• تم تحويل المنتديات للتصفح فقط

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الْوِطابُ مِنْ فوائدِ فاتحةِ الكتاب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الْوِطابُ مِنْ فوائدِ فاتحةِ الكتاب

    الْوِطابُ مِنْ فوائدِ فاتحةِ الكتاب


    اَلْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعالَمينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلامُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلينَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعينَ، أَمَّا بَعْدُ:
    فَهَذِهِ فَوائِدُ مِنْ سورَةِ الْفاتِحَةِ، أذْكُرُهَا بِشَكْلٍ مُخْتَصَرٍ مُعَنْوِنًا كُلَّ فائِدَةٍ بِعُنْوانٍ مُناسِبٍ، وَقَدْ بَلَغَ عَدَدُ هَذِهِ الْفَوائِدِ خَمِسَةً وَعِشْرينَ فائِدَةً، وَأَسْمَيْتُهَا: "الْوِطاب[1] مِنْ فوائدِ فاتحةِ الكتاب"، وَاللهَ تَعالى أَسْأَلُ أَنْ يَنْفَعَ بِها جامِعَهَا وَقارِئَهَا، إِنَّهُ جَوادٌ كَريمٌ.

    الفائدة الأولى: مِنْ أَحْسَنِ ما يُعينُ على فَهمِ الفاتحةِ:
    قَالَ الإِمَامُ شَيْخُ الإِسْلامِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُ الوَهَّابِ رَحِمَهُ اللهُ: "مِنْ أَحْسَنِ مَا يَفْتَحُ لَكَ فِي فَهْمِ الْفَاتِحَةِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ حَيْثُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْـفَيْنِ، نِصْـفُهَا لِي وَنِصْـفُهَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ العَبْدُ: ﴿ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ؛ فَيَقُولُ اللهُ: حَمَدَنِي عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ العَبْدُ: ﴿ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ؛ فَيَقُولُ اللهُ: أَثْنَى عَليَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ العَبْدُ: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ؛ فَيَقُولُ اللهُ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ العَبْدُ: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَستَعِينُ؛ فَيَقُولُ اللهُ: هَذِهِ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، وَإِذَا قَالَ العَبْدُ: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ؛ فَيَقُولُ اللهُ: هَذِهِ لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ))[2].

    الفائدة الثانية: النُّكْتَةُ في ابْتِداءِ القرآنِ بِالبَسْمَلَةِ:
    افْتَتَحَ اللهُ تعالى كِتَابَهُ الْعَظِيمَ بِالْبَسْمَلَةِ، لِيُرْشِدَ عِبَادَهُ أَنْ يَبْدَؤُوا أَعْمَالَهُمْ وَأَقْوَالَهُمْ بِهَا تَبَرُّكًا وَتَيَمُّنًا وَطَلَبًا لِعَوْنِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ وَتَسْدِيدِهِ.

    الفائدة الثالثة: النُّكْتَةُ في البَداءَةِ بِذِكْرِ الْحَمْدِ:
    افْتَتَحَ اللهُ تعالى سُورَةَ الْفَاتِحَةِ باِلْحَمْدِ لِيُعَلِّمَ عِبَادَهُ كَيْفِيَّةَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ؛ إِذْ لا أَحَدَ أَشَدُّ حُبًّا لِلْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ الصَّادِقِ الصَّحِيحِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَلِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ، كَمَا في الحَديثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ))[3].

    وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ المِدْحَةُ مِنَ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الجَنَّةَ))[4].


    فَحَرِيٌّ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يُكْثِرَ مِنَ الْحَمْدِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلا شَكَّ أَنَّ كَثْرَةَ الْحَمْدِ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ تَمَامِ الْعُبُودِيَّةِ لَهُ تَبارَكَ وتَعَالَى.

