السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
*لقد خلق الله الإنسان اجتماعياً بطبعه وخلقه ليكون ضمن كوكبة الأسرة والأصدقاء والمجتمع ولا يعيش منعزلاًبحاله إلا إذا كانت الوحدة خير من جليس السوء.
والاسلام خير من حرص على التكاتف والترابط وخدمة الأخ المسلم لأخيه ولأهله ومجتمعه ولمن يعرف ومن لايعرف من الناس وكما قال الشاعر:
الناس للناس مادام الوفاء بهم
والعسر واليسر أوقات وساعات
وأكرم الناس مابين الورى رجل
تُقضى على يده للناس حاجات
لا تقطعن يد المعروف عن أحد
. ما دمت تقدر والأيام تارات
قد مات قوم وما ماتت فضائلهم
وعاش قوم وهم في الناس أموات
والمثل يقول:
الجبل لا يحتاج إلى جبل، أما الإنسان فيحتاج إلى إنسان.
وصنائع المعروف بين الناس تقي مصارع السوء والله عز وجل يقول في محكم التنزيل:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.الآية. (13)سورة الحجرات.
*فالتعارف بين الشعوب والقبائل وفئات المجتمع والأصدقاء أصحاب الوفاء أمر ضروري في الحياة وحث عليه الإسلام لكي تتحقق المصالح وتسير أمور الحياة والجوانب المجتمعية، وتدوم العلاقات الإنسانية التي لاتستقر الحياة إلا بها.
*وعندما نتحدث عن الأصدقاء وشمائلهم وهفواتهم فإننا نتذكر أيام الصبا وريعان الشباب فهم من ترعرعوا وعاشوا معنا في بداية مشوار الحياة في القرية، أو الحارة، أو المدرسة، أو أصدقاءُ العمل ،فهناك من الذكريات الإيجابية الجميلة،والذكريات السلبيةالمحزنة، وهناك مواقف مازالت محفورة في الذاكرة وهي تختلف من شخص إلى آخر ولكن الأصدقاءُ الحقيقيون لايُنسون أبداً فهم كانوا في سويداءالقلب،ومقلة العين، وسيبقون بحول الله وقوته الشمعة المضيئة في طريق الحياة التي أصبحت تأخذنا يمنة ويسرة، ولا تخلُ الحياة من الضغوط والمنغصات والظروف التي لا يخفف اعبائها إلا الله تعالى ثم الإيمان بالقضاء والقدر وكذلك الأصدقاء المخلصون الذين يؤثرون على أنفُسهم ولو كان بهم خصاصة، وربما يكونون من الأقارب أو من الغُرباء الذين لاتربطنا بهم إلا اواصر الدين والإخاء والمحبة في الله.
*وبلاشك أن الحياة تأخذنا في بعض المواقف المثيرة للاهتمام إلى حد ما، ويمكن أن يجعل وجود أصدقاء رائعون معنا في تلك المواقف من أفضل الفترات ونصبحُ أجمل مع وجودهم ، ومع ذلك فإن وجود أصدقاء مزيفون مقلقين ويمكن أن يجعلونناحتى في أفضل مواقف الحياة منزعجين وغير متفائلين بوجودهم معنا.
*ونجدالأصدقاء الحقيقيون موجودون بالقرب منا عندما نحتاج إليهم ،وهم مرحون وداعمون،وفرحون بنجاحاتنا، ويتواصلون معنا لأنهم يحبوننا عكس الأصدقاء المزيفون فهم يتواصلون معنا لمصلحة أو لأنهم يرغبون أن نشعرُ بالسوء،أو لغرض معرفة ماذا حدث لنا، وهم يُصدقون الشائعات عنا ويشتبشرون بسقوطنا وانكسارنا، لكن الأصدقاء الحقيقيون يعرفوننا جيداً ويدافعون عنا في المواقف التي نكون فيها غائبين عمن يتكلمون عنا وخصوصاًإذا كان كلامهم غير صحيح، اومجرد إشاعات وتشويه سمعة ،أو الانتقاص منا أمام الأخرين، أو التقليل من شأننا لا لشيء ولكنه حسداً من عند أنفسهم.
