحجارة وأشد قسوة.

    ويحتمل أن تكون "أو" بمعنى "بل" فتكون للإضراب، أي: بل هي أشد قسوة من الحجارة.

    وهذا أظهر؛ لأنه أبلغ في وصف قساوة قلوبهم، ولأن الحجارة منها ما يهبط من خشية الله، كما قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾، ومنها ما يخشع ويتصدع من ذكر الله، كما قال تعالى: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ﴾ [الأحزاب: 72].

    وقيل: إن "أو" بمعنى الواو، أي: فهي كالحجارة وأشد قسوة. كما قال تعالى: ﴿ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 24] أي: وكفورًا، ومن هذا قول جرير[3]:
    نال الخلافة أو كانت له قدرًا
    كما أتىٰ ربَّه موسى على قدر




  • #2

    أي: وكانت له قدرًا.
    ï´؟ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ï´¾.

    لما ذكر عز وجل قسوة قلوب بني إسرائيل، وأنها كالحجارة أو أشد قسوة، وفي هذا دلالة على أنه لا أمل فيها ولا خير فيها البتة أتبع ذلك ببيان أن من الحجارة ما هو خير من قلوبهم القاسية من وجوه عدة، فمنها ما يتفجر منه الماء، ومنها ما يشقق فيخرج منه الماء، ومنها ما يهبط من خشية الله.

    قوله: ï´؟ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ï´¾ هذه الجملة وما عطف عليها في محل نصب على الحال، أي: والحال إن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار... إلى آخره.

    أو هي اعتراض بين قوله: ï´؟ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ï´¾، وبين قوله: ï´؟ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ï´¾ أو استئنافية.

    ï´؟ لَمَا ï´¾ اللام للتوكيد، و"ما": اسم موصول في محل نصب اسم "إن" والضمير في قوله: ï´؟ مِنْهُ ï´¾ يعود إلى الاسم الموصول، أي: وإن من الحجارة للذي يتفجر منه الأنهار ï´؟ يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ï´¾، أي: يتفتح وتخرج وتجرى منه الأنهار، أي: أنهار المياه، كما قال تعالى: ï´؟ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ï´¾ [البقرة: 60]، وفي الأعراف: ï´؟ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ï´¾ [الأعراف: 160] والتَفَجُّر أبلغ وأقوى من التشقق؛ ولهذا قدم عليه.

    ï´؟ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ï´¾ أي: وإن من الحجارة للذي يشقق فيخرج منه الماء، كما في أحجار الآبار تتشقق ويخرج وينبع منها الماء وإن لم يكن جاريًا.

    ï´؟ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ï´¾ أي: وإن من الحجارة للذي يهبط من خشية الله، أي: يخضع ويخشع ï´؟ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ï´¾ أي: بسبب خشية الله وخوفه وتعظيمه، كما قال تعالى: ï´؟ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ï´¾ [الحشر: 21]، وقال تعالى لموسى عليه السلام: ï´؟ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا ï´¾ [الأعراف: 143]، وقال تعالى: ï´؟ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ï´¾ [الإسراء: 44]، وقال تعالى: ï´؟ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ï´¾ [الحج: 18].

    ï´؟ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ï´¾ قرأ ابن كثير ويعقوب وخلف بالياء: "يعملون" على الغيبة، وقرأ الباقون بالتاء على الخطاب: ï´؟ تَعْمَلُونَ ï´¾.

    والواو في قوله: ï´؟ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ ï´¾ حالية، و"ما": نافية، والباء في قوله: ï´؟ بِغَافِلٍ ï´¾ زائدة من حيث الإعراب مؤكدة من حيث المعنى للنفي، و"ما" في قوله: ï´؟ عَمَّا تَعْمَلُونَ ï´¾ موصولة، أو مصدرية، أي: والحال أن الله ليس بغافل عن الذي تعملون، أو عن عملكم.

    والغفلة في الأصل سهو يعتري الإنسان لضعفه، بسبب قله التحفظ والتيقظ، أما الله عز وجل فلا يعتريه سهو ولا غفلة، لكمال علمه وإحاطته، ودوام رقابته وقيوميته.