    وَمَنْ يَتَدَبَّرْ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعَلَى يُلازِمُ الْحَمْدَ وَيَحْرِصُ عَلَيْهِ، وَكُلُّ فَضْلٍ وَنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ تَحُثُّ الْمُؤْمِنَ عَلَى أَنْ يُكْثِرَ مِنَ الْحَمْدِ، "وَلَوْ اسْتَنفَدَ الْعَبْدُ أَنْفَاسَهُ كُلَّهَا فِي حَمْدِهِ عَلَى نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِهِ كَانَ مَا يَجِبُ لَهُ مِنَ الْحَمْدِ وَيَسْتَحِقُّهُ فَوْقَ ذَلِكَ وَأَضْعَافَهُ، وَلاَ يُحْصِي أَحَدٌ أَلْبَتَّةَ ثَنَاءً عَلَيْهِ بِمَحَامِدِهِ"[5]؛ "وَلَكِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لِكَرَمِهِ رَضِيَ مِنْ عِبَادِهِ بِالْيَسِيرِ مِنْ شُكْرِهِ"[6]، وَمَنْ أَكْثَرَ مِنَ الْحَمْدِ امْتَلَأَ مِيزَانُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ المِيزانَ، وسُبْحانَ اللهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ - أَوْ تَمْلأُ- ما بيْنَ السَّمَواتِ والأرْضِ))[7].

    الفائدة الرابعة: هَلْ يُطْلَقُ اسْمُ الرَّبِّ عَلَى غَيْرِ اللهِ تَعالى؟
    قالَ اللهُ تَعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الفاتحة: 2]، وَالرَّبُّ مَعْناهُ الْمُرَبِّي لِخَلْقِهِ بِنِعَمِهِ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ لَفْظُ الرَّبِّ لِغَيْرِ اللهِ إِلَّا بِالإِضَافَةِ فَتَقُولُ: "رَبُّ الْبَيْتِ"، و"رَبُّ الْغَنَمِ"، ونحو ذلك، وَمِنْهُ قَوْلُ يوسف عليه السلام: ﴿ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ﴾ [يوسف: 50]، وقوله:﴿ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾ [يوسف: 23]، أَمَّا الرَّبُّ فَلَا يُقَالَ إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى.

    الفائدة الخامسة: الْمَوْصُوفُ بِالرُّبوبِيَّةِ هو الْمُسْتَحِقُّ لِلْحَمْدِ، وَهو الْمُسْتَحِقُّ للعِبادَةِ:
    قال الله تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة: 2]، "من كان موصوفًا بالربوبية والرحمة للمربوبين كان مستحقًّا للحمد"[8]، وقال ابن القيم رحمه الله: "كَمَا أَنَّ اللهَ تعالى رَبُّ الْعَالمِينَ وَخَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ وَمُدَبِّرُ أُمُورِهِمْ وَمُوجِدُهُمْ وَمُفْنِيهِمْ، فَهُوَ وَحْدَهُ إِلَهُهُمْ وَمَعْبُودُهُمْ وَمَلْجَأَهُمْ وَمَفْزَعُهُمْ عِندَ النَّوَائِبِ، فَلا رَبَّ غَيْرُهُ، وَلا إِلَهَ سِوَاهُ"[9].

    الفائدة السادسة: انفرادُ اللهِ تعالى بالخَلْقِ والرِّزْقِ والتَّدْبِيرِ:
    في قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ دَليلٌ عَلَى انفِرَادِهِ بِالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَالتَّدْبِيِر، وَكَمَالِ غِنَاهُ تَعَالَى، وَتَمَامِ فَقْرِ النَّاسِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 54].

    الفائدة السابعة: الْجَمْعُ بَيْنَ الرَّهْبَةِ مِنَ اللهِ وَالرَّغْبَةِ إِلَيْهِ في قوله تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 2، 3].