*نعم عندما كنا على رأس العمل كانت العلاقات المزيفة كثيرة، والكلمات المنمقة نسمعها ليلاً ونهاراً من الأصدقاء أصحاب المصالح الذين يختفون بمجرد ان تنتهى تلك المصالح، وغيرُنا كذلك يتحدثون عن ذلك، وهي سنة الحياة وهم كثير ،ولكنهم لايمثلون لنا شيء في الحياة لأنهم مثلُ قوس قزح يخرج ألوانه الجميلة في الأفق ثم مايلبث أن يختفي عن الأنظار ولايكاد يُرى اويُشاهد مرةً أخرى.
*ومن هذا وذاك فإنني أرغب أن اوصف أنواع الأصدقاء ومن واقع تجربة في الحياة، فهم أربعة أنواع وخصوصاً في زمن العولمة التي أصبحت فيها وسائل التواصل والإتصال تسيطر على كثير من مجريات الحياة اليوميه ونحن نتعايش مع ذلك حسب مايمليه علينا الدين، والأخلاق، والمبادئ ،والقيم والاعراف وهم كالتالي:
*الصنف الأول مِثل (عمود الإنارة) الذي يضيء لنا الطريق ولانعرف قيمته إلا إذا انطفى نوره وكما قال الأمام الشافعي :
سَلامٌ عَلى الدُنيا إِذا لَم يَكُن بِها
صَديقٌ صَدوقٌ صادِقُ الوَعدِ مُنصِفا
ومثل هؤلاء الأصدقاء نادرين اليوم وعلينا المحافظة عليهم والتمسك بهم ودفع الغالي والنفيس لكي يبقون في حياتنافهم الأوفياء وليس للوفاء إلا الوفاء.
*الصنف الثاني مثلُ( ساهر )الذين يتصيدون أخطأنا وينتظرُننا لكي نُخطيء ويكسبون من ورائنا شيء بل أصبحوا يضعون لنا أجهزة التقاط الهفوات بدون سابق إنذار لكي يحققون مايريدون وكما قال فيهم كذلك الأمام الشافعي:
لا خير في خلٍ يخون خليله
ويلقاه من بعد المودة بالجفا
وينكر عيشا قد تقادم عهده
ويظهر سراً كان بالامس قد خفا
وهم كثيرون في هذا الزمان فلا نحزنُ لفراقهم ولانهتم لهم ويجب ان نبتعد عنهم ولا نلقي لهم بالاً.
*الصنف الثالث مثل (إشارة المرور )فهم يتقلبون كل يوم بلون مختلف لاندري كيف يكون حالهم وكيف نكون نحن اتجاههم وهم كما قال الشاعر:
تغيرتِ المودة والإخاءُ
وقلَّ الصدقُ وانقطعَ الرجاءُ
وأسلمني الزمانُ إلى صديقٍ
كثيرِ الغدرِ ليس له رعاءُ
ومثل هؤلاء الأصدقاء لاتدوم لهم صداقة ولا محبة وتنتهي في زمن قصير وصحبتهم ليست مطلب فهم أصحاب امزجة أن وجدوا لهم مصلحة تقربوا منا وإن لم يجدوا جفونا ومروا وكأنهم لم يشاهدوننا أو يتجاهلون رؤيتنا.
*الصنف الرابع مثل( الإيرباق ) فهم مختفون حتى يحدث لنا مصيبة اوكارثة اونكون على السرير الأبيض أو قد فارقنا الحياة فيخرجون لنا وهم لاينفعوننا ولايقدمون لنا شيء في ذلك الموقف فمثلُ هؤلاء يجب علينا أن نتجاهلهم وندعهم فيما هم فيه من تجاهل ولا نعيرهم أهتمام وكما يقول الأمام الشافعي فيهم :
إِذا المَرءُ لايَرعاكَ إِلّاتَكَلُّفاً
فَدَعهُ وَلا تُكثِر عَلَيهِ التَأَسُّفا
فَفي الناسِ أَبدالٌ وَفي التَركِ راحَةٌ
وَفي القَلبِ صَبرٌ لِلحَبيبِ وَلَوجَفا
فَما كُلُّ مَن تَهواهُ يَهواكَ قَلبُهُ
وَلا كُلُّ مَن صافَيتَهُ لَكَ قَد صَفا
إِذا لَم يَكُن صَفوُ الوِدادِ طَبيعَةً
فَلا خَيرَ في وِدٍّ يَجيءُ تَكَلُّفا
ونسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن تُقضى على أيديهم حوائج الآخرين،وأن نكون من الأصدقاء الأوفياء، النُبلاء، وأن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات أنه القادر على ذلك وبالإجابة جدير.
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواءالسبيل.
تعليق