    ففي نفيه عز وجل عن نفسه الغفلة عن عملهم إثبات كمال علمه وإحاطته بعملهم وحفظه وإحصائه له، وأنه سيجازيهم عليه.

    والصفات المنفية يؤتى بها لنفي تلك الصفات وإثبات كمال ضدها، كما في قوله تعالى: ï´؟ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ï´¾ [الفرقان: 58] ففي قوله: ï´؟ الَّذِي لَا يَمُوتُ ï´¾ إثبات كمال حياته.

    والخطاب في الآية لليهود قُساة القلوب، وفيه تهديد ووعيد لهم، كما قال تعالى ï´؟ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ï´¾ [المائدة: 13].

    كما أن فيه تهديدًا ووعيدًا لغيرهم من قساة القلوب؛ ولهذا نهى الله عز وجل المؤمنين أن يكونوا مثل أهل الكتاب فتقسوا قلوبهم، فقال تعالى: ï´؟ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ï´¾ [الحديد: 16].

    الفوائد والأحكام:
    1- تذكير بني إسرائيل بما حصل من أسلافهم من المكابرة والعناد والتعنت والتشديد على أنفسهم في أمر البقرة مما كان سببًا للتشديد عليهم؛ لقوله تعالى: ï´؟ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ï´¾ الآيات.

    2- تعظيم موسى لربه؛ لقوله تعالى: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ ï´¾ بصيغة الغائب، ولفظ الجلالة "الله" الدال على التعظيم.

    3- إثبات رسالة موسى عليه السلام وأنه مرسل من عند الله تعالى ؛ لقوله تعالى: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ ï´¾.

    4- شدة جهل بني إسرائيل، حيث أنكروا على موسى ما قاله لهم مع أنه أخبرهم أن الذي أمرهم بذبح البقرة هو الله عز وجل، وكان الواجب عليهم التسليم لأمر الله وإن خفي عليهم وجه الحكمة في ذلك؛ لقولهم: ï´؟ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ï´¾.

    5- أن الاستهزاء بالناس من الجهل والسفه؛ لقول موسى عليه السلام: ï´؟ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ï´¾.

    6- لا منجا ولا ملجأ لجميع الخلق من الرسل وغيرهم للحفظ من الشرور إلا إلى الله عز وجل؛ لقول موسى عليه السلام: ï´؟ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ï´¾.

    7- استكبار بني إسرائيل وجدالهم وسوء أدبهم وسخريتهم في قولهم: ï´؟ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ ï´¾ فلم يقولوا: "ادع لنا ربنا" أو "ادع الله لنا" ونحو ذلك. وكأنَّ رب موسى ليس ربًّا لهم- عياذًا بالله.

    8- تعنُّت بني إسرائيل وتشديدهم على أنفسهم بالسؤال عن سن البقرة بقولهم: ï´؟ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ ï´¾، ولو ذبحوا أي بقرة أجزأهم ذلك وحصل المقصود، ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم بقوله: ï´؟ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌï´¾.

    9- تأكيد الأمر لبني إسرائيل بفعل ما أمرهم الله به، لقول موسى عليه السلام: ï´؟ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ ï´¾.

    10- تعنُّت بني إسرائيل وتشديدهم على أنفسهم ثانيًا بالسؤال عن لون البقرة، مما لا مبرر له ولا فائدة إلا المكابرة والعناد؛ لقولهم: ï´؟ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا ï´¾ فشدد الله عليهم بقوله: ï´؟ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ï´¾.

    11- تعنُّت بني إسرائيل وتشديدهم على أنفسهم ثالثًا بسؤالهم عن البقرة أهي عاملة أو غير عاملة؟ بقولهم: ï´؟ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا ï´¾ فشدد الله عليهم بقوله: ï´؟ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا ï´¾.

    12- تعليق الأمر بمشيئة الله- تعالى؛ لقولهم: ï´؟ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ï´¾، فلا شيء يقع إلا بمشيئة الله عز وجل، ولعل هذا هو السبب في اهتدائهم إليها في النهاية وذبحها، كما قال بعض السلف، لكن لا يجوز الاحتجاج على الفعل أو الترك بالمشيئة، كما قال المشركون: ï´؟ وْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ ï´¾ [الأنعام: 148].