    قَالَ الْقُرْطُبِيُّ[10]رَحِمَهُ اللَّهُ: "وَصَفَ نَفْسَهُ تَعَالَى بَعْدَ ﴿ رَبِّ الْعالَمِينَ بِأَنَّهُ ﴿ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي اتِّصَافِهِ بِـ﴿ رَبِّ الْعالَمِينَتَرْهِيبٌ قَرَنَهُ بِـ﴿ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، لِمَا تَضَمَّنَ مِنَ التَّرْغِيبِ، لِيَجْمَعَ فِي صِفَاتِهِ بَيْنَ الرَّهْبَةِ مِنْهُ، وَالرَّغْبَةِ إِلَيْهِ، فَيَكُونُ أَعْوَنَ عَلَى طَاعَتِهِ وَأَمْنَعَ، كَمَا قَالَ: ﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ﴾ [الحجر: 49، 50]، وَقَالَ تعالى: ﴿ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ ﴾ [غافر: 3].

    وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِصلى الله عليه وسلمقَالَ: ((لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ مَا قَنَطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ))[11].

    الفائدة الثامنة: رحمةُ الله تعالى سَبَقَتْ غَضَبَهُ:
    فِي تَقْدِيمِ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ على قَوْلِهِ: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ رَحْمَتَهُ تَعَالَى سَبَقَتْ غَضَبَهُ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ كِتَابًا فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِيَ غَلَبَتْ غَضَبِي))[12].

    يُؤَيِّدُ ذَلِكَ تَكْرَارُ ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ؛ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْعِنَايَةَ بِالرَّحْمَةِ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهَا مِنَ الْأُمُورِ، وَأَنَّ الْحَاجَةَ إِلَيْهَا أَكْثَرُ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُتَفَضِّلُ بِهَا عَلَى خَلْقِهِ.

    الفائدة التاسعة: قوله تعالى: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ فيه الردُّ على الجبرية:
    فِي إِثْبَاتِ رَحْمَتِهِ تعالى الرَّدُّ عَلَى الْجَبْرِيَّةِ الَّذِينَ قَالُوا: "إِنَّ اللَّهَ يُعَاقِبُ الْعَبْدَ عَلَى مَا لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ، وَلَا هُوَ مِنْ فِعْلِهِ؛ بَلْ يُكَلِّفُهُ مَا لا يُطِيقُ، ثُمَّ يُعَاقِبُهُ عَلَيْهِ"، وَهَذَا بَاطِلٌ، فَإِنَّ فِي ثُبُوتِ رَحْمَتِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ تَعَالَى لا يُكَلِّفُ الْعَبْدَ مَا لا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ، وَلا يُعَاقِبُهُ بِمَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ.

  • #2

    الفائدة العاشرة: النكتة في تخصيص يوم الدين بالذكر دون باقي الأزمنة:
    خُصَّ يوم الدين بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُلْكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: ï´؟ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ï´¾ [غافر: 16].

    وَمِنْ أَوْجُهِ التَّخْصِيصِ أَيْضًا أَنْ يَسْتَشْعِرَ الْمُؤْمِنُ وَهُوَ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَا يَحْصُلُ فِيهِ مِنْ أَهُوَالٍ فَيَسْتَعِدَّ لِهَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ.

    الفائدة الحادية عشر: النكتة في تكرار "إياك" في قوله تعالى: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾ [الفاتحة: 5]:
    وَكُرِّرَتْ "إياك" لِلاهْتِمَامِ وَالْحَصْرِ، وَأَنَّهُ لا يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى.

    الفائدة الثانية عشر: النكتة في تقديم العبادة على الاستعانة:
    تَقْديمُ الْعِبَادَةِ عَلَى الِاسْتِعَانَةِ هو مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَفيه الاهْتِمَامُ بِتَقْدِيمِ حَقِّهِ تَعَالَى عَلَى حَقِّ عَبْدِهِ.

    قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله: "وَذِكْرُ "الِاسْتِعَانَةِ" بَعْدَ "الْعِبَادَةِ" مَعَ دُخُولِهَا فِيهَا؛ لاِحْتِيَاجِ الْعَبْدِ فِي جَمِيعِ عِبَادَاتِهِ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ باِللَّهِ تَعَالَى؛ فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يُعِنْهُ اللَّهُ، لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَا يُرِيدُهُ مِنْ فِعْلِ الْأَوَامِرِ، وَاجْتِنَابِ النَّوَاهِي"[13].

    الفائدة الثالثة عشر: خلاصة الفاتحة:
    قَوْلُهُ تَعَالَى: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعينُ ï´¾ هِيَ خُلَاصَةُ الْفَاتِحَةِ، وَهِيَ آيَةٌ عَظِيمَةُ الْقَدْرِ وَالْمَعْنَى، وَاسِعَةُ الْمَقْصَدِ وَالْمَغْزَى.

    قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: "فَإِنَّ هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ قَدْ قِيلَ: إنَّهُمَا يَجْمَعَانِ ‌مَعَانِيَ ‌الْكُتُبِ ‌الْمُنَزَّلَةِ مِنْ السَّمَاءِ"[14]، وَقَالَ أَيْضًا: "تَأَمَّلْتُ أَنفَعَ الدُّعَاءِ فَإِذَا هُوَ سُؤَالُ اللَّهِ الْعَوْنَ عَلَى مَرْضَاتِهِ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي الْفَاتِحَةِ فِي قَوْلِهِ: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعينُ ï´¾[15].

    وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّهُ: "وَسِرُّ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ، وَالْكُتُبِ وَالشَّرَائِعِ، وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ انْتَهَى إِلَى هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ، وَعَلَيْهِمَا مَدَارُ الْعُبُودِيَّةِ وَالتَّوْحِيدِ، حَتَّى قِيلَ: أَنْزَلَ اللَّهُ مِائَةَ كِتَابٍ وَأَرْبَعَةَ كُتُبٍ، جَمَعَ مَعَانِيَهَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ، وَجَمَعَ مَعَانِيَ هَذِهِ الْكُتُبِ الثَّلَاثَةِ فِي الْقُرْآنِ، وَجَمَعَ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ فِي الْمُفَصَّلِ، وَجَمَعَ مَعَانِيَ الْمُفَصَّلِ فِي الْفَاتِحَةِ، وَمَعَانِيَ الْفَاتِحَةِ فِيï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعينُ ï´¾[16].

    وقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: "وَالدِّينُ يَرْجِعُ كُلُّهُ إِلَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ"[17].

    الفائدة الرابعة عشر: سِرُّ الجمع بين العبادة والاستعانة:
    وَرَدَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْآيَاتِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ï´¾ [هود: 88]، وَقَوْلِهُ: ï´؟ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ï´¾ [هود: 123]، وَقَوْلِهُ: ï´؟ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ï´¾ [الممتحنة: 4]، وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ.

    وَمِنَ السُّنَّةِ حَديثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا؛ وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ، وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ «لَوْ» تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ))[18].

    وَسَبَبُ هَذَا الْجَمْعِ لَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُومَ بِأَيِّ عِبَادَةٍ إِلَّا بِإِعَانَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْفِيقِهِ، فَهُوَ إِقْرَارٌ بِالْعَجْزِ عَنْ فِعْلِ الْعِبَادَةِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَهَا اسْتَعَانَ بِاللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ، فَإِنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُسْتَعَانُ، وَعَلَيْهِ التُّكْلانُ، فَمَنْ أَعَانَهُ فَهُوَ الْمُعَانُ، وَمَنْ خَذَلَهُ فَهُوَ الْمَخْذُولُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ، كَمَا قَالَ الْقَائِلُ:
    إِذَا لَمْ يَكُنْ عَوْنٌ مِنَ اللَّهِ لِلْفَتَى
    فَأَوَّلُ مَا يَجْنِي عَلَيْهِ اجْتِهَادُهْ