    13- التحذير من التشدد في الدين، فإن من شدد، شدد الله عليه، فبنو إسرائيل كان المطلوب منهم ذبح أيّ بقرة، لكنهم تشددوا فسألوا عن سنها، فَقُيِّدوا بسن معين محدد، بأنها: ï´؟ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ ï´¾ أي: وسط بين ذلك، وليتهم فعلوا، لكنهم تشددوا مرة ثانية، فسألوا عن لونها، فقيدوا بلون محدد، وهو أنها: ï´؟ بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ï´¾، وليتهم فعلوا، لكنهم تشددوا مرة ثالثة، فسألوا عن عملها، فقيدوا بأنها: ï´؟ بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا ï´¾.

    14- شدة عناد بني إسرائيل وتباطؤهم وتلكؤهم عن تنفيذ أمر الله- تعالى.

    15- جُرأة بني إسرائيل على إنكار ما جاءهم به موسى من عند الله والطعن فيه؛ لقولهم: ï´؟ الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ï´¾، فكأنهم يرون أن ما قبله ليس بحق، ويدل على هذا قولهم: ï´؟ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ï´¾.

    وعلى احتمال أنهم أرادوا بقولهم: ï´؟ الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ï´¾ أي: بالبيان التام في أمر البقرة، فإن في هذا دليلًا على شدة جهلهم؛ لأنه قد جاءهم بالحق والبيان من أول مرة بقوله: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ï´¾، فلو ذبحوا أي بقرة أجزأهم ذلك، وحصل المقصود.

    16- ذبح بني إسرائيل للبقرة بعد العناد والتشدد والجهد الجهيد؛ لقوله تعالى: ï´؟ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ï´¾، أي: فذبحوها على مضض وكره؛ لقوله تعالى: ï´؟ وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ï´¾؛ لشدة تعنتهم وعنادهم.

    17- وجوب المبادرة إلى امتثال أمر الله وترك العناد والمكابرة، فإن المخالفة لأمر الله أو التباطؤ في تنفيذه قد تكون سببًا للتشديد في الأمر، أو الوقوع في مخالفة أعظم.

    تعليق


    • #3

      18- أن سبب أمر بني إسرائيل بذبح بقرة هو قتلهم نفسًا وتدارؤهم فيمن قتلها؛ لقوله تعالى: ï´؟ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ï´¾.

      19- إقدام نفر من اليهود على قتل رجل منهم واتهام كل قبيلة منهم الأخرى بقتله، وفي هذا ارتكاب ذنبين كبيرين؛ الأول: قتل النفس بغير حق، والثاني إنكار القتلة أنهم قتلوا واتهامهم للآخرين؛ لقوله تعالى: ï´؟ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ï´¾.

      20- أن من أقدم على ارتكاب القتل أو اتهام الآخرين فيه شبه من اليهود.

      21- عدم قدرة الخلق على علم الغيب لعدم معرفة أهل القتيل من قتله.

      22- حرمة القتل العمد في جميع الديانات السماوية؛ لما يترتب عليه من إزهاق النفوس بغير حق.

      23- علم الله عز وجل الغيب وجميع ما يكتم الخلق، وإظهاره؛ لقوله تعالى: ï´؟ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ï´¾.

      24- التحذير من كتمان الحق وإخفائه؛ لأن الله لا تخفي عليه خافية، والسر عنده علانية.

      25- لا ينبغي التكلف في تحديد البعض من البقرة الذي ضرب به القتيل؛ لأن الله أمرهم بضربه ببعضها، أي: بأي بعض منها، ولم يحدد هذا البعض توسعة وتيسيرًا عليهم؛ لقوله تعالى: ï´؟ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ï´¾ وهذا أوسع لهم وأيسر في التنفيذ من لو حدد هذا البعض.