    فَالْعَبْدُ مُحْتَاجٌ إِلَى الاِسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ فِي فِعْلِ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكِ الْمَحْظُورَاتِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْمَقْدُورَاتِ، وَكُلَّمَا كَانَ الْعَبْدُ أَتَمَّ عُبُودِيَّةً كَانَتْ الْإِعَانَةُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ أَعْظَمَ، فَبِقَدْرِ مَا يَصْرِفُ الْعِبَادَةَ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ يَتَلَقَّى مِنْهُ الْعَوْنَ وَالتَّوْفِيقَ فِي الْعِبَادَةِ نَفْسِهَا وَفِي سَائِرِ شُؤُونِهِ، وَتِلْكَ حَقَائِقُ يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَعْلَمَهَا وَيَتَفَقَّهَ فِيهَا وَيَعْمَلَ بِمُقْتَضَيَاتِهَا فِي عَلاقَتَهِ بِاللَّهِ تَعَالَى تَحْقِيقًا لِعُبُودِيَّتِهِ لِلَّهِ تَعَالَى.

    الفائدة الخامسة عشر: شفاء القلوب من التعلُّق بغير الله تعالى:
    في قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعينُ ï´¾ شِفَاءٌ وَدَوَاءٌ لِلْقُلُوبِ مِنْ دَاءِ التَّعَلُّقِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِيهَا الشِّفَاءُ مِنْ عِلَلِ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ وَالرِّيَاءِ، وَسَائِرِ الْعِلَلِ وَالْأَدْوَاءِ، وَالَّتِي إِنْ سَلِمَ الْمُؤْمِنُ مِنْهَا، فَقَدْ جَاءَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ، نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْكَرِيمَ فَضْلَهُ.

    الفائدة السادسة عشر: العبادة غاية والاستعانة وسيلة:
    العِبادةُ غَايةٌ، وَالِاسْتِعَانةُ وسِيلةٌ، فلا حُصُولَ عَلَى هِدَايَةٍ، وَلا اسْتِقَامَةَ عَلَى طَاعَةٍ، وَلا ثَبَاتَ عَلَى عِبَادَةٍ، وَلا بُلُوغَ لِغَايةٍ، إِلَّا بِالِاسْتِعَانَةِ بِاللهِ تَعَالَى، فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلا تَعْجِزْ، كَمَا فِي الْحَديثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا؛ وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ "لَوْ" تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ))[19].

    الفائدة السابعة عشر: اشتمال سورة الفاتحة على شرطي قَبول العبادة:
    اشْتَمَلَتْ سورَةُ الْفاتِحَةِ عَلَى شَرْطَيْ قَبُولِ الْعِبَادَةِ، فَـï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾ دَلِيلٌ عَلَى الْإِخْلاصِ لِلَّهِ تَعَالَى و ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ï´¾ [الفاتحة: 6، 7] دليلٌ عَلَى الْمُتَابَعَةِ.

    فَالْعِبَادَةُ لا تُقْبَلُ إٍلَّا إِذَا كَانَتْ عَلَى ضَوْءِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَبِّهِ؛ وَلِهَذَا ثَبَتَ عَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أُمِّ عَبْدِاللَّهِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ))[20]، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: ((مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهُوَ رَدٌّ))؛ أَيْ: مَرْدُودٌ عَلَيْهِ؛ لِمُخَالَفَتِهِ هَدْيَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    الفائدة الثامنة عشر: بداءة الدعاء بحمد الله والثناء عليه أجدر للإجابة:
    من فوائد سورة الفاتحة تعليم أدب من آدَابِ الدُّعَاءِ، وهو الْبَدَاءَةُ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَشُكْرِهِ، وَذِكْرِ بَعْضِ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى، وَالِاعْتِرَافِ بَيْنَ يَدَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالذُّلِّ وَالْفَقْرِ إِلَيْهِ؛ لِتَكُونَ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ تَمْهِيدًا لِسُؤَالِهِ عَزَّ وَجَلَّ.

    فَهُوَ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ مِنْ عَبْدِهِ التَّذَلُّلَ إِلَيْهِ، وَالِاعْتِرَافَ بِعَظِيمِ نِعَمِهِ وَجَلِيلِ فَضْلِهِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْتِثَالًا لِمَا وَرَدَ عَنْ فُضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدِ اللَّهَ تَعَالَى، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((عَجِلَ هَذَا))، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: ((إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ جَلَّ وَعَزَّ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ))[21]، فَإِذَا قَدَّمَ الْعَبْدُ بَيْنَ يَدَيْ دُعَائِهِ حَمْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ، ثُمَّ ثَنَّى بِالصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ ذَلِكَ أَدْعَى لِإِجَابَةِ دُعَائِهِ.

    الفائدة التاسعة عشر: الحَثُّ على السير على نهج الأنبياء والصدِّيقين والصالحين:
    في قول الله تعالى: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ï´¾ حَثٌّ عَلَى السَّيْرِ عَلَى نَهْجِ الأَنْبِيَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالصَّالِحِينَ وَالاِهْتِدَاءِ بِهَدْيِهِمْ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:ï´؟ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ï´¾ تَحْذِيرٌ مِنْ نَهْجِ وَطَرِيقَةِ اليَهُوَدِ وَالنَّصَارَى وَأَهْلِ الزَّيْغِ وَالضَّلالِ.

    تعليق


    • #3

      الفائدة العشرون: الردُّ على القَدَريَّة في قول الله تعالى: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾.


      فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾ رَدٌّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْعَبْدَ يَخْلُقُ فِعْلَ نَفْسِهِ؛ إِذْ لَوْ كَانَ يَخْلُقُ فِعْلَ نَفْسِهِ مَا احْتَاجَ إِلَى أَنْ يَسْأَلَ اللهَ تَعَالَى الْهِدَايَةَ.

      الفائدة الحادية والعشرون: طريق الحق واحد:
      فِي قَوْلِ الله تَعَالَى: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ï´¾ دَلالَة عَلَى أَنَّ طَرِيقَ الحَقِّ وَاحِدٌ؛ وَلهَذَا ذُكِرَ مُفْرَدًا وَمُعَرَّفًا بِتَعْرِيفَينِ: الْأَوَّلُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، وَالثَّانِي بِالْإِضَافَةِ، بِخَلافِ طَرِيقِ الْمَغْضُوبِ عَليْهِمْ وَالضَّالِينَ، فَهِيَ كَثِيرَةٌ مُتَشَعِّبَةٌ؛ ولهَذَا ذَ كَرَهَا بِالْجَمْعِ بَيْنَمَا أَفْرَدَ طَرِيقَ الحَقِّ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:ï´؟ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ï´¾ [الأنعام: 153].

      الفائدة الثانية والعشرون: اشتمال الفاتحة على أنواع التوحيد الثلاثة:
      اشْتَمَلَتْ سورَةُ الفاتِحَةِ عَلَى أَنْوَاعِ التَّوْحِيدِ الثَّلاثَةِ، فَقَوْلُهُ: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾ دَلِيلٌ عَلَى تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَقَوْلُهُ:ï´؟ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ï´¾دَلِيلٌ عَلَى تَوْحِيدِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَقَوْلُهُ:ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعينُ ï´¾دَلِيلٌ عَلَى تَوْحِيدِ الْأُلُوهِيَّةِ.

      الفائدة الثالثة والعشرون: اشتمال السورة على أركان العبادة الثلاثة:
      اشْتَمَلَتْ السُّورَةُ عَلَى أَرْكَانِ الْعِبَادَةِ الْقَلْبِيَّةِ، وَهِيَ: الْحُبُّ، وَالرَّجَاءُ، وَالْخَوْفُ، فَالْحُبُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾، وَالرَّجَاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟ الْرَّحْمنِ الرَّحيمِ ï´¾، وَالْخَوْفُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:ï´؟ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ï´¾.