      26- في إحياء القتيل بضربه ببعض البقرة دلالة على قدرة الله عز وجل التامة على إحياء الموتى، وآية عظيمة من آياته الكونية يريها عز وجل بني إسرائيل؛ لأجل أن يعقلوا عن الله عز وجل آياته، ويتفهموها وينتفعوا بما منحهم الله عز وجل من عقول؛ لقوله تعالى: ï´؟ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ï´¾.

      27- ربط المسببات بأسبابها؛ لقوله تعالى: ï´؟ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى ï´¾، والله قادر على إحيائه بدون ذلك.

      28- نعمة الله عز وجل على بني إسرائيل في بيان القاتل، وإظهار الحق في هذه القضية، وفي بيان آياته لهم؛ لأجل أن يعقلوها ويهتدوا إلى الحق.

      29- توبيخ بني إسرائيل على قسوة قلوبهم من بعد ما مَنَّ الله به عليهم من النعم الجليلة، وما رأوا من الآيات العظيمة من إحياء الموتى، وبيان القاتل وغير ذلك؛ لقوله تعالى: ï´؟ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ï´¾.

      30- شدة قسوة قلوب بني إسرائيل فهي كالحجارة في القسوة أو أشد قسوة من الحجارة؛ لقوله تعالى: ï´؟ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ï´¾.
      31- تشبيه المعقول بمحسوس؛ لزيادة الإيضاح والبيان، وأن الحجارة أشد شيء في القسوة.

      32- أن قسوة القلوب من صفات اليهود، مما يوجب الحذر من ذلك؛ ولهذا نهى الله عز وجل المؤمنين أن يكونوا كأهل الكتاب، فتقسوا قلوبهم.

      33- أن من الحجارة ما هو خير وألْيَن من قلوب بني إسرائيل القاسية، بتفجر الأنهار منها أو بتشققها وخروج الماء منها، أو هبوطها من خشية الله تعالى ؛ لقوله تعالى: ï´؟ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ï´¾.

      34- قدره الله عز وجل التامة في تفجير الماء من الحجارة، وشقها وإخراج الماء منها.

      35- أن من الحجارة ما يهبط من خشية الله رب العالمين؛ لقوله تعالى: ï´؟ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ï´¾، وفي هذا دلالة على طاعة الجمادات وانقيادها لله عز وجل وعبادتها له، كما قال تعالى: ï´؟ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ï´¾ [الإسراء: 44]، وقال تعالى: ï´؟ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ï´¾ [الحج: 18].

      36- إثبات عظمة الله عز وجل ووجوب خشيته وتعظيمه؛ لأنه إذا كانت الحجارة والجمادات تخشاه وتعظمه فالعقلاء أولى بخشيته وتعظيمه، وذلك عليهم أوجب.

      37- إحاطة الله عز وجل التامة وعلمه بأعمال العباد وعدم غفلته عنها؛ لقوله تعالى: ï´؟ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ï´¾، ففي هذا إثبات كمال إحاطته وعلمه.

      38- التهديد والوعيد لقساة القلوب؛ لقوله تعالى: ï´؟ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ï´¾ أي: أنه سيحصيه ويحاسبكم ويجازيكم عليه.

      المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »

      [1] انظر: "جامع البيان" (2/129)، "تفسير ابن كثير" (1/162).

      [2] انظر: "بدائع التفسير" (1/ 320).

      [3] انظر "ديوانه" (ص 16).








      الألوكة

      تعليق


      • #4
        جزاك الله الف خير على ماتقومين به من اعمال خيره

        تعليق


        • #5

          تعليق


          • #6
            جزاك الله خير

            تعليق


            • #7
              بارك الله فيك
              ]


              ]

              تعليق


              • #8

                تعليق


                • #9
                  بارك الله فيك

                  تعليق


                  • #10
                    بارك الله فيك وجزاك الله خيرا
                    وجعلة فى ميزان حسناتك




                    تعليق


                    • #11
                      مشكوووووور والله يعطيك العافيه

                      تعليق


                      • #12
                        يسعدني ويشرفني مروركم العطر

                        تعليق

                        يعمل...
                        X