      الفائدة الرابعة والعشرون: إثبات البعث والجزاء والحساب:
      فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى:ï´؟ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ï´¾إِثْبَاتُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِذَا أَثْبَتْنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَثْبَتْنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَ الرُّسُلَ وَأَنزَلَ الْكُتُبَ؛ لِأَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمُ الْجَزَاءِ وَالْحِسَابِ، وَاللَّهُ لا يُعَذِّبُ النَّاسَ إِلَّا إِذَا أَقَامَ عَلَيْهِمْ الْحُجَّةَ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ، وَإِنزَالِ الْكُتُبِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ï´؟ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ï´¾ [النساء: 165].

      الفائدة الخامسة والعشرون: ختم السورة بسؤال الهداية:
      خَتَمَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ السُّورَةَ الْعَظِيمَةَ بِهَذَا الدُّعَاءِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَعْظَمِ وَأَنْفَعِ الْأَدْعِيَّةِ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ الْمُؤْمِنِ إِلَى أَنْ يَهْدِيَهُ اللَّهُ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ أَعْظَمُ مِنْ حَاجَتِهِ إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالنَّفَسِ، فَهُوَ مُضْطَرٌّ إِلَى مَقْصُودِ هَذَا الدُّعَاءِ، ولَا نَجَاةَ مِنَ الْعَذَابِ وَلَا وُصُولَ إِلَى السَّعَادَةِ إِلَّا بِهَذِهِ الْهِدَايَةِ.

      قَالَ ابْنُ الْقَيِّم عَنْ دُعَاءِ الْفَاتِحَةِ: "وَهُوَ أَجَلُّ مَطْلُوبٍ، وَأَعْظَمُ مَسْؤُولٍ، وَلَوْ عَرَفَ الدَّاعِي قَدْرَ هَذَا السُّؤَالِ لَجَعَلَهُ هِجِّيرَاهُ -يَعْنِي دَيْدَنَهُ-، وَقَرَنَهُ بِأَنْفَاسِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدَعْ شَيْئًا مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا تَضَمَّنَهُ"[22].

      وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجْمَعِينَ.

      [1] الوِطاب: سقاء اللبن.

      [2] تفسير الفاتحة للشيخ محمد بن عبدالوهاب، ص: 30-31.

      [3] أخرجه البخاري (7403)، ومسلم (2760) واللفظ له.

      [4] أخرجه البخاري (7416).

      [5] الكلام على مسألة السماع لابن القيم، ص: 125.

      [6] جلاء الأفهام لابن القيم، ص: 534.

      [7] أخرجه مسلم (223).

      [8] البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي (1/ص: 87).

      [9] الكلام على مسألة السماع، ص: 125.

      [10] الجامع لأحكام القرآن (1/ص: 139).

      [11] أخرجه البخاري (6469)، ومسلم (2755) واللفظ له.

      [12] أخرجه البخاري (3194)، ومسلم (2751).

      [13] تفسير السعدي، ص: 39.

      [14] مجموع الفتاوى (28/ 361).

      [15] مدارج السالكين لابن القيم (1/ 122).

      [16] مدارج السالكين (1/ 115).

      [17] تفسير ابن كثير (1/ 134).

      [18] أخرجه مسلم (2664).

      [19] أخرجه مسلم (2664).

      [20] أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (1718).

      [21] أخرجه أبو داود (1481)، والترمذي (3477) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

      [22] بدائع الفوائد (2/ص: 419).




      الألوكة

      تعليق


      • #4

        تعليق


        • #5
          جزاكم الله خيرا وبارك فيكم ونفع بكم وجعله فى ميزان حسناتكم

          تعليق


          • #6
            جزآآك الله خيرآ
            وجعله في موازين آحسناتك
            لاعدمنآك
            لك كل التقدير




            تعليق

            يعمل...
